على مدار السنوات القليلة الماضية، حاولت العديد من الدول العربية إعادة علاقاتها مع حكومة دمشق، غير أنها اصطدمت بملفات عدة إلى جانب الرفض الأميركي لتلك المحاولات، ما جعلها طي النسيان حتى الآن، فهل ينتهي مسار التطبيع العربي مع دمشق.

عواقب محاولات فاشلة

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، استعرضت عواقب محاولات بعض الدول، إعادة تأهيل حكومة دمشق، وقالت المجلة في تقرير إن: “مبادرة الإمارات نحو التطبيع مع الأسد، بهدف الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية في سوريا، لم تفلح في تحقيق أي اتفاق مهم مع دمشق، بل لفتت إليها انتباه السلطات التي تقوم بفرض عقوبات على دمشق في كل من أوروبا والولايات المتحدة“.

استعرضت المجلة كذلك، محاولات الجزائر في إعادة دمشق إلى الساحة العربية، من بوابة القمة العربية، عبر إقناع العرب بضرورة إعادة تفعيل مقعد دمشق في الجامعة العربية، لكن جهودها هي الأخرى باءت بالفشل لعدم توافق الدول العربية على هذا الملف.

بحسب التقرير فإن فشل إعادة تأهيل حكومة دمشق، يتجلى بأبهى صورة من خلال تجربة الأردن، التي تخلت عن دعم المعارضة، وأعادت افتتاح معبر نصيب-جابر، ما سهل من انتشار المليشيات الإيرانية والمواد المخدرة على حدودها مع سوريا.

جوانب الفشل

الكاتب والمحلل السياسي عمر كوش، يرى كذلك أن جميع محاولات الدول العربية، إعادة علاقاتها مع دمشق، قد فشلت، بسبب العقوبات المفروضة على دمشق، وفشل الأخيرة في تقديم أي خطوات حقيقية في ملف الحل السياسي في البلاد، وفك ارتباطها بالجانب الإيراني.

ويقول كوش في حديث خاص مع “الحل نت“: “فشلت محاولة الإمارات في التطبيع مع الأسد والتي كانت تهدف من ورائها إلى الاستثمار في القطاع البنى التحتية والصناعات وسوى ذلك، وفشلت كذلك الأردن في محاولة التطبيع التي روجت كثيرا إلى ضرورة التطبيع مع الأسد، انطلاقا من أنه باقي في السلطة وأنه يجب أن نتعامل مع الأمور بواقعية، والواقعية التي تحدث فيها العاهل الأردني أثمرت عن خطوات قامت بها الأردن عبر اتصالات و زيارات مسؤولين و أيضا فتح معبر نصيب، لكنها بالمقابل لم تجلب للأردن سوى حبوب الكبتاغون وحرب المخدرات التي بات يشكو منها الأردن“.

اقرأ أيضا: المعابر في سوريا.. ورقة اقتصادية لأنقرة على طريق التطبيع مع دمشق؟

ويضيف: “حتى أن جيش الأردن عجز عن مواجهة الميليشيات الإيرانية، التي تشرف على عمليات التهريب، أيضا كانت هناك محاولات الجزائر التي فشلت أيضا في إعادة دمشق الى الحضن العربي وإلى الجامعة العربية“.

ويعتقد كوش أن عوامل فشل التطبيع مع دمشق، لها جانبين أولهما عقوبات “قيصر” التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على الحكومة السورية وكل من يتعامل معها، وثانيها عدم انخراط حكومة دمشق في العملية السياسية.

وحول ذلك يقول: “النظام لم ينخرط أو يقدم أي تنازل في اتجاه الحل السياسي أو على الأقل الانخراط سعيا للحل السياسي، ومع ذلك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، اقترح منذ بضعة أيام، فكرة مبادرة عربية للتوصل الى تسوية سياسية في سوريا، تنهض على سياسة الخطوة مقابل الخطوة و هذا المنهج جرى اعتماده حتى من قبل المبعوث الاممي الى سوريا لكن لم يثمر هذا النهج أي تقدم حتى في اجتماعات اللجنة الدستورية“.

ويستبعد كوش أن تكون دمشق قادرة على تقديم ما هو مفيد للعملية السياسية في سوريا، وذلك بالنظر للفشل التي منيت به جميع المحاولات السابقة، التي كانت مقترنة بالقرار 2642، المرتبط بتقديم الأموال لتحقيق التعافي المبكر.

