في ظل تصاعد مخاطر محور الصين وكوريا الشمالية وروسيا، وارتفاع الأحلام التوسعية لهذا المحور بعد الغزو الروسي لأوكرانيا مطلع العام الماضي، تشهد منطقة شرق آسيا سباقا للتسليح يبدو أنه الأقوى في تاريخ المنطقة.

دول شرق آسيا وأبرزها اليابان وكندا وكوريا الجنوبية، سارعت منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، خاصة وأن الحزب “الشيوعي” الصيني، لا يخفي رغباته التوسعية، فضلا عن الاستفزازات التي تطلقها كوريا الشمالية ضد الجارة الجنوبية، فهل يكون هذا السباق مقدمة لاشتعال حرب في آسيا.

هذه الورقة التحليلية ستتناول احتمالات أن يؤدي سباق التسلّح الذي انطلق شرق آسيا إلى حرب مباشرة، بين الحلفَين الذي بدأت تتشكل معالمهما مؤخرا، ومدى تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على قرارات الحزب “الشيوعي” الصيني، المتعلقة بمساعيه التوسعية في القارة.

بالإضافة للجهود الأميركية لمواجهة محور الصين وكوريا الشمالية، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق التوازن العسكري في المنطقة، تجنبا لمخاطر الحزب “الشيوعي” وحليفته الأبرز كوريا الشمالي، التي أطلقت هي الأخرى مناورات صاروخية ضد جارتها الجنوبية، تمهيدا لغزو محتمل.

سياسة ردع جديدة

كندا واليابان والصين والكوريتين، هم في طليعة الدول التي تواصل تعزيز قدراتها العسكرية خلال السنوات الماضية، وقد زاد هذا التعزيز خلال العام الماضي، من خلال زيادة الترسانة العسكرية والإنفاق على التسليح بأرقام غير مسبوقة، الأمر الذي أثار المخاوف العالمية من تبعات ونتائج هذا التعزيز العسكري.

الحزب “الشيوعي” الصيني، كان من أبرز القوى التي عززت قدراتها، وأعقب ذلك، بإعلان أحلامه التوسعية وتهديداته بغزو تايوان، الأمر الذي أثار حفيظة العالم، كذلك أخذت بعض الدول المجاورة للصين هذه التهديدات على محمل الجد وأخذت بتعزيز قدراتها الدفاعية.

التعديلات الأخيرة التي أجرتها الصين في القيادات العسكرية، والتوترات العسكرية والاقتصادية مع كندا، دفع الأخيرة إلى إقرار استراتيجية ترتكز بشكل أساسي على مواجهة النفوذ الصيني، ومحاولات الحزب “الشيوعي” الصيني التدخل في شؤون كندا ودول المحيطين الهندي والهادي، فما علاقة سياسة الصين الخارجية بهذه الاستراتيجية.

تعزيز قدرات كندا العسكرية جاء من خلال إقرار ميزانية بأرقام غير مسبوقة لدعم القطاعات العسكرية، حيث أعلنت وزيرة الخارجية الكندية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن بلادها أقرت ميزانية بحجم 1.7 مليار دولار أميركي، لاستخدامها في مزيد من الدوريات البحرية، وتحسين إجراءات الاستخبارات والأمن السيبراني، وزيادة التعاون مع الشركاء الإقليميين في بحر الصين الشرقي والجنوبي.

الجهود الكندية جاءت مدفوعة بتنامي القدرات والتصنيع العسكري الصيني في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ خلال العام 2022، فضلا أهداف بكين الأمنية، واحتمال غزو تايوان، أو اتخاذ إجراءات عسكرية من قبل بكين في بحر الصين الجنوبي.

في السنوات الخمس الماضية ارتفع الإنفاق العسكري للصين بنسبة 25 بالمئة، وهي نسبة أعلى من معدل الزيادة الأميركية الذي يقل عن 10 بالمئة، ورغم أن الصين أنفقت عام 2021 نحو 293.4 مليار مقابل نحو 800 مليار دولار أنفقتها الولايات المتحدة وفقا لتقديرات “البنك الدولي”، فإن إنفاق الصين العسكري مخصص في غالبيته العظمى لمنطقة شرق آسيا، إذ يتركز كثير من هذا الاستثمار في المنصات العسكرية المصممة للهجمات البرمائية ونشر القوات في منطقة شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، على عكس الولايات المتحدة التي يتوزع إنفاقها العسكري جغرافياً على العالم بأسره.

