الأزمة الاقتصادية في لبنان تطال الأدوية.. تأثير سلبي على مرضى السرطان

لا تزال تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، ترخي بظلالها على مختلف القطاعات بما فيها قطاع الدواء، وتتضاعف منذ سنوات صرخات مرضى السرطان للمطالبة بأدنى حقوقهم المتمثلة بتأمين سبل للعلاج تنهي رحلة عنائهم، وسط تبخر برامج طبية كانت قد أعدتها الأمم المتحدة، بسبب سيطرة الفساد والسمسرة لبيع الأدوية وقرصنتها من داخل الأراضي اللبنانية وتهريبها للخارج، فضلا عن استغلال بعض التجار حاجة المريض للمستلزمات الطبية لتصل بهم الحالة إلى مرحلة التجارة بالأدوية، ما يضع المريض في مواجهة موت بطيء أمام تحديات نقص الدواء، وصعوبة تأمينه في بلده العاجز عن تقديم العلاج.

طرق تحصيل الأدوية

بعض مرضى السرطان في لبنان يحصلون على أدوية السرطان من سوريا، بحسب حديث المدير الطبي في جمعية “إيما” الطبية في لبنان، الدكتور فراس الغضبان، لـ “الحل نت”، والذي يرى بأنه في حال كان هنالك تهريب لأدوية السرطان من لبنان إلى سوريا والعراق، فذلك يتم يشكل سري، كما يتم أيضا بيع أدوية السرطان في السوق السوداء عبر بعض الأطباء الأخصائيين بشكل شبه يومي، بحجة أنها غير متوفرة، حيث يتم بيعها بأسعار مختلفة عن أسعار وزارة الصحة.

لا يوجد أدوية لمرضى السرطان متوفرة في لبنان سواء للبنانيين أو السوريين منذ ستة أشهر وفق الغضبان، والبدائل برأيه أصبحت عبر الحصول على الأدوية من خلال التجار خارج لبنان إما من تركيا أو من سوريا عبر مستودعات الأدوية.

 أسعار أدوية السرطان مرتفعة جدا، ويتراوح ثمن الجرعات بين 800 دولار إلى 7000 دولار بحسب نوع الجرعة والأدوية، ومعظمها غير متوفر يتم الحصول عليها من الخارج، ويبقى سعرها أقل قياسا مع أسعار السوق السوداء في لبنان، بحسب الغضبان.

بعض مرضى السرطان في لبنان ممن لديهم القدرة المادية، يحصلون على أدويتهم من خارج البلاد، أما بالنسبة للسوريين فيتم تقديم العلاج لهم وفق مراكز طبية ومستوصفات قريبة من المخيمات، حيث تحصل الحكومة اللبنانية على بعض الأدوية من سوريا وخاصة أدوية الامراض المزمنة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، وشح النقد الأجنبي اللازم لاستيرادها من الخارج.

بدائل غير مجدية

يكتفي بعض مرضى السرطان بأخذ المسكنات بسبب عجزهم عن تأمين العلاج المناسب لارتفاع ثمنه، حيث تقول حنان الحسن (لاجئة سورية في لبنان) مريضة سرطان وأم لخمسة أطفال، وزوجها عاطل عن العمل، في حديثها لـ “الحل نت” إنهم يعجزون أحيانا عن تأمين ثمن المأكل والمشرب، فكيف بثمن جرعات علاجها التي يبلغ 1200 دولار، وهذا لسان حال أغلب المرضى السوريين في لبنان.

المشافي الحكومية لا يتم عن طريقها معالجة مرضى السرطان السوريين، أما عن مفوضية الأمم المتحدة فهي غير متكفلة بعلاجهم أيضا، وفق ما أكد الطبيب اللبناني المختص بالأورام، هاني المصري، لـ “الحل نت”، مردفا أن بعض اللاجئين السوريين المتواجدين في مخيم عرسال، يتم علاجهم عن طريق ناشطين في المجال الإنساني بالتنسيق بينهم وبين جمعيات إنسانية تتكفل بعلاج عدد قليل منهم، بينما هناك  قسما آخرا منهم اضطر للذهاب إلى سوريا للعلاج هناك، أما بالنسبة للمنظمات الإنسانية لا تهتم إلا بنسبة قليلة من بالمرضى وفق الإمكانيات المتوفرة، حيث تبلغ أقل تكلفة أقل دواء 700 دولار.

وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، قال في تصريح صحفي في تموز/يوليو الفائت، إن جزءا من أدوية السرطان أصبح الآن مؤمنا في لبنان، وهناك أجزاء باقية ستصل خلال الفترة المقبلة. كما أن الوزارة لم تتمكن من تأمين الدواء لكل مرضى السرطان، حيث تم تأمين الدواء لـ 90 بالمئة وبقي منها 10 بالمئة لم يتأمن لهم الدواء.

أدوية مباعة في السوق السوداء

حول الحديث الجاري عن بيع الأدوية في السوق السوداء بالتواطؤ مع بعض الموظفين بوزارة الصحة في لبنان، يقول الطبيب اللبناني ومستشار نقيب الصيادلة في لبنان، أحمد طعمة، لـ “الحل نت” بأن هناك أدوية مزورة في السوق اللبناني بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، مما أفسح المجال لضعاف النفوس وفق تعبيره، لتهريب الأدوية إلى الاراضي السورية أو لدول الجوار كمصر والعراق.

