لم تكن اتفاقية التسوية الثانية التي جرت في درعا في آب/أغسطس من العام الماضي 2021، سوى تتمة للمخطط الذي بدأ بالتسوية الأولى في تموز/يوليو 2018، وبوابة كبرى للسيطرة الإيرانية على المحافظة، من خلال تغذية الفوضى الأمنية والاغتيالات، والجرائم الناتجة عن ترويج المخدرات وتعاطيها ما أفقد السكان عنصر الأمان في حياتهم، ليعيشوا بين خوف القتل أو السلب وحتى الخطف، سواء كانوا مدنيين لم يلتحقوا بأي عمل عسكري خلال السنوات الماضية وليس لهم أية نزاعات وخصومة مع عناصر النفوذ الإيراني هناك، و كذلك من المعارضين للمخططات الإيرانية، فالكل بات هدفا مباحا لمختلف أنواع القتل.

حماية ذاتية

لا يخفي أبناء درعا قلقهم من التنقل بين المدن والقرى، وحتى ضمن المدينة أو القرية نفسها، وفي بعض الأحيان داخل منازلهم، فانتشار “خلايا الاغتيال” كما يسمونها، بات أمرا واقعا يصعب التخلص منه لأسباب مختلفة تتعلق بتبعية هذه الخلايا، فمنها ما يتبع للأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق، ومنها للميليشيات الإيرانية، وأخرى للمعارضة، ومنها ما يتبع لتنظيم “داعش” الإرهابي، وبعضها خلايا تعمل بشكل منفرد من أجل السرقة والابتزاز.

فراس أبو أحمد، يتحدث لـ”الحل نت”، بحرقة عما آلت الأمور إليه في ريف درعا الغربي، من ناحية الأمان، قائلا “لم أكن أتخيل يوما أنني سأضطر لحمل سلاح معي عند التنقل داخل بلدتي، لا فرق إن كان ذلك نهارا أم ليلا فالحال واحدة. من الممكن أن أتعرض أنا أو أي شخص للقتل دون معرفة السبب على الرغم أنني لم أكن يوما في صفوف أي جهة، وهناك أيضا حالات الخطف أو قطع الطريق خاصة إذا رغبت بالذهاب إلى بلدة أخرى مجاورة، فالعصابات تنتشر انتشار النار في الهشيم”.

ويتابع أبو أحمد “أحيانا أشعر وكأننا عدنا إلى زمن كنا نشاهده في المسلسلات البدوية، حيث يتواجد قطاع الطرق في الأماكن البعيدة عن السكن، حيث يقومون بسلب المارة فقط من أجل السلب، وفي إحدى المرات تعرضت لمحاولة من هذا النوع على إحدى الطرق في حوض اليرموك، حيث كانت تقف مجموعة مسلحة في وسط الطريق وحاولت إيقافي، لكن قمت بإطلاق النار في الهواء قبل وصولي إليهم، هم لم يهربوا ولكنهم لم يتقدموا نحوي ما أعطاني دقائق قليلة للاستدارة بسيارتي والهروب مذعورا من أنني كنت على بعد دقائق من القتل والسلب ورمي جثتي على أطراف إحدى الطرق”.

إقرأ:قاعدة التنف الأميركية: هل ستتدخل واشنطن ضد الميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري؟

الخطر حتى داخل المنزل

لا تقتصر الأخطار المحدقة بالأهالي على الاغتيال لأي سبب، ولكن هناك خطر قد يحيق بهم حتى في المنازل، خاصة إذا تعلق الأمر بوجود مبلغ مادي كبير لديهم، ففي هذه الحالة سيكونون هدفا صريحا لأشخاص لا مانع لديهم من اقتحام منزل وقتل من فيه لأجل سرقته.