اليابان تتخلى عن سلميتها

تزايد خطر الحزب “الشيوعي” الصيني، دفع اليابان كذلك إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، تحسبا لأي تهديد قادم من بكين، كذلك أخذت الولايات المتحدة على عاتقها دعم حلفائها في آسيا لمواجهة مخاطر الحزب “الشيوعي”.

فضلا كذلك عن التهديدات الصينية بغزو تايوان، هناك تنازع سيادي حول جزر في المنطقة بين الصين واليابان، الأمر الذي دفع طوكيو إلى مضاعفة ميزانيتها الدفاعية من 1 بالمئة إلى 2 بالمئة، من الناتج الإجمالي الخام لثالث أكبر اقتصاد في العالم في غضون عام 2027، في الوقت الذي تعتبر فيه طوكيو بكين وحلفائها تهديدا لأمنها القومي، مع تنامي القوى الصينية في المنطقة.

قد يهمك: التكيف مع الانتقاد السياسي.. دور للأحزاب في الاصلاحات والإنعاش الاقتصادي بالجزائر؟

اليابان خصصت 320 مليار دولار ما بين 2023 و2027، لتعزيز قدراتها القتالية، بشكل يمكّنها من رفع ميزانية الدفاع من 51 مليار دولار في 2023، إلى أكثر من 80 مليار دولار في 2027، بعدما كانت 40.2 مليار دولار في 2022، لتتفوق بذلك على روسيا من حيث مخصصات الدفاع، وتصبح في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين.

من ملامح تعزيز اليابان استعداداتها العسكرية، إعلان توسيع معاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث شدد الجانبان على موقفهما من المشتركين في ملفَّي تايوان وأوكرانيا، وقد شمل التوسيع الهجمات التي تتم عبر الفضاء، في خطوة تأتي في خضمّ تزايد القدرات الصينية عبر الأقمار الاصطناعية.

باستثناء الاستثمار الياباني المتزايد في بناء 22 غواصة جديدة، إضافة لكندا، فإن عديدا من جيوش الدول الأخرى في جنوب وشرق الصين، تبدو تقريبا كما كانت قبل خمس سنوات، ولهذا رأى باحثون أميركيون أهمية أن تشعر هذه الدول بالقلق إزاء الآثار المحتملة لتوسيع نطاق نفوذ الصين لحماية تجارتها ووصولها إلى الموارد الطبيعية في المنطقة.

لأن هذه الدول تُعد إما متأخرة في تطوير القوة العسكرية اللازمة لمواجهة أي هجوم صيني محتمل، أو أنها واثقة تماما من أن الولايات المتحدة ستقدّم مساعدتها في أي صراع مستقبلي، وأن علاقاتها مع الولايات المتحدة ستعمل على ضمان أمنها ضد الصين، بخاصة أن أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية أبرمت اتفاقيات دفاع مشترك مع الولايات المتحدة و تُجري تدريبات عسكرية مشتركة باستمرار.

دور واشنطن

قد يكون لسباق التسلّح في آسيا تبعات شديدة الخطورة، في حال تصاعد التهديدات المتبادلة من قبل الدول، لكن دخول اليابان وكندا وكوريا الجنوبية الحلفاء للولايات المتحدة الأميركية إلى هذا السباق، جعل الصين وكوريا الشمالية على الجانب الآخر، تفكران مرات عديدة قبل الإقدام على أي خطوة تصعيدية في المنطقة.

فبعد أن عزز حلفاء الولايات المتحدة الأميركية قدراتهم العسكرية، بالتأكيد لن يكون هناك صمت عن أي تحرك صيني أو كوري شمالي محتمل ضد الجزر والمناطق المجاورة، ذلك ما جعل الحزب “الشيوعي” يتراجع عن فكرة غزو تايوان، خوفا من ردة فعل الحلف المقابل.

يمكن القول إن هذا السباق في التّسلح، عزز من التوازن العسكري في شرق آسيا، كما أن دعم الولايات المتحدة الأميركية لحلفائها بشكل أوسع، ساهم أيضا بتراجع النفوذ الصيني، وجعل الحزب “الشيوعي”، يعيد حساباته في طموحه التوسعي في المنطقة.

