أثار تعديل العقوبات الأميركية على سوريا كثيراً من التوقعات السياسية والاقتصادية بين المتابعين للشأن السوري. فقد أعلنت الإدارة الأمريكية قبل أيام عن إجراءاتٍ تتعلق بالسماح للمنظمات غير الحكومية بالتحرك في مناطق سيطرة الحكومة السورية. وممارسة أنشطة غير ربحية. كانت محظورة سابقاً بموجب لوائح قانون “قيصر”.
ونشرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً، نقلته وكالة “رويترز”، عن تعديل القواعد الحالية، المسماة “لوائح العقوبات السورية”، لتوسيع التفويض للمنظمات غير الحكومية بالمشاركة في معاملات وأنشطة معينة غير هادفة للربح في سوريا. بما في ذلك «الاستثمار وشراء المنتجات البترولية المكررة، ذات المنشأ السوري، لاستخدامها في سوريا. وبعض التعاملات مع قطاعات حكومية في دمشق».
وقالت “أندريا جاكي”، مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، إن «الحكومة الأميركية تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا. للتخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي ما يزال يواجه الصراع المسلّح، وانعدام الأمن الغذائي، ووباء كوفيد -19».
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أصدرت، في وقت سابق من الشهر الحالي، إعفاءات حول العقوبات الأميركية على سوريا. فأجازت للمقاولين ومنظمات المجتمع المدني وكل من يتعامل مع هيئات الأمم المتحدة، المنفذة لمشاريع في سوريا، بتبادل واستلام الحوالات المالية. بما في ذلك الحوالات القادمة من أميركيين. بشرط إخطار الوزارة مسبقاً.
يُلاحظ، من خلال القراءة الأولية، أنَّ العقوبات الأميركية على سوريا لم تأت من فراغ. بل كانت سببها تعنّت الحكومة السورية في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي نصَّ على الانتقال السياسي في سوريا. وتأمين بيئة لعودة آمنة للسوريين. ورغم تأثير العقوبات الأمريكية على حكومة دمشق اقتصادياً. إلا أنها تسببت في الوقت نفسه بمعاناة عدد كبير من المدنيين. بحسب عديد من المراقبين.
سياق تعديل العقوبات الأميركية على سوريا
منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض لم تعد سوريا، والصراع الدائر فيها، جزءاً أصيلاً من السياسة الأميركية الخارجية. وأبدى بايدن مرونة كبيرة في التعامل مع الروس فيما يتعلّق بالملف السوري. الأمر الذي ظهر بوضوح في القمة، التي جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، منتصف حزيران/يونيو الماضي. عندما تم الاتفاق على استراتيجية «خطوة بخطوة»، التي تُوِّجت بإصدار قرار مجلس الأمن رقم 2585 لعام 2021. القاضي بتمديد تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا. وهو ما أدى لانعكاسات على تطبيق العقوبات الأميركية على سوريا.
وفي هذا السياق يقول “شادي مارتيني”، المدير التنفيذي لمنظمة “تحالف الأديان للاجئين السوريين” الأميركية، ومقرها نيويورك، إن «الاستثناءات التي تقدمها إدارة بايدن حول العقوبات الأميركية على سوريا، ليست وليدة اللحظة. بل تأتي في إطار إغراءات واشنطن للروس من أجل تمرير المساعدات للسوريين عبر الحدود، ولمدة عام، في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية. بعد أن أصرّ الجانب الروسي على تمديدها لستة أشهر فقط. قبل إقناعه بالموافقة على تمديدها لمدة ستة أشهر أخرى. بناءً على تقرير يصدر عن الأمين العام للأمم المتحدة، في النصف الأول من شهر كانون الثاني/يناير 2022».
وتابع “مارتيني”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «حزم التعديلات الجديدة، التي تتعلّق بالعقوبات الأميركية على سوريا، جاءت بعد اجتماع “بريت ماكغورك”، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، مع “ألكسندر لافرنتييف”، المبعوث الروسي في الأمم المتحدة». معتبراً أن «المباحثات الأميركية الإيرانية بشأن الملف النووي جزء من جملة إغراءات واشنطن لحلفاء الأسد».
