في خطاب وجّهه إلى الشعب المغربي، ركّز العاهل المغربي الملك محمد السادس، مطلع هذا الأسبوع، على مشروع خط الغاز بين المغرب ونيجيريا، فما فائدته على غرب إفريقيا.

العاهل المغربي، وصف خط الغاز المُنتظر والذي سيربط نيجيريا بالمغرب مرورا بعدد من دول غرب إفريقيا، بأنه “أكثر من مشروع ثنائي بين بلدين شقيقين”، قائلا إنه يريده “مشروعا استراتيجيا لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها”.

في خطاب بمناسبة الذكرى 47 لـ “المسيرة الخضراء”، التي استعاد فيها المغرب إقليم الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني في عام 1975، قال الملك محمد السادس، إن المشروع يوفر “فرصا وضمانات في مجال أمن الطاقة والتنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية بالنسبة لدول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، إضافة إلى موريتانيا والمغرب”.

بحسب الملك المغربي، فإن المشروع “هو من أجل السلام والاندماج الاقتصادي الإفريقي والتنمية المشتركة، مشروع من أجل الحاضر والأجيال القادمة”، مردفا أن الرباط “منفتحة على جميع أشكال الشراكة المفيدة من أجل إنجاز هذا المشروع الإفريقي الكبير”.

العاهل المغربي، أكد حرص المغرب على مواصلة العمل، بشكل وثيق مع نيجيريا، ومع جميع الشركاء، بكل شفافية ومسؤولية، من أجل تأسيسه بأقرب وقت.

“تأسيس تكتل اقتصادي”

مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري-المغربي الذي لم يُحدد جدول زمني لإنجازه بعد، يندرج في سياق جيوسياسي يطغى عليه طلب دولي قوي على الغاز والنفط، وارتفاع في الأسعار على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وتسعى دول عدة، خصوصا في أوروبا، إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

يبلغ طول مشروع خط غاز نيجيريا-المغرب 6000 كيلو متر، ويمر عبر 13 دولة إفريقية على طول ساحل المحيط الأطلسي، ويفترض أن يمد دولا غير ساحلية هي النيجر وبوركينا فاسو ومالي.

المشروع من المفترض أن ينتج نقل أكثر من 5000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى المغرب، وبالتالي سيتم ربطه مباشرة بخط أنابيب المغرب-أوروبا وشبكة الغاز الأوروبية.

في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، وقّع المغرب ونيجيريا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، على مذكرة تفاهم تأكيدا على التزام المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وجميع الدول التي سيعبرها أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، بالمساهمة في تنفيذ هذا المشروع.

الدول الموقّعة، تلتزم بتوفير 3 مليارات قدم مكعب من الغاز لدول غرب إفريقيا عبر المغرب، ومن ثم إلى أوروبا، حيث سيقطع الخط كلا من نيجيريا، انطلاقا من جزيرة براس، وبنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، ثم المغرب.

خبراء في الطاقة، توقّعوا أن يكون لأنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب، أثر كبير على اقتصاد إفريقيا، لا سيما الدول الواقعة غربي القارة، في ظل ارتباك إمدادات الطاقة في العالم.

بحسب الخبير في الطاقات المتجددة، محمد بوحاميدي، فإن هذا المشروع يُعد قاطرة لمسار اندماج منطقة غرب إفريقيا، وهو يندرج ضمن رؤية ملكية مغربية، يتجاوز مداها 30 سنة.

بوحاميدي أكد وفق تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن هذا الأنبوب سيساهم في تأسيس تكتل اقتصادي يوحد الدول التي يمر عبرها، في ظل ما يعرفه العالم من تحديات مرتبطة بالاقتصاد والأمن الطاقي.

على ماذا تنص الاتفاقية؟

المشروع سيمكّن من إفراز كفاءات لمواكبته وتطويره، موفرا بذلك فرصا للعمل في هذه المنطقة من إفريقيا، كما أنه سيُمكّن من تقليص معدلات الهجرة إلى أوروبا للبحث عن العمل.

خط الغاز هذا، سيعطي دفعة قوية لاقتصادات دول إفريقيا، لا سيما الواقعة في غرب القارة، وسيشكل فرصة لرص صفوفها والدفاع عن مواقفها من موقع قوة، فضلا عن تذويب الخلافات وتغليب المصلحة المشتركة لبلوغ الأمن الطاقي وتقليص نسب البطالة، وفق “سكاي نيوز عربية”.

