بعد أحداث عام 2020، التي شهدت حينها اشتباكات محدودة بين الجيش الصيني والهندي، ومع استمرار محاولات بكين العدائية، في وقت تتآكل فيه هيمنتها على الحدود الهندية، عادت القيادة الصينية لترتيب أوراقها العسكرية.

تلك التطورات الأمنية والإقليمية في شرق آسيا بالنسبة لبكين، لعبت دورا حاسما في بلورة التعديلات العسكرية الأخيرة التي أجرتها الصين، وفق ما جاء في مقال بمجلة “ناشيونال إنترست”، نُشر أمس الأحد.

إذ أن التآكل المستمر للهيمنة الصينية النسبية على الحدود، ومخاطر التهديد المتزايد للهند في منطقة جنوب غرب الصين، والسياق الأمني الشبه عدائي في المحيطين الهندي والهادي، كل تلك عوامل جعلت بكين تجري مؤخرا بعد المؤتمر الـ 20 لـ”الحزب الشيوعي” تعديلات عسكرية لافتة، بما يضمن لها حماية مصالحها الاستراتيجية

اللجنة المركزية الجديدة للحزب الشيوعي الصيني تتكون من 205 أعضاء، بينهم 43 ممثلا عسكريا، مقابل 41 فقط في اللجنة السابقة، بحسب مقال “ناشيونال إنترست”. نحو نصف هذه المجموعة ينحدر من “جيش التحرير الشعبي”.

في حين تنتمي البقية للقوات الجوية، والقوات البحرية وقوات الدعم الاستراتيجي، ومنظومة الدعم اللوجستي والقوة الصاروخية، والشرطة الشعبية المسلحة، بيد أن القوات البحرية ضاعفت ممثليها ليصل عددهم إلى 8 في اللجنة الجديدة، بينما ظل عدد ممثلي القوات الجوية على حاله دون تغيير، واقفا عند 6 ممثلين.

اقرأ/ي أيضا: بين التلويح العسكري والاتفاق التركي.. ما حظوظ الحل السياسي في ليبيا؟

الصين تعيد أولوياتها العسكرية

حيث أن “قيادة المنطقة الغربية”، وهي أكبر منطقة عسكرية في الصين، أرسلت 7 أعضاء إلى قيادة السلطة المركزية، في حين تشير مجلة “ناشيونال إنترست”، إلى أن 10 أعضاء باللجنة المركزية إما خدموا في مناصب بارزة بـ “قيادة المنطقة الغربية”، أو كانت لديهم ارتباطات بها، و7 من هؤلاء الأعضاء هم ممثلون للجيش باللجنة المركزية.

بالتالي أن الجيش استعاد هيمنته باللجنة المركزية العسكرية الجديدة، التي تتألف عادة من 8 أعضاء بينهم الرئيس شي جين بينغ، أيضا في اللجنة الجديدة نجح الجيش في إرسال 3 ممثلين له، بينما فقدت القوة الجوية مقعدها الوحيد.

يأتي ذلك في وقت تؤيد فيه القيادات السياسية والعسكرية في الصين دائما عقيدة العمل الحربي المشترك، خاصة أن الرئيس شي جين بينغ، أطلق عام 2015 حملة إصلاحات شاملة للقيادة العليا لتيسير تكامل أعمق وأسرع لمفاهيم العمل العسكري المشترك داخل “جيش التحرير الشعبي

علما أن التاريخ الطويل للصراع البري بالنسبة للصين، مكّن القوات البرية من السيطرة طويلا على التسلسل الهرمي داخل القيادة العسكرية، بينما يتزامن ذلك مع تأكيدات الرئيس شي، خلال المؤتمر الأخير للحزب “الشيوعي”، بأن الجيش سيواصل مسار تطوير القدرة القتالية المشتركة من خلال اتخاذ عدة تدابير إستراتيجية، بينها تطوير المنظومة المعلوماتية وآليات الذكاء الاصطناعي ومنظومة الصواريخ الفرط صوتية.

بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، يتقاتل الجاران الآسيويان، اللذين يتشاركان ما يقرب من 3500 كيلومتر من الحدود في جبال الهيمالايا، على خط ترسيم غير معترف به يسمى “خط السيطرة الفعلية” رسماه منذ عام 1962 بعد حرب خاطفة انتهت بهزيمة الهند وضم الصين جزءا كبيرا من إقليم لاداخ الذي أصبح “أكساي تشين”. حيث يجري على حدود التبت الصينية أحد أكثر الصراعات سرية منذ عامين.

اقرأ/ي أيضا: عوامل حسم الانتخابات النصفية الأميركية وتأثيرها على العلاقات مع الشرق الأوسط

الصين تستمر بالتوسع

“لوموند” وفي تقرير لها نُشر في آب/أغسطس المنصرم، أكدت من خلال سرد تاريخ صراع مستمر بين الجانبين، أن بكين ما زالت تتابع تعزيز مواقعها من خلال السيطرة على أجزاء من الأراضي الهندية، مشيرة أنه في الوقت الراهن ينتشر أكثر من 60 ألف جندي من كلا الجيشين على جانبي خط السيطرة.