على الرغم من سباق التسليح الذي انطلق في آسيا مؤخرا، والذي قد يوحي بمواجهة عسكرية قادمة، إلا أن معظم الترجيحات تذهب للقول إن هذه الإعلانات عن الميزانيات الدفاعية وتغيير العقائد العسكرية، ما هي إلا أدوات تهديد، حيث أن تكلفة الحرب المباشرة الآن لا أحد يقوى على دفعها، في ظل الظروف الدولية والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم.

واشنطن عززت دورها في آسيا خلال الفترة الماضي، وهي تسعى لأخذ الاحتياطات في المنطقة، ففضلا عن وجود قواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية. تدعم كذلك أن تعزز هذه الدول من استراتيجيتها الدفاعية لمواجهة أي سيناريو محتمل في المنطقة، على غرار ما فعلت روسيا في أوكرانيا.

كذلك تسعى أميركا لجمع حلفائها في شرق آسيا، كي لا تكون منفردة في مواجهة الحلف الصيني الروسي، كما تعمل على الإمساك بنقطة الانطلاق الصينية المتمثلة بالتهديدات المتجهة نحو تايوان وبعض الجزر.

ما يؤكد الرغبة الأميركية في مواجهة تهديدات الحزب “الشيوعي” الصيني، عبر تعزيز التحالف مع اليابان وكوريا الجنوبية، إعلان وزارة الدفاع الأميركية أواخر العام الفائت، نيّة واشنطن الانتشار في جزيرة أوكيناوا جنوب اليابان، وهي واحدة من الجزر المتنازع عليها مع الصين، ما يعني مزيج من التحذيرات لبكين.

صراع الكوريتين

بالذهاب إلى منطقة الكوريتين، فقد تابعنا الاستفزازات التي قادتها كوريا الشمالية على مدار العام الماضي، في وقت تتهم فيه سيول بيونغ يانغ، بالسعي وراء التمهيد لعمليات غزو إقليمية محتملة، وسط تصاعد حدّة المناورات العسكرية.

التوترات العسكرية في منطقة شبه الجزيرة الكورية تصاعدت مؤخرا في عام 2022، إذ نفّذت كوريا الشمالية عددا قياسيا من التجارب الصاروخية هذا العام، ما رفع من مستوى المخاوف حول نيّة بيونغ يانغ، تنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد جارتها الجنوبية.

استفزازت كوريا الشمالية، عززت من التحالف الكوري الجنوبي مع الولايات المتحدة، أيضا لتحقيق نوع من التوازن يمنع كوريا الشمالية من القيام بخطوات متهورة، على غرار ما تفكر به حليفتها الأقرب وهي الصين.

سيول وواشنطن، ناقشتا بحسب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، إجراء مناورات مشتركة للأسلحة النووية الأميركية، وذلك في مواجهة التهديدات المتنامية لكوريا الشمالية التي تملك السلاح النووي.

تعزيز التحالف بين الجانبين، ليس هدفه فقط مواجهة الخطر القادم من كوريا الشمالية، بل إن الولايات المتحدة تسعى كذلك لمواجهة خطر الحزب “الشيوعي” الصيني المتنامي في المنطقة، وتفعّل أدواتها من أجل ذلك.

الولايات المتحدة الأميركية تريد تفعيل كافة الأدوات الممكنة لمواجهة الحلف المؤلف بشكل رئيسي من الحزب “الشيوعي” الصيني وروسيا وكوريا الشمالية، فكانت للمناورات المشتركة مع سيول دورا هاما في زيادة أدوات مواجهة كوريا الشمالية ومن ورائها الحلفاء.

التوترات بين الكوريتين تصاعدت منذ بداية العام الفائت، وشهدت شبه الجزيرة الكورية إطلاق حوالي 50 صاروخا من كوريا الشمالية في 2022، من بينها صاروخ باليستي واحد عبر إلى اليابان.

غواصة نووية أميركية وصلت إلى ساحل كوريا الجنوبية قبل نحو ثلاثة أشهر، للمشاركة في جولة جديدة من سلسلة التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين التي بدأت في آب/ أغسطس الماضي.

