فيما يبدو أن إعلان حركة “طالبان” باكستان الأخير، إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار الهش، الذي جرى التوصل إليه مع الحكومة في حزيران/يونيو الفائت، لا يشكل تحديا لإسلام آباد، بقدر ما هو اختبار لكابول و”طالبان” في أفغانستان أيضا.

حركة “طالبان” الباكستانية، حثت في بيان لها مقاتليها على استئناف الهجمات ثأرا، من حملة عسكرية مستمرة عليهم. بينما الجيش الباكستاني نفذ عدة هجمات على المسلحين في معاقلهم في المقاطعات النائية التي تحد أفغانستان.

المتحدث باسم حركة “طالبان” الباكستانية، محمد الخرساني قال لوكالة “رويترز” في رسالة نصية، إن “قيادة الحركة قررت، إنهاء وقف إطلاق النار مع الحكومة”.

هدنة غير كاملة

الهدنة لم تكن هدنة كاملة ولم يتوقف القتال فيها بشكل كامل، بل تخللها سلسلة من العمليات التي قامت بها حركة “طالبان” باكستان، أو كما تُعرف بـ “تحريك طالبان”، بحسب حديث الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية المتشددة أحمد سلطان، لـ”الحل نت”، حيث قام الجيش الباكستاني ببعض العمليات ضد معاقل حركة “طالبان” باكستان. في الحقيقة هو تحدي لإسلام أباد لكن ليس تحدي على مستوى استراتيجي.

منذ شهرين تقريبا لم تُوقف “طالبان” الباكستانية عملياتها في شمال غربي البلاد، تحديدا في المناطق القبلية، ولكنها كانت محدودة النطاق، وذلك على الرغم من تأكيدات حكومة إقليم خيبربختونخوا في المنطقة، أن وقف إطلاق النار ما زال قائما.

إعلان إنهاء الهدنة من قبل حركة “طالبان” الباكستانية، يشكل تخوفا لكابول من أن تنقلب عليها الحركة، وخاصة أنها تتمتع بنفوذ كبير في أوساط القبائل البشتونية.

“طالبان” باكستان، ما زالت تشكل تهديد لحالة الأمن والاستقرار في باكستان، وفق سلطان، وخاصة في ظل الاضطرابات السياسية، وأيضا الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم وما إلى ذلك، والتي تنعكس أيضا على باكستان لكن حركة “طالبان” باكستان تعرضت لحملة تقويد منذ فترة، هي فقط أخذت دفعة معنوية عندما وصلت “طالبان” الأفغانية إلى السلطة في أفغانستان المجاورة، رغم أن الحركتين منفصلتين، لكل منهما هيكل وحراك تنظيمي مستقل خاص، وتعمل كل منهما بشكل مستقل بصورة كاملة.

إجراءات وتدابير احترازية

التحدي الذي بدأت به حركة “طالبان” باكستان، بحسب سلطان سيفرض على الجيش الباكستاني تكثيف أنشطته في مناطق الحدود الأفغانية الباكستانية، التي تُعد المعقل الرئيس للحركة، حيث سيقوم الجيش باتخاذ إجراءات أو تدابير احترازية، لأن حركة “طالبان” باكستان، ستشن هجمات بالطبع ضد قوات الجيش والأمن في هذه المنطقة.

كابول استضافت، أمس الثلاثاء، وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الباكستانية حناء رباني كهر، لمناقشة ملف “طالبان” الباكستانية، وحول هذه الزيارة، كشف نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية حفيظ ضياء أحمد، أن هدفها كان إجراء لقاء بين رباني كهر ونظيرها في حكومة “طالبان” الملا أمير خان متقي.

حركة “طالبان” باكستان سيطرت على مساحات واسعة من الحزام القبلي في باكستان لمدة طويلة، إذ فرضت تطبيق نسخة مشددة من الشريعة الإسلامية. وبينما طُرد معظم مقاتليها من باكستان ودُفعوا للتوجه إلى أفغانستان المجاورة منذ عام 2010، إلا أنهم باتوا في موقع قوة منذ عودة “طالبان” الأفغانية إلى السلطة في كابول.

الحركة اتفقت على وقف إطلاق النار مع الحكومة الباكستانية في حزيران/يونيو الفائت، لكن الطرفين شددا مرارا على أنه جرى تجاهل الهدنة بينما اندلعت مواجهات عديدة.

الحركة قالت في بيان حينها، إن اجتماعا عُقد بين وفد قَبلي وقادة الحركة الموجودين في كابول، أعلن إثره تمديد فترة وقف إطلاق النار إلى أجل غير معلوم. “طالبان” قد أعلنت، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، وقف إطلاق النار مع الحكومة الباكستانية، لكنها بعد شهر من ذلك أعلنت الانسحاب أحاديا من اتفاقية وقف إطلاق النار، بذريعة أن الحكومة الباكستانية لم تف بشروطها.

