جراء ارتفاع الأسعار وحالة الركود غير المسبوقة التي تعيشها الأسواق في سوريا، تعمل دمشق مؤخرا على إنعاش اقتصادها من خلال منحها للقروض وتبسيط إجراءات المنح، والتي تشمل بالتحديد شريحة الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، غير أن هذه المحاولات تبقى دون المطلوب في ظل تدني قيمة هذه القروض التي لا تتجاوز حاجز 700 دولار أميركي، وضعف القدرة الشرائية واستمرار نزيف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.

منذ بداية أيلول/سبتمبر الحالي، تتناول وسائل إعلام محلية سورية، أنباء عن توجه دمشق نحو تسهيل شروط منح القروض الصغيرة والمتوسطة، ومن ضمن التسهيلات للحصول على قرض الدخل المحدود التي تعكف الحكومة السورية على دراستها، هي الموافقة على الاكتفاء بكفيل واحد بدلا من كفيلين، إضافة إلى تخفيض مدة خدمة الكفيل.

اقرأ أيضا: حوالات المغتربين إلى سوريا.. طوق نجاة ليس فقط للعائلات؟

يقلل الباحث الاقتصادي، أحمد ناصيف، خلال حديثه لـ “الحل نت” من تأثيرات “إيجابية” لهذه القروض على مستوى التنمية المحلية، لأن قيمتها لا تساعد على تمويل أي مشروع ولو كان متناهي الصغر، وخاصة في ظل التضخم الذي يضرب سوريا خاصة والعالم عموما.

يجري العمل مؤخرا على إصدار “بوليصة تأمين” خاصة بقروض الدخل المحدود، وهو ما كشف عنه مدير عام مؤسسة التأمين السورية أحمد ملحم، في 19 من الشهر الحالي، والذي اعتبر أن هذه “البوليصة” تحل بدلا في الكفلاء مقابل بدل يتم العمل على تحديده بالتفاهم مع مصرف التسليف الشعبي.

الحديث عن “البوليصة” لا زال مبهما، فلا زالت نسبة الفائدة على القروض التي تمنح لحامليها غير واضحة، كما أن هذه القروض لا تستهدف تمويل المشاريع الصغيرة، وإنما تأمين الاحتياجات الأساسية في ظل الوضع المعيشي الصعب.

معاون مدير عام مصرف التسليف الشعبي عدنان حسن، اكتفى بالإشارة إلى أنه جرى التفاهم على تصميمها مع المؤسسة العامة السورية للتأمين، موضحا أنها ستكون خاصة بقروض الدخل المحدود، وتشمل التأمين على الحياة والتأمين على سداد القرض، على أن يتم حسم قيمة “البوليصة” من القرض مباشرة، وتحويل هذه القيمة لمصلحة المؤسسة السورية للتأمين.

قروض غير ميسرة!

رغم محدودية قيمة القروض، إلا أنها لن تكون ميسرة، بحسب حديث الخبير الاقتصادي، رفعت عامر، لـ “الحل نت”، والذي يرى بأن نسبة التأمين على القرض محددة عند 5 بالمئة، علاوة على نسبة الفائدة غير الواضحة، وباعتقاد عامر، ستكون النسبة كبيرة إذا حسبت على أساس نسب التضخم في الاقتصاد السوري.

أما النقطة الثانية، أن هذه القروض محصورة بموظفي القطاع العام فقط، وذلك حتى يضمن المصرف إرجاع هذه المبالغ المقترضة من رواتبهم، بحسب عامر.

يبدو أن نسبة الفائدة المرتفعة في القروض السورية، تهدف إلى تجنب الخسائر والتحوط من الخطر الدائم المتمثل بهبوط قيمة العملة السورية من قبل المصارف والبنوك.

سعر الفائدة المرتفع يأتي في إطار محاولة المصارف ضمان سداد قيمة القرض الحقيقية مقارنة بالعملات الأجنبية. المصارف والبنوك الممولة، تحاول تفادي تبعات انهيارات في قيمة العملة السورية، على الأقل تحاول البنوك مثلا استرداد قيمة القرض وفق الدولار، بمعنى أن القرض بالليرة السورية الذي يعادل 500 دولار أميركي، قد يتم سداده بقيمة 400 دولار في حال واصلت الليرة الهبوط، بحسب ناصيف.

منذ العام 2011، تحاول المصارف والبنوك في سوريا تفادي الخسائر من خلال الحد من حجم الإقراض، لكن يبدو أن هذه المصارف مضطرة في النهاية إلى منح القروض، لتغطية المصاريف التشغيلية. كذلك تواجه البنوك وخاصة البنوك الخاصة منها والتي تتبع لشركات أم خارج سوريا، مخاطر عالية في العمل نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على دمشق.

