كما جرت العادة، وضعت سوريا مؤخّرا موازنة مبدئية لعام 2023 القادم، ورغم ارتفاعها بالليرة السورية إلّا أنها الأخفض بالدولار الأميركي.

المبلغ المخصّص لهذه الموازنة، وتوزيعاته على القطاعات الخدمية والمعيشية، يشير إلى مزيد من الجمود الاقتصادي، والنقص في الخدمات المقدّمة للسوريين داخل البلاد.

قد يهمك: كيف ستؤثر الموازنة العامة لسنة 2022 في سوريا على المواطنين؟

الموازنة السنوية للدول، تشير إلى إجمالي الإيرادات والنفقات التي خصّصتها كل حكومة من أجل إنفاقها على قطاعات مختلفة، مثل دعم القمح والمياه والكهرباء والتنمية الاجتماعية والتعليم وغيرها من القطاعات.

موازنة سوريا زادت عن العام الماضي بالليرة السورية، ولكنّها تضاءلت في حسابات الدولار الأميركي، وهو الأمر الذي يزيد المخاوف عن عام قادم أشد قسوة، مع التصريحات الرسمية بـ “ضبط النفقات” لسد العجز في الموازنة.

الموازنة الأعلى بالليرة السورية فقط

في قراءة الميزانية التي صدرت مؤخّرا عن “المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي” السوري، فإنه وافق على الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023، بقيمة 16 ترليون و550 مليار ليرة سورية.

في حال حساب الموازنة على سعر الدولار، فإنّها تعادل 6.6 مليار دولار فيما لو تم حسابها استنادا لسعر نشرة العملات في المصرف المركزي السوري، ولكن أمام السعر الحقيقي للدولار الأميركي في السوق السوداء، فإنّها تبلغ نحو 3.2 مليار دولارا فقط، مقارنة مع نحو 4 مليار دولار في الموازنة السابقة، ما يعني أن الموازنة ارتفعت بالليرة وانخفضت بالدولار.

وزارة المالية وضعت مبلغ 135 تريليون و50 مليار ليرة للإنفاق الجاري، و3 تريليون ليرة للإنفاق الاستثماري، وبلغت مخصّصات الدعم المالي الاجتماعي نحو 4 ترليون ليرة، و2 تريليون و114 مليار ليرة للرواتب والأجور والتعويضات.

في حين تم تخصيص 50 مليارا للمعونات الاجتماعية، و50 مليار لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، وترليون ونصف ليرة للدقيق التمويني، و3 تريليون ليرة للمشتقات النفطية و3 ترليون لدعم الأرز والسكر في حين غابت الكهرباء عن فئة الخدمات المدعومة.

مزيد من البؤس

بالنظر إلى التصريحات الرسمية، جاءت كلّها بسردية تقليدية تتحدّث عن محاولة هذه الموازنة لتحسين حياة المواطن السوري، فعلى سبيل المثال اعتبر رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس، أن مشروع الموازنة العام للدولة لعام 2023 يركّز بشكل أساسي على إنجاز مشاريع ذات جدوى اقتصادية تسهم بتعزيز الإنتاج وتحسين الخدمات.

لكن قيمة العجز في الموازنة بلغت هذا العام 4 تريليون ليرة و118 مليار، وفقا لما كشف وزير المالية السوري كنان ياغي، الذي قال في تصريحٍ منفصل لصحيفة “الوطن”، “إن تغطية هذا العجز ستكون عن طريق سندات الخزينة من المصرف المركزي بقيمة 4059 مليار ليرة، وعبر أوراق مالية حكومية مطروحة على المصارف السورية بمبلغ 800 مليار ليرة، وقرابة 590 مليون ليرة عبر قروض خارجية، فضلا عن العمل على “الحد من العجز وإدارته عبر زيادة الإيرادات، وتقليل الإنفاق ضمن أولويات أساسية”.

يقول الباحث الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي لـ “الحل نت”: “هذه الموازنة وهمية وليست حقيقية لدولة لديها أركانا اقتصادية، لتساهم في تطوير الاقتصاد وتحقيق استقرار اقتصادي، لأن وضع سوريا الحالي غير طبيعي وهو ما ينطبق أيضا على اقتصادها، بحسب حديث الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، لـ”الحل نت”، حيث أشار إلى أنّ هذه الموازنة لن تؤدّي لتأمين حياة أفضل للسوريين، مع ظروف ضعف القوة الشرائية والفقر واستمرار انخفاض الليرة وعدم كفاية الرواتب التي تعطى للموظفين والعمال.

تصريح وزير المالية بضبط النفقات يشي بمزيد من الفقر، بحسب قضيماتي، كما أن هناك نقطة أخرى تتعلّق بسعر صرف الليرة المتغير أصلا، حيث إن المبلغ الموضوع حاليا للموازنة، لن تبقى قيمته كما هي في منتصف العام القادم، بسبب استمرار هبوط الليرة، لذلك ستنخفض الموازنة أكثر.

بالحديث عن ضبط الواردات في العام القادم لسد العجز، نحن نعرف أصلا أن المواطن السوري يعيش على الكفاف، نتيجة الحوالات المالية والمساعدات الأممية من الأمم والمنظمات في مناطق الحكومة السورية، وبخلاف ذلك كنّا سنجد توسّع نطاق المجاعة في سوريا بشكل واضح، فلو زاد التقشّف أكثر مع ترك الرواتب كما هي أو زيادتها بشكل بسيط، ستزيد الأمور سوءا.

