في ظل غياب تطبيق القوانين الراعية لحقوق العمالة السورية في تركيا، تناقصت في الأشهر الأخيرة، أعداد العمالة السورية، وذلك بالتزامن مع تشديد الإجراءات القانونية والضغوط الإدارية والسياسية التي يتعرضون لها من قبل بعض الأحزاب التركية المعارضة، ما دفع بالمئات منهم، إلى ركوب موجة الهجرة لأوروبا، في رحلة محفوفة بالمخاطر، عدا عن تكاليفها الباهظة.

25 ألف سوري ممن غادروا تركيا إلى أوروبا خلال الأيام القليلة الماضية، شكلوا برحيلهم بداية أزمة، وفق مواقع إخبارية تركية، حيث تجلت هذه الأزمة، بنقص الأيدي العاملة في المعامل، والمصانع، والمزارع التركية.

الآثار الاقتصادية

تداعيات هجرة السوريين على الاقتصاد التركي، سوف تكون محدودة، بحسب حديث الخبير الاقتصادي، فراس شعبو، لـ “الحل نت” وذلك لما يتمتع به الاقتصاد التركي من ميزات، كونه يحمل ترتيب السابع عشر عالميا؛ ويُعتبر من الاقتصاديات الناشئة، ولن يتأثر كثيرا لغياب فئة معينة، وبرأيه، فإن الاقتصاد التركي من الأساس غير قائم على العمالة السورية، وبالمقابل يرى أن آثار غياب العمالة السورية، التي زادت من إنتاجية بعض القطاعات في الاقتصاد التركي، سوف تنعكس على تكلفة الإنتاج لبعض الصناعات، وتحديدا النسيجية والغذائية، وسوف نلحظ تغير إذا استمر التضييق على اللاجئين السوريين، فهناك رغبة لدى حوالي 80 بالمئة من السوريين للخروج من تركيا، لأسباب تتعلق بالمعاملة أو بما يتعلق بتسوية أوضاعهم القانونية، فالعامل الذي يتقاضى بين 6 إلى 7 آلاف تركي لا يكفيه شيء، لسد احتياجاته المعيشية بالتزامن مع الارتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية والأساسية وإيجارات المنازل في تركيا.

اتحاد “نقابة العمال” في تركيا، أعلن في 27 أيار/مايو الماضي، نتائج مؤشر حد الفقر والجوع، خلال الشهر ذاته، وبموجبها ارتفع التفاوت بين حد الجوع والحد الأدنى للأجور لعائلة مكوّنة من أربعة أشخاص، بنحو ألف و700 ليرة تركية، للشهر الخامس على التوالي.

الأبحاث التي أجرتها النقابة، حددت الحد الأدنى للجوع لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، بنحو ستة آلاف ليرة تركية، كما أظهرت النتائج أن الحد الأدنى للفقر لعائلة مكوّنة من أربعة أفراد ارتفع بمقدار ألفين و300 ليرة تركية، وزيادة بنسبة 13.5 بالمئة، مقارنة بنيسان/ أبريل الماضي.

وسجل حد الفقر لعائلة مكوّنة من أربعة أفراد نحو 19 ألفا و600 ليرة تركية، يشمل التغذية والإيجار والتعليم والرعاية الصحية، وجرى تقدير تكلفة المعيشة للفرد الواحد العامل، بنحو سبعة آلاف و836 ليرة تركية، وفق النقابة، التي بيّنت أيضا أن مصاريف الطعام لموظف يتقاضى أربعة آلاف و253 ليرة تركية (الحد الأدنى للأجور)، شكلت نحو 42 بالمئة من راتبه الشهري.

تحديات تفرض على السوري

ارتدادات هجرة السوريين على الاقتصاد التركي، ليست بالكبيرة، أمام سوق العمل التركي، وفي نفس الوقت لا يمكن إهمالها، لكن بالنسبة للتحديات التي تفرض على السوري لترك عمله، وفق حديث الباحث السوري، سعد الشارع، لـ “الحل نت”، تتمثل بغياب ضمانات قانونية أو طبية، مما يدفعهم للهجرة، بسبب تدني الرواتب، وعدم الحصول على مستحقاتهم، وعدم تساوي المستحقات المالية مع طيلة فترة ساعات العمل الأسبوعية، وتحكم رب العمل في ظروفهم العملية، وعدم وجود فرص عمل تتناسب مع شهادات السوريين والكفاءات السورية، فهناك مهندسون وأطباء يعملون في مجالات لا تتناسب مع كفاءاتهم العلمية، وهي من ضمن التحديات المفروضة على اليد العاملة السورية في تركيا.

قد يهمك: “قافلة النور”.. هل فرضت أنقرة الهجرة على السوريين نحو أوروبا؟

شبان سوريون، يخططون للهجرة إلى أوربا، التقى بعضهم “الحل نت”، حيث برروا قرارهم، بأن الأوضاع في تركيا لم تعد آمنة، في ظل حملات تقودها أحزاب سياسية معارضة، لإخراج السوريين من تركيا، ما دفع بالمئات منهم، لتشكيل مجموعات من تركيا إلى الحدود مع بلغاريا للعبور إلى إحدى الدول الأوروبية.

