التوترات في شبه الجزيرة الكورية، بلغت ذروتها منذ سنوات بعد عام غير مسبوق من إطلاق الصواريخ من جانب كوريا الشمالية، والموقف الأكثر عدوانية من رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول.

في عام 2022، أطلقت كوريا الشمالية ما لا يقل عن 95 صاروخا، وهو أكثر من أي عام سابق، كما أطلقت صاروخا آخر قصير المدى في يوم رأس السنة الجديدة من هذا العام، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

 الاختبارات هي نتاج عدة عوامل، بما في ذلك السياسة المحلية في كوريا الشمالية، فضلا عن التدهور السريع والشديد للعلاقات الدبلوماسية بين نظام كيم جونغ أون والتحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية منذ القمة الفاشلة لعام 2019 في هانوي، فيتنام، بين كيم والرئيس السابق دونالد ترامب.

توترات شبه الجزيرة الكورية تدفع للتساؤل عن إمكانية السلام في المنطقة، وهل للتصعيد النووي في شبه الجزيرة علاقة بالسياسة الداخلية بقدر ما له علاقة بالشؤون الخارجية، وما المساحة للدبلوماسية بين الطرفين في العام 2023.

الجارة العدوانية وأسباب التوتر

لم تفلح العقوبات الدولية القاسية المفروضة على كوريا الشمالية في شيء سوى أن جعلت بيونغ يانغ أكثر عدوانية في تهديدها النووي والصاروخي للأمن الإقليمي والدولي، لتصف واشنطن التوترات الراهنة في شبه الجزيرة الكورية بأبرز تحدّ يواجه الأمن العالمي.

الحدود بين الكوريتين الشمالية والجنوبية

في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى تمتين احتوائهم الثلاثي نظام كيم جونغ أون، لا سيما عبر تنسيق العقوبات وسد الثغرات في نظام العقوبات الدولي على كوريا الشمالية، وجدت طوكيو وسيول في حال القلق الدولي من النظام الأمني الإقليمي الهش في المنطقة فرصة لمزيد من خطوات عسكرة سياسة الأمن القومي للبلدين، في ظل اهتزاز الثقة في الحليف الأميركي الذي عمل لعقود مزودا رئيسا للأمن للحليفين في مواجهة الصين وروسيا وكوريا الشمالية، مما يفتح الباب أمام سباق تسلح نووي وتقليدي، ليس في مصلحة واشنطن أن تتصاعد حدّته في ظل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا.

الدكتور اسماعيل تركي، الخبير في العلاقات الدولية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية زادت التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية والمناورات العسكرية التي تجريها واشنطن وسيول، لكن الجديد هو إقرار استراتيجية الأمن القومي اليابانية، التي تخصص للمرة الأولى ميزانية تاريخية لقوات الدفاع الذاتي اليابانية، وأيضا زيادة التوتر بين الصين وتايوان، والتحرشات الأميركية بالصين في هذه المسألة، إضافة لقيام بيونغ يانغ بإنتاج صواريخ أكثر تطورا باستخدام الوقود الصلب، ما يعطيها قدرة أكبر على المناورة، ويمكن إطلاقها بسرعة أكبر وإخفائها بسهولة.

أيضا تواصل كوريا الشمالية تطوير برامج الأسلحة النووية والصواريخ المتوسطة المدى والعابرة للقارات القادرة على تهديد الولايات المتحدة وكذلك كوريا الجنوبية، ما يمثل تهديدا حقيقيا لأمن هذه الدول ما دفع كوريا الجنوبية إلى إعادة توصيف جارتها الشمالية كعدو، وتتعامل على هذا الأساس بعد نحو خمس سنوات من التهدئة النسبية، ليصل التصعيد إلى ذروته في هذه الفترة، منذ أن قامت بتفجير مكتب الاتصال بين الجانبين في مدينة كايسونغ، وصولا إلى تجاربها الصاروخية الأخيرة.

