بعد اشتباكات استمرت على مدى الأيام الثلاثة الماضية، تمكنت “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها وهي فرقة “الحمزة”، وفرقة “سليمان شاه” المعروفة بـ”العمشات”، من دخول مدينة عفرين اليوم الخميس، ما أدى لانسحاب “الفيلق الثالث” باتجاه بلدة كفرجنة شرقي المدينة، وإلى مدينة اعزاز في الريف الشمالي.
الاقتتال بين الفصائل في الشمال السوري، لا يزال مستمرا إثر اغتيال الناشط “أبو غنوم” من قِبل فرقة “الحمزة”، واليوم اتسعت رقعة القتال وزادت ضراوته مع تقدم “هيئة تحرير الشام” باتجاه مناطق “الجيش الوطني”، وفرض حصار على مدينة الباب ومناطق أخرى، وسط خريطة معقدة من العديد من الفصائل والتحالفات، ووسط كل ذلك لا تزال تركيا تراقب ما يجري دون أن تتدخل لإيقاف القتال، ما يدفع للتساؤل حول الأهداف التركية من عدم التدخل.
جهة واحدة تسيطر على الشمال
اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف “أبو غنوم”، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الفتيل الذي يتم الإعداد له منذ مدة ليست قصيرة، فالتحولات العسكرية في الشمال السوري على مدى الأيام الثلاثة الماضية لم تكن ردة فعل على عملية الاغتيال، كما يوضح مصدر محلي لـ”الحل نت”، بل هناك مخططات بدأت منذ حزيران/يونيو الماضي عندما حدث اقتتال الفصائل في ذلك الوقت، تضمنت سيطرة “الهيئة” على مناطق “الجيش الوطني”.
المصدر المحلي، كشف لـ”الحل نت”، أنه خلال الأيام الماضية لم يحصل أي تدخل أو ضغط من تركيا لوقف القتال ولمنع “الهيئة” من السيطرة على مناطق “الجيش الوطني”، على الرغم من أن الأخير مدعوم من قبلها.
الكاتب السياسي، صدام الجاسر، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تركيا من مصلحتها أن تكون هناك جهة واحدة وفاعلة تسيطر على المنطقة، خاصة إذا كانت هذه الجهة تمتلك انضباطية ومركزية بالعمل والخلل الموجود فيها وفي بنيتها أقل من غيرها، وهذا ما يمكّنها من السيطرة عليها أكثر من العديد من الفصائل والتي في الأصل معظمها يعادي الآخر، وهذا ما وجدته تركيا بـ”الهيئة”.
الجاسر يضيف، أن “هيئة تحرير الشام” قادرة على تلبية المصالح التركية في الشمال السوري خلال المرحلة القادمة، بشكل أكبر من الفصائل المتناحرة، لافتا إلى صمت “الحكومة المؤقتة” و “الإئتلاف” المعارض حول ما يجري، ما يشي برغبة تركية واضحة بما يحصل.
مصلحة بين تركيا وحكومة دمشق!
في الفترة الأخيرة بدأت العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق بالتسارع بشكل لافت، وبرزت الرغبة في التقارب من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك، بدءا من الرئيس التركي، رجب أردوغان، وصولا لوزير خارجيته، جاويش أوغلو، الذي أكد قبل أيام على أهمية التوصل لحل بين الحكومة السورية والمعارضة السورية.
اقتتال الفصائل والمراقبة التركية دون أي تدخل بات يشير إلى أنه يصب بشكل أو بآخر في مصلحة التقارب التركي السوري.
بحسب صدام الجاسر، فإنه من المعروف أن “هيئة تحرير الشام” كانت من المسارعين إلى فتح المعابر مع حكومة دمشق، وهذا الأمر يصب في مصلحة تركيا ويساعد في تسريع فتح المعابر وإنعاش الحالة الاقتصادية في الشمال السوري، وتخفيف العبء الاقتصادي عن تركيا.
الجاسر يضيف أنه بسيطرة “الهيئة” على الشمال سيكون هناك تنمية مدعومة تركيا، في حال أبدت “الهيئة” مرونة في التعامل مع دمشق واستمرار فتح المعابر والسماح بالحركة والتبادل الاقتصادي بين مناطق الشمال، ومناطق سيطرة حكومة دمشق.
الصحفي عقيل حسين، بيّن في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا تراقب ما يجري حتى الآن ولم تتدخل، ومن الواضح أنه من صالحها إذا لم تنهِ هذه الفصائل بعضها، فعلى الأقل ستضعف نفسها وبالتالي يصبح فرض الحل بين المعارضة وحكومة دمشق أسهل، وهذا ما تريده تركيا وأعلنت عنه بكل وضوح مؤخرا بتصريحات مسؤوليها وكان آخرها على لسان وزير خارجيتها، جاويش أوغلو.
بذلك تكون فصائل المعارضة في أضعف حالاتها فهذا يعجّل بالذهاب إلى طاولة الحوار بين المعارضة وحكومة دمشق، خارج إطار جنيف والقرار الدولي 2254، بحسب حسين.