الاتفاقية وقّعها ممثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا سيديكو دوكا، والرئيس التنفيذي لشركة البترول النيجيرية ميكيلي كولو، والمديرة العام للمكتب المغربي للهيدروكاربورات والمعادن المغربية، آمنة بنخضرة.

الاتفاقية تنص، على التزام المجموعة وجميع الدول التي يمر منها الأنبوب الغازي، بالمساهمة في تفعيل المشروع، ووصل المشروع في مرحلة الدراسات التقنية والهندسية التفصيلية، في حين أن الأطراف تبحث عن تمويل يقدر بـ 25 إلى 30 مليار دولار.

سيتم تشييد الأنبوب على عدة مراحل، ليستجيب للحاجة المتزايدة للبلدان التي سيعبر منها وأوروبا، خلال الـ 25 سنة القادمة، وسيمكن من الربط مع احتياطات تصل إلى 5400 مليار متر مكعب من الغاز، ودمج اقتصادات البلدان من خلال ناتج محلي إجمالي يصل إلى 670 تريليون دولار، حسب تقرير لوكالة “الأناضول”.

بحسب تصريح لبنخضرة‎ في تموز/يوليو الماضي، فإن المشروع يكتسي طابعا استراتيجيا أكبر في السياق الحالي للحرب الدائرة في أوكرانيا، والتي ضاعفت حاجة أوروبا لتنويع إمداداتها من الغاز.

مشروع خط أنبوب الغاز المغربي النيجيري، سيكون له أثر إيجابي مباشر على أكثر من 340 مليون نسمة، وفق بنخضرة.

تمتلك نيجيريا 5.5 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز المؤكدة بنهاية 2020، وهي الاحتياطيات الأكبر في إفريقيا، ارتفاعا من 1.1 تريليون متر مكعب عام 1980، وفق تقديرات شركة النفط البريطانية “بي بي”.

تغيير ملامح غرب إفريقيا

من شأن استغلال هذه الاحتياطيات الضخمة، أن يوفر موردا مهما للغاز المتجه إلى أوروبا، التي تتطلع للاستغناء عن الغاز الروسي، وقبل ذلك لدول غرب إفريقيا؛ ما يعزز أمن الطاقة، ويُحسن مستويات المعيشة في تلك البلدان، وفق تقرير لموقع “الجزيرة نت”.

نيجيريا تراهن على مشروع أنبوب الغاز، لتعزيز مواردها الضخمة من خلال استهداف الأسواق العابرة للصحراء وأوروبا، فضلا عن الاستفادة من الغاز محليا في ظل انخفاض إنتاج النفط والسرقة التي تتعرض لها الإمدادات.

الرهان حاليا بالنسبة للأطراف المُوقعة على الاتفاق، هو البحث عن التمويلات، حيث تبلغ تكلفة الأنبوب حوالي 25 مليار دولار، وهو رقم ضخم من الضروري أن يتم رصده لتمويل المشروع، بحسب تصريح صحفي للخبير الاقتصادي محمد جدري.

هذا المشروع من شأنه أن يغير من ملامح غرب إفريقيا، وهي المنطقة الجغرافية التي تُعرف أقل معدل للمد بالكهرباء في العالم، بنسبة لا تتجاوز 50 بالمئة على أقصى تقدير، بل إن دولا مثل غينيا بيساو، والنيجر وبوركينا فاسو لا تتجاوز نسبة الربط بالكهرباء فيها 20 في المئة.

المشروع سيساهم أيضا، في تحسين نسب النمو عن طريق تعزيز البنيات التحتية، والتسريع الصناعي، بحسب تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، نقلا عن محمد جدري.

الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، قال إن هذه الاتفاقية بمنزلة تحول في إفريقيا، التي أصبحت دولها تفكر بطريقة مدمجة وبطريقة “ربح في مقابل الربح” في تعاملها مع العالم الغربي.

“نحن الآن في الخطوة الأولى الكبيرة لاندماج 16 دولة إفريقية في مشروع واحد، وهذا معناه أن إفريقيا تريد أن تكون في المستقبل قطبا اقتصاديا عالميا، ولديها الإمكانيات لتكون كذلك”، وفق الكتاني.

أخيرا، وعلى المستوى الاستثماري، فإن ضخ 40 مليار دولار في إنشاء هذا الخط، سيجعل منه رافعة للتنمية في الدول التي سيعبر منها، إذ سيمثل دفعة قوية للعمالة المحلية والشركات الإفريقية، والمستثمرين ومحركا للعجلة الاقتصادية والتنموية في دول غرب وشمال إفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.