لم يكن يود الرحيل، إلا أن خوفه على مستقبل عائلته، دفعه للهجرة، فالتضييق الممارس على السوريين في تركيا، لم يترك لديه خيار، فضلا عن غلاء المعيشة، بحسب حديث، سامر (وهو لاجئ سوري، وصل حديثا إلى هولندا) لـ “الحل نت”، ويعتبر أن أوروبا طوق نجاة لكثير مثله، في ظل اشتداد الأوضاع الأخيرة تجاه السوريين، ويرى بأن التعرض للمخاطر على الحدود البرية، أخف من خطر التعرض لموقف عنصري، قد يفقده حياته أو أحد أفراد أسرته في تركيا.

هجرة الشبان السوريين، بسبب أعمال العنف بحقهم أوقفت عددا من المعامل التي كان يشغلها سوريون، بينها 3 معامل للغزل والنسيج في غازي عنتاب وأنطاكيا، توقفت تماما عن الإنتاج، بينما تراجعت كميات الإنتاج في عدد من معامل الأغذية في مناطق بورصة إسطنبول وأنقرة، للسبب ذاته، وفق سامر.

ميزة العمالة السورية، أنها عمالة فتية، وأغلبهم يعملون دون سن الأربعين في أدنى الظروف، دون تأمين صحي، أو حماية، وحتى بيئة العمل الصحية سيئة، وفق فراس شعبو. يتميز العامل السوري في تركيا، بسرعة العمل والاندماج، وهناك دراسة أجراها البنك المركزي التركي، أن العمالة السورية ساهمت في زيادة نصف الإنتاج المحلي الإجمالي في تركيا.

التضخم الكبير في الأسعار لا يميز بين سوري وتركي، إلا أن الأخير لديه حقوق ومؤسسات تصون له حقه، وتحميه من تسلط وهيمنة أرباب العمل، وهذا ما يفتقده اللاجئ السوري في تركيا، والذي يكاد يحصل على الحد الأدنى من الأجور، ضمن ظروف غاية في الصعوبة.

“هيئة الإحصاء التركية” أعلنت، في 3 من حزيران/يونيو الفائت، ارتفاع التضخم السنوي في تركيا إلى 73.50 بالمئة، مسجلا أعلى نسبة وصل إليها منذ نحو 24 عاما، وفق بيان صادر عن الهيئة حينها.

ومقارنة بمعدلات آخر 12 شهرا، ارتفعت أسعار السلع بالنسبة للمستهلك بنحو 39.33 بالمئة، وأسعار المنتجين حوالي 80.38 بالمئة، اعتبارا من أيار/مايو الماضي.

توقف بعض المصانع

بعض من المسؤولين الأتراك، كان له رأي حول تبعات هجرة العمال السوريين الأخيرة تجاه أوروبا، حيث اعتبر رئيس غرفة زراعة منطقة يوريغير، التابعة لولاية أضنة التركية، محمد أكين دوغان، بأن وجود السوريين في تركيا ساعد في حماية القطاع الزراعي، بسبب صعوبة إيجاد أشخاص للعمل في بساتين الحمضيات، أما رئيس غرفة التجارة والصناعة في أنطاكيا، حكمت سينشين، صرح بأنه إذا لم تكن هناك قوة عاملة سورية في الوقت الحالي، فسيكون هناك عجز خطير في الزراعة والصناعة والقطاعات التي يتزايد فيها العمل.

إلا أن حدوث حالة ركود اقتصادي، يعتبر أمر مبالغ فيه من وجهة نظر باحثين اقتصاديين، الذين يرون أن الاقتصاد التركي، متين لن يتأثر بشكل كبير، إلا في بعض الولايات بعد إعلان موقع “كوز” التركي مؤخرا، أن المسوقون ومصنعي بيع الحقائب في إزميت بولاية كوجالي، أعلنوا توقف الإنتاج، بسبب عودة المهاجرين السوريين إلى وطنهم، وقلة العمالة التركية للعمل في الورش التي ينتج فيها الحقائب المدرسية، وارتفاع أسعار الحقائب الموجودة في متناول اليد بسبب تعذر الإنتاج.

اقرأ أيضا: دعوات لإضراب العمال السوريين عن العمل في تركيا.. ما التفاصيل؟

ربما لم يكن خيار الهجرة من تركيا هذا العام سهلا على السوريين، لكن الرغبة بالاستقرار المفتقد بالنسبة لهم منذ سنوات وضعهم على المحك.

الإحصائيات تبين بأن العمالة السورية تشكل 2.9 بالمئة من إجمالي حجم العمالة في سوق العمل التركي الرسمي وغير الرسمي، وتشير ذات الإحصائيات أيضا إلى أن 92 بالمئة من العمال السوريين يعملون أكثر من 8 ساعات عمل يوميا بينهم 59 بالمئة يعملون لما يزيد على 65 ساعة أسبوعيا.

وفق آخر إحصائيات لـ“المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية“، الصادرة في 16 من حزيران/يونيو الفائت، يقيم في تركيا، ثلاثة ملايين، و674 ألفا و197 لاجئ سوري، يتركز 546 ألفا و148 شخصا منهم في مدينة إسطنبول، في حين حصل نحو 200 ألف منهم تقريبا على الجنسية التركية الاستثنائية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.