قد يهمك:كيف يمول كيم جونغ أون مشاريعه النووية عبر قرصنة العملات المشفرة؟

من جانبه، يرى الدكتور محمد اليمني، الخبير في العلاقات الدولية، أن التصعيد في هذه المنطقة جاء نتيجة للتعاون بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، إضافة إلى أن كوريا الشمالية تنظر بعداء للمجتمع الدولي وتتهم الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية وخاصة في القارة الآسيوية، لذلك يعتقد الرئيس الكوري الشمالي أنه لا بد من استخدام القوة في شبه الجزيرة الكورية ولا يوجد سلام.

مؤشرات التصعيد وارتباطها بالسياسة الداخلية أم الخارجية؟

منذ تنصيب يون في أيار/مايو 2022، اتبعت الولايات المتحدة والجنوب استراتيجية متبادلة في التعامل مع الشمال، ومتابعة التدريبات العسكرية المشتركة التي يعتبرها الشمال استفزازية، وحتى إرسال طائرات بدون طيار فوق بيونغ يانغ.

أيضا فقد أعلن كيم الأسبوع الماضي عن نيّته في بناء “قوة عسكرية ساحقة”، بما في ذلك التركيز على إنتاج أسلحة نووية تكتيكية قصيرة المدى لاستهداف الجنوب، وكذلك صواريخ باليستية طويلة المدى عابرة للقارات، أو صواريخ باليستية عابرة للقارات، قادرة على الوصول إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة، من بين الابتكارات الأخرى لقد أدى إعلان كيم، واقتراح يون إلى إجراء مناورات مشتركة للأسلحة النووية بين الجنوب والولايات المتحدة، إلى تسليط الضوء بشدة على التهديد النووي.

تركي يرى أن مؤشرات التصعيد في شبه الجزيرة الكورية حاضرة بقوة وتتمثل في المناورات العسكرية الأميركية في المنطقة وبالأساس مع كوريا الجنوبية وأصبحت أكبر واضخم من حيث الكم والكيف زمانيا ومكانيا، وكذلك عمليات إطلاق الصواريخ من قبل كوريا الشمالية، التي بلغت معدلا غير مسبوق وشملت القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى.

فضلا عن حدّة الخطاب السياسي، وأعلى درجات الحدّة تجدها لدى بيونغ يانغ، والذهاب بالقضية إلى مجلس الأمن أكثر من مرة في الفترة الأخيرة، وكثافة الحديث عن ملف حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وإثارته في المحافل الدولية، وفرض عقوبات أحادية إضافية من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية على بيونغ يانغ، وكذا رفض كوريا الشمالية المطلق للحوار مع الولايات المتحدة، في حين أن الأخيرة ما زالت تقول إن باب الحوار مفتوح وبلا شروط مسبقة.

كذلك مسألة رفض الكوري الشمالي لمبادرة الرئيس الكوري الجنوبي بخصوص تقديم مساعدات للشمال على أن تقوم بخطوات في سبيل نزع سلاحها النووي وكذلك إصدار بيونغ يانغ قانونا يكرّس وضعها كدولة نووية، مع رفض مطلق للتخلي عن هذا السلاح، وبيان حالات استخدامه، أي أنه بات لكوريا الشمالية عقيدة نووية، فضلا عن السير قدما من قبل بيونغ يانغ في تطوير محركات الصواريخ، بما في ذلك تجربتها الأخيرة بالنسبة إلى محرك الدفع العالي الذي يعمل بالوقود الصلب، والتي أشرف عليها كيم جونغ أون بنفسه.

وكذلك توقّع كل من واشنطن وسيول إقدام كوريا الشمالية على إجراء تجربة نووية سابعة في أي وقت، وحالة الاستقطاب حول ما يجري في شبه الجزيرة الكورية بين كل من واشنطن وحلفائها من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، أيضا فإن التصعيد الكوري الشمالي قد زاد في حدته مع انطلاق الحرب الروسية في أوكرانيا، مما يكشف عن التحالف الضمني بين موسكو وبيونغ يانغ في مواجهة الغرب.

