يبدو أن قرار تحرير أسعار المحروقات في لبنان ورفع الدعم عنها، لن تكون تأثيراته السلبية محصورة في السوق اللبنانية فقط، وإنما سيصل مداه ليمتد إلى السوق السورية. وذلك بعد أن كان لبنان أحد مصادر تغذية السوق السوداء للمحروقات في سوريا لتأمين المواد التي عجزت أو تساهلت الجهات المسؤولة ذات الاختصاص في حكومة دمشق عن تأمينها.

ولعل القرار اللبناني برفع الدعم عن المحروقات، يدفع للتساؤل حول مصير سعر المحروقات بالسوق السوداء في سوريا، فالعديد من الشبكات الإخبارية السورية والتقارير الصحفية أشارت إلى أن هناك مخاوف من اختلاف وجهة التهريب لتصبح من سوريا للبنان.

ونشرت صحف لبنانية أن التسعيرة الجديدة زادت بمقدار 20 ألف ليرة لبنانية على صفيحة البنزين أوكتان 95 و98، ليصبح سعر الصفيحة 638-653 ألف ليرة.


الفوارق اللبنانية-السورية

هذه الأسعار لا تختلف كثيرا عن الأسعار المدعومة محليا، وهو ما يعني أن التسعير بلبنان سيكون وفق السعر العالمي، ومع انخفاض سعر النفط الخام عالميا فقد أصبح السعر بلبنان مقاربا للأسعار المحلية في سوريا، أي ما يعادل 20 دولارا لتنكة البنزين أوكتان 95، أما في السوق السوداء فمن المتوقع ألا يكون هناك تغيير بالأسعار حتى الآن، والتي تشير في الوقت الحالي إلى أنها أعلى من لبنان بنسبة 30 بالمئة، وفق حديث الخبير الاقتصادي، حسان الجمالي، الذي رجح خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن ارتفاعا قريبا سيكون حاصلا في السوق السوداء وحتى في السعر، لأن البنزين في لبنان لن يتوقف في الورود إلى سوريا ما يعني ارتفاعا كبيرا في السوق السوداء بسبب عدم توفر البنزين في السوق الرسمية، وتأخر رسائل تعبئة البنزين عبر “البطاقة الذكية”. 

لقد باتت التكاليف الإضافية للاستيراد التي يتحدث عنها المسؤولون مجرد شماعة يعلق عليها كل شيء، فالسعر الجديد للمحروقات بلبنان بعد رفع الدعم يصبح أقل من السعر المحلي إذا حسمنا منه الضرائب ونسب أرباح المحطات، بحسب تقرير لصحيفة “البعث” المحلية،  وذلك في الوقت الذي أصبحت فيه سوريا أغلى من كل دول الجوار وبمعظم السلع سواء في أصناف المحروقات أو باقي السلع في مختلف الأسواق، فضلا عن مقارنة الجودة التي تصب لصالح البضائع المستوردة وليس البضائع في سوريا، وذلك في وقت يصل فيه معدل الأجور في سوريا إلى النسبة الأقل في المنطقة.

إن الاختلاف الفعلي هو بسعر المازوت والغاز، ففي لبنان أصبح السعر النظامي أغلى من السعر المحلي بسوريا، لكن المادة الموجودة في السوق النظامية اللبنانية أرخص بكثير من السوق السوداء في سوريا، فجرة الغاز أصبحت بـ 350 ألف ليرة لبناني، أي ما يعادل 45 ألف ليرة سورية، فيما وصل سعر الجرة في السوق السوداء بسوريا لـ 200 ألف ليرة، بحسب الجمالي.

استمرار عمليات التهريب

مصادر خاصة لـ”الحل نت” أفادت بأن عمليات “تهريب المحروقات من لبنان والمتاجرة بها في سوريا تتصاعد بشكل كبير”، مبينة بأن عناصر ميليشيا “حزب الله” اللبناني و”الفرقة الرابعة” السورية تتحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة على حكومة دمشق وفتحت “سوقا سوداء” للمحروقات في البلاد منذ منتصف عام 2021.