تدرّج في الموازنة السورية نحو الانخفاض

إذا ما تم مقارنة موازنة سوريا لهذا العام والأعوام التي سبقته بسعر صرف الدولار الأميركي بعيدا عن الليرة السورية التي تشهد هبوطات متوالية، يتّضح أن موازنة سوريا هبطت بشكل كبير وتستمر بالهبوط في كل عام.

الباحث الاقتصادي أسامة القاضي، يشرح هذه النقطة خلال حديثه لـ”الحل نت”، بالقول “تعكس موازنة هذه السنة، حقيقة قيمة الليرة السورية والانخفاض في الإنتاج الاقتصادي منذ 12 عاما، لأنّ هذه الموازنة التي تبلغ أقل من 3 مليار دولار، هي نفسها موازنة عام 1955 في سوريا، وهي بسيطة جدا ولا يمكن أن تقوم بتخديم العدد القليل من السكان الموجود ضمن مناطق الحكومة السورية، وهذا المبلغ أضعف أن يفي باحتياجاتهم من الوقود والكهرباء وحتى الخدمات الأخرى” بحسب تعبيره.

القاضي وصف الوضع في سوريا بـ “البائس” قائلا، “لدينا أكثر من 90 بالمئة من السكّان تحت خط الفقر، ما يعني انخفاض كبير بالقوة الشرائية لجميع السكّان، وهذه الأرقام تعكس انخفاضا هائلا في قيمة الليرة السورية، التي لا يحملها سوى الإنتاج والخدمات والاقتصاد الحقيقي والانفتاح”.

موازنة سوريا كانت قبل عام 2011 تصل إلى 17 مليار دولار واليوم أصبحت 3 مليار فقط، وفق القاضي.

يبدو أن هذا الضعف في الموازنة يعود إلى جفاف مصادرها على مدار السنوات الماضية، ففي سنوات ما قبل الحرب وخلالها، كان هناك مواردا من شأنها تحسين الموازنة في البلاد، تعرف باسم “قطاعات ناتج الدخل القومي” وجميعها نفدت، وعلى رأسها النفط الذي كان يرفد نحو ثلث الموازنة، بحسب باحث اقتصادي يعيش في دمشق.

 دمشق خسرت هذا المصدر، إلى جانب فقدانها السيطرة على المعابر وإغلاق المصانع الكبرى وهجرة القوة العاملة، وأخيرا جفاف الدعم (الكاش) الإيراني المقدّم للحكومة السورية عبر الخط الائتماني، في حين أن روسيا لا تمنح دمشق أي أموال نقدية.

غياب دعم الكهرباء

من ضمن النقاط المفاجئة في موازنة العام القادم، هي عدم تخصيص أي كتل مالية لدعم الطاقة الكهربائية المتهالكة أصلا في سوريا، وفي هذا الصدد يقول الباحث الاقتصادي أسامة القاضي، “هناك أحد الخيارين، إما الانسحاب كليا من دعم الكهرباء وتسليمها لشركات خاصة قد تكون إيرانية، لأن إيران وقّعت عدة عقود في هذا المجال، أو أن يتم تمويل دعم التيار الكهربائي من خلال الانفاق الاستثماري”

كل أرقام الموازنة الحالية صورية، بحسب القاضي، لأنّه يوجد موازنة ولا يوجد ميزانية، أي أنّه لا يجري أي جرد في نهاية العام لمعرفة أن الأموال التي تخصيصها لقطاع ما، هل تم إنفاقها أو طلب المزيد لذلك لا يمكن معرفة قيمة الميزانيات التي تستهلكها القطاعات المختلفة فيتم وضع رقم مبدئي في نهاية كل عام تحضيرا للعام القادم.

الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، يتوقع أن يتم تمويل خدمات الكهرباء من قبل المدنيين أنفسهم، عن طريق اللجان في الأحياء أو التجار في المناطق التجارية وكذلك الحال في المناطق الصناعية، على أن يدفع المجتمع المحلي التكاليف.

إعلان الميزانية رافقه تعهدات حكومية بإعطاء الأولوية للدعم الاجتماعي، والمشاريع الصناعية والزراعية الصغيرة والمتوسطة على الورق، تمثل التعهدات قفزة كبيرة من عام 2020، ومع ذلك، فقد قوبل الإعلان بشكوك، خصوصا مع تراجع إيرادات الدولة بنسبة 80 بالمئة على الأقل منذ عام 2011، بسبب تقلص تحصيل الضرائب، وتقسيم قطاع النفط والغاز، والانخفاض الكبير في الصادرات من جميع الأنواع وسط دمار واسع النطاق.

عدة تساؤلات تطرح عن آليات تمويل الموازنة في ظل تعطل حوامل الاقتصاد، وندرة العوائد الحكومية وتوقف إيرادات مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والزراعية والاستثمارية، وتراجع حجم الصادرات إلى معدلات كبيرة جدا، ما يترك السوريين في عام 2023 أمام أقسى عام اقتصاديا ومعيشيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.