تطورات جديدة في الجنوب السوري، أُعيد فيها تنظيم “داعش” إلى الواجهة مجددا، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات العربية ،والدولية الرافضة للتمدد الإيراني في هذه المنطقة، واتهامها لميليشيات إيران بتهريب المخدرات والسلاح، حيث بدأ الجيش السوري، مدعوما بالمروحيات وطائرات مسيرة روسية يوم أمس السبت عملية عسكرية في بادية السويداء لملاحقة عناصر “داعش”، بعد يومين على مقتل عنصرين من التنظيم في المنطقة.

وعلى الجانب المقابل، في محافظة درعا، قُتل يوم أمس السبت، معاون مخفر بلدة خربة غزالة في ريف درعا الشرقي، في منطقة تعتبر مربعا أمنيا للأجهزة الأمنية السورية، ليتبنى تنظيم “داعش” العملية بعد ساعات، هذه التطورات اللافتة تطرح العديد من التساؤلات، حول حقيقة عودة التنظيم للجنوب بشكل مفاجئ، والرسائل التي يريد مشغّلو التنظيم إيصالها خارجيا وداخليا، ومدى نجاح إيران بتحقيق أهدافها من إعادة التنظيم للواجهة.

تغيير في الأولويات

مؤخرا وُجهت التصريحات الرسمية الأردنية، نحو الوجود الإيراني جنوب سوريا، ودور هذا الوجود في تهريب المخدرات والسلاح للأردن، وما تبع ذلك من مقترح الملك الأردني عبدالله الثاني، لتشكيل “ناتو” عربي، في إشارة لمواجهة خطر تمدد هذه الميليشيات.

ولكن الإعلان عن عودة نشاط “داعش” في الجنوب وبالقرب من الحدود الأردنية، قد يغير من التوازنات في المنطقة، إذ إن محاربة التنظيم الإرهابي ضرورة ملحّة لـ”التحالف الدولي”، وكل دول العالم.

الكاتب والسياسي الأردني، عامر السبايلة، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن مجرد ظهور تنظيم “داعش” مجددا، يعني أن هناك تغييرا في الأولويات، أي أنه إذا كانت فكرة استهداف الميليشيات الإيرانية، على رأس الأولويات في هذه المرحلة من قبل الكثيرين، فإن ذلك سيتغير حاليا بحسب المعطيات الجديدة، حيث ستتحول هذه الميليشيات من عدو مُستهدف إلى حليف غير مباشر لأن التنظيم هو عدو للجميع.

من جهته، الصحفي من السويداء، ماهر الباروكي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الدول العربية وعلى رأسها الأردن، ستبدأ بالتفكير قبل القيام بأي تحرك على الحدود مع سوريا ضد الميليشيات الإيرانية، فهذه الميليشيات على الرغم مما تقوم به من عمليات تهريب للمخدرات والسلاح، إلا أنها تعتبر أكثر انضباطا من الناحية العسكرية من “داعش”، وبالتالي فإن إعادة التنظيم إلى الواجهة وبدفع من دمشق وإيران، قد تغير الأولويات في المنطقة.

إقرأ:توسيع استهداف مروجي المخدرات في درعا.. من الخاسر الأكبر؟

كيف أُعيد “داعش” للواجهة؟

عملية تسليط الضوء على عودة “داعش” إلى الجنوب السوري، أكبر وأهم بالنسبة للعالم أجمع من تواجد الميليشيات الإيرانية، وعمليات تهريب المخدرات.

وعودة التنظيم إلى الواجهة بدأت مؤشراتها تظهر منذ عدة أشهر، على الرغم من أنه موجود في الأصل ولكن بشكل محدود جدا، من خلال تحرك مقاتليه في الجنوب السوري، وبالتالي فهذه غاية مهمة للميليشيات الإيرانية ودمشق، كما ترتبط بتحولات عديدة على الساحة السورية، بحسب عامر السبايلة.

وبحسب معلومات خاصة، حصل عليها “الحل نت”، فإن العملية التي قُتل خلالها عنصرين من التنظيم قبل يومين في بادية السويداء، كانت الرسالة الأهم عن عودة التنظيم، والتي تم تدبيرها من قبل الميليشيات وأجهزة الأمن السورية، فخلافا على ما أُعلن عن العثور في سيارة العنصرين على بعض السلاح، وهو غير ذي قيمة، فقد تم وضع 200 بدلة عسكرية، من الزي العسكري للجيش السوري.

وبحسب المصدر، فإن الغاية من هذه البدلات هو إيصال رسالة للخارج أولا، أن هناك ما لا يقل عن 200 مقاتل للتنظيم في منطقة بادية السويداء، كانوا سيستخدمون هذا الزي لشن هجمات في عمق السويداء والمنطقة الحدودية مع الأردن، ورسالة للداخل لترهيب أهالي السويداء، والجنوب بشكل عام وتخييرهم بين الرضوخ للأجهزة الأمنية والميليشيات، أو مواجهة داعش كما حصل في السويداء قبل نحو 3 سنوات، ولذلك بدأت القوات الحكومية، وبدعم روسي عمليتها العسكرية أمس، والتي لم تسفر حتى الآن عن اعتقال أو قتل أي عنصر من التنظيم، مشيرا إلى أنه كان من النادر أن يجتمع في مكان واحد 15 مقاتل من “داعش” على الأكثر.

