الشتاء، الفصل الذي بات يشكل عبئا ثقيلا على السوريين منذ عدة سنوات، فقد أصبح حلوله بمثابة كابوس لدى الغالبية منهم، فهناك نقص في وسائل التدفئة وارتفاع بأسعارها، والخدمات وعلى رأسها الكهرباء، ومع حلوله لا بد من لقائه بلباس مناسب قادر على جلب الدفء، ولكن ارتفاع أسعار الملابس بما فيها المستعملة “البالة” بات فوق قدرة السوريين الشرائية بالتزامن مع الارتفاع في كل الأسعار.

حتى “البالة” ما عاد قدرنا نشتريها

من الطبيعي أن يحدث ارتفاع في الأسعار مع قدوم فصل الشتاء، وهذا الارتفاع لا يرتبط بسوريا وإنما بكل دول العالم، وفي السنوات الأخيرة حدثت قفزات متعددة في الأسعار العالمية، لكنها ترافقت في معظم الدول عدا سوريا، بزيادة الدخل ليكون هناك توزان.

محل ملابس بالة في درعا “وكالات”

ملابس “البالة”، كانت إلى وقت قريب ملجأ للسوريين لتجنب شراء الملابس الجديدة مرتفعة الثمن، لكن في هذا العام، اختلف الوضع تماما، حيث تقول سوسن حسن، من دمشق، موظفة حكومية وأم لثلاثة أبناء، “خلال سنوات الحرب كنا نلجأ لشراء الملابس خاصة الشتوية منها من أسواق البالة، في باب الجابية، والمزة شيخ سعد، ومناطق أخرى لأن أسعارها كانت معقولة بالمقارنة مع الجديد، وبالإضافة لذلك فإن جودة الملابس الشتوية في البالة جيدة جدا ودافئة لنا ولأولادنا خاصة المعاطف والأحذية، ولم تكن البالة وجهتنا وحدنا بل كانت وجهة للكثيرين خاصة الموظفين والعمال وغيرهم”.

سوسن تتابع حديثها، “قبل أيام وخلال مروري في سوق باب الجابية، صُدمت بالأسعار المرتفعة هذا العام للملابس الشتوية، فقد بلغ سعر المعطف للأطفال من النوع العادي 65 ألف ليرة، وكذلك الأمر للنسائي، وهناك أنواع من المعاطف يصل سعرها لنحو 400 ألف ليرة، إذا كانت ثقيلة أو من الجلد الطبيعي، وبالنظر لرواتبنا التي لا تتجاوز 200 ألف ليرة حتى البالة ما عاد قدرنا نشتريها”.

إقرأ:مواجهة برد الشتاء في سوريا بوسائل رخيصة.. المازوت والغاز في طي النسيان

في درعا الأسعار أرحم لكن بشي بسيط

ربما كان لموقع درعا المجاورة للأردن دور بأن تكون أسعار ملابس “البالة” أقل نسبيا من دمشق، إذ يعتمد تجار “البالة” على جلب هذه البضاعة من الأردن بسعر أقل من البضائع القادمة عبر البحر أو تركيا.

أبو محمد، سائق سيارة من درعا يعمل على خط سفريات درعا الأردن، يوضح لـ”الحل نت”، تجارته بملابس وأحذية “البالة”، “يحق لنا أن نذهب إلى الأردن مرتين أسبوعيا لتوصيل الركاب، وهناك وخاصة في إربد توجد أسواق كبيرة لملابس البالة، نقصدها بشكل دائم حيث يتم البيع بأسعار منخفضة نسبيا، وهناك نعمل على شراء كميات ليست كبيرة حتى لا نقوم بدفع مبالغ كضريبة جمركية، ولكن نصطدم بأمر أسوأ من الجمارك داخل سوريا وهي الحواجز التي تفرض رسوم عبور علينا، وهذا الأمر يتم عند كل حاجز”.

