“بين جدول مكتوب عليه بعض الأسماء ورزم من المال“، يجلس إبراهيم نجدي، وهو يحسب اشتراكات بعض أصدقائه وأقربائه، بعدما اتفقوا الشهر الماضية على إقامة “جمعية شهرية“، بهدف توفير وادخار الأموال، لكنه يؤكد أن الأمر أصبح بالغ الصعوبة في ظل عدم قدرة معظم السوريين على الادخار.

ما هي الجمعية؟

الجمعية الشهرية أو الأسبوعية، هي أسلوب اعتاد عليه السوريون، بهدف توفير المال وادخاره، واستخدامه في سد احتياجات أو تنفيذ مشاريع صغيرة، وتلزم الجمعية مشاركة العديد من الأصدقاء أو الأقارب لتنفيذها.

ويقول نجدي، في حديث لـ“الحل نت“: “منذ ثلاثة أشهر وأنا أبحث عن أشخاص للاشتراك معي بالجمعية، أحتاج لدفع الديون التي ترتبت عليّ، في بداية العام الدراسي عندما اشتريت لأطفالي الثلاثة، القرطاسية ومختلف لوازم المدرسة“.

يقصد بالجمعية، أن يتفق مجموعة من الأشخاص على دفع مبلغ بشكل دوري (شهري أو أسبوعي مثلا)، حيث يذهب مجموع المبلغ في كل مرة إلى شخص محدد، ليحصل بالنهاية كل شخص مرة واحدة أو أكثر على المبلغ الذي يتم جمعه في نهاية كل شهر.

وعادة ما ينظّم الجمعية، أحد الأشخاص المشاركين، ويقع على عاتقه جمع المبالغ عند موعد سدادها، وتسليمها للشخص المحدد، حيث يتم التوزيع بالدور وفق اتفاق يجري في بداية الجمعية.

ويضيف نجدي: “عادة ما نوزع المبالغ بحسب الدور، وباعتباري أن المنظم اخترت أن آخذ المبلغ الأول، أو كما نسميه الاسم الأول، استطعت في النهاية جمع عشر أشخاص للاشتراك بالجمعية بمعدل خمسين ألف للاشتراك الواحد شهريا، وبالتالي في كل شهر يتم جمع مبلغ 500 ألف ليرة سورية، يستلمه شخص محدد من بيننا“.

تراجع الإقبال

لكن تراجع القوة الشرائية للسوريين، وانهيار قيمة العملة المحلية، تسبب بتراجع دور الجمعيات في الادخار والتوفير، لا سيما مع عدم قدرة معظم العائلات على تأمين السلع والخدمات الأساسية في البلاد.

“توقفتُ عن المشاركة في الجمعيات منذ سنوات” يقول أحمد شيخ خالد، وهو موظف في مديرية المالية في حلب، مؤكدا أن الجمعية لم يعد لها قيمة هذه الأيام، لا سيما مع عدم قدرته على التوفير من راتبه، فضلا عن الانهيار المتواصل لقيمة العملة المحلية.

قد يهمك: حليب الأطفال في سوريا.. رفاهية مسبقة الدفع!

ويضيف شيخ خالدن في حديث مع “الحل نت“: “ومن يستطيع الآن توفير بعض المال لدفع اشتراك الجمعية؟، هذا عداك أن المشاركة في الجمعية وانتظار الدفعة، قد يكون خسارة بالنسبة لي، خاصة مع استمرار ضعف القدرة الشرائية للعملة السورية، فالمئة ألف اليوم، قد تخسر جزء كبير من قيمتها إلى حين أن يأتي دوري في الجمعية“.

ويؤكد شيخ خالد، أن الجمعيات المحلية، كانت تحل العديد من المشاكل في السابق، لكن مع تفاقم الأزمات الاقتصادية، تراجع الإقبال عليها، فضلا عن أن معظم العائلات لم تعد قادرة على تأمين اشتراك الجمعيات، كذلك ظهرت مشكلات الانسحاب المفاجئ لأعضاء بعض الجمعيات بسبب عدم القدرة على السداد في بعض الأحيان.

بدوره يقول الخبير الاقتصادي عامر شهدا، إن مثل هذه الجمعيات جيدة على المستوى المجتمعي، وساعدت الكثير من العائلات قبل الحرب لشراء مستلزمات منزلية، “ومن أهم ميزات هذه الجمعيات أنها تنمي روح التواصل في المجتمع“.

ويضيف شهدا، في تصريحات نقلها موقع “هاشتاغ” المحلي، أن دور الجمعيات تراجع في الوقت الحالي مقارنة مع السابق، ولم يعد باستطاعة هواتها شراء الأثاث أو التفكير بشراء سيارة أو منزل، وإنما أصبح الهدف من الاشتراك فيها من أجل القدرة على تسديد الأقساط المدرسية، أو المونة، أو للاستشفاء وشراء الأدوية وغيرها.

