مع الكثير من اليأس عاد محمود أبو حسام، إلى منزله (حيث يعيش في العاصمة دمشق مع أسرته المؤلفة من خمسة أفراد)، دون أن يتمكن من شراء مستلزمات المنزل الأسبوعية، وذلك بعد أن لاحظ ارتفاع معظم أسعار السلع والمواد الغذائية، مقارنة عما كانت عليه الأسبوع الماضي.

أسواق لـ“الفرجة”

خلال جولته على الأسواق في دمشق، يروي أبو حسام خلال حديثه لـ “الحل نت“، حال المستهلكين، الذين يأتون للأسواق، ويكتفون بـ“التسوق النظري والسؤال عن الأسعار“، الذي لا يشمل غالبا الشراء، حيث لا تتوقف أسعار المواد بشكل دوري عن الارتفاع.

يضيف أبو حسام، “رصدت مبلغ 70 ألف ليرة، لشراء الاحتياجات الغذائية والتموينية لهذا الأسبوع، لكن تفاجأت بالأسعار وقد ارتفعت بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة لبعض المواد، وهذا مقارنة بالأسبوع الماضي أو الذي قبله فقط“.

أبو حسام يتحدث باستياء عن صدمته عندما، أخبره صاحب مطعم للوجبات السريعة، أن الأسعار سترتفع مرة أخرى خلال الأيام القادمة، وذلك بدعوى مراعاة الكلف التشغيلية التي ارتفعت بشكل كبير حسبما قال صاحب المطعم.

الآلية الجديدة في رفع الأسعار، كشفت عنها صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير نشرته الإثنين، حيث أكدت أن حكومة دمشق، تحضّر لإصدار أسعار المنشآت الإطعام والإقامة الجديدة بما يشمل مختلف المنشآت بالمحافظات كافة، على أن تقرّ وتصبح الأسعار نافذة خلال 15 يوما ليُصار إلى التقيد بها وفرض الغرامات اللازمة والضبوط بحق المخالفين.

الصحيفة المحلية، نقلت عن مصدر في وزارة السياحة، قوله إن “لجنة الأسعار التي تضم معنيين وممثلين عن اتحاد غرف السياحة السورية، ووزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمالية والإدارة المحلية والبيئة، قد أقرت الآلية الجديدة التي راعت تغير كلف التشغيل من حوامل الطاقة في منشآت الإقامة، لاسيما أن عددا من المنشآت تستخدم خط الكهرباء الخاص غير الخاضع للتقنين“.

خطة جديدة لرفع الأسعار

وبحسب مصادر وزارة السياحة، فإن خطة تعديل الأسعار، جاءت نتيجة، “التغييرات التي طرأت على أسعار المواد الأولية لمكونات الخدمات المقدمة في المنشآت السياحية، لاسيما اللحوم والدواجن وغيرها في الفترة الماضية، ناهيك عن رصد مختلف التغييرات الحاصلة في الكلف والمستلزمات الداخلة في التشغيل“.

وتزامنا مع ارتفاع الأسعار، يقف الموظف الحكومي عاجزا عن تأمين الاحتياجات الأساسية، مع فقدان القدرة الشرائية لراتبه، حيث يضطر معظم الموظفين إلى إيجاد عمل آخر بعد دوامهم اليومي، بهدف تحسين الدخل لمواجهة الارتفاع المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الغذائية.

“الراتب ما عاد يشتري كيلو شاورما وفروج” يقول جمال آغا، وهو موظف في مؤسسة الهاتف في مدينة حلب، لكنه يعمل سائق سيارة أجرة يوميا، من أجل ملاحقة ارتفاع الأسعار الذي أنهكه وأسرته مؤخرا.

آغا، يتحدث عن معاناته مع الارتفاع المستمر للأسعار ويقول في حديث لـ“الحل نت“، “دائما هناك خطط لرفع الأسعار، وتحصيل الكلف التشغيلية وربما هذا ليس خطأ، لكننا لا نسمع عن خطط لرفع الدخل لتتناسب مع الأسعار الجديد، الأسعار ترتفع والرواتب على حالها، لا أدري كيف تصلح هذه المعادلة“.

مضيفا، “لا أعلم ما هي الآليات المتّبعة في رفع الأسعار، لم يخبرنا أحد بزيادة الرواتب بهذه النسب، الجهات المعنية لا تفكر عند رفع الأسعار من أين سيأتي المواطن بالأموال لتغطية هذه الزيادات.. الوضع غير محتمل“.