ويختم حديثه قائلا: “هذا بالحقيقة تعويل فاشل لأن المبادرات السابقة فشلت لنفس الأسباب التي ذكرتها، وبالتالي إذا كان هناك مسعى عربي ربما يتجلى بالقمة العربية المقبلة في بداية تشرين الثاني/نوفمبر في الجزائر، لكن في اعتقادي أن كل هذه المبادرات محكومة بالفشل بالنظر الى طبيعة النظام وارتباطه العميق و تحالفه مع النظام الإيراني و النظام الروسي، وبالتالي كل هذه المحاولات ستذهب أدراج الرياح أمام تصلب النظام وحلفائه“.

وكانت جهود بعض الدول العربية خلال الأشهر الماضية، تتزامن مع طرح ملفات انتهاكات حكومة دمشق وجيشها، على الصعيد الدولي في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في مسعى  لقطع الطريق على بعض الدول التي بدأت تروج لعودة العلاقات مع دمشق، من بوابات عدة أبرزها البوابة الاقتصادية.

وأكد الباحث السياسي صدام الجاسر، أنه كان هناك مسارين لعودة العلاقات مع دمشق، وهما المسار العربي والأوروبي، لكنهما تعطلان بتحرك من الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا.

وقال الجاسر في حديث سابق لـ“الحل نت“: “المسار العربي كان يمتلك هدف وحيد وهو فك ارتباط النظام بالجانب الإيراني، بعض الدول العربية كانت تظن أن عودة علاقاتها مع النظام السوري سوف تؤدي إلى فك الارتباط مع إيران، لكن في النهاية ثبت عدم صحة هذا الأمر“.

وأضاف: “المسار الأوروبي كان ينتظر من سوريا تقديم مغريات أو تقديم إصلاحات حقيقية من أجل عودة اللاجئين وحل بعض الأمور في الشرق الأوسط، من أجل الانفكاك ولو بشكل محدود عن إيران، لكن أيضا الدول الأوروبية تفاجأت بعدم مقدرة النظام على هذا الأمر“.

لا تطبيع بدون موافقة أميركية؟

ولفت الجاسر إلى أن الجانب الأميركي هو صاحب القرار، بالانفتاح على حكومة دمشق من جديد، ويقول: “الانفتاح على النظام ليس قرار عربي ولا أوروبي. في فترة من الفترات كانت الدول تسعى لأخذ هذا القرار بدون موافقة واشنطن، شاهدنا بعض الزيارات لمسؤولين عرب إلى سوريا، وأوروبيين أيضا بشكل سري“.

وأشار الجاسر قائلا: “الأميركان ينظرون للنظام السوري حاليا بأنه حليف لروسيا ولا يمكن الوثوق به ولا يجب الانفتاح عليه، فيجب التضييق عليه وتحميل روسيا أعباء إضافية. لذلك في هذه الفترة وطالما أن الإدارة الأميركية، لا ترغب بأي انفتاح على النظام السوري لن نشاهد هذا الانفتاح وسيكون طي النسيان“.

أميركا أكدت على رفضها أي تطبيع مع حكومة دمشق والرئيس السوري بشار الأسد، من خلال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل الذي قال للصحفيين، قبل أسابيع : “لكن لكي نكون واضحين، لن تعرب الإدارة الأميركية عن أي دعم لجهود تطبيع بشار الأسد أو إعادة تأهيله، ولا تنوي الولايات المتحدة رفع مستوى علاقاتنا الدبلوماسية مع الأسد ولا ندعم تطبيع العلاقات بين الدول الأخرى أيضا“.

الفشل الذريع الذي تواجهه دمشق في كسر الرفض العربي، لا تجدي معه العلاقات التي لا تزال مستمرة مع بعض الدول العربية مثل الجزائر ومؤخرا الإمارات العربية المتحدة، لأن هذه العلاقات لا ترقى لمستوى التطبيع بل عبارة عن علاقات سياسية وأمنية محدودة جدا، ولا يمكن أن يُطلق عليها عمليات تطبيع كاملة، بحسب محللين، وبالتالي، لا توجد علاقات تحويل مصرفية أو تجارية كبيرة تتجاوز العقوبات الدولية، أو تقديم قروض مالية كبرى أو منح غذائية ضخمة مع هذه الدول حتى تلك التي أرسلت سفيرا إلى دمشق.

قد يهمكك خطة عربية لـ”عملية السلام” في سوريا.. ما احتمالات النجاح؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.