العقوبات الأميركية والموقف الأوروبي الصارم
وتزامن تعديل العقوبات الأميركية على سوريا، من قبل وزارة الخزانة الأميركية، مع فرض عقوبات أوروبية جديدة على مسؤولين في حكومة دمشق. ورفض فرنسا لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وهو ما شدد عليه تصريح، أدلى به مسؤول فرنسي رفيع لـ صحيفة النهار العربي، وقال فيه: «إن إعادة العلاقات مع دمشق تمثّل خطاً أحمر بالنسبة لباريس وأوروبا. إذ لا يمكن التطبيع مع نظام كهذا».
وأضاف: «أما بالنسبة لقرار أصدقاء لفرنسا في المنطقة بالتطبيع مع بشار الأسد (الأردن والإمارات)، فنحن تؤكد احترامنا لسيادة شركائنا». لافتاً إلى أن «عودة سوريا للجامعة العربية، التي تتمناها بعض الدول، لا تزال مستبعدة. لأن عدداً من الدول العربية لا تؤيد ذلك».
وأكد المسؤول الفرنسي على أن «موقف الاتحاد الأوروبي واضح جداً. فإذا أعادت الدول العربية سوريا إلى الجامعة العربية، فإن الحوار بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية لن يكون ممكناً. ومن المؤكد أن الأمانة العامة للجامعة تأخذ ذلك في الاعتبار».
مقالات قد تهمك: عودة دمشق للجامعة العربية: مكسب سياسي للأسد أم مجرد نوايا عربية محدودة التأثير؟
وتعليقاً على الموقف الأوروبي والتعديلات على العقوبات الأميركية على سوريا يرى الباحث الاقتصادي “كرم الشعار” أنه «في ظل عدم التوصّل لحل السياسي من الأجدى تسهيل عمل المنظمات غير الربحية في سوريا. مما ينعكس إيجاباً على السوريين. ولكن في المقابل ستستغل حكومة دمشق المرونة الأميركية. وتصير أكثر عناداً في تطبيق القرارات الدولية».
مؤكداً، في حديثه لـ«الحل نت»، أنَّ «هذه القرارات لن تكون في مصلحة السوريين على المدى البعيد. وما يحصل حالياً عبارة عن استثناءات من الإدارة الأمريكية لتمكين المنظمات من العمل بحرية أكبر. وتسهيل حركتها في عمليات شراء الوقود دون قيودٍ ومعوقات. بسبب العقوبات المفروضة على شركات تصفية المشتقات النفطية في سوريا».
مختتماً حديثه بالقول: «العقوبات الأميركية على سوريا لن تُرفع عن شخصيات وشركات تتعامل مع حكومة دمشق في الفترة الحالية. وقد تم إلغاء ترخيص شركتين في إحدى الدول العربية، تعود ملكيتهما لـ”سامر فوز”، بسبب تعاملهما مع الحكومة السورية».
الالتزام الأميركي بتخفيف العقوبات
وفي السياق ذاته قال “أيمن عبد النور”، المعارض السوري المقيم في الولايات المتحدة، إنَّ «قرار وزارة الخزانة بتعديل العقوبات الأميركية على سوريا هو التزام أميركي تجاه الروس. وفقاً للقرار الدولي 2585، الذي يسمح بإدخال المساعدات عبر الحدود. فالإدارة الأميركة لم تبادر بأي خطوة في إطار رفع العقوبات خلال الشهور الماضية».
وأضاف، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنَّ «واشنطن اتخذت قرارها بإعطاء صلاحيات للمنظمات غير الحكومية في عديد من القطاعات. مثل التعليم، والحصول على المشتقات النفطية بدون وسيطٍ ثالث، إضافة إلى دعم قطاع التنمية، وقضايا تتعلق بالديمقراطية. وبالتالي، تفسح المجال أمام تلك المنظمات بإداء دورها بانسيابية. بعد اصطدامها في السابق بقانون “قيصر”، الذي يفرض عقوبات على كل من يدعم نظام الأسد، من شخصيات وشركات وقوى محلية وخارجية. وضمن هذا السياق فلا يجب النظر إلى تعديل العقوبات الأميركية على سوريا خارج السياق الإنساني والمدني».
ودخل قانون قيصر حيز التنفيذ بتاريخ 17 يوليو/ حزيران من عام 2020 أما بنود قانون قيصر فقد تراوحت بين قيود على المصرف المركزي السوري والحق في فرض عقوبات على أشخاص وكيانات إضافة لبنود أخرى.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.