الدول الإفريقية تصارع منذ سنوات انتشار الجماعات الإرهابية في عدد من مناطق القارة، في وقت تسعى من خلال “منتدى‭ ‬السلم‭ ‬الإفريقي”، إلى وضع استراتيجيات من شأنها إزالة القارة من عباءة التنظيمات الإفريقية المنتشرة في معظمها.

وفضلا عن المنتديات المشتركة، بدأت العديد من الدول بتبني استراتيجيات مختلفة، من شأنها محارب التنظيمات الإرهابية، سواء كان عبر المواجهة المباشرة عسكريا وأمنيا، أو عبر محاربة الفكر المتطرف باستراتيجيات مدروسة، فما هي أبرز الآفاق والتحديات التي تواجه إفريقيا في مواجهة تنظيمات الإرهاب.

دعوات إفريقية لمحاربة الإرهاب

العديد من رؤساء دول القارة الإفريقية، دعوا خلال‭ ‬مداخلات‭ ‬مباشرة‭ ‬وعبر‭ ‬الفيديو‭ ‬أمام‭ ‬الدورة‭ ‬الثالثة‭ ‬للمؤتمر‭ ‬الإفريقي‭ ‬للسلم،‭ ‬المتواصل‭ ‬حاليا‭ ‬بنواكشوط،‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬عالمية‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وحزماً‭ ‬للنشاط‭ ‬الجهادي‭ ‬المسلح‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬العالم‭ ‬عموما،‭ ‬ومنطقة‭ ‬الساحل‭ ‬والغرب‭ ‬الإفريقي،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص.

هذه الدعوة جاءت على ألسنة رؤساء دول كلٍّ من ‬نيجيريا‭ ‬وموريتانيا‭ ‬والنيجر‭ ‬ورواندا‭ ‬وغينيا‭ ‬بيساو، الذين أكدوا ضرورة التركيز على البُعد الفكري في التصدي للعنف المسلح، عبر تبني ‬خطط‭ ‬تهتم‭ ‬بحماية‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬للاكتتاب‭ ‬لدى‭ ‬الحركات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭.‬

الرئيس النيجيري محمد بخاري، دعا في مداخلته الثلاثاء الفائت، الدول الإفريقية “إلى العمل المشترك‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬المؤسس‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬على‭ ‬إحلال‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬ونشره،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬أوضاع‭ ‬القتل‭ ‬والتحارب‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬القارة‭ ‬بسبب‭ ‬نشاطات‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬فيها”.

 الصحفي والباحث المتخصص في الحركات الإسلامية المسلحة أحمد سلطان، رأى أن الوضع في إفريقيا تشوبه تعقيدات كثيرة، وهو ما يساعد الجماعات الإرهابية على الانتشار وتنفيذ عملياتها، مشيرا إلى أن الدول الإفريقية تواجه العديد من التحديات في صراعها مع الإرهاب.

مشهد معقّد

سلطان قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “قارة إفريقيا هي الوجهة الحالية الأبرز لتنظيمات الجهاد المسلح ذات التوجه العالمي كتنظيم داعش والقاعدة، لدينا حالة جهادية متصاعدة ومتنامية في منطقة الساحل الإفريقي وفي منطقة غرب إفريقيا والجنوب في موزمبيق، لدينا عدد كبير من الجماعات مثل جماعة بوكو حرام في نيجيريا، وتنظيم ولاية غرب إفريقيا في نيجيريا وجماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، داعش في موزمبيق، نصر الإسلام والمسلمين في الساحل الإفريقي، داعش في الساحل، القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم القاعدة في ليبيا، جنود الخلافة في الجزائر”.

سلطان وصف الحالة الإفريقية بـ”المعقّدة”، لا سيما مع وجود العديد من الصراعات الإثنية، واستغلال جماعات الإرهاب لهذه الصراعات وتوظيفها بما يخدم مصالحها الإرهابية، كما يحدث في مالي وموزمبيق.

حول ذلك أضاف سلطان، “بعض الجماعات تقدم نفسها على أنها حامية للمسلمين من خصومهم وأعدائهم في المنطقة، في إفريقيا أيضا هناك انتشار للفساد، وفوضى سلاح وانتشار للميليشيات، الدولة لا تحتكر أدوات القوة وبالتالي تنتشر الميليشيات ويصعب مواجهة الإرهاب الذي يتغذى على هذه العوامل”.

الاستراتيجيات التي اتبعتها العديد من الدول الإفريقية أثبتت أنها استراتيجيات غير ناجحة بحسب رؤية المختص في شؤون الجماعات المتطرفة، “فاستراتيجية المعسكرات الكبيرة التي اتبعتها نيجيريا، والاستراتيجيات التقليدية التي اتبعتها موزمبيق، لم تثبت نجاحها، بالتالي هذه الدول تستجدي التدخل الدولي لمواجهة الإرهاب”.

برأي سلطان، الإرهاب يحتاج إلى مواجهة شاملة، وليس فقط مواجهة ذات طابع أمني وعسكرية، لا سيما وأن المشكلة الأكبر لهذه التنظيمات هي قدرتها المستمرة على البقاء والتمدد.