الحاج عبدالله، وهو اسم لأحد تجار الخضار والفواكه في درعا، يروي لـ”الحل نت”، ما يعيشه من مخاوف يومية، قائلا “خلال عملي في سوق الهال لا بد أن أحمل يوميا مبالغ مالية كبيرة، وهذه المبالغ تجعلني أعيش حالة رعب من أن يقوم أحد ما باقتحام منزلي في أي لحظة ويقتلني من أجلها، ففي منطقتنا حدثت عدة جرائم مشابهة. قبل عامين قام شاب بقتل عمه وابن عمه لسرقة مبلغ مالي كان استلمه الرجل ثمنا لموسم الرمان، وقبل ذلك قتل شاب يملك محلا لبيع الذهب في داعل، ومنذ عام اقتحم شخص منزلا وقتل 3 أطفال لعلمه أن والدتهم استلمت حوالة مالية من زوجها الذي يعمل في ليبيا”.

ويتابع الحاج عبدالله “من أجل ذلك أضطر وأولادي لحمل سلاح لكن بشكل مخفي لحماية أنفسنا، كما قمت بتحصين أبواب المنزل بشكل جيد، ورغم ذلك بمجرد سماع صوت دراجة نارية أنتفض من مكاني معتقدا أنني سأتعرض للأذى. هذه حياتنا الآن، العيش في ظل فلتان أمني ورعب حرمنا حتى من علاقاتنا الاجتماعية، فقرار الذهاب لزيارة أي شخص مساء، يحتاج لمخطط كامل حول الطرق التي يجب أن نسلكها، وأن الذهاب والعودة يجب أن يكونا بسرعة وحذر، في درعا نحن لا نعرف من يقتلنا ومن أجل ماذا، هناك العديد من الأطراف وجميعها تقتل أبناءنا، لا يمكن بأي شكل أن نقول أن هناك حالة من الأمان، كل ما يُشاع حول ذلك محض كذب”.

قد يهمك:الاغتيالات وسيلة مناسبة لتحجيم النفوذ الإيراني في الجنوب السوري؟

الاغتيالات المكشوفة

من الواضح أن عمليات الاغتيال في درعا بدأت تأخذ منحى جديدا، خاصة بعد عملية اغتيال القياديين فجر اليوم الجمعة، إذ لأول مرة تتم عملية اغتيال في منطقة أمنية بالكامل تابعة لدمشق وللميليشيات الإيرانية، ما يعطي مؤشرا على أن القتل خلال المرحلة القادمة سيكون صريحا وعلى المكشوف.

فبعد منتصف ليلة أمس الخميس، قامت مجموعة تابعة للأجهزة الأمنية السورية والميليشيات الإيرانية قرب مدينة درعا باغتيال القيادي خلدون بديوي الزعبي، من مدينة طفس في ريف درعا الغربي.

وبحسب معلومات خاصة بـ”الحل نت”، فقد عُقد اجتماع ليلة أمس في مدينة درعا، بين اللجنة الأمنية وعلى رأسها العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري، وبين القيادي خلدون الزعبي يرافقه عدد من عناصره ومن الوجهاء في طفس، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق الذي جرى مؤخرا على خلفية حصار مدينة طفس.

وبعد انتهاء الاجتماع غادر وفد مدينة طفس، وسلكوا الطريق المؤدي إلى بلدة اليادودة، وعند وصولهم إلى حاجز تابع للفرقة 15 التابعة لحكومة دمشق، أُطلقت على سياراتهم قذيفة “آر بي جي”، تلاها إطلاق نار كثيف عليهم، ما أدى لمقتل الزعبي وأربعة معه وإصابة آخرين.

مصدر خاص لـ”الحل نت”، أكد أن المنطقة هي منطقة أمنية بشكل كامل، وأن الأوامر بتنفيذ العملية لا يملك أي شخص صلاحية إعطائها سوى لؤي العلي، أي أن الأخير نجح بجر الوفد إلى كمين محكم لتصفيته.

