تعديلات قانون “قيصر” تحدد مفهوم “الصفقة الكبيرة”.. ما تأثيرها على دمشق؟

قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي للسنة المالية 2023 الذي طرح مسودته عدد من المشرعين الأمريكيين،  تضمن تعديل قانون “قيصر” للعقوبات المفروضة على الحكومة السورية، بإضافة تعريف ما سمي بمفهوم “الصفقة الكبيرة”، ما يهدد اتفاقية نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن مرورا بسوريا.

شق آخر من التعديلات في حال تم تمريرها، يتعلق بحرمان الحكومة السورية من أموال حقوق السحب الخاصة “أس دي أر” من صندوق النقد الدولي، والتي تم إقرارها تحت بند إنعاش الاقتصاد العالمي بعد جائحة “كورونا” وتبلغ قيمتها بحدود مليار دولار، وفي حال اعتمادها تشكل جانبا من تحرك الحزب الجمهوري ضد المحور المعادي والمكون من روسيا وإيران والصين، وهي رسالة أيضا لدمشق والدول الراغبة في التطبيع معها، بأن واشنطن لن تتخلى عن دورها في المنطقة وسوف تمنع أي مقاربة من شأنها تعويم حكومة دمشق.

موازنة حتمية يتوجب إقرارها؟

حتى وإن كان الديمقراطيون هم الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، فمن المستبعد معارضتهم لهذه التعديلات خاصة مع ورودها كملحق وليس نص قانون، بحسب حديث المحلل السياسي السوري المقيم في واشطن، أيمن عبد النور لـ “الحل نت” وفي حال كان القرار نص قانون مستقل، فهو بحاجة لأشهر عديدة، وربما سنوات كي يتم مناقشته وإقراره أو رفضه.

 التعديلات طرحت كملحق ضمن نص قانون موازنة الدفاع، وهي موازنة حتمية يتوجب إقرارها قبل حلول شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، أي قبل سيطرة الجمهوريين على المجلسين.

الحالة الوحيدة التي يمكن فيها سحب ملحق التعديلات، هي تدخل البيت الأبيض وطلبه من النواب الديمقراطيين بسحب الملحق. لكن في حال تم تجاوز هذه الحالة فإن القرار سوف يتم إقراره خلال شهر واحد. وفق عبد النور، حيث سيتم التصويت عليها في مجلس الشيوخ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وفي حال تم تمرير الملحق في مجلس الشيوخ تبقى مسألة تمريره في مجلس النواب، وهي مسألة صعبة نوعا ما بسبب الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب.

مدير برنامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد “الشرق الأوسط” تشارلز ليستر، غرد على “تويتر” يوم الإثنين 3 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، مبينا أن المقترح المُقدّم للكونغرس سيغطي أي معاملة متعلقة بالغاز الطبيعي أو الكهرباء أو أي معاملات متعلقة بالطاقة، تقدّم دعما ماديا وتقنيا وعسكريا للحكومة السورية سواء من قبل أفراد أو شركات.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، كان قد وقع في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019، على قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا، حيث يفرض عقوبات قاسية على شخصيات وكيانات نافذة في الحكومة السورية وحلفائها، إضافة لعقوبات على كل من يتعامل مع الحكومة اقتصاديا أو عسكريا.

واشنطن ربما لم تتقيد ببنود القانون، وهذا ما أكده نواب أميركيون في آذار/مارس 2022 في رسالة موجهة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، معتبرين أن إدارة الرئيس جو بايدن، لم تحافظ على قاعدة الضغط على دمشق، حيث أبطأت الإدارة الأميركية العقوبات المفروضة على الحكومة السورية في بعض الأحيان، وامتنعت في أحيان أخرى عن فرض عقوبات جديدة.

النواب أكدوا أن واشنطن تتمسك برفض التطبيع مع دمشق؛ إلا أنها ضمنيا تعطي الضوء الأخضر للتطبيع معها، خاصة أن الإعفاءات من العقوبات تترك انطباعا لدى السوريين والدول الإقليمية، بأن الإدارة الأميركية تتخلى بالفعل عن مقاومتها لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.