حول ذلك أردف قائلا، “نحن بحاجة لاستراتيجية شاملة تراعي الوضع القائم في القارة، على المستوى السياسي والاقتصادي، وتراعي أبعاد مختلفة كالتغير المناخي الذي استغلته الجماعات الإرهابية في القارة، بحاجة إلى استراتيجية تراعي الخلافات والصراعات الإثنية، ومعالجة الأزمات السياسية المتكررة وحالات الانسداد السياسي، كذلك معالجة شاملة للأوضاع الاقتصادية والفقر المدقع الموجود في بعض دول القارة، فضلا عن برامج شاملة لنزع التطرف وتحصين الشباب من الأفكار المتشددة، وبحاجة إلى انخراط أكبر للمجتمعات المحلية في هذه الاستراتيجيات”.

بالعودة إلى “منتدى السلم الإفريقي”، فقد أكد ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬غينيا‭ ‬بيساو‭ ‬في‭ ‬مداخلة‭ ‬ألقاها‭ ‬نيابة‭ ‬عنه‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائه‭ ‬سواريز‭ ‬صمبا‭ ‬‮ أن‭” ‬مؤتمر‭ ‬السلم‭ ‬الإفريقي‭ ‬المنعقد‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬موريتانيا،‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬الإرادة‭ ‬الصادقة‭ ‬لمجابهة‭ ‬العنف‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬التصورات‭ ‬الخاطئة‭ ‬للدين‮”‬.

قد يهمك: اشتعال حرب في بحر الصين.. ما الاحتمالات؟

من جانبه شدد ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬محمد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني‭ ،‬أمام‭ ‬المؤتمر‭ ‬‮ أن “الدفاع‭ ‬عن‭ ‬السلام،‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ناجعا ‬وفعّالا‭ ‬إلا‭ ‬بالتحصين‭ ‬القوي‭ ‬لعقول‭ ‬الأفراد،‭ ‬ووجدان‭ ‬المجتمعات،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الخطابات‭ ‬الممجدة‭ ‬للعنف‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أشكالها”‮.

هذه الدعوات والخطابات من قبل قادة في إفريقيا، جاءت بعد أن تصاعدت وتيرة عمليات الجماعات الإرهابية المسلحة، في عدد من الدول الإفريقية، وذلك بحسب تقارير صادرة عن مراكز دولية مهتمة بقضايا التطرف، لا سيما خلال العام 2022.

العام الفائت شهد‭ ‬تطورات‭ ‬عدة،‭ ‬أبرزها‭ ‬إنهاء‭ ‬عملية‭ ‬‮ “برخان‮” ‬العسكرية‭ ‬الفرنسية‭ ،‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬عام‭ 2013 ‬ من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬وسحب‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬لمفارزها‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مرابطة‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬للغاية‭ ‬ذاتها‭. ‬

‬هذه‭ ‬التقارير، سجلت‭ ‬اتساعا‭ ‬للنشاط‭ ‬الجهادي‭ ‬المسلح‭ ‬باتجاه‭ ‬الدول‭ ‬المطلة‭ ‬والمشرفة‭ ‬على‭ ‬خليج‭ ‬غينيا‭ ‬وهي‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وغينيا‭ ‬بيساو،‭ ‬وساو‭ ‬تومي‭ ‬وبرينسيبي،‭ ‬وغينيا،‭ ‬والجابون‭.‬

في بوركينا فاسو، تواصل قوات الجيش عمليات التمشيط شمالي البلاد، بحثا عن عشرات النساء المختطفات من قبل تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وحسبما أفاد به موقع “أفريكا نيوز”، اختطفت الجماعات الإرهابية، نحو 60 امرأة في مدينة أربيندا، الواقعة على الساحل الشمالي للبلاد، حيث جرى اختطافهن على دفعتين منتصف الشهر الجاري

في القرن الإفريقي، تواصل الحكومة الفيدرالية الصومالية جهودها لدحر عناصر حركة “الشباب” الموالية لتنظيم “القاعدة”، حيث شنّت الحركة، قبل أيام هجوما إرهابيا على معسكر للجيش في مدينة حودلي بمحافظة شبيلى الوسطى، على بُعد 60 كيلومترا عن العاصمة مقديشو.

استراتيجيات جديدة

العديد من الدول الإفريقية بدأت خلال الأشهر الماضية، تنفيذ استراتيجيات أعدتها على مدار السنوات الماضية، لمواجهة الجماعات الإرهابية والفكر المتطرف.

في إطار تنفيذ هذه الاستراتيجيات، تتجه الجزائر مثلا لإصدار قانون جديد خاص بجريمة تبييض الأموال، في مسعى إلى “تجفيف منابع الإرهاب“، مع اتخاذ التنظيمات المتطرفة أشكال عدة لتنفيذ ودعم نشاطاتها.

الجزائر تسعى من خلال القانون الجديد إلى منع وصول الأموال إلى الجماعات المتطرفة، وبالتالي منعها كذلك من عودة أنشطتها إلى أنحاء البلاد، فلجأت إلى مواجهة مختلف الجرائم التي أصبحت تُصنّف على أنها جرائم إرهابية، عَبر استخدام الأموال.

القانون الذي تم عرضه على البرلمان الجزائري مطلع العام الجاري، يشمل بحسب ما نقله موقع “سكاي نيوز عربية“، عدة إجراءات قانونية تتماشى مع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، كما يسعى القانون لمحاربة عمليات تبييض الأموال بمختلف أشكالها، سواء كانت سرقة أو فساد أو تجارة المخدرات.

العديد من الدول الإفريقية لم تتخلص حتى الآن من التنظيمات الإرهابية، ويبدو أنها امام مشوار طويل نوعا ما للتخلص من الإرهاب، لذلك لا بد بحسب مختصين من التركيز على تجفيف منابع الإرهاب ومحاربة الفكر المتطرف منذ مراحل نشأته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.