إقرأ:بعد عزله ونفيه.. تعيين بديل لـ”أبو عمشة”
تركيا اللاعب الرئيسي في الشمال بدعم أوروبي
تركيا ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تسعى إلى إيجاد حالة من الاستقرار في الشمال السوري لطالما تسببت الفصائل المختلفة بفقدانه، كما تنوي إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، وهذا يتطلب استقرار أمنيا من جهة، ودعما من الواضح أن تركيا ستعمل على استجراره من دول الاتحاد الأوروبي التي لا ترغب بتدفق المزيد من اللاجئين عبر الأراضي التركية.
الجاسر يرى أن سيطرة “الهيئة” على الشمال السوري، بحيث تكون هي الجهة الوحيدة الفاعلة في المنطقة، ستجعل من تركيا اللاعب الرئيسي في الشمال السوري بواسطة “الهيئة”، وبذلك ستعلم الدول الأوروبية أن تركيا هي من تسيطر فعليا، وبذلك سيكون هناك مصلحة أوروبية بدعم تركيا لوقف موجات اللاجئين حيث يقيم في تركيا نحو 4 ملايين لاجئ سوري، فالإبقاء عليهم والحفاظ عليهم في مناطقهم من خلال التنمية الاقتصادية وإنشاء البنى التحتية، وهذا من الأولويات الأوروبية.
القول بأن تركيا تريد الاستقرار في الشمال السوري من أجل التفرغ لملفات أخرى وعلى رأسها الخلاف مع اليونان، فهذا لا يمكن حدوثه حاليا فالدولتان أعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وما يجري بينهما لا يتعدى أن يكون مشادات إعلامية وتبادل للاتهامات، وقيادة الحلف لن تسمح بحصول أي توتر في المنطقة، فالتركيز الغربي ينصب على الغزو الروسي لأوكرانيا.
ما هي مكونات “الجيش لوطني”؟
في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، تم تأسيس “الجيش الوطني” من ثلاثة فيالق عسكرية (أوّل، ثاني، ثالث) بقوام 50 ألف مقاتل تقريبا ينتشرون في مناطق عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بريف حلب، و”نبع السلام” في ريفي الحسكة والرقة، قبل أن تنضم إليه “الجبهة الوطنية للتحرير” التي شُكلت، شهر أيار/مايو 2018، من 11 فصيلا من “الجيش السوري الحر” سابقا في محافظة إدلب.
“الفيلق الأول”، وكان يتألف من أربع فرق، “الفرقة 11″، “لواء الشمال”، و”جيش الأحفاد”، و”الفرقة 12″، المكونة من “لواء سمرقند”، و”لواء المنتصر بالله”، و”أحرار الشرقية”، “الفرقة 13″، المكونة من “لواء السلطان محمد الفاتح”، و”قاعدة غزل”، و”لواء الوقاص” و”الفرقة 14″ المكونة من”فيلق الشام، و”الفرقة التاسعة”، و”جيش النخبة”، و”جيش الشرقية”، و”الفرقة 20″، وانضمت للفيلق لاحقا “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، قبل أن يُعلن قائدها “أبو عمشة” الانفصال منه والانتقال إلى “الفيلق الثاني”.
“الفيلق الثاني” كان يضم فصائل، “فرقة السلطان مراد”، وفرقة “الحمزة”، ولواء “صقور الشمال”، وفرقة “المعتصم”، و”جيش الإسلام”، وفيلق “الرحمن”.
“الفيلق الثالث” كان يضم فصائل، “الجبهة الشامية”، “وصقور الشام”، و”أحرار الشام القطاع الشرقي الفرقة 32″، و”الجبهة 51” المكونة من “لواء السلطان عثمان”، وفوج “المصطفى”، وثوار الجزيرة”، “الفوج الأول” ولواء “السلام” و”الفرقة “23، و”الفوج الخامس”، و”فيلق المجد”.
لكن وبحسب خبراء فإن استراتيجية تشكيل “الجيش الوطني”، وفق هيكلية الفيالق اصطدمت بالفصائلية وتعدد الولاءات، ما دفع معظم فصائل تلك الفيالق إلى إعلان تكتلات واندماجات وهمية، فيما بينها، نتج عنها ثلاثة تشكيلات هي الموجودة الآن وهي “هيئة ثائرون للتحرير”، و”حركة التحرير والبناء”، و”الفيلق الثالث”.
قد يهمك:الشمال السوري.. كيف يكسب “أبو عمشة” 30 مليون دولار سنوياً
تشتت تلك الفصائل في الشمال، أدى إلى تنازعها خلال السنوات الماضية، ما تسبب بإضعاف معظمها مما أفقد المنطقة الاستقرار وما مهّد للبدء بسقوط مواقعها بيد “هيئة تحرير الشام”، حيث تشير المعطيات إلى أن مرحلة جديدة بدأت في الشمال ربما لن تلعب فيها هذه الفصائل سوى دور محدود يلبي فقط مصالح تركيا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.