لا يزال سوق الطاقة للدول الأوروبية تحت الاحتكار الروسي على الرغم من سعيهم الحثيث للتخلص منه، عن طريق تنويع المصادر وخفض الاعتماد على أنواع الطاقة الأحفورية مقابل الاعتماد على الطاقة المتجددة، لكن تمويل أوروبا لمشاريع الطاقة المتجددة في الفترة الأخيرة كان جزءا من المشكلة التي تعيشها في الوقت الحالي، لأنه ترافق مع الحرب الروسية الأوكرانية، في وقت كانت فيه أوروبا أحوج لتطوير البنية التحتية لاستقبال “الغاز المسال”. 

ألمانيا هي الأكثر تأثرا من الحرب الروسية الأوكرانية مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، فهي تستورد سنويا من روسيا 41 مليار متر مكعب، ويأتي أكثر من نصفها عبر خط أنابيب نورد ستريم 1، ومن المعروف أن ألمانيا هي أكبر مستهلك للطاقة وصاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، وتحاول منذ فترة إيجاد بدائل عن الغاز الروسي، تخوفا من نقص المخزونات الاستراتيجية لمواجهة فصل الشتاء الذي يتوقع أن يكون باردا جدا.

ضمن المساعي الألمانية لإيجاد بديل عن الغاز الروسي قام المستشار الألماني في أيلول/سبتمبر الماضي، بزيارة لدول الخليج العربي لتعويض جزء من الغاز الروسي، ومن المهم توضيح أن زيارة المستشار لدول الخليج ارتبطت بقيام ألمانيا بعملية تطوير واسعة للبنية التحتية لتسييل الغاز، والتي تشمل استئجار خمس محطات تسييل عائمة في البحر، ومن المعروف أن برلين قبل سنة كانت لا تمتلك أي محطة تسييل بسبب اعتمادها على الأنابيب في استيراد الغاز.

 يجب التنويه هنا إلى أن الغاز الطبيعي يستورد عبر خطوط الأنابيب ويذهب إلى الاستهلاك بشكل مباشر، أما الغاز “المسال” فيحتاج إلى عملية تسييل من دولة المنشأ ومن دولة الاستهلاك، وتكون عملية التسييل عبر محطات متخصصة، تكون متمركزة على السواحل، أو من خلال محطات تسييل عائمة على البحر.

السطور التالية تناقش الأسباب والنتائج المتوقعة من زيارة المستشار الألماني إلى دول الخليج العربي، والتي ركزت على قطاع الطاقة. 

توزع الزيارة

السعودية تقود منظمة “أوبك” في اتفاقها مع الدول المنتجة للنفط من خارج “أوبك” وعلى رأسهم روسيا، والذين شكلوا جميعا ما يعرف بمجموعة “أوبك بلس”. تأثير السعودية على سوق الطاقة الدولية لاسيما النفط قد تم توضيحه في مقال سابق لـ “الحل نت” تحت عنوان “أهمية دور دول الخليج العربي في سوق الطاقة الدولية”،  ويطرح التساؤل هنا عن أهمية السعودية بالنسبة لألمانيا التي تعيش أزمة في تأمين مصادر الغاز وليس النفط، مع العلم أن المستشار الألماني لم يعقد أي اتفاق بخصوص الغاز مع السعودية، وتكمن الإجابة في أن ألمانيا تريد من جهة تحقيق استقرار عالمي في سوق الطاقة الدولية، من خلال زيادة السعودية من إنتاجها للنفط وهي ترفض ذلك إلى الآن، ومع زيادة الإنتاج لن تنخفض فقط أسعار النفط بل سينعكس ذلك على أسعار موارد الطاقة الأحفورية الأخرى ولاسيما الغاز، ومن ناحية أخرى فإن انخفاض أسعار الطاقة سيضعف الاقتصاد الروسي بشكل متعاظم، بحكم اعتماده على العوائد المالية من واردات الطاقة، خاصة بعد العقوبات الدولية التي فرضت عليه.

 الإمارات العربية المتحدة تمتلك سابع أكبر احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي في العالم، والذي يقدر بحوالي 6 تريليون متر مكعب، ووفقا لمنظمة “أوبك” تبلغ صادرات الإمارات من الغاز المسال سنويا 8 مليار متر مكعب وغالبيتها تذهب إلى دول شرق آسيا، وتحتاج البنية التحتية لمنشآت الغاز في الإمارات، لتطوير حتى تتمكن من رفع إنتاجها وتصبح قادرة على تصدير كميات أكبر إلى السوق الدولية.