أبو محمد يتابع، “عند شراء الملابس في الأردن يبدأ سعر بعض القطع من نصف دينار بالنسبة للكنزات أي نحو 3 آلاف ليرة، والمعطف نحو 5 دنانير أي حوالي30 ألف، والحذاء الرجالي حوالي 4 دنانير على البسطات أي 25 ألف ليرة، وهكذا، لكن ما ندفعه على الحواجز يزيد نحو 100 ألف ليرة على البضاعة بشكل عام، لذلك تُباع الملابس والأحذية بأسعار أعلى، فالحذاء يصبح بنحو 40 ألف، والمعطف بنحو 50 ألف، ورغم كل شيء الأسعار لدينا أرحم مما هي عليه في دمشق، أو من شراء الجديد”.

لا يوجد تسعيرة موحدة لسوق “البالة”

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الإثنين، أشار إلى أن أسواق الثياب المستعملة المعروفة باسم “البالة” في أسواق العاصمة دمشق، شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وأصبحت كسوة الشتاء عبئا يتحمله المواطن فوق أعبائه، وتحولت فكرة التسوق من متعة إلى حيرة في كيفية اقتناء الملابس بعد معرفة أسعارها الصادمة خاصة لذوي الدخل المحدود الذين يعتبرون أسواق “البالة” خيارا بديلا لهم يلجؤون له لغلاء الألبسة محلية الصنع.

التقرير لفت إلى أنه على الرغم من الازدحام الذي تشهده الأسواق، فإن الكثيرين غير قادرين على دفع مبالغ كبيرة، حيث أن أسعار الثياب الشتوية قفزت نحو الضعف وهذا أدى إلى توجه أغلب الناس لشراء الملابس ذات النخب الثاني أو الثالث من “البالة”، إذ تراوح سعر الجاكيت العادي في سوق الشيخ سعد بالمزة بين 30 و50 ألف ليرة سورية، أما الجاكيت ذو الجودة العالية وصل سعرها إلى 100 ألف ليرة سورية، وسعر جاكيت الفرو يصنف ضمن “سوبر كريم” بلغ 500 ألف ليرة سورية، على حين بلغ سعر كنزة شتوية ذات جودة مقبولة 50 ألف ليرة سورية، أما سعر البيجامات ذات النوعية الجيدة يتراوح بين 50 و60 ألف ليرة سورية، على حين يبلغ سعر بنطال بيجاما 25 ألف ليرة سورية.

أما ملابس الأطفال في أسواق “البالة” لا تقل ثمنا عن أسعار ملابس الكبار، إذ يبدأ سعر أفرول لعمر ثلاث سنوات بـ 50 ألف ليرة سورية، أما سعر كنزة شتوية لطفل بعمر سنتين 40 ألف ليرة سورية، وسعر بنطال جينز لنفس العمر يتراوح بين 35 و50 ألف ليرة سورية.

التقرير نقل عن مواطنين سبب تفضيلهم ملابس “البالة” على المنتجات السورية، بأنها ذات نوعية جيدة ويمكن لبسها لعدة سنوات، لكن أسعارها هذا العام فاقت مقدرة معظمهم على شرائها.

حول أسباب ارتفاع الأسعار، أكد عدد من التجار أنهم يشترون الملابس بالعملة الأجنبية، ويدفعون مبالغ كبيرة ليحصلوا على بضاعتهم، مضيفين أن معظم بضاعتهم تصل تهريبا من خارج سوريا، ويضطرون لدفع نفقات وصولها لهم، وهذا يجبرهم على رفع أسعار الثياب المرتبطة أساسا بالدولار.

أيضا فإنهم يتسلّمون شحنات كبيرة من الأكياس الضخمة المغلفة، التي يجهلون محتواها ويشترونها بالوزن وقد يحالفهم الحظ وتكون البضاعة مصنفة “سوبر كريم” أو “كريم” أو “نخب ثان ونخب ثالث”، مشيرين إلى أن كثيرا من الأكياس يُكتب عليها “سوبر كريم” وعندما يتم فتحها يتفاجؤون أنها نخب ثان ويوجد بداخلها بعض القطع الجيدة فقط.

من جهته، مدير جمعية حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي، بيّن أن ارتفاع الأسعار شمل كل شيء ليس الألبسة فقط، فالأسعار ارتفعت بنسبة 20 بالمئة وبسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن والوضع الاقتصادي الصعب، يلجأ كثيرون إلى شراء الألبسة المستعملة “البالة”، مضيفا أنه لا توجد تسعيرة موحدة لهذه السوق.