ومن جهة ثانية، قال أيمن أبو محمود، الناطق باسم “تجمع أحرار حوران” لموقع “الحل نت”، أن حادثة مقتل المساعد أيمن حمورة، معاون رئيس مخفر بلدة خربة غزالة أمس، كانت من تنفيذ أجهزة الأمن السورية، إذ تمت العملية بالقرب من دوار البلدة، وهي منطقة أمنية مشددة، كما أنه ليس هناك تواجد لعناصر التنظيم الإرهابي في محيط البلدة أو داخلها.

وحول الشرطي، أضاف أبو محمود، أنه ينحدر من بلدة جباب في ريف درعا الشمالي، وهو من الأشخاص المقربين من أهالي البلدة، وهو ما يغضب الأجهزة الأمنية التي حذرته من طريقة تعامله “الجيدة” مع أبناء البلدة، مشيرا إلى أن إعلان التنظيم مسؤوليته عن قتله هي من عمل الأجهزة الأمنية التي تدير خلايا اغتيال العديد من عناصرها يتبعون لـ”داعش”.

قد يهمك:الخدمة الإلزامية في درعا: ما مصلحة إيران من تفريغ المحافظة من شبابها؟

لا رغبة بحسم ملف داعش

عامر السبايلة، يرى أن وجود تنظيم “داعش” في الجنوب، يشكل معضلة منذ البداية، لكن في الوقت الراهن لن تقوم أي جهة، كحكومة دمشق، أو الروس، بشن حرب مفتوحة ضد التنظيم، بل ستقتصر على حملات عسكرية محدودة ومتنقلة بين المناطق، فتواجد التنظيم توظيف مهم لصالح دمشق والميليشيات من جهة، وأنه التنظيم موجود وهذه حقيقة من جهة أخرى.

من جهته، ماهر الباروكي، يرى أنه لو كان هناك رغبة لإنهاء ملف “داعش” في درعا بشكل خاص فالأمر ليس مستحيلا، ولكن دمشق والميليشيات لا يرغبون بذلك، فدرعا أهم نقطة اشتعال ضد الطرفين الحكومي والإيراني، لذلك بقاء التنظيم وتحريكه ضد المعارضين يُحقق لدمشق والميليشيات هدفين، الأول ضرب الشخصيات المعارضة في المحافظة، والثاني اعتباره ذريعة لاقتحام أي منطقة وفرض شروط وتسويات جديدة فيها، كما حصل قبل عام في درعا البلد.

إقرأ:هل يتحول “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش” في الصحراء السورية؟

الترحيل والطائفية والمخدرات مشروع مستمر

للمنطقة الجنوبية أهميتها الاستراتيجية، وتنوعها المذهبي الذي لم يتمكن أحد من التأثير عليه، أو إيجاد شرخ فيه، وخاصة تلك العلاقة بين درعا والسويداء، لكن إيران ودمشق، يعملون على الاستفادة من توظيف داعش في هذه المنطقة من خلال تحقيق عدة أهداف.

فبحسب الباروكي، فإن وجود داعش بالقرب من السويداء مهم لترهيب أبناء المحافظة، وإشغالهم عن القضايا الاقتصادية والمعيشية والخدمية، ومن جهة أخرى فهو مهم أيضا لإيجاد شرخ بين السويداء ودرعا، من خلال الحفاظ على المكون “الدرزي” الخائف من محيطه “السني”.

ومن جانب آخر، فوجود “داعش” في درعا مهم من أجل استثماره بعمليات تهجير المعارضين من أبناء المحافظة، ومن الممكن أن تشهد المحافظة عمليات تهجير في المرحلة القادمة تتبع عمليات حصار واقتحام لمدن وبلدات فيها، ومشروع التهجير هو مشروع إيراني قائم.

وأما بالنسبة لما تنظر له الدول العربية حول علاقة إيران بالتنظيم، فذلك لم يعد يعني إيران أو دمشق، اللتين تجاوزتا هذه المرحلة، فالدول العربية تعلم أن إيران قادرة على تحريك التنظيم في سوريا في الوقت الذي تشاء، لكن ما يهم إيران ودمشق في الجنوب، هي المصلحة الاقتصادية المرتبطة بخطوط تهريب المخدرات، والتي تدر على إيران ودمشق أموالا كبيرة قادرة على سد عجزها في تمويل تواجدها العسكري.

قد يهمك:قتل على طريقة داعش في درعا.. ماذا يحصل؟

مرحلة مفصلية قادمة في الجنوب السوري، تنطوي على العديد من الاحتمالات، وحتى الآن تعمل إيران ودمشق على توجيه هذه المرحلة وفق رغباتها ومصالحها، في الوقت الذي يُنتظر أن تحمل الأيام القادمة قرارات بمواجهة واقع التمدد الإيراني في الجنوب

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.