سلسلة التدريبات العسكرية المشتركة، المعروفة باسم “عاصفة اليقظة“، تُعد من أكبر التدريبات المشتركة التي تشارك فيها سيول وواشنطن وأوسعها نطاقا، ويشارك فيها مئات الطائرات الحربية من الجانبين.

منذ أن بدأت كوريا الجنوبية بالرد على كافة الاستفزازات القادمة من الشمال، تحولت هذه المناورات إلى أدوات لاستعراض القوة، إذ أكد محللون أنه لا يمكن لطرف أن يصعّد بشكل فعلي ضد الآخر، فالاتجاه نحو الحرب العسكرية المفتوحة خلال المرحلة الراهنة ستكون نتائجه خسارة للجميع.

من مؤشرات استبعاد الحرب المباشرة، ما حصل مع روسيا منذ بدء عملياتها في أوكرانيا، والتكلفة الاقتصادية الباهظة التي تحمّلها العالم بشكل عام، وروسيا على وجه الخصوص، فضلا عن العزلة التي عانت منها روسيا نتيجة عدائها للغرب، وما تعرضت له من عقوبات في مختلف المجالات.

بالتالي رأت الصين أن تكلفة الحصول على تايوان قد تعني مواجهة مفتوحة وغير معروفة الأجل مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن ردود فعل الدول المجاورة، وهو الحال نفسه مع كوريا الشمالية.

“محور الشر” قد يخسر الصين

على الرغم من الرغبة الصينية المتصاعدة في التوسع، وارتفاع التهديدات العسكرية خلال العام الماضي، إلا أن مؤشرا ظهر مؤخرا، يدل على انسحاب جزئي وربما يكون مؤقت من التحالف مع روسيا والصين، وذلك لصالح التعزيز والاهتمام بالاقتصاد الصيني كقوة عالمية.

هذا المؤشر برز من خلال الزيارات الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط، لتعزيز علاقاتها مع الدول الخليجية، وإبرام الاتفاقيات الاقتصادية، ما قد يوحي بتحول مؤقت للرغبة الصيني من توسيع النفوذ العسكرية، إلى التركيز على توسيع النفوذ الاقتصادي.

توجه الحزب “الشيوعي” الصيني، إلى الاهتمام في الاقتصاد الصيني، يجعل بالتأكيد حلف الصين وكوريا الشمالية وروسيا أضعف على الصعيد العسكري، ما يمنح الفرصة أمام الدول الأخرى لتعزيز قدراتها العسكرية، فلا أحد يضمن استمرار الحزب “الشيوعي” على هذا النهج، ما يعني أنه قد يعود في أية لحظة للانخراط بقوة مع روسيا وكوريا الشمالي، في خطوات تصعيدية في المنطقة.

خلاصة واستنتاجات

في منطقة شرق آسيا، يشكل حاليا الحزب “الشيوعي” الصيني إلى جانب كوريا الشمالية أبرز المخاطر على المنطقة، وبالرغم من أن التحالف المقابل شكّل نوعا من التوازن، إلا أن ضمان استمرار هذا التوازن، يحتاج ربما إلى تحرك من قبل الدول الأخرى فيتنام وماليزيا وغيرها من الدول المحيطة في بحر الصين، إلى التحرك والانخراط في التحالفات المواجهة للخطر الصيني.

استراتيجية دول شرق آسيا تغيرت بشكل جذري خلال السنوات الماضية، لا سيما فيما يتعلق بسياسة الردع وتقديم أكبر دعم للقدرات العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، ما يدل على أن هذه الدول شعرت بالخطر القادم من الصين وكوريا الشمالية. ما يعني أن هذه الدول وفي طليعتها اليابان، تخلت عن سياسة الاعتماد بشكل كامل على الولايات المتحدة الأميركية في ردع المخاطر القادمة من بكين وبيونغ يانغ.

بالنظر إلى التوازنات الدولية والظروف الاقتصادية، فإن الحرب المباشرة حاليا مستبعدة، مع التأكيد بأن دول شرق آسيا جميعها مسؤولة عن استمرار شعور الصين وكوريا الشمالية، بأن هناك قوة عسكرية موازية لقوتهما، الأمر الذي يؤخر إقدامهما على أي خطوات تصعيدية متهورة، ما يعني استمرار عمل هذه الدول على استراتيجيتها الدفاعية والعسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.