رسالة النواب شددت على أن السياسة الأميركية الحالية تجاه دمشق تتناقض مع قانون “قيصر”، وتعمل على إضعاف العقوبات بلا مقابل سياسي، مشيرة إلى أن كل القوانين المفروضة على الحكومة السورية، تستثني المواد الغذائية والإنسانية وبالتالي نريد معرفة إذا ما كانت الإدارة تريد إعطاء استثناءات جديدة ولأي سبب.

في حال قررت الإدارة رفع بعض العقوبات لأسباب إنسانية، كيف ستضمن أن الحكومة السورية وإيران، لن يستفيدوا بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الإعفاءات لأهداف تجارية شخصية وللتهرب من العقوبات.

 التحرك ليس جديد

الجمهوريون يبدون غير راضين عن السياسة التي يتبعها الرئيس جون بايدن تجاه الحكومة السورية، لذلك يحاولون دائما إيصال رسائل برفضهم لهذه السياسة.

مشاريع القرارات لم تحدث صدفة بل لها خلفية مسبقة تتعلق بمحاولة الجمهوريين إقرار قانون “قيصر2” وفشلهم أمام الأغلبية الديمقراطية في كل من مجلس الشيوخ “الكونغرس” ومجلس النواب، بحسب المحلل السياسي أيمن عبد النور، وهذا ما أثار انزعاج الجمهوريين خاصة وأن إدارة الرئيس بايدن، كانت تسعى لافتتاح خطي الغاز والكهرباء من الأردن نحو لبنان عبورا بالأراضي السورية التي تخضع لسيطرة دمشق.

الجمهوريون، وفق عبد النور، قدموا توضيحات وليس تعديلات كبيرة على قانون “قيصر”، وتتعلق بتعبير ورد فيه وهو الصفقة الكبيرة، فالتوضيحات تخص تحديد هذا التعبير الذي تضمنته البنود المتعلقة بقطاع الطاقة (كهرباء – غاز – توليد) حيث تفرض العقوبات في حال كانت الصفقة مع الحكومة السورية كبيرة، وهذا شكل بوابة يمكن أن تستغلها بعض الدول الراغبة في التعامل مع دمشق، تحت ذريعة أن الصفقات ليست كبيرة.

تحركات الجمهوريين الجديدة بدأت مع تقديم السيناتور تيد كروز الجمهوري من تكساس مؤخرا، مشروع ملحق لقانون موازنة وزارة الدفاع “أن دي أي أي” بخصوص تعريف تعبير “الصفقة الكبرى” في قانون “قيصر” والمتعلقة بالطاقة (غاز – نفط – كهرباء) بحيث يتم تحديد الأرقام التي تحدد قيمة الصفقة، بدلا من تركها مبهمة.

من جانبه، السيناتور الجمهوري جون كينيدي من ولاية لويزيانا، قام أيضا بتقديم مشروع ملحق آخر لقانون الموازنة يتضمن حرمان الحكومة السورية من أموال حقوق السحب الخاصة “أس دي أر” من صندوق النقد الدولي.

الملحق المقترح ينص على أن صندوق النقد الدولي سوف يرفض منح أموال حقوق السحب الخاصة، لأي دولة ارتكبت إبادة جماعية في السنوات العشر الماضية، وهو ما ينطبق على الحكومة السورية.

مؤشرات إقرار الملحق

التوضيحات الجديدة تشكل إحراجا للديمقراطيين لمنعهم من أي تعاون مع دمشق تحت أي ذريعة، وتعريف الصفقة الكبيرة يفي بالغرض، كون الكلمة كانت غير محددة ويمكن استغلالها، بحيث أصبح هذا التعبير محددا بدقة متناهية. لكن ما مدى احتمالية إقرار هذه التعديلات لاسيما مع سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الشيوخ والنواب؟

بطبيعة الحال، فإن إمكانية تدخل البيت الأبيض لسحب المقترح واردة. تحت عنوان الأسد وبايدن يتحدان لحلّ أزمة الطاقة اللبنانية، أوضحت صحيفة “التايمز” في أيلول/سبتمبر 2021، أنّ إعلان دمشق والولايات المتحدة استعدادهما للعمل سويا على خطة لمساعدة لبنان بالحصول على الكهرباء، دليل على تغيير في السياسات تجاه الشرق الأوسط، بقيادة الرئيس جو بايدن.