إقرأ:تحركات مريبة للروس في الجنوب السوري.. ماذا تريد موسكو؟

إيران والسيطرة العلنية

في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة العمل على المشروع الإيراني في الفترة الأخيرة، كان لا بد من تصفية أي شخص يقف أو من المحتمل أن يقف في وجهه وبأسرع وقت ممكن، ولم تكن عملية اغتيال الزعبي فجر اليوم، والقيادي السابق الشيخ فادي العاسمي قبل نحو أسبوع إلا ضمن هذا السياق، ومن المتوقع بحسب معلومات حصل عليها “الحل نت” أن تتصاعد عمليات الاغتيال لتطال قياديين حتى داخل منازلهم.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن صحيفة “القبس” الكويتية، أن مصادر مطلعة داخل إيران، صرحت بأن طهران أرسلت أخيرا وحدات جديدة من “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني إلى الحدود السورية – الأردنية، وهي بصدد إنشاء قاعدة كبيرة بدلا من النقاط الصغيرة التي تستخدم من قبل ميليشياتها في المنطقة.

وأضافت المصادر، أن “الحرس الثوري” أرسل أيضا ثلاث وحدات جديدة من لواء “فاطميون” بزعامة القيادي في الميليشيات الأفغانية حكمت الله هراتي، حيث وصلت مؤخرا من طهران إلى دمشق ثم إلى مدينة درعا جنوبي سوريا، وقد أُرسلت تحديدا للاستقرار والانتشار على الحدود السورية – الأردنية بعد أن تم تدريبها، في معسكرات تابعة لـ”الحرس الثوري” جنوب شرق طهران، على استخدام صواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، وهي مجهزة عسكريا أكثر من الميليشيات الإيرانية المتمركزة في دمشق.

وأشارت المصادر الإيرانية إلى أن “الحرس الثوري” أنشأ قيادة جديدة لإدارة المنطقة السورية الجنوبية، وتولت هذه القيادة مهامها الأسبوع الماضي بعد أن استكملت الوحدات الأفغانية انتشارها على طول النقاط الحدودية مع الأردن.

وأوضحت المصادر الايرانية، أن “الحرس الثوري” أطلق اسم “مالك الأشتر” على القاعدة الجديدة التي بدأ استكمال بنائها وانشائها في ريف درعا، مبينة أن عدد عناصر ميليشيات “فاطميون” الذين نقلوا إلى الحدود السورية – الأردنية يبلغ نحو 350 عنصرا إضافة إلى ضباط وكوادر للحرس الثوري. وتريد إيران الاستقرار لفترة طويلة هناك، وأكدت المصادر أن عائلات عناصر لواء “فاطميون”، التحقت بهم بعد وصولهم إلى درعا.

ونقلت الصحيفة عن المصادر الإيرانية، أن طهران تخطط للاستثمار في المنطقة الجنوبية من سوريا، وإنشاء قاعدة “مالك الأشتر” في درعا هو في جزء حماية الشركات الإيرانية من هجمات قد تشنها فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى إنشاء نقطة مركزية ثابتة في الجنوب لإحكام السيطرة على مثلث درعا ـ القنيطرة ـ دمشق.

قد يهمك:فزاعة “داعش” في الجنوب السوري برعاية النفوذ الإيراني

وفي هذا السياق، تحدثت مصادر محلية لـ”الحل نت”، عن القواعد المحتمل إنشاؤها من قبل إيران في درعا، مبينة أن هناك ثلاث مناطق رئيسية، وهي قاعدة مثلث الموت الموجودة فعلا بين درعا والقنيطرة، والتي أنشأها قاسم سليماني، القائد السابق لـ “فيلق القدس” الإيراني، وقاعدة الدفاع الجوي قرب درعا البلد وهي المرشحة بشكل رئيسي لتكون قاعدة ميليشيا “فاطميون”، إضافة لقاعدة في منطقة اللجاة حيث تتواجد الميليشيات منذ العام 2018، وقد حصل “الحل نت”، على صورة تبين تواجد عناصر من ميليشيا “فاطميون” في ضاحية مدينة درعا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.