جمال يزيد بالقول، “السكر بستة آلاف ونادر، التفاح بأربعة آلاف ليرة، العنب بثلاثة، لقد ألغيت خطة الفواكه لهذا الأسبوع، ومعظم المواد الاستهلاكية نحاول التخفيف منها، في محاولة للتكيف مع الارتفاع المتكرر للأسعار، كيلو الشاورما أصبح بـ 45 ألف، ما يعادل ربع الراتب“.

عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي، أكد قبل أيام أن أجور العاملين في الجهات العامة باتت منفصلة عن الواقع، ومن غير المنطقي أن تعطي أجرا لموظف عن شهر كامل لا يكفيه لأكثر من يومين.

قد يهمك: الكهرباء لمواجهة الشتاء في سوريا.. “على الوعد يا كمّون”

تيناوي أوضح، في تصريحات صحفية سابقة، أن: “حاجة الأسرة السورية اليوم لا يقل عن 1,5 مليون ليرة شهريا، وهو ما يعادل 10 أضعاف الأجور التي يحصل عليها معظم العاملين في الجهات العامة وللذين لا يزيد أجرهم الشهري على 150 ألف ليرة“.

استقالة أصحاب الكفاءات

نتيجة لتدني الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، فقد شهد الأخير خلال السنوات الماضية، آلاف الاستقالات لأصحاب الكفاءات في مختلف الاختصاصات، ذلك ما اعتبره تيناوي، “مؤشرا واضحا على تردي الحالة المعيشية وبحث أصحاب الاستقالات عن فرص عمل بديلة“، محذرا من تحول “الاستقالات إلى ظاهرة تسهم في تفريغ المؤسسات العامة من الخبرات والعاملين الذين لديهم مؤهلات“.

الحكومة في دمشق تقف عاجزة أمام انهيار قيمة الرواتب والأجور أمام المواد الغذائية والسلع الأساسية للأسر السورية، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أفقد الرواتب في سوريا نسبة كبيرة من قيمتها، وهذا ما دفع المئات من موظفي المؤسسات الحكومية السورية إلى الاستقالة مؤخرا.

تعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، قبل أيام، قال قسومة، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

وزاد بالقول: “أما عندما يكون راتب الموظف 200 ألف ولديه ولدين، فلا يكفيه هذا الراتب أن يُطعم كل ولد سوى نصف سندويشة فلافل، ثلاث وجبات في اليوم، وذلك دون أن يدفع كهرباء وماء ومصاريف أخرى“.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، الإثنين الماضي أشارت إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

وجاء في الدراسة أيضا، “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

ارتفاع الأسعار بسوريا يختلف عن العالم

على الرغم من استقرار الأسعار العالمية في الآونة الأخيرة، والتي ارتفعت بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، التي عادت مؤخرا بعد اتفاق استئناف تصدير الحبوب، بقيت الأسعار تميل للارتفاع بشكل مستمر في سوريا، دون وجود أي مبرر لذلك.

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى قرار وزارة المالية الصادر منذ أيام قليلة، والذي رفع الحد الأدنى للأسعار الاسترشادية للسكر والزيوت النباتية المستوردة، والتي تُعد من المواد الغذائية الأساسية، حيث أصبح الحد الأدنى للسكر الخام 500 دولار للطن الواحد، و600 دولار للسكر المكرر، ورفع السعر الاسترشادي لزيت عباد الشمس إلى 1500 دولار، ولزيت النخيل إلى 1300 دولار، ليليه قرار آخر لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برفع سعر السكر (النادر وجوده في الأسواق) إلى 4400 ليرة سورية للكيلوغرام المعبأ، مع توقعات برفع سعر الزيت لاحقا.

التقرير أوضح، أنه ما بين دراسة التخفيض وقرار الرفع، لم يكن لأسعار مختلف المواد الغذائية سوى أن ازدادت بنسب كبيرة ومتسارعة، فضلا عن نقص في المخازين وندرة بعض المواد في الأسواق، ليشهد الأسبوع الأخير بمفرده ارتفاعا جديدا لمختلف السلع دون أي مبّرر، حتى حجة التأثر بالأزمات العالمية ومشكلات الشحن لم تعُد تنفع بعد استقرار الأسعار العالمية، بما فيها أسعار البورصات العالمية وأسواق النفط.

قد يهمك: “للتصميد وساعة الغفلة“.. هل ضاعت قيمة الجمعية في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.