اليمني يرى من جهته أن هذا التوتر يرتبط بالشؤون الخارجية أكثر من ارتباطه بالسياسة الداخلية للكوريتين، إضافة إلى العلاقة والتحالف الجديد في المنطقة بين اليابان ودول أخرى في مواجهة كوريا الشمالية والصين اللتان تشكلان تحالفا مضادا.

ما فرص نجاح الدبلوماسية في 2023؟

على الرغم من أن قرار 2018 بين الشمال والجنوب يحظر الأعمال العدائية العسكرية بين البلدين، فقد انخرط الطرفان في عروض دراماتيكية للقوة بشكل متزايد على مدى الأشهر العديدة الماضية، والتي نظرا لنقص الجهود الدبلوماسية، يمكن أن تزيد من احتمال حدوث أخطاء جسيمة في الحسابات وصراع صريح من جانب أي من الطرفين.

اختبار صاروخي من قبل كوريا الشمالية

أيضا تشير التهديدات الصريحة من جانب الرئيس كيم، إضافة لزيادة اختبارات الصواريخ، إلى أن كوريا الشمالية مهتمة بإبراز قدرة ردع ذات مصداقية ومحاولة إدارة عدم الاستقرار داخليا، والجنوب يتخذ موقفا متشددا ويظهر قوته الخاصة أحيانا على خلاف مع مصالح الولايات المتحدة، حليفه العسكري الأساسي.

بحسب تركي، فإن ما يحدث في شبة الجزيرة الكورية من سعي كوريا الجنوبية لتعزيز ترسانتها العسكرية في مواجهة كوريا الشمالية، يرفع خطر سباق التسلح وخاصة بعد إعلان الإدارة الجديدة في كوريا الجنوبية بقيادة يون سوك يول النية بالانسحاب من الاتفاق العسكري الرمزي الموقّع بين الطرفين حال لم يكن هناك تغير في موقف كوريا الشمالية الحالي.

في ظل حالة التصعيد تلك وفي ظل التحفز الأميركي الكوري الجنوبي والياباني، بخاصة إذا ما أقدمت بيونغ يانغ على إجراء تجربتها النووية السابعة فإن الأمور قد تزداد تعقيدا، ومن ثم سيزيد مستوى التوتر والتصعيد لكنه على الأغلب سيظل تصعيدا منضبطا، بحيث لا تنزلق الأمور إلى اشتباكات كثيفة قد تؤدي إلى حرب طويلة الأمد.

لكن هذا لا ينفي احتمالية وقوع اشتباكات محدودة بحرية أو حتى برية من خلال المدفعية بين الكوريتين، أما وجود عمليات برية تقوم بها قوات المشاة على أراضي الطرف الآخر أو غارات جوية تظل أقرب إلى الاستبعاد، إلا إذا انزلقت الأمور بسبب حسابات خاطئة أو سوء إدراك، وحتى إذا ما وقع ذلك فعلى الغالب ستكون هناك مساع لتدارك الأمر لئلا تدخل الأمور إلى نطاق الحرب الشاملة، حسب تركي.

أما اليمني، فيرى أن التصعيد يمر بمرحلة حرجة نتيجة للتطورات والتحالفات الأخيرة في المنطقة، متوقعا أن يشهد العام الحالي حربا بين الكوريتين لعدم وجود خطط ودراسات ومبادرات واضحة وجدّية لإحلال السلام بينهما.

من المهم أن يكون هناك حالة من الاهتمام والانتباه الدولي من القوى الدولية لمتابعة هذا التصعيد ومحاولة احتوائه وجعله تحت السيطرة طوال الوقت خشية أن يتصاعد بشكل كبير وينزلق لحالة حرب مفتوحة تهدد الأمن والسلم الدوليين ويزيد من التداعيات الخطيرة التي يواجهها العالم والذي ستكون له عواقب وخيمة على كافة الأطراف.

إقرأ:سيول وواشنطن تناقشان إجراء مناورات نووية.. ما مستقبل التوتر بين الكوريتين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.