كما أن الهند تجري استعداداتها القتالية، وأنها مستمرة في دعم قطاعاتها العسكرية في أقصى شمال الهند، في جبال الهيمالايا، على ارتفاعات تزيد على 5500 متر، وفقا للصحيفة الفرنسية.

الصين تصر على البقاء في الأراضي التي تمت السيطرة عليها ما بعد 2020، وترفض العودة إلى وضع ما قبل ذلك، كما أنها تستمر بممارسة استفزازات ممنهجة، حيث تحلق طائراتها الحربية المتمركزة في شرق لاداخ بشكل متكرر بالقرب من خط السيطرة الفعلية، منتهكة منطقة حظر الطيران البالغ طولها 10 كيلومترات

الأمر الذي عطّل المفاوضات بين الجانبين، بالرغم من أن 10 جولات من المحادثات الدبلوماسية و16 جولة عسكرية أدت إلى فك ارتباط محدود للغاية، وفقا لـ”لوموند”.

وسط ذلك، أكدت صحيفة “تليغراف” الهندية، نقلا عن تقرير لشرطة الحدود الهندية التبتية التي تراقب خط السيطرة، أن الجيش الصيني شيّد العديد من البنى التحتية والطرق والمخابئ وأبراج المراقبة ومهابط الطائرات والثكنات، بل وبنى الجسور فوق بحيرة بانغونغ، لتسهيل مرور الدبابات والعربات المدرعة الأخرى.

الأواضي المتنازع عليها

حاليا استولت الصين على أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي التي تطالب بها الهند في شرق لاداخ منذ أيار/مايو 2020، في حين لا تمتلك الهند القدرة على صد التوغل الصيني”، بحسب “لوموند” نقلا عن ضابط متقاعد، استنكر ما وصفه بـ”خجل حكومة ناريندرا مودي من بكين”، ومعتقدا أن رئيس الوزراء الهندي يحاول بأي ثمن الحفاظ على سمعته “كرجل قوي”.

بالتالي أنه يجب على الهند أن تتعلم بسرعة دروس الوضع في تايوان و”صياغة الخطوط الحمراء والمواقف السيادية بطريقة لا لبس فيها”، كما يجب عليها أن تسلط الضوء بوضوح على التهديد الصيني لها، وأن تعترف بدخول الجيش الصيني أراضيها عام 2020 واحتلالها على طول خط السيطرة، لأن إخفاء الواقع وامتناع الهند عن تسمية الصين بأنها المعتدية لا يساعد في تعبئة المجتمع الدولي.

في ظل هذا التعقيد، والإشارة لأطماع الصين، يُشار إلى أن هذا الخلاف الحدودي مستمر منذ عقود، تقول الهند خلاله إن طول الحدود يبلغ 3,500 كلم، بينما تعلن وسائل الإعلام الرسمية الصينية أن الحدود يجب أن تكون 2,000 كلم عند احتساب مطالب الصين في غامو وكشمير ولاداخ ومناطق أخرى.

هذا الخلاف الحدودي بين الدولتين تسبب بحرب قصيرة في 1962 استولت فيها الصين على أراض من الهند، لكن آخر حادثة إطلاق نار كانت عام 1975 خلفت أربعة قتلى، كما وقعت اشتباكات متقطعة، لكن حصيلة هذا الأسبوع هي الأكبر منذ اشتباكات جرت بين الجانبين عام 1967 خلفت مئات القتلى

أولى فصول النزاع بين البلدين ترجع إلى سنة 1947، حين استقلت الهند عن بريطانيا، وحصلت على هضبة واسعة شمال شرقي البلاد، قالت الصين إن ملكيتها تعود لها، في حين كان الهجوم الصيني على القوات الهندية سنة 1962، المحطة الأبرز في هذا النزاع، حيث استولت على مرتفعات أقساي تشين، التي تفصل بين البلدين، إضافة إلى أن نزاعات جغرافية عدة أخرى تدور بين الهند والصين في قطاعات لاداخ (غرب) وأروناشال براديش (شرق).

جدير بالإشارة أن القوات العسكرية الصينية ركّبت كابلات الألياف البصرية في المنطقة استعدادا للبقاء هناك على المدى الطويل رغم استمرار المحادثات مع الهند، ثم راحت بكين تلوّح أيضا بمطالبها الحدودية التي تنادي بها منذ 1959، ويظن الكثيرون أن تلك المطالب تثبت صحة النظرية القائلة إن بكين تحاول الاستيلاء على أراضٍ إضافية من الهند تدريجيا.

اقرأ/ي أيضا: تنافس محموم في الانتخابات الماليزية.. عودة مهاتير محمد لرئاسة الحكومة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.