مع مضي الحكومة التركية قُدما في ملف إعادة العلاقات مع دمشق، بدأت أنقرة مؤخرا بتهيئة الأجواء في أوساط حكومتها، وذلك عبر تغيير بعض الشخصيات، بما فيهم المعنيين مباشرة بالملف السوري، بما يتماشى مع الرؤية الجديدة في التعامل مع دمشق.

تغييرات في خارجية أنقرة

وزارة الخارجية التركية، أعلنت قبل أيام قليلة، تغييرا جذريا في الفريق المسؤول عن الملف السوري بالوزارة، وسط تباين في التقديرات حول أسباب هذه الخطوة.

وبحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية، فإن التنقلات الجديدة في السلك الدبلوماسي التركي، شملت عشر بعثات تركية في الخارج، وكان لافتا أن المسؤولين الثلاثة عن الملف السوري في وزارة الخارجية، وعلى رأسهم سادات أونال، نائب الوزير، تم نقلهم دفعة واحدة، وتعيينهم سفراء لتركيا في ثلاث عواصم مختلفة.

وإلى جانب سادات، الذي عُين سفيرا دائما لدى الأمم المتحدة، اختير المسؤول الثاني عن الملف اردم اوزان، سفيرا في العاصمة الأردنية عمّان، بينما سيشغل سلجوق أونال منصب السفير التركي في لاهاي، هولندا.

توجهات جديدة

الصحفي والمحلل السياسي عقيل حسين، يرى أن التغييرات الجديدة، تتماشى ربما مع التوجهات الجديدة للحكومة التركية، بما يخص عودة العلاقات مع دمشق، مشيرا إلى أن هذه الخطوة لن تعني إغلاق الملف السوري في تركيا بشكل نهائي.

ويقول حسين، في حديث خاص مع “الحل نت“: “من الطبيعي أن أي وزارة خارجية في أي دولة تجري حركة تنقلات في السلك الدبلوماسي من وقت لآخر، في تركيا اعتدنا أن تكون الحركة الأساسية في الشهر الرابع من كل عام، كان لافت أن من بينهم الطاقم المسؤول عن الملف السوري في وزارة الخارجية التركية وهم ثلاثة أعضاء“.

يضيف حسين: “للوهلة الأولى قد يبدو الأمر طبيعيا، أن أعضاء الطاقم يجب أن يترقوا ويصبحوا سفراء، لكن عندما تشمل التغييرات الثلاثة دفعة واحدة، بالتأكيد هذا يلفت الانتباه، لا سيما وأن الوضع يتهيأ لإعادة العلاقات مع دمشق، هذا مؤشر لا يمكن تجاهله“.

ويعتقد حسين، أن التغييرات الجديدة، ستؤدي إلى استقدام أشخاص، لديهم توجهات تناسب التوجهات الجديدة لأنقرة، وحول ذلك يضيف: “لا يعني ذلك برأيي أن تركيا قررت إقفال الملف السوري ووقف دعم المعارضة نهائيا، بالتأكيد هي سوف تأتي بأشخاص جُدد للإشراف على الملف، لكن ربما بتوجهات مختلفة، بما ينسجم مع التوجهات التركية الجديدة، توجهات الحكومة بالانفتاح على النظام وإعادة العلاقات معه، أعتقد أن وجود شخصيات جديدة منسجمة مع سياق الانفتاح على النظام هو الذي سيغلب على التعيينات القادمة في الملف السوري، وبالتالي على المعارضة أن تتهيأ لذلك“.

تهيئة الأجواء

سعت الحكومة التركية مؤخرا، من خلال العديد من الخطوات على تهيئة الأجواء لإعادة العلاقات مع دمشق، فتحدثت عن لقاءات سياسية وأمنية، ولم تستبعد لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والسوري بشار الأسد، للمضي في التقارب.

قد يهمك: أوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم.. معركة فاصلة في الشتاء؟

كشفت وزارة الخارجية الروسية عن اتصالات نشطة للغاية، لعقد اجتماع دبلوماسي بين تركيا وسوريا، ونقلت وكالة “تاس” الروسية، عن نائب وزير الخارجية ونائب الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قوله إن “الجانب الروسي يشارك بنشاط في حوار مع الشركاء بشأن اقتراح توفير منصة لاجتماع وزيري خارجية سوريا وتركيا“، واصفا الاتصالات حول هذا الموضوع بأنها “نشطة للغاية“.

العديد من التحليلات ظهرت في الآونة الأخيرة، حول اللقاءات الاستخباراتية بين الطرفين، حيث يذهب البعض إلى أنها تمهيد لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، فيما يرى آخرون أنها لا تعدو مفاوضات أمنية تتعلق ببعض المسائل، وعلى رأسها عودة اللاجئين السوريين، واستمرار السيطرة التركية على مناطق في شمال سوريا، ومحاربة ما يسميه الطرفان “الإرهاب“، كل من وجهة نظره.

