في ظل ما تشهده إيران منذ قرابة الشهر من احتجاجات واسعة النطاق إثر مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، وفي ظل تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني والذي وُصف بأنه وصل إلى طريق مسدود، لا تزال إيران تعمل على تخصيب اليورانيوم في مواقع نووية.

تقرير سرّي لـ”لوكالة الدولية للطاقة الذرية” التابعة للأمم المتحدة اطلعت عليه “رويترز” يوم الإثنين الماضي، بيّن أن إيران تمضي في طريقها نحو توسّع مزمع في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة تحت الأرض في “نطنز”، وتعتزم الآن المضي قدما في ذلك بصورة أكبر.

تقرير يثير العديد من التساؤلات، حول توقيت عمليات تخصيب اليورانيوم، والهدف منها وما إذا كانت ستؤدي إلى نهاية المفاوضات النووية، أم أن لإيران غاية منها، إضافة إلى ردود الأفعال المتوقعة من الدول الغربية، و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

لماذا عادت عمليات التخصيب في هذا الوقت؟

تقرير “وكالة الطاقة الذرية”، أشار إلى إن ثالث مجموعة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة “آي.آر-6” التي تم تركيبها في الآونة الأخيرة في محطة التخصيب تحت الأرض في “نطنز”، بدأت العمل الآن، مضيفا أن إيران أبلغت الوكالة بأنها تخطط لإضافة ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-2إم) لتنضم إلى 12 موجودة بالفعل هناك.

منشأة نطنز النووية الإيرانية “وكالات”

التقرير الموجه إلى الدول الأعضاء أوضح أيضا، أن مجموعة واحدة من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-4) وست مجموعات من أجهزة (آي.آر-2إم) التي لم يكتمل تركيبها في 31 آب/ أغسطس، وهو تاريخ آخر زيارة مذكورة في آخر تقرير ربع سنوي لـ”وكالة الطاقة الذرية” حول هذه المشكلة، بأنه تم تركيبها بالكامل الآن ولكن لم يتم استخدامها بعد في التخصيب.

هاني سليمان، الخبير في الشؤون الإيرانية، يرى خلال حديثه لــ”الحل نت”، أن تخصيب اليورانيوم في هذا الوقت هو إعلان تحدي من إيران للمجتمع الدولي الذي يعاني العديد من المشكلات، وذلك على الرغم من التفاؤل الذي ساد خلال الفترة السابقة بقرب التوصل لاتفاق نووي، ولكن التجربة أثبتت أن ثمة فجوات واسعة وإشكاليات متعددة من شأنها أن تحول دون الوصول إلى اتفاق.

بالتالي ففي ظل هذا التّعثر، وفي ظل الاحتجاجات في إيران وبعض العقوبات التي فُرضت مؤخرا من المجتمع الدولي، فإن ما تقوم به إيران هو هروب للأمام بنفس الأسلوب الإيراني المتبع في الفترات السابقة، أي أن إصرار إيران على عمليات التخصيب هي آلية للضغط على المجتمع الدولي لتحصيل بعض المكاسب، بحسب سليمان.

من جهته، حسن راضي، مدير المركز الأحوازي للدراسات الاستراتيجية، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن إيران تعاني من أزمة كبيرة وهي الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة الإيرانية والتي باتت في موقف حرج، نتيجة استمرار الاحتجاجات وتسليط الضوء عليها إعلاميا.

لذلك تحاول الحكومة الإيرانية حرف الأنظار عما يجري في الداخل من خلال تفجير أزمة خارجية تتعلق بتخصيب اليورانيوم، وقصف كردستان بالصواريخ والطائرات المسيرة، للتغطية على الأحداث الداخلية.

إقرأ:“خيارات بديلة” في الاتفاق النووي الإيراني.. انسحاب أميركي قريب؟

ما علاقة تخصيب اليورانيوم بالملف النووي؟

عام ونصف مرّ منذ أن بدأت المفاوضات غير المباشرة، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، الذي أُبرم في عام 2015 بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن “الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا” بالإضافة إلى ألمانيا، قبل إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب منه في عام 2018. بيد أنه حتى بعد إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ما وصفه بـ “مسودة نهائية لإحياء الاتفاق النووي”، يبدو أن مصير العودة للاتفاق مازال مُعلّقا.

