حجر في مستنقع الركود، أنسب ما توصف به تصريحات المنسق الأعلى للأمن والسياسة الأوروبية، جوزيب بوريل، عقِب لقائه بوزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبداللهيان، في العاصمة عمان، على هامش مؤتمر بغداد. والذي حضره أيضا، المنسق الأوروبي لمفاوضات فيينا، أنريكي مورا وكبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني. السؤال هنا، هل أفضى اللقاء لخطوات عملية، حتى تعالت النبرة الإيرانية بقرب التوصل لاتفاق.

في تعليقه على اللقاء، قال بوريل، “اتفقنا على أنه يتعين علينا إبقاء الاتصالات مفتوحة والعودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة على أساس مفاوضات فيينا”. فيما صرّح عبد اللهيان، إنه اتفق مع بوريل على اتخاذ “خطوات نهائية” للتوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي.

 بدورها، أعلنت الخارجية الإيرانية، إنها مستعدة لاستكمال المفاوضات النووية، وأن هذا الاستعداد “لن يبقى إلى الأبد، وأن تبادل الرسائل بين أوروبا وطهران مستمر حتى الآن للوصول إلى نتيجة بشأن الاتفاق النووي”.

في المقابل، صرح منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، جون كيربي، إن “الاتفاق النووي ليس محور تركيزنا ولا على جدول أعمالنا، ولا نرى اتفاقا في أي وقت قريب، بل نركز على طرق عملية لمواجهة إيران التي تواصل قتل مواطنيها”، بحسب “الإندبندنت عربية”.

بوريل، كتب على موقع خدمة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي. “مع ذلك، ما زلت أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بحظر انتشار الأسلحة النووية، لا يوجد بديل لخطة العمل الشاملة المشتركة. أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف يخدعون أنفسهم”، بحسب صحيفة “آفتاب” الإيرانية.

أما المبعوث الأميركي الخاص بإيران، روبرت مالي، حصر الجهود الحالية للولايات المتحدة بالعمل على وقف إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا، وعلى دعم المتظاهرين، بدلا من التركيز على محادثات إحياء الاتفاق النووي المعطّلة. مطلقا تساؤله عن “فائدة” تلك المحادثات، وفقا لما نقله موقع “الشرق” عن وكالة الأنباء العالمية “بلومبيرغ”.

من عقبة آثار اليورانيوم إلى عقدة المسيرات

مفاوضات الصيف الفائت، دفعت المعنيين إلى التفاؤل الحذر بأن الاتفاق أصبح في متناول اليد، بحسب موقع “أي بي أس أي”. سرعان ما تلاشى التفاؤل بعد تقديم طهران لسلسلة جديدة من الطلبات الغير معقولة. ومنذ أيلول/سبتمبر 2022، لم تستأنف المحادثات، ضمن استراتيجية الانتظار والترقب لدى كلا الجانبين، وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته، قالت الولايات المتحدة إن “إحياء الاتفاق النووي، ليس محور تركيزنا في الوقت الحالي”. بعدها بأيام، أعلنت فرنسا والمملكة المتحدة أنه من خلال تزويد إيران لروسيا بالمسيّرات، تكون إيران قد انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

“ضرورة الإنهاء الفوري للدعم العسكري لروسيا والقمع الداخلي في إيران” شرطا شدد عليه بوريل، بحسب صحيفة “آفتاب”. فإعادة الاتفاق النووي إلى مساره لن يتم في فراغ استراتيجي. إنه قطعة من صورة أكبر. ويجب على إيران التوقف فورا عن دعم روسيا عسكريا.

الصحفي فراس العلاوي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت” أن أوروبا وسيط في الصفقة النووية، مع كونها شريك فيها، إلا أنها غير قادرة على فرض تسوية مقبولة لأميركا وإيران. على العكس من ذلك، تسير بروكسل في الرّكب الأميركي، مع بعض المحاولات لإيجاد نوع من التوازن بين واشنطن وطهران.

قد يهمك: هل تنهي الاحتجاجات الإيرانية الملف النووي مع طهران؟

إعادة إحياء الاتفاق نووي، وفق علاوي، مصلحة أوربية تفوق مصلحة أميركا، نظرا للعلاقات الاقتصادية بين بروكسل وطهران. حيث تعتمد دول الاتحاد على قسم من النفط الإيراني، وتستثمر الشركات الأوربية في قطاع الطاقة الإيراني كثيرا. وهذان الأمران يسببان الحرج للجانب الأوروبي، في حال استمرار العقوبات. لذا تقوم الشركات الأوربية بالضغط على حكوماتها لحلحلة عقبات التفاهم النووي.