عين أردوغان على الانتخابات

“معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى“، ربط بين تطبيع تركيا مع عدد من الدول وحكومة دمث، بالوضع الداخلي التركي وخاصة الانتخابات الرئاسية، معتبرا أنها “لعبة محفوفة بالمخاطر“.

وقال المعهد في تقريره، إن الخط الفاصل بين السياسة المحلية والخارجية في تركيا أصبح رفيعا للغاية، وأن الربط بينهما بات ركنا أساسيا في حملة الرئيس التركي أردوغان، لإعادة انتخابه.

وأضاف التقرير، أن عملية إصلاح العلاقات مع الأسد، ناتجة عن “حسابات انتخابية“، لكن على نطاق أوسع بكثير.

وفي هذا السياق، أوضح الكاتب السياسي، صدام الجاسر، خلال حديث سابق لـ“الحل نت“، أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية، يسعيان فقط لكسب أصوات انتخابية معينة في تركيا، وقطع الطريق على المعارضة التركية، وهذا الأمر حقيقي وحاليا أردوغان، يحاول أن يستغله.

وبيّن الجاسر، هنا لا بد من التمييز بين الدولة التركية وبين حزب العدالة والتنمية، فالانتخابات القادمة هي انتخابات بين أحزاب، وأيا كان الحزب الذي سيأتي للسلطة في تركيا فلن يستطيع الانفتاح على حكومة دمشق، فالكل يستطيع المتاجرة بملف العلاقات مع حكومة دمشق، لكن لا يستطيع الانفتاح عليها بشكل حقيقي، وبالتالي هنا يجب التمييز بين التقارب بين حزب العدالة والتنمية وحكومة دمشق، وبين تقارب الدولة التركية وحكومة دمشق، فالتقارب الحالي لأغراض انتخابية.

ردود باردة من دمشق

في الآونة الأخيرة كثرت التصريحات التركية الرسمية حول اللقاءات الأمنية مع دمشق، كما صرح مسؤولون سياسيون أتراك بأن هناك إمكانية للتقارب وعلى رأسهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته جاويش أوغلو.

الجاسر، أشار إلى أنه كان هناك زخم كبير في تصريحات الحكومة التركية نحو الانفتاح مع دمشق، وإجراء محادثات معها، وإجراء لقاءات أمنية والتصريحات حول هذه اللقاءات، وهذه الخطوات التي قامت بها الحكومة التركية كانت بدفع وتشجيع روسي، ولكن في مقابل ذلك هناك برود من جانب دمشق التي تحاول إحراج الحكومة التركية أمام فئة معينة من الناخبين تلك نفسها التي يسعى حزب العدالة والتنمية لاستقطابها في الانتخابات القادمة.

حكومة دمشق تدرك أنه لا يمكن لأحد أن يقوم بالانفتاح عليها إلا بقرار أميركي واضح، لذلك تسعى لإحراج حكومة أردوغان وجعلها تخسر أصوات الناخبين، لذلك فإن ما تقوم به حكومة أردوغان بالمراهنة على حكومة دمشق فيه مخاطرة لا يستهان بها.

مصالح متبادلة

التقرير الأميركي، لفت إلى أن أردوغان وحزبه، يسعيان إلى إيجاد حل سريع لملف اللاجئين السوريين، بسبب الوضع الاقتصادي والاستياء الاجتماعي، وهما مساران يحددان الخطاب الانتخابي.

اعتبر التقرير، أن التعاون مع الأسد صعب، لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، مرجّحا أن أردوغان، سيلعب ورقته الأخيرة مع الأسد، للحصول على وعد يرمي إلى إعادة نحو أربعة ملايين لاجئ إلى سوريا، من أجل الفوز بالانتخابات.

صدام الجاسر، لفت إلى أن حكومة دمشق قد تطلب بعض التنازلات من أنقرة، لكن ماهيتها لا تزال غير معلومة، ولكن ربما تطلب إسكات بعض الأصوات المعارضة في تركيا، والضغط على الائتلاف، للخروج بتصريحات عن المصالحة مع النظام، ومطالبة المعارضة بإيقاف ملاحقة رموز النظام في الخارج، هناك أمور كثيرة قد تستغلها حكومة دمشق في هذا الملف.

وأضاف، أن الحكومة التركية لن تكون خاسرة في هذا الأمر لأن التنازلات سوف تكون عن طريق المعارضة السورية فقط، فالحكومة التركية لا تقدم تنازلات خاصة بها لدمشق، لأنها لا يوجد شيء تقدمه، فهي لن تنسحب من سوريا ولن توقف تدخلها في الملف السوري.

وبحسب الجاسر، فإن إحدى أبرز النقاط التي يركّز عليها أردوغان في الوقت المتبقي قبل الانتخابات، هي ورقة اللاجئين السوريين في تركيا، وإيجاد أرضية ملائمة لعودتهم من خلال تفاهمات معينة مع حكومة دمشق، وهي أهم الأوراق الرابحة في الانتخابات.

قد يهمك:تركيا تعتقل سوريين قاموا بإحراق العلم التركي في ريف حلب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.