الوضع القائم حاليا

اتفاق الهدنة الذي أُلغي، كان قد توسطت فيه حركة “طالبان” باكستان وحضره مجموعة من القادة العسكريين من باكستان، وأيضا قيادات من “طالبان” باكستان حضروا إلى أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي، وجرت المفاوضات حيث كان اللاعب الرئيسي في إبرام هذه المفاوضات هي شبكة “حقاني” أو مجموعة “حقاني”، بحسب سلطان.

 هذا الاتفاق كان مبتثرا، بمعنى أنه لم يكن اتفاقا كاملا وكانت مطالب حركة “طالبان” باكستان، شبه تعجيزية فعلى سبيل المثال، طالبت الحركة بانسحاب الجيش الباكستاني من مناطق القبائل، ومناطق الحدود الأفغانية الباكستانية، وهو مالم تقبل به قوات الجيش الباكستاني تحت أي ظرف، لأنها منذ بدء عملياتها في مناطق القبائل ومناطق الحدود القبلية منذ أكثر من 10- 12 عاما، ركزت وجودها وضربت القواعد التنظيمية لحركة “طالبان” باكستان في هذه المنطقة، على حد تعبيره.

قد يهمك: “طالبان” في مأزق بعد مقتل الظواهري.. ماذا يعني خرق “اتفاق الدوحة”؟

بالتالي إذا انسحبت قوات الجيش الباكستاني، فأنها ستعطي الفرصة للحركة في أن تعيد بناء نفسها، وأن تعود للعمل الإرهابي من جديد، بحسب أحمد سلطان، لذا رفض الجيش الباكستاني هذا المطلب، واستمر في الإجراءات التي اتخذها، ومنها بناء سياج على الحدود قد اكتمل بنائه تقريبا، لمنع تسلل المسلحين ما بين باكستان وأفغانستان.

 هذا يقودنا إلى الوضع القائم حاليا، إن حركة “طالبان” باكستان بدأت في الفترة الأخيرة بشن هجمات ضد قوات الأمن والجيش، وتحاول أن تُثبت بأنها مازالت موجودة وتلوّح بالعنف للضغط في سبيل الحصول على مطالب ومكاسب أكبر في المفاوضات، وفق تصريح الباحث ذاته.

على خطى “طالبان” الأفغانية

“طالبان” باكستان، اتبعت نفس تكتيك حركة “طالبان” الأفغانية، وهو تكتيك التفاوض والقتال، حيث كانت تفاوض على الهدنة والمطالب من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت تشن هجمات إرهابية، لعل ذلك يوصلها إلى مطالب، لكن القيادات الباكستانية وخاصة في ظل وصول قائد جديد للجيش الباكستاني، وهو رجل استخبارات من الطراز الأول، رفضت هذه المطالب.

كان بديل حركة “طالبان” باكستان، أن تعلن إلغاء اتفاقية الهدنة، لكن هذا لن يكون في صالحها إذا بدأت العمليات العسكرية مرة أخرى، فحركة “طالبان” باكستان ستتلقى ضربات قوية، وفي المقابل سيكون هناك بعض الخسائر في عمليات مكافحة الإرهاب أيضا، بحسب سلطان.

زخم إعلامي

“طالبان” باكستان أخذت زخما فقط عندما وصلت “طالبان” الأفغانية إلى السلطة، لكن في الحقيقة هي تعرضت لضربات قوية على مدار السنوات الماضية، منذ الحملة التي بدأها الجيش الباكستاني في 2010 و”طالبان” باكستان تتراجع.

جزءا من بقاء وفاعلية “طالبان” باكستان، كان مرتبط بشبكات تنظيم “القاعدة” الموجودة في وزيرستان، ومناطق الحدود القبلية الأفغانية الباكستانية. القاعدة بعد أن بدأت الأحداث في سوريا، نقلت رأس حربتها الذي كان موجود في وزيرستان ومناطق الحدود القبلية الأفغانية الباكستانية إلى سوريا، وهذه الشبكات تعرضت للعديد من الاستهدافات الجوية بعد ذلك، بحسب سلطان.

اقرأ أيضا: سياسة طالبان الجديدة ضد الجهاديين.. حكاية الانقلاب والسجون المرعبة

“القاعدة” لم يعد لها وجود استراتيجي مؤثر في مناطق الحدود القبلية التي هي مناطق “طالبان” باكستان، وبالتالي فقدت “طالبان” باكستان جزءا هاما من مصادر التمويل ومصادر الدعم العملياتي واللوجيستي، فحركة “طالبان” باكستان، هي ليست قوية كما كانت، ولكن مازالت تشكل تهديدا أمنيا على المدى البعيد، خاصة وأنها لا تنوي وقف العنف، وهذا واضح في بياناتها وإلغائها اتفاق الهدنة الأخير.

لا يُعتقد بأن حركة “طالبان” باكستان تشكل تهديدا على المستوي الاستراتيجي في باكستان، لكنها كما ذُكر سابقا، تشكل تهديدا لا يُستهان به، بدورها ستقوم السلطات الباكستانية بالتعامل مع هذا التهديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.