في هذا السياق، يرى هاني سليمان، أن الخطوة الإيرانية بتخصيب اليورانيوم تؤكد تعثر المفاوضات النووية، لكن ليست بالضرورة نهاية الاتفاق النووي، فهي تعبّر عن حالة من الجمود والتأزم لكن في النهاية إذا ما كان هناك مؤشرات حول انفراج أو تقدم بالمفاوضات النووية فذلك من شأنه أن يجعل إيران تتراجع عن إجراءاتها بتركيب أجهزة الطرد المركزي الحديثة وإكمال عمليات تخصيب اليورانيوم، وهذا أمر يمكن التعامل معه بأي وقت.

أما حسن راضي، فيرى أن إيران تستغل الانشغال الدولي بالغزو الروسي لأوكرانيا، لإجراء عمليات تركيب أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم، ملوّحة بشكل غير مباشر بإمكانية تطوير قنبلتها النووية، ولكن في الحقيقة هي تسعى إلى الضغط على الدول الغربية من أجل فرض شروطها لإتمام الاتفاق النووي، مستغلة رغبة الدول الغربية بنجاح هذا الاتفاق.

ردود أفعال غير متشددة

في خضم التأرجح الواضح فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق حول الملف النووي، نتيجة لوجود العديد من النقاط الخلافية بين إيران والولايات المتحدة، من بينها كلفة هذا الاتفاق ومستقبله، والخيارات المُتاحة للتعاطي مع الملف النووي الإيراني في حال فشل المفاوضات، والتداعيات المُحتملة على الوضعين الإقليمي والدولي، جاءت الخطوة الإيرانية بتركيب أجهزة الطرد المركزي واستئناف تخصيب اليورانيوم، ما سيدعو للتغير في آلية التعامل مع إيران.

هاني سليمان، يرى أن الدول الغربية سيكون لها رد على الخطوة الإيرانية، سواء بالتنديد أو العقوبات، إضافة للتلويح بأن كل الاحتمالات مطروحة، وأيضا محاولة الضغط من جانب الاحتجاجات أو ربما فرض إجراءات عقابية على شخصيات إيرانية وهذا أمر مؤكد.

في النهاية ليس من المتوقع أن يكون هناك إجراءات شديدة ضد إيران، لأن الدول الغربية على الرغم من التصرفات الإيرانية حريصة على إتمام خطة “العمل المشتركة” الخاصة بالاتفاق النووي، وستبذل أي جهد للتوفيق بين إيران والولايات المتحدة.

من جهته، لفت راضي إلى أن الردود الغربية ستتمثل بفرض مزيد من العقوبات على إيران ولكنها غير كبيرة، ولكن من المتوقع أن تكون ردة الفعل الإسرائيلية هي الأهم، والتي قد تكون على شكل استهداف البرنامج النووي الإيراني إذا استمرت إيران بعملية التخصيب أو استهداف العلماء الإيرانيين.

خيارات “الطاقة الذرية” في التعامل مع إيران

خلافات مستمرة بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بشأن ثلاثة مواقع إيرانية مشتبه بممارستها أنشطة نووية غير معلنة بعد إعلان “الوكالة” سابقا أن مفتشيها حصلوا فيها على آثار جزيئات اليورانيوم، حيث تسعى إيران لربط هذا الملف بمفاوضات الملف النووي، وتبدي رغبتها بأن يتم إغلاق الملف في حال تم التوصل لاتفاق نووي، ولكن “الوكالة”، تريد إبقاء الملف مفتوحا ومستقلا عن الملف النووي.

تقارير أشارت إلى وجود عملية “عض أصابع”، جارية ومستمرة بين إيران والدول الغربية، ومسرحها مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مبيّنة أن هناك قناعة متنامية تفيد، وفقا لمصادر أوروبية، بأن مصير المفاوضات الخاصة بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، سيكون إلى حدّ بعيد مرهونا بما سيصدر عن محافظي “الوكالة” الـ 35 بشأن مستقبل التعاون بينها وبين إيران.

أجهزة الطرد المركزي في إيران “وكالات”

بحسب التقارير فإن مسألة جلاء حقيقة المواقع النووية الإيرانية الثلاثة غير المعلنة التي عُثر فيها مفتشو “الوكالة”، على آثار يورانيوم مخصب ما زالت موضع أخذ ورد رغم مرور 4 سنوات على إشهارها بعد أن بقيت لمدة طويلة بعيدة عن التداول العام.