المستشار الألماني قد وقع في زيارته الأخيرة مع حكومة أبو ظبي، اتفاقية تصدير الغاز “المسال” الإماراتي إلى ألمانيا بصفقة تصدير بسعة 137 ألف طن لعام 2022، على أن تزيد الكمية في عام 2023. والكمية المتفق عليها لا تمثل إلا جزءا بسيطا جدا من مجموع استهلاك ألمانيا للغاز، لكن على المدى المتوسط والطويل وبعد الانتهاء من عملية تطوير البنية التحتية لمنشآت الغاز ستصبح الإمارات من الدول المصدرة للغاز للسوق الدولية، ويعتبر توقيع الاتفاقية السابقة كبداية لصفقات مستقبلية بين البلدين، وقد تكسب ألمانيا استيراد كميات أكبر من الغاز الإماراتي مستقبلا، مما يقلص جزء من واردات الغاز الروسية.

قطر تصنف في المرتبة الثالثة عالميا باحتياطيات الغاز التي تبلغ 24 تريليون متر مكعب، ما يمثل نحو 13.1بالمئة من إجمالي احتياطيات العالمي وأنتجت عام 2020 أكثر من 170 مليار متر مكعب من الغاز المسال، وبذلك تعد الدولة الأولى عالمياِ في إنتاج وتصدير “الغاز المسال”.

قطر تعمل على مشروع توسيع حقل الشمال للغاز بقيمة تبلغ 28 مليار دولار أميركي بهدف زيادة الطاقة الإنتاجية من 77 مليون طن إلى 110 مليون طن سنويا، بزيادة سنوية تقدر بنحو 43 بالمئة، كما تمتلك قطر أكبر أسطول لنقل الغاز “المسال” على مستوى العالم والذي يضم 69 سفينة نقل، ووحدة عائمة لتخزين وإعادة الغاز “المسال” لحالته الطبيعية، حيث ستشكل الوحدة العائمة دعامة مهمة لتصدير الغاز لأوروبا.

  

في عام 2021، وقّعت قطر للطاقة اتفاقيات لبناء أكثر من 100 ناقلة جديدة للغاز بقيمة 100 مليار دولار، حيث تصدر قطر حاليا حوالي 16.4 مليون طن من الغاز إلى أوروبا والذي يمثل 20.5 بالمئة من صادراتها، بينما يمثل 5 بالمئة من احتياجات السوق الأوروبية، وتذهب غالبية الصادرات إلى ألمانيا، وتسعى ألمانيا لتوقيع صفقات استيراد الغاز من قطر بعد بدئها لتأسيس خمس محطات لتسييل الغاز، وذلك لتكون قطر بديلا هاما لألمانيا عن الغاز الروسي.

المستشار أولاف شولتز بعد زيارته لدول السعودية والإمارات وقطر، أكد على أهمية الدول الثلاث في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، والتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه ألمانيا، ومن أهم النتائج التي يمكن توقعها من الزيارة هو محاولة كسب الإمارات كمصدر مستقبلي لتوفير الغاز للسوق الألمانية، لأن أبو ظبي في طور عملية توسيع إنتاجها من الغاز، وسيكون له أهمية للسوق الأوروبية.

كما أنه وبعد بدء ألمانيا في عملية تشغيل محطات تسييل الغاز فهي تحتاج لكميات كبيرة من “الغاز المسال”، وقطر من أكثر دول العالم قدرة على زيادة إنتاج الغاز مقارنة بالدول الأخرى، لما تمتلكه من احتياطيات وبنية تحتية متطورة، وعلى ما يبدو لم تستطع ألمانيا تحصيل مكاسب من السعودية فيما يخص رفع إنتاج النفط، لاسيما بعد قرار “أوبك بلس” في تخفيض الإنتاج إلى 2 مليون برميل.

اقرا أيضا: ما هي حلول أوروبا للخروج من مأزق الغاز الروسي؟

بالنتيجة مع بدء ألمانيا في تأسيس خمس محطات لتسييل الغاز، والتي تبلغ طاقتها الإجمالية مجتمعة بين 20 – 25 مليار متر مكعب سنويا وهذا الرقم يعادل نصف ما تستورده ألمانيا من روسيا، سيكون لدول الخليج الثلاثة لاسيما قطر والإمارات دور رئيسي في تغطية الطلب الألماني على “الغاز المسال”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.