بعد رحلات عبور قاسية باتجاه أوروبا بدأت من درعا في الجنوب السوري، وصل الشاب العشريني جاسم إلى ألمانيا، برفقة 3 من شبان مدينته عبر شبكة مهربين في تلك المناطق. جاسم الذي اكتفى بذكر اسمه الأول لدواعي أمنية تتعلق بعائلته التي لازالت في درعا، وصل إلى لبنان مقابل 3000 دولار أميركي، وهناك كان بانتظاره مهرب آخر طلب منه إخراج جواز سفر فوري خلال يوم واحد كلفه 1300 دولار.

قد يهمك: بين صيف وأيلول درعا.. ما الذي تغير في الجنوب السوري خلال 4 سنوات

رحلته بدأت إلى أوربا من لبنان إلى مطار “هواري بومدين” الدولي في الجزائر بحسب حديث جاسم لـ “الحل نت” حيث يقول إنه دفع 1300 دولار للمهرب من أجل الحصول على الدعوة السياحية، ودفع أيضا ما يقرب 1000 دولار قيمة تذكرة الذهاب والعودة. جاسم وصل عبر السواحل الجزائرية إلى إسبانيا ومنها انتقل إلى النمسا، في مغامرة كلفته أكثر من 30 ألف دولار، بعد ثلاث محاولات فاشلة، دفعت بوالده لبيع منزل العائلة وممتلكات أخرى لتأمين المال المطلوب للمهربين من أحول وصول ابنه لأوروبا.

عقارات للبيع بنصف ثمنها

أسعار العقارات في درعا انخفضت مؤخرا بأقل من ربع قيمتها، لأن نسبة كبيرة من أهالي المدينة باتوا يعرضون عقاراتهم للبيع بأقل من ربع قيمتها الحقيقة في سبيل الهجرة، في ظل الانفلات الأمني وازدياد معدلات الخطف والقتل وتدهور الظروف الاقتصادية التي تعيشها المنطقة.

بعض العوائل في درعا باتوا يرسلون أطفالهم الذكور ممن هم دون السن القانونية إلى أوروبا، من أجل لم شمل العائلة بعد وصوله، وهو ما دفع سرحان العلي (اسم مستعار لمهندس مدني من مدينة درعا) لإرسال ابنه ذو 10 سنوات برفقة خاله إلى ألمانيا.

أسعار العقارات التي كانت تباع بـ 100 ألف دولار باتت تباع بـ 10 آلاف دولار وأقل أحيانا، بحسب حديث العلي لـ “الحل نت”، حيث باع منزله ومزرعته بأقل من سعرهم بكثير، ليدفع للمهربين. منزل العلي كان يقدر بـ 125 ألف دولار، بيع بـ 12 ألف دولار أي أرخص من ثمنه بأكثر من عشرة أضعاف، إذ لم يملك العلي سوى خيار قبول عرض البائع لإنقاذ عائلته من العوز، بعد وصول ابنه البكر إلى النمسا، بحسب تعبيره.

غالبا تبيع بعض الأسر كل ما تملك وأحيانا تستدين، في سبيل وصول ابنهم القاصر إلى أوروبا، لكي يطالب الطفل بلم شمل الأسرة من هناك، بحسب حديث الشاب خلف جدوع من سكان درعا البلد لـ “الحل نت” والذي وصل قبل شهور قليلة إلى تركيا، للبحث عن طريقة آمنة للوصول لأوروبا، كونها الخيار الوحيد المتبقي أمامه بالرغم من صعوبته. الفارون من ضيق الظروف في درعا هم فقط يعرفون ما الذي يحدث في تلك الرقعة من خنق للحريات وتفقير للمنطقة، فتجار الحرب من يتحكمون بالحياة هناك، وفق جدوع.

مصالح خفية

حول أهداف القوى المسيطرة على منطقة درعا لدفع أهلها للهجرة، كشف الصحفي مصطفى خليل المنحدر من مدينة الجاسم بريف درعا، لـ “الحل نت” عن خطة إيرانية بدفع أهالي درعا للهجرة الطوعية، لتفريغ تلك المناطق من خلال نشر سماسرة لشراء أكبر قدر من المنازل والممتلكات بأرخص الأثمان، وتنفيذ مشروعها الاستيطاني من خلال إقامة قاعدة عسكرية لميلشياتها في منطقة الجنوب وتحديدا في درعا.

إيران تعتبر الجنوب هو ملعبها الأساسي الذي تستند له في سعيها لإتمام مشروعها الرامي لبسط سيطرتها خاصة على درعا وعموم المنطقة الجنوبية، بعد أن اتضح بأن إيران من تقف خلف ستار الاغتيالات وحالة الانفلات الأمني في درعا. تقارير صحفية نشرت في أواخر آب/أغسطس الفائت، تحدثت عن أن 100 مهاجر من مدينة نوى وصلوا خلال أسبوع واحد من الشهر ذاته إلى أوربا، بعد اجتيازهم السواحل الليبية باتجاه إيطاليا ومنها انتقلوا لعدة دول غربية.