من جهة أخرى، هناك انقسام داخل أوروبا، بين موافق ومعارض لتبعية الأخيرة للسياسة الأميركية، لاسيما في قضية النووي الإيراني، والذي يشكل التوافق حوله مصلحة أوروبية أكثر مما هو مصلحة أميركية، نتيجة عودة العلاقات التجارية بين دول الاتحاد وإيران، بعد رفع العقوبات عن الأخيرة.

الدبلوماسي الإيراني السابق، قربان أوغلي اعتبر إشراك إيران في الصراع الأوكراني، من قبل موسكو، سيناريو روسي لتحديد مصير إيران والمفاوضات النووية، بحسب صحيفة “انتخاب” الإيرانية. احتياج ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم إلى مساعدة إيران هي فكرة فجة وبعيدة عن الواقع. يستدل أوغلي على ذلك، بالتسجيل الصوتي لوزير الخارجية الإيرانية السابق، محمد جواد ظريف. بموجبه، ذكر ظريف صراحة جهود موسكو لعرقلة التوصل لاتفاق عام 2015.

يؤيده في ذلك، السفير السابق في موسكو، نعمة الله أزدي، بحسب لقاء آخر مع صحيفة “انتخاب”، قال فيه، “ربما كان لروسيا نفسها دور في تعليق ووقف الاتفاق النووي، فعندما ظهرت هذه المسألة أي المسيّرات، حاول الروس ربطها بشكل غير مباشر بالمفاوضات النووية وطالبوا بتعليقها حتى تتوضح معطيات هذه المسألة”. واللعبة الروسية، برأيه، ورّطت إيران من أجل الحصول على تنازلات من طهران والغرب فيما يتعلق بالأحداث التي تجري في أوكرانيا.

إجماع دولي ضد إيران يحكم حلقاته

الصحفي الإيراني وخبير السياسة الخارجية، جلال خوش خور، يشير في حواره مع صحيفة “فيرارو” الإيرانية، إلى أنه طالما هناك مفاوضات حول خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن باب الدبلوماسية مازال مفتوحا. إلا أن بعض الأخطاء التي ارتكبتها طهران أدت إلى بناء إجماع ضدها، وهو ما أشار إليه بايدن في الفيديو الذي ذكر فيه موت الاتفاق دون إعلانه عن ذلك. ومع ذلك، لم تغلق إدارة بايدن الباب دبلوماسيا، لكنها أعربت عن إحباطها من العملية التفاوضية. والسبب الرئيسي لذلك هو أن العقبات الخطيرة التي تحول دون التوصل إلى اتفاق مع إيران لا تزال قائمة.

 لذا، لا يمكن تعليق آمال كبيرة على إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”، نتيجة اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني، مع المنسق الأعلى للسياسة الأوربية في عمان.

إياد حمود، مدير مركز “نورس” للدراسات، يحكم خلال حديثه لـ”الحل نت” على الخطوة الأوروبية بالفشل، مادامت واشنطن معارضة لهذه الخطوة. مستدلا، بالعجز الأوروبي عن تنفيذ شرط إيران للبقاء على التزاماتها النووية، من خلال فشل “الترويكا” الأوربية صياغة آلية لتحييد العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق عام 2018.

 كذلك فشل “الترويكا” الأوروبية، بتنفيذ التعهدات الممنوحة لإيران بموجب “اتفاق باريس” الموقّع بين الجانبين عام 2003، نتيجة معارضة واشنطن لهذا الاتفاق.

من متابعة السياسة الأوروبية في القضية النووية الإيرانية، وفق حمود، غالبا ما تلجأ بروكسل للإقدام على خطوة “توفيقية” عندما تدرك أن لدى واشنطن مسار “تصعيدي” تجاه الملف النووي الإيراني، وهو أمر تؤكده أو تُخطِئه الأيام القادمة. لكن بالنظر للوقائع الراهنة يبدو حديث منسق الأمن والسياسة الأوروبية، عن إبقاء قنوات التواصل الدبلوماسي لمفاوضات فيينا النووية، حديثا أجوفا، وفق تعبيره.