مؤخرا ظهر في سوريا ما بات يُعرف بالجمعيات الموسمية، تكون عبار عن مشروع برأس مال محدد، ويتم اقتسام الأرباح فيما بعد على الأعضاء.

عامر شهدا، أشار في تصريحاته إلى أن: “معظم هذه الجمعيات تعمل بشكل موسمي أثناء مونة المربيات، أو الزيتون، أو ورق العنب، أو المكدوس وغيرها.

وطرح مثال اشتراك مجموعة من النساء لشراء ثلاثة أو أربعة أطنان من الرمان، ليصنعن دبس الرمان وبيعه، وتقاسم الأرباح لاحقا.

وفي إطار حديثه عن الجمعيات أشار شهدا، إلى ضرورة الخروج بنظام أو قانون يحكم هذه الجمعيات بهدف تنظيمها وحمايتها في ذات الوقت، وتاليا تشجعيها سواء لشراء الآليات الزراعية، أو صهريج للمياه لأن مثل هذه المساهمات المجتمعية تؤدي لنمو اقتصادي حقيقي.

تفاقم الأزمة الاقتصادية

منذ بداية العام الجاري، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، تزامنا مع فشل وعجز الحكومة السورية، عن ضبط أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق.

قبل أيام رفع بنك سوريا المركزي، سعر الصرف الرسمي إلى 3015 ليرة للدولار، في حين أن سعر السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية، هو حوالي 4575 ليرة، وكان السعر الرسمي لليرة قبل الخفض 2814 للدولار، ما انعكس سلبا على الأسواق.

الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، شفيق عربش، قال في تصريحات صحيفة سابقة إن: “رفع سعر صرف الليرة أمام الدولار يؤدي حتما إلى رفع سعر صرف الدولار الجمركي، وهذا بدوره يؤثر في كل رسوم عمليات التخليص الجمركي للبضائع المستوردة، وبالتالي ستكون النتيجة ارتفاعا كبيرا بالأسعار “.

ووصف عربش، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأنها أدارت ظهرها للحقيقة، ورأت فقط ما تريد أن تراه عندما أصدرت تعميمها الأخير، لأن الواقع مختلف تماما عمّا نشرته، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك أي مبرر لرفع سعر الصرف، لأنه مخالف للسعر الذي اعتمدته الحكومة في موازنة عام 2022.

وتابع الأستاذ الجامعي: “فإذا كانت مبررات الحكومة هي إحداث تقارب ما بين السعر الرسمي للصرف وسعر السوق الموازي، فكان من الأولى أن يكون السعي متجها نحو تخفيض سعر السوق الموازي ليقترب من السعر الصادر عن مصرف سوريا المركزي، وإن كانت سياسة الحكومة، هي التضييق على السيولة في سبيل منع المضاربة فهذا يسمى موقف الشخص العاجز عن التأثير بالسياسة النقدية، ويدل على أن إجراءات السوق السوداء وطريقة التعامل فيها أقوى بكثير من إجراءات الحكومة“.

وفي سياق متصل، أكد عضو مجلس الشعب زهير تيناوي، أن توقيت رفع سعر الصرف من مصرف سورية المركزي لم يكن مناسبا وموفّقا، وخصوصا في ظل الظرف الحالي الذي نشهد فيه موجة كبيرة من الغلاء، وعدم تناسب الدخل مع متطلبات الحياة والمعيشة حيث إن الفجوة بين دخل المواطن والأسعار توسعت بشكل أكبر بعد قرار رفع سعر الصرف، مشيرا إلى أن حالة التضخم الموجودة حاليا لا تتناسب بالمطلق مع مستويات الدخول والمعيشة.

وأضاف بأنه، لا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ولا مديرياتها في المحافظات قادرة على ضبط الأسعار في الأسواق دون أن تتأثر بالمجمل برفع سعر الصرف “وأنا أراهن على هذا الأمر»، والفلتان في الأسواق بدأ يظهر بشكل جلي حاليا“.

وحول ما ذكرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بأن رفع سعر الصرف لن يؤثر إلا في المواد التي يتم تمويلها من المصرف وهي حصرا القمح، والأدوية النوعية، وحليب الأطفال، توقّع عربش، ألا يكون هناك زيادة في أسعار هذه المواد ولكن سيتم تعويض هذا الفرق من خلال رفع أسعار سلع مدعومة والمرشح للارتفاع، هو أسعار المشتقات النفطية.

وتواجه الأسر السورية أزمات معيشية واقتصادية مختلفة، في ظل تردي الواقع الخدمي والمعيشي في مختلف المناطق السورية، ما جعل تربية الأطفال ورعايتهم، وتأمين الحد الأدنى من مستلزماتهم تحديا حقيقيا ومستمرا تعجز آلاف الأسر السورية عن مجاراته.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

ومع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

قد يهمك: الأسواق في سوريا لـ“الفرجة والمفاصلة” فقط؟!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.