تضخم مع حلول الشتاء

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن لهيب الأسعار المشتعل صيفا في سوريا لن يكون المسبب الوحيد في معاناة المواطنين، إذ إن تحذيرات وتوقعات الخبراء الاقتصاديين تقود نحو الإجماع بأن التضخم سيصل إلى ذروته في شتاء هذا العام، وأن الغذاء والطاقة سوف يدفعانه نحو الجموح.

سابقا، حذر باحثون من وصول التضخم في الاقتصاد السوري إلى مرحلة التضخم الجامح، وهو الشكل الأكثر ضررا للاقتصاد بسبب الارتفاع السريع والمتواصل في المستوى العام للأسعار، ما يؤدي إلى فقدان المال لقيمته الشرائية. فحسب آخر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم في سوريا 163.1 بالمئة في عام 2020.

أسواق بالة في سوريا “وكالات”

التقرير نقل عن الدكتورة رشا سيروب، عميدة كلية الاقتصاد السابقة بالقنيطرة، تأكيدها أن التضخم العام بدأ يتجاوز حدوده العامة في اقتصادات الدول المتقدمة منذ أوائل عام 2021، مدفوعة بسياسات التحفيز النقدي “التيسير الكمي”، وخطط الإنقاذ التي لجأت إليها حكومات دول العالم في محاولة للحد من آثار انتشار فيروس كورونا.

سيروب، أشارت إلى أن تغير المناخ يجعل المعروض العالمي من الغذاء أكثر تقلبا، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة الأسعار، كما سيؤدي التحول الأخضر “الجفاف”، على رفع تكاليف الطاقة، والتي من المتوقع أن تخلّف جميعها تأثيرا كبيرا على الاقتصاد في بداية الشتاء من هذا العام، وسوف يدفعان التضخم العام في سوريا إلى الجموح “التضخم الجامح”.

لأن معدل التضخم العام يبلغ حاليا ضعف معدل التضخم الإجمالي، وفقا لسيروب، فإن أسعار الفائدة القصيرة الأجل لابد أن تكون أعلى كثيرا من أجل الحد من التضخم؛ ولكن الساسة سوف يتدخلون في الاقتصاد لتخفيف المخاطر الناجمة عن هذا الارتفاع، الذي لن يسفر إلا عن الحفاظ على نمو الاقتصاد الاسمي بسرعة، وبالتالي الإبقاء على التضخم لفترة أطول.

من جهته، توقع مركز “فيتش سوليوشنز”، المهتم بدارسة اقتصاديات الدول، أن تظل الأسعار المحلية مرتفعة في سوريا في عام 2022، بمتوسط 105 بالمئة. في حين أن هذا يمثل تباطؤا عن تقديراتهم لعام 2021 البالغ 150 بالمئة، وسيظل التضخم أعلى بكثير من متوسط 57.0 بالمئة.

التضخم المفرط أو الجامح، هو مصطلح لوصف الزيادات السريعة والمفرطة في الأسعار العامة في الاقتصاد، في حين أن التضخم هو مقياس لوتيرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، فإن التضخم المفرط يؤدي إلى ارتفاع التضخم بسرعة، وعادة ما يصل إلى أكثر من 50 بالمئة شهريا.

التضخم الجامح يمكن أن يتسبب في سوريا بعدد من العواقب على الاقتصاد، فقد يضطر الناس لتخزين البضائع، بما في ذلك المواد سريعة التلف مثل الطعام، بسبب ارتفاع الأسعار، والذي بدوره يمكن أن يؤدي إلى نقص في الإمدادات الغذائية.

إقرأ أيضا:“لحافنا يدفّينا“.. برد الشتاء وأزمة المحروقات حمل ثقيل على السوريين

تضخم وارتفاع أسعار وأعباء الشتاء المادية ظروف قاسية مختلفة تتهافت على السوريين، دون أن يكون هناك أي حلول حكومية لرفع جزء من هذه الأعباء عنهم، وكل ما تتداوله الحكومة لا يعدو عن كونه دعايات إعلامية هدفها تهدئة المواطنين مع استمرار التردي الاقتصادي نحو الأسوأ.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.