تشديد العقوبات الأميركية عبر “قانون قيصر” زاد الوضع سوءا، بسبب حظره التعامل مع جميع المصارف السورية، ورغم أنه يتحدث عن استثناء الأغذية والأدوية من الحظر، فإن الواقع يفيد بأن منع التحويلات المالية يعيق أو يمنع وصول أية سلعة إلى سوريا بغض النظر عن طبيعة استخدامه، وفق تقرير لموقع “دويتشه فيله” الألماني نشر في آذار/مارس 2021.

تحت وطأة كل ذلك، اضطرت بعض البنوك إلى الانسحاب من السوق السورية، ومنها مجموعة سردار اللبنانية التي اضطرت إلى بيع حصتها من بنك عودة – سوريا مطلع العام 2021، والمشتري هو بنك بيمو السعودي الفرنسي، الذي حصل على الموافقة المبدئية من مصرف سوريا المركزي، لشراء حصة بنك عودة – لبنان في رأسمال المصرف السوري.

بالتالي القروض والتسهيلات الأخيرة، تحقق للحكومة السورية أكثر من هدف، أهمها تحريك سوق المصارف الحكومية وإنعاش حركة الأسواق.

يسود التشكيك بإضافة هذه القروض أي قيمة للاقتصاد السوري، وخاصة أنها متناهية الصغر ونسبة الفائدة فيها تعد مرتفعة.

المصارف السورية العامة والخاصة، كانت قد أوقفت في نيسان/أبريل الفائت، القروض قبل أن تعاود استئناف العمل بها بعد رفع قيمة الفائدة عليها، تماشيا مع قرار المصرف المركزي السوري رفع الحد الأدنى من الفائدة على الودائع لتصبح 11 في المئة.

لا تعطى هذه القروض بهدف الاستثمار في مشاريع متناهية الصغرى كما حصل في بنغلادش وغيرها من الدول التي حققت بعض التجارب البنكية الناجحة، بحسب الخبير الاقتصادي رفعت عامر، والذي يرى بأن هذه القروض قد تساعد المقترضين على تأمين حاجاتهم الأساسية من مواد الاستهلاك الضرورية لفترة محدودة، لكنها في المقابل توفر أرباحا إضافية لدفع “الإتاوات” والرشاوى للحصول عليها، فضلا عن أن المقترضين سيعانون طويلا قبل السداد مع دفع الفوائد.

قد لا يكون مستبعدا أن يكون الهدف من الحديث عن تسهيلات للحصول على قروض بشروط سهلة، ودون كفلاء في خدمة دعاية التعافي الاقتصادي من آثار الحرب، والتي تواظب عليها دمشق.

ولا يمكن فصل أي قرار اقتصادي صادر عن الحكومة السورية عن الهدف المركزي المتمثل بتصدير صورة مغايرة للواقع على الأرض، إذ تريد الحكومة أن تقول إن القروض بمتناول الجميع ودون شروط، ولا حتى كفيل، إلا أن حصر هذه القروض بشريحة الموظفين لا يدعم ذلك.

في منتصف حزيران/يونيو الماضي، حذر “مرصد الاقتصاد السوري” التابع للبنك الدولي، في تقريره نصف السنوي الدوري حول الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، من ضياع جيل كامل من السوريين.

الصراع في عامه الـ 12 أحدث تأثيرا مدمرا على السكان والاقتصاد، إذ أدى إلى تدهور البنية التحتية، وتعمق الشيخوخة الديموغرافية، وأدى الصراع أيضا إلى تآكل التماسك الاجتماعي وتدهور الحوكمة، وتقسيم المناطق التي كانت مدمجة سابقا في سوريا، ما عمل على خفض حجم النشاط الاقتصادي إلى النصف بين عامي 2010 و2019.

المرصد، أكد الارتفاع المستمر للفقر المدقع في سوريا وانهيار الأنشطة الاقتصادية، وتدهور فرص كسب العيش والاستنفاد التدريجي لقدرة الأسرة على التكيف، موضحا، بأن الاقتصاد السوري يعاني من الهشاشة الإقليمية والأحداث المناخية وعدم استقرار الاقتصاد الكلي، ومن المتوقع أن تستمر الظروف الاقتصادية في سوريا بالغرق، بسبب النزاع المسلح الطويل، والاضطرابات في لبنان وتركيا وفايروس “كورونا”، إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا.

قد يهمك: “للتصميد وساعة الغفلة“.. هل ضاعت قيمة الجمعية في سوريا؟

بنسبة 2.6 في المئة، رجح المرصد أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا في عام 2022، بعد أن انخفض بنسبة 2.1 في المئة عام 2021، ما يشكل مخاطر كبيرة على آفاق النمو ويميل إلى الجانب السلبي.

 إن هذه القروض لن تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي المتهالك بفعل الحرب في سوريا، وكذلك لن يضيف أي قيمة من وجهة نظر اقتصاديين، وإنما ستزيد من أعباء الطبقة المعدومة ويجعلها ترزح تحت ضغط اقتصادي كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.