وزارة الصحة تعمل في غياب شح الأدوية عبر البحث في طرق عديدة، باعتماد نظام تتبع لتباع الأدوية عبر الوكيل ضمن آلية خاصة للمرضى اللبنانيين أو السوريين، حيث تحدد الآلية إمكانية صرف الدواء للمرضى. وفق طعمة لا يوجد تقصد لإقصاء السوريين عن العلاج، وهناك متاجرة في دماء المرضى وسط فساد بين الموظفين العاملين في المؤسسات الطبية للمتاجرة بأدوية المصابين.

اقرأ أيضا: عقار يحقق نتائج غير مسبوقة في تاريخ مرض السرطان.. ما قصته؟

أصبح هناك حالات موثقة لمرضى سرطان اضطروا لشراء الدواء من الخارج، لتخضع الأدوية لعملية كشف في بعض المشافي، كي يتم التأكد من خلوها من التزوير أو من خلطها بماء وملح، ليتبين في النتيجة صحة تصدير الدواء من البلد المصدر، بإرسال رقم الدواء إلى المؤسسة أو الشركة الأم التي تؤكد وجود الوصفة على لائحتها أو تنفي تصدير الدواء، ويتابع طعمة أن لبنان لديه سوق ناشط جدا بالتزوير، وأن هناك فقدان تواصل بين المريض والصيدلية، مطالبا توافر فريق طبي من الأمم المتحدة.

بعد رفع الدعم عن الأدوية أصبح توافرها أكبر في الآونة الأخيرة مقارنة بالعامين السابقين، مما يزيد عليها الطلب إلا أن أدوية السرطان لاتزال مدعومة من قبل الدولة، لذلك لا يسمح بالحصول عليها إلا للمحتاجين لها، بعد فحص التقارير والتحاليل الخاصة بهم، وفق طعمة، حيث أن هناك حالة استغلال يمارسها التجار بحق المرضى الذين بحاجة للدواء، عن طريق شراء التجار للأدوية المطلوبة في السوق، والتي لا يزال سعرها مناسب نوعا ما، ليتمكنوا من بيعها بأسعار مضاعفة للمواطنين، وفق تعبيره.

أزمة رعاية صحية

منظمة “هيومن رايتس ووتش” اعتبرت بأن لبنان يمر بأزمة رعاية صحية بحسب تقرير نشر لها مؤخرا، وضحت فيه كيف كان للأزمة الاقتصاديّة أثر مدمّر على قطاع الرعاية الصحيّة في لبنان وسط نقص في الأدوية والمستلزمات الطبيّة، ومعظمها مستورد، ما تسبب في موت الكثير من المرضى وعرّض حياة ما تبقى من الذين لديهم أمراض مثل السرطان إلى الخطر.

وبحسب تصريح لنقيب صيادلة لبنان جو سليم، لصحيفة الشرق، أشار فيه إلى أن حجم الاستيراد السنوي لدواء السرطان، يصل إلى حوالي 500 مليون دولار، ويرى أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم توافر هذه الأدوية دائما وانقطاع المرضى عن تناولها، إذ أن لبنان يعاني من نقص في الأدوية المستعصية والسرطانية التي لا تتوفر لدى الموزعين وفي الصيدليات ولا يمكن إنتاج معظمها محليا.

كان لبنان قد سجل 28,764 ألف إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينهم 11600 حالة عام 2020، بحسب تقرير نشره “المرصد العالمي للسرطان” المنبثق عن منظمة الصحة العالمية، في مارس من عام 2021.  

قدرة مصرف لبنان تراجعت على تلبية قرار الحكومة بدعم الأدوية والمواد الأساسية المدرجة على لوائح الدعم، ما أدى إلى انخفاض مخزون الأدوية وحليب الأطفال في الصيدليات، وفقدان بعض الأدوية وتراجع مخزون المستلزمات الطبية في المستشفيات.

“الوكالة الدولية لأبحاث السرطان”، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، أشارت، سنة 2018، إلى أن لبنان احتل المرتبة الأولى بين دول غربي آسيا، بعدد الإصابات قياسا بعدد السكان، وأن هناك 242 مصابا بالسرطان، بين كل 100 ألف لبناني. 

“منظمة العفو الدولية” اتهمت السلطات اللبنانية في شهر كانون أول/ديسمبر 2021، بالتقاعس عن حماية الحق في الصحة والحياة للمواطنين، في خضم أزمة مستمرة جعلت المرضى غير قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الأساسية، أو الحصول عليها.

ربما كل الأوجاع تتلاشى أمام وجع مرضى السرطان في لبنان الذين لم يعودوا يواجهون المرض الخبيث فقط، إنما يخوضون معركة وجودية للبحث عن أدويتهم، وإيجاد سبل تؤمن تكاليف علاجهم، إذ لا تقتصر معاناة مريض السرطان في لبنان على تأمين فاتورته الاستشفائية وبدل الفحوص الدورية التي يفرض عليه إجراؤها لمتابعة حالته، أصبح العثور على دوائه بعد فقدان عدد كبير من الأدوية من السوق، عدا عن ثمنها الباهظ ، وبات توفير الأدوية الضرورية لمتابعة علاجها يؤرق مرضى السرطان أكثر من إصابتهم، وباتوا اليوم أمام صراع يومي، وهذا ما يؤثر على وضعهم النفسي، ويجعل استجابتهم للعلاج، إن توفر، بطيئة أو صعبة للغاية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.