موقف قاعدة التنف الأميركية في البادية السورية من التطورات الأخيرة في البلاد بات أحد أهم الملفات، التي تشغل المتابعين للشأن السوري. فبعد توارد أنباء عن إعادة تموضع القوات الروسية، الموجودة على الأراضي السورية منذ أيلول/ سبتمبر 2015. وانسحاب الروس من عدة مواقع في الجنوب السوري تحديدا، فضلا عن تحذيرات الملك الأردني عبد الله الثاني من “قيام إيران بملء الفراغ الروسي، ما سيؤدي لتوتر على طول الحدود السورية الأردنية”، يرى كثيرون أن القاعدة الأميركية قد تطوّر نشاطها للتصدي لتمدد النفوذ الإيراني على الأراضي السورية.

ومن المعروف أن قاعدة التنف الأميركية هي قاعدة عسكرية، أقامها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وتبعد حوالي أربعة وعشرين كيلومترا غربا عن معبر التنف/الوليد، أي أنها تقع عند المثلث الحدودي الأردني العراقي السوري، على بقعة جغرافية تتبع محافظة حمص السورية.

ويعتقد كثير من المراقبين أن قاعدة التنف الأميركية جاءت ردا على إقامة روسيا قاعدة عسكرية في مطار حميميم على الساحل السوري. علما أن المقارنة بين القاعدتين غير منطقية، وخاصة فيما يتعلق بحجم ونوعية الأسلحة والتجهيزات العسكرية الموجودة في كل منهما، وكذلك المهام المنوطة بهما، فقاعدة التنف، وفقا لموقع “كريسيس غروب” الأميركي، تعتبر”أقل القواعد كلفة من بين القواعد الأميركية في المنطقة”، بينما تولي روسيا اهتماما كبيرا، من الناحية المادية واللوجستية، بقاعدتها في حميميم.

فهل ستقوم القاعدة الأميركية بدور أساسي لمواجهة التمدد الإيراني في سوريا، بعد تراجع النفوذ الروسي، نتيجة انشغال القوات الروسية بالحرب في أوكرانيا؟ وهل هذه القاعدة مؤهلة أصلا للعب هذا الدور؟

قاعدة التنف وسط “الهلال الشيعي”

مجلة “بيزنس إنسايدر” الأميركية تحدثت عن أن “قاعدة التنف الأميركية تقوم بمنع إيران من نقل السلاح والميليشيات من العراق إلى سوريا، وباتت تقلق العواصم الثلاث المتحالفة: موسكو ودمشق وطهران”.

وأضافت المجلة في تقريرها أن “الدول الثلاث اتهمت الولايات المتحدة مرارا بتدريب مقاتلي داعش في قاعدة التنف في سورية، وذلك لتضليل الرأي العام، لكن في الواقع فهذه الدول مستاءة من كون تلك القاعدة تمنع تدفق الأسلحة الإيرانية والمقاتلين من العراق إلى سوريا، لدعم حكومة دمشق. كما أنها تقوم بتدريب المعارضين السوريين، الذين يصنّفهم الأميركيون بوصفهم مجموعات معتدلة”.

شون رايان، العقيد في الجيش الأميركي، والمتحدث باسم عملية “الحل المتأصل” في التنف، أكد أن “الولايات المتحدة تقود التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، أولا وقبل كل شيء، وهذا هو الهدف من وجودها في قاعدة التنف”.

وأضاف ريان، في تصريحات لـ”بيزنس إنسايدر”، أن “الحديث عن قيام القوات الأميركية بتدريب داعش غير صحيح إطلاقا ومضلل. ومن المدهش حقا أن بعض الناس يعتقدون ذلك”.

من جهته يقول “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” في القاهرة إن “اختيار موقع قاعدة التنف الأميركية في جنوب شرق سوريا، على المثلث الحدودى بين العراق وسوريا والأردن، لم يمثل استهدافا لتنظيم داعش فى منطقة الحدود السورية-العراقية فقط، وإنما مثل استهدافا مباشرا للمشروع الإقليمى الإيراني. إذ أن موقع القاعدة يقطع فعليا مسارا مروريا، يمتد من إيران إلى العراق، ومنه إلى سوريا، وبالتالى ينقطع جغرافيا مسار تواصل الهلال الشيعي، الذى ترغب إيران فى تأمينه (طريق بغداد – دمشق)”

وتجدر الاشارة إلى أن الإدارة الأميركية السابقة، وعلى لسان الرئيس الأميركي آنذااك دونالد ترامب، كانت قد أصدرت قرارا بسحب القوات الأميركية من سوريا، لكن ذلك لم ينفذ، ولا يبدو الإدارة الأميركية الحالية تنوي إصدار قرارات مماثلة.