منذ 4 سنوات وحتى اليوم، تفيد تقارير “الوكالة”، الواحد تلو الآخر، بأن إيران لم تعط الأجوبة الشافية ولم تفصح عن المعلومات التي تمكّن “الوكالة”، من إقفال هذا الملف المتفجر، حيث تتهم “الوكالة”، طهران بأنها لا تحترم التزاماتها بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة المرتبطة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في حين أن إيران تتهم الوكالة بـ”التسييس”، وبأنها تذعن إلى إسرائيل. والأكثر من ذلك تصر طهران على إغلاق الملف المشار إليه، وتجعل منه شرطا لا قفز فوقه لقبول العودة إلى الاتفاق النووي.

تقارير سابقة لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أشارت إلى أن طهران قامت بتعمية 27 كاميرا مراقبة لـ”لوكالة” في مواقع نووية رئيسية؛ مما جعلها عاجزة عن متابعة جانب مهم من الأنشطة الحاصلة فيها، إضافة إلى توتير العلاقة بين الطرفين. لذا؛ فإن السؤال المطروح اليوم يتناول الخيارات المتوافرة لمجلس المحافظين وطبيعة الرد الإيراني عليها.

وأشارت التقارير، إلى 3 مواقف لا بد من التوقف عندها، الأول، أن إحياء اتفاق 2015 ليس قريبا، وجاء آخر تأكيد على ذلك من المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي قال مؤخرا، إنه “ليس من سبب يمنع إيران من الموافقة على المقترحات (الأوروبية) التي قدمها الوسيط الأوروبي جوزيب بوريل”. لكن شولتس أضاف، “علينا أن نأخذ في الحسبان أن إيران لم تقبلها، وأن هذا (القبول) لن يأتي في المستقبل القريب”.

الثاني، أن الحملة الإسرائيلية تتواصل على مختلف المستويات، ويبدو واضحا أنها نجحت في حمل الإدارة الأميركية على تأخير العودة إلى اتفاق 2015، لما بعد الانتخابات التشريعية في إسرائيل والنصفية في الولايات المتحدة، لتجنب استخدام التفعيل حجة ضد يائير لبيد، من جهة وضد المرشحين الديمقراطيين من جهة أخرى.

 الثالث، أن طهران استبقت اجتماع الوكالة في فيينا بمحاولة لانتزاع فتيل التصعيد مع الغربيين وتخطي الاجتماع، إذ أكد الناطق باسم خارجيتها مؤخرا، أن طهران مستعدة للتعاون مع الوكالة. وقال ناصر كنعاني، “تعلن إيران تعاونها البناء مع الوكالة بوصفه التزاما … وبينما هناك التزامات على إيران، فإن لها حقوقا أيضا”.

أما بالنسبة لمحافظي “الوكالة”، فإن لديهم 4 خيارات رئيسية للتعامل مع طهران والضغط عليها، أولها، أن يمتنع المحافظون الـ 35 عن إصدار أي بيان أو اتخاذ أي تدبير أو إجراء بحق طهران، بحيث يعطونها فرصة إضافية من 3 أشهر لتظهر مدى صدق وعودها، ولتجنب التصعيد أو ردود الفعل التي من شأنها مضاعفة العوائق أمام مفتشي “الوكالة”.

الثاني، يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل عما قاموا به في حزيران/يونيو الماضي؛ أي إصدار بيان علني تنديدي بإيران لما يرونه إخفاقا في التعاون مع “الوكالة”.

الثالث، فيمكن لمحافظي “الوكالة”، أن يقرنوا بيانهم التنديدي بإعطاء مهلة زمنية إضافية قد تكون الأخيرة لإيران تكون بمثابة إنذار مع التهديد بنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي وفق ما تتيحه “اتفاقية الضمانات الشاملة”.

أما الخيار الرابع، فقد يرى المحافظون أنه حان الوقت لوضع حد لتلاعب إيران، وأن يقينهم، كما جاء في بيان “الترويكا” الأوروبية الشهر الماضي، أن إيران لا تسعى حقيقة لتفعيل الاتفاق النووي السابق، وبالتالي فإنهم يقررون في بحر الأسبوع الحالي، نقل الملف إلى مجلس الأمن، مما سيتيح تفعيل الآلية المسماة “سناب باك” التي تمكّن من إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران والتي رفعت بداية عام 2016، لكن ثمة مخاطر مرتبطة بهذا الإجراء الجذري؛ لأنه يعني نهاية الجهود لتفعيل الاتفاق النووي وفتح الباب أمام ردود من إيران.

قد يهمك:تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني

إيران، من خلال التجارب السابقة تعتمد كثيرا على المماطلة والمناورات في ملفها النووي، فهي تسعى من خلال إجراءات تركيب أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم، إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب والشروط، التي تريد تضمينها في النسخة الجديدة من الاتفاق مع الدول الغربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.