إن مقاتلي الحزب وعناصر الفرقة الرابعة يقومون بجلب المحروقات مثل “البنزين والمازوت” من لبنان إلى سوريا عبر معابر غير شرعية في ريف حمص “لتتحول المنطقة هناك إلى إحدى كبرى منابع المحروقات في السوق السوداء ومنها إلى باقي المحافظات”، وفق المصادر.

في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر الجاري رفع مصرف لبنان المركزي الدعم بشكل كامل عن البنزين، بعدما كان قد اعتمد التخفيض التدريجي في الفترة الماضية، لتشهد الأسعار، مزيدا من الارتفاع بحسب الجدول الصادر عن وزارة الطاقة والمياه.

واعتمد جدول وزارة الطاقة والمياه سعر صرف 35250 ليرة للدولار الواحد لتسعير البنزين، وذلك بعدما رفع مصرف لبنان يده عن الدعم وانتهى دور منصته “صيرفة” بشكل نهائي، التي كانت تُسعَّر على أساسها المحروقات في الدولة، وذلك بحسب ما أعلن عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البركس، وفق ما أفادت به تقارير صحفية لبنانية.

منذ أشهر تستمر أزمة البنزين بالتفاقم في مناطق سيطرة حكومة دمشق في ظل عدم توفر مادة “الأوكتان 95” في المحطات المخصصة له، إلى جانب تأخر وصول رسائل “البنزين الحر”.

ونقلت تقارير صحفية في وقت سابق عن عدد من المواطنين أن هناك كميات من البنزين تباع في السوق السوداء وعلى مرأى من “وزارة التجارة الداخلية”. مشيرين إلى وجود سيارات (بك آب) صغيرة وكبيرة تتزود بالمادة من محطات الأوكتان وأشاروا إلى معرفتهم بمصير المادة التي تتزود بها هذه المركبات.

وطالب البعض بإيجاد بديل عن “الأوكتان 95” لتأمين احتياجات السفر. وتساءل أحدهم “في حال وجود طارئ كوفاة أو عيادة مريض والاضطرار للسفر، من أين يمكن أن أحصل على احتياجاتي من المادة، أليس من المنطقي تأمين بديل عن فقدان الأوكتان 95 كأن يسمح بالتزود من محطات البنزين الحر”.

وتساءل آخر “لماذا يتم حصر البنزين الحر في محطات معينة”، مستغربا من عدم توفره في كل المحطات كما هو حال مادة الخبز، حيث يباع الخبز المدعوم والحر لدى كل منافذ البيع سواء عند مخابز أو معتمدين.


ارتفاع أسعار المحروقات

في منتصف شهر آب/أغسطس الماضي رفعت وزارة التجارة الداخلية السورية سعر البنزين المدعوم بنحو 130 بالمئة، وذلك في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمات معيشية متتالية تتمثل بارتفاع الأسعار ونقص المحروقات وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” بيانا للوزارة، ينص على رفع سعر البنزين المدعوم من 1100 ليرة مقابل اللتر الواحد إلى 2500 ليرة.

وهذه المرة الثالثة التي ترفع فيها دمشق أسعار المحروقات خلال هذه السنة، وكان آخرها زيادة سعر ليتر البنزين المدعوم في شهر أيار/مايو الماضي من 750 ليرة إلى 1100 ليرة.

وقد لامس سعر الصرف في الفترة الأخيرة عتبة 4250 ليرة في مقابل الدولار في السوق السوداء، بينما سعر الصرف الرسمي المعتمد من المصرف المركزي يعادل 2814 ليرة في مقابل الدولار.

وبينت الوزارة أن هذا القرار يأتي “بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط وضماناً لعدم انقطاع المادة أو قلة توافرها”.

ورفعت الوزارة سعر البنزين غير المدعوم من 3500 ليرة إلى 4000 ليرة مقابل اللتر الواحد، وسعر البنزين عالي الأوكتان من 4000 إلى 4500 ليرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.