اتجاهات الوجود الأميركي في التنف

وحول تقييم مسألة الوجود الأميركي في قاعدة التنف، والتغيرات التي قد تطرأ عليه بعد التراجع النسبي لدور روسيا في سوريا، يقول الباحث السوري الفلسطيني أيمن أبو هاشم إنه “من المرجح، في ضوء تصاعد الصراع في أوكرانيا، أن تتحول الجغرافيا السورية إلى ساحة ساخنة، يتم من خلالها الضغط العسكري والسياسي على الوجود والدور الروسي في المنطقة”.

ويتابع أبو هاشم في حديثه لـ”الحل نت”: “يبدو أن الأميركيين والإسرائيليين يعملون على مسارين في هذا الاتجاه. الأول: التحسّب لأي فراغ ميداني ينجم عن انسحاب، أو إعادة تموضع القوات الروسية، واستغلاله من قبل إيران وميليشياتها، لتوسيع قواعدها العسكرية في المناطق التي تنسحب منها القوات الروسية. وما الضربات الاسرائيلية الأخيرة سوى رسالة لإيران وحكومة دمشق بأن التمدد الإيراني في سورية غير مسموح به، وهذا ما يفسر أيضا الاستنفار العسكري الأميركي في قاعدة التنف، التي تقع في منطقة احتكاك مباشر بين النفوذين الأميركي والإيراني؛ والاتجاه الثاني يتوقف على مآل التوافقات التركية الأميركية حيال الملف الأوكراني، وتأثيرها على مواقف الطرفين في سوريا، فإذا أدارت تركيا ظهرها لروسيا في أوكرانيا، ستكون تفاهماتها مع أميركا، حول إعادة انتشارها في سوريا تحت عنوان المنطقة الآمنة، عامل ضغط ميداني على الوجود الروسي والإيراني معا”.

مقالات قد تهمك: استهداف قاعدة التنف: مواجهة إيرانية-أميركية على المثلث الحدودي الأخطر في المنطقة؟

هل ستدعم قاعدة التنف الأميركية الأردن؟

لعل التوتر على الحدود السورية-الأردنية أحد أهم مؤشرات التغيرات في الوضع الميداني السوري، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وإعادة تموضع القوات الروسية في سوريا. ما يجعل الأنظار متوجهة إلى موقف قاعدة التنف الأميركية مما يتعرّض له الأردن، وهو من أهم حلفاء أميركا في المنطقة، من انتهاكات لحدوده من قبل الميليشيات الإيرانية.

الكاتب السوري حسن العايد يؤكد أن”أميركا اختارت منطقة التنف في البادية السورية لأهميتها الاستراتيجية، فهي تقع على الحدود السورية العراقية، وعلى حدود الأردن الشمالية، والتي لاتبعد كثيرا عن منطقة عرعر في الشمال السعودي. وتعتبر الأردن عضوا أساسيا في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وقد بدأ يثير قلقها مايجري على حدودها الشمالية مع سوريا، إذ باتت معبرا لتهريب المخدرات نحو السعودية والخليج العربي، وهو النشاط الذي ينظمه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني”.

ويتابع العايد في حديثه لـ”الحل نت”: “من المهام الأساسية لقاعدة التنف الأميركية مراقبة تحركات الميليشيات الإيرانية، إضافة لمراقبة تحركات داعش بالبادية السورية. وسبق للتحالف الدولي بقيادة أميركا التصدي للقوات النظامية والميليشيات الإيرانية، وتدمير عدة آليات لها، عندما حاولت الدخول لبعض المناطق التي تقع تحت السيطرة الأميركية، لا سيما منطقة الكيلو 55، وهي منطقة خاضعة لاتفاق خفض التصعيد. ومكرسة لمراقبة وعرقلة مشروع الهلال الشيعي”.

وحول الموقف الأردني بالتحديد يقول الكاتب السوري: “أكد الملك الأردني، في آخر تصريحات له، بأن حدوده الشمالية قد تكون مقبلة على صراعات وحروب، مع تمدد الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، بعد انسحابات روسيا من الجنوب السوري. وبتقديري لن يترك الأردن لتلك الميلشيات حرية الحركة تحت أي ظرف”.

ويختتم العايد تحليله بالقول: “لابد من الإشارة إلى أن هناك في المنطقة نفسها نشاطات عسكرية، تحت رعاية أميركا والتحالف الدولي، لفصيل مغاوير الثورة، بقيادة العميد مهند الطلاع، وهو من محافظة دير الزور. ولا أستبعد أن المنطقة ستشهد تصعيدا ضد الميليشيات الإيرانية من قبل الأميركيين والأردنيين. وربما بمساهمة من الطيران الإسرائيلي، وطيران دول التحالف الدولي، في حال أصرت الميليشيات الإيرانية على تصعيد نشاطها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.