قوافل المهاجرين من درعا هي شبه يومية تضم عائلات وأطفال وشبان تعبر الطرق المحفوفة بالمخاطر أملا في الوصول للقارة العجوز، إذ أن أكثر من 5000 شخص قد هاجروا من درعا منذ 2018. هجرة غير مسبوقة حتى للأطباء المختصين من درعا، غادروا مؤخرا إلى الدول الأوربية وبعضهم الآخر إلى الخليج العربي، وبالتالي افتقار درعا لمتخصصين في التخدير والأوعية والداخلية والعصبية وغيرها، والسبب في ذلك هو حالة الفوضى والفلتان الأمني، وعمليات الابتزاز والتهديد بقتل أطفالهم من قبل بعض عصابات الخطف والميلشيات المدعومة إيرانيا.

المنظمة الدولية للهجرة، كشفت في تقريرها الصادر في تموز/يوليو 2021 بأنّ عدد طالبي اللجوء الذين قضوا في البحر خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا، تضاعف في العام ذاته، مطالبة الدول باتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من هذه المأساة.

 إنّ ما لا يقلّ عن 1146 شخصا لقوا حتفهم في البحر في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا في النصف الأول من عام 2021، أي أكثر من ضعف العدد الذي سجّل في نفس الفترة من العام المنصرم (513 وفاة)، في حين وصل عدد الوفيات في النصف الأول من العام 2019 إلى 674 وفاة، بحسب تقرير المنظمة.

المنظمات المدنية العاملة في البحث والإنقاذ واصلت الاصطدام بعقبات كبيرة، بحسب التقرير، إذ إنّ أغلبية قواربها عالقة في الموانئ الأوروبية بسبب قرارات مصادرة إدارية وإجراءات جنائية وإدارية ضدّ أفراد طواقمها.

قاعدة إيرانية في الجنوب

ظاهرة الهجرة الكبيرة تصب في مصلحة بعض النافذين في الحكومة من خلال تسهيل منح جوازات السفر المكلفة والتي بلغت تكلفة إخراجها 800 دولار، ورغبة دمشق في تسهيلها باعتبارها أحد مواردها المادية التي تدر عليها آلاف الدولارات، بحسب الصحفي مصطفى خليل.

ندرة الخدمات المعيشية وتفريغ المنطقة من سكانها، رفع من معدلات الانتحار أيضا، بحسب خليل، فالشوارع قبل أن يخيم الظلام تجدها خالية من الحركة ومن بقي من سكان المنطقة، يكونوا قابعين في منازلهم خوفا من حالات الخطف والقتل.

إيران بدأت منذ شهور بنقل بعض من فصائلها وأبرزهم “فاطميون” إلى محافظة درعا، إذ باتوا يسيطرون على الحواجز والمعابر، ويشرفون على إثارة الفوضى وترهيب المدنيين ونشر المخدرات وصناعتها في المنطقة، وفق خليل. 

صحيفة “القبس” الكويتية نقلت عن مصادر مطلعة داخل إيران، أن حكومة طهران نقلت وحدات جديدة من “فيلق القدس” (الجناح الخارجي لـ “الحرس الثوري”) إلى الحدود السورية الأردنية، لإنشاء قاعدة “مالك الأشتر” العسكرية فيها عوضا عن المراكز الصغيرة التي تستخدمها ميليشياتها في المنطقة.

“الحرس الثوري” الإيراني أرسل بزعامة حكمت الله هراتي، القيادي في الميليشيات الأفغانية ثلاث وحدات جديدة من لواء “فاطميون” وصلت إلى دمشق ومنها إلى درعا قادمة من طهران في أغسطس الماضي، والتي دربت في معسكرات تابعة للحرس جنوب شرق طهران، على استخدام صواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، وبحسب الصحيفة هذه الوحدات هي مجهزة عسكريا أكثر من الميليشيات الإيرانية المتمركزة في العاصمة دمشق.

اقرأ أيضا: تردي الأوضاع الأمنية في الجنوب السوري.. هكذا تحمي الناس أرواحها

الميليشيات الإيرانية وبعض الميليشيات المحلية مارست الضغط على أهالي محافظة درعا ودفعت سكانها لمغادرتها، وركوب قوارب الموت بحثا عن لقمة عيش وحياة آمنة فقدوها في مدينتهم، بعد انتشار عمليات الاغتيالات والخطف ونشر المخدرات وتحويل درعا لحقل تجارب لاختبار أسلحتها العسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.