 الجانب السوري أعلن عن استعداده للمساعدة عبر جلب الغاز من مصر عبر الأردن. وهو الاقتراح الذي أعلنت عنه السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، والذي فاجأ المراقبين الدوليين، وهو مؤشر على أن بايدن يراجع سياسة واشنطن في سوريا، بعد تمسك الرئيسين أوباما وترامب بالموقف الأوروبي – الأمريكي، المؤيد لإحكام العقوبات طالما بقي الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم.

من جانب آخر، المقترحات الجديدة تأتي ضمن سياق مطالبة أعضاء الكونغرس بالتدخل الأميركي بشكل أوسع في سوريا، لاسيما مع التوسع الإيراني في المنطقة، ووضعها لهذا التوسع على طاولة المفاوضات. لذلك يعد التحرك الجديد جزءا من المفاوضات مع طهران، ورسالة من واشنطن إلى الجهات التي تحاول تعويم حكومة دمشق، بحسب ما يؤكده الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي لـ”الحل نت”.

صفقة خط الغاز المصري نحو لبنان ستتوقف بشكل تام، وفق علاوي، في حال تم إقرار هذه التعديلات، التي تتعلق بتعريف ما هي الصفقات الممنوعة التي لا تدخل في النطاق الإنساني المستثنى من عقوبات قانون “قيصر”، وعلى رأسها الطاقة والمواد الداخلة ضمن تركيبات الأسلحة بشكليها التقليدي وغير التقليدي.

أيمن عبد النور يتفق مع علاوي في أن الاتفاقية الجديدة تهدد اتفاقية الغاز المصري نحو لبنان من خلال الأراضي السورية، لأنها لن تعتبر خارجة عن مفهوم الصفقة الكبيرة.

فيما يتعلق بإغلاق الفرص الي كانت متاحة أمام الحكومة السورية في الحصول على بعض عقود التمويل الأممي، فسوف تكون أضيق بشكل كبير، مع الأخذ بعين الاعتبار خبرة حكومة دمشق في التحايل على العقوبات، لكنها ستؤثر على مكاسب دمشق بشكل أو بآخر.

إقرار التعديلات يتعلق،  وفق علاوي، بحجم التدخل الأميركي وعودة واشنطن إلى المنطقة وعلاقتها مع كل من إيران وروسيا والصين أي المحور المعادي. وهي محددات يمكن أن تؤثر على إقرار أو سحب الملحق.

أكبر المكاسب التي كانت دمشق سوف تحققها من عدم دقة تعبير الصفقة الكبيرة، هو تلقيها الرسوم من مرور خط الغاز والكهرباء من أراضيها، وهذا ما ستمنعه التعديلات الجديدة. كما سيتم حرمان الحكومة السورية من مبلغ مليار دولار من خلال المشروع المتعلق  بحقوق السحب الخاصة للأموال من صندوق النقد الدولي، والتي تم إقرارها كمساعدات تحت بند التعافي المبكر من آثار جائحة “كورونا”، حيث يحتم الملحق المقترح على صندوق النقد الدولي الامتناع عن منح أموال حقوق السحب الخاصة لأي دولة ارتكبت إبادة جماعية في العقد الأخير.

قد يهمك: العقوبات الأميركية على سوريا: هل تراجعت إدارة بايدن عن صرامة قانون “قيصر”؟

في حال تم إقرار ملحق قانون “قيصر” في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، يمكن الحديث عن تقلص فرص دمشق في الحصول على التمويل الممنوح على شكل مشاريع إنسانية. دمشق ستخسر قرابة مليار دولار على الأقل. حلفاء دمشق سيتلقون رسالة حاسمة حول قضية تعويم الحكومة السورية. رسالة تحمل شقا آخر موجه نحو الدول العربية الراغبة في عودة العلاقات معها، لا مكان للتطبيع حاليا مالم تغير حكومة دمشق سياستها بشكل جذري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.