الاتفاق على جدول الأعمال وليس على الطاولة

الدبلوماسي الإيراني السابق وخبير السياسة الخارجية، فريدون مجلسي، يفسر معنى قول بايدن، أن” خطة العمل الشاملة المشتركة قد ماتت”، أنه “يعتقد أن وجهة نظر طهران تتعارض مع إحياء الاتفاق. لقد تحمّل الأميركيون مسؤولية انسحابهم من خطة العمل الشاملة المشتركة، لكنهم ليسوا مسؤولين عن وفاة هذا الاتفاق، ويحاولون رمي الكرة على إيران بطريقة ما”. حيث الغرب، وخاصة واشنطن، يرون أن “الرغبة الإيرانية لإحياء الاتفاق النووي قاصرة على مستوى الشعارات، بالنظر لإرادتها القوية في مواصلة تخصيب اليورانيوم وإحراز المزيد من التقدم في القضايا النووية”.

العلاقات الإيرانية الأوروبية أكثر ترابطا من العلاقات الإيرانية الأميركية. وبالتالي، فإن قطعها أو تحولها إلى عدائية أكثر يؤثر سلبا على أوروبا، بحسب العلاوي. فهناك وجود إيراني كبير في أوروبا، ما يعني مشكلة أمنية لدى الدول الأوروبية، في حال حدوث أي تصعيد عسكري تجاه إيران، مما قد يوقظ الخلايا الإيرانية الموجودة على الجغرافية الأوروبية.

كما يخشى الأوروبيون من التأثير العقائدي الإيراني، وما قد تأتي به من هجمات شبيه لهجمات “القاعدة” و”داعش” بنسختها الشيعية. بالإضافة لذلك، هناك العديد من المشاكل الاقتصادية والتقنية الداخلية، التي تؤثر على وحدة الاتحاد. لذا فهم بالغنى عن مضاعفة مشاكلهم، جراء تداعيات وفاة الاتفاق النووي. لذا تدأب بروكسل على إعادة إحياء الاتفاق النووي، دون امتلاك القدرة على ذلك.

اقرأ أيضا: إيران تتوسع في تخصيب اليورانيوم.. هل انتهى الاتفاق النووي؟

حمود يؤيد ذلك بالقول، الطرفان الأساسيان في المفاوضات النووية، هما واشنطن وطهران، وبقية الأطراف تلعب دور الميسّر والوسيط وناقل الرسائل. لذا فإن إعلان واشنطن عن تراجع الاتفاق النووي ضمن سلّم أولوياتها، وعدم وجود ما يشير لتراجع إيران عن طلباتها الخارجة عن دائرة الاتفاق، فلا يظن، حمود أن “الجهود الأوروبية قادرة على إذابة جبل الجليد المتراكم بين الطرفين” وفق تعبيره.

نائب وزير الخارجية الإيراني السابق، حسين موسويان، قال إن “الاتفاق النووي مطروح على جدول الأعمال لكنه ليس على الطاولة، وإن الوضع الداخلي في إيران ثبّط عزيمة القوى الغربية بشأن الاتفاق النووي”، ويوضح أنهم “قرروا وضع قضية حقوق الإنسان فوق الملف النووي” بحسب موقع “المينتور”.

مصادر أميركية وأوروبية، قالت إن “إيران ترددت وتراكمت مطالبها، عندما كان الاتفاق قريبا في عدة مناسبات ماضية. والآن، تركز بروكسل وواشنطن على خطة احتياطية لعزل طهران والضغط عليها بسبب حملتها القمعية. وكل هذا لا يعني أن الصفقة قد ماتت، ولكنها تتجه إلى القبر” بحسب “المينتور”.

العزلة الدولية، والأزمة الاقتصادية الخانقة، مع الوضع الداخلي المتأزم، والمفتوح نحو المجهول، دعا طهران للتعلق بأي أمل قد يمنحها النجاة. لذا، نشطت الدبلوماسية الإيرانية في الآونة الأخيرة، لإيجاد وساطة سرية أو لإحداث فتحة في باب التفاوض النووي المغلق، منذ نهاية آب/أغسطس العام الماضي. ووجد الوزير الإيراني في لقاء المنسق الأوروبي، أرضية هشة أراد البناء عليها، دون تراجع طهران عن شروطها اللامعقولة للتوصل لاتفاق. ولعل طهران لا زالت تأمل أن تشكل أزمة الطاقة في الشتاء الأوروبي، ورقة قوة تفاوضية تضغط من خلالها، إلا أن الواقع يثبت العكس، فبحسب ما تتداوله الصحف الإيرانية، تعاني هذه الدولة الراقدة على ثاني احتياطي للغاز في العالم، من أزمة نقص في الطاقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.