رغم الوضع الاقتصادي الذي يصفه خبراء الاقتصاد في الجزائر بـ“الجيد” في البلاد، تواجه السلطة تصاعدا في حدة الانتقادات لسياسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لا سيما فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية.

تصاعد حدة الانتقادات للسلطة من قبل بعض السياسيين المعارضين، رآه محللون إيجابيا كونه قد يساهم في تعزيز دور الأحزاب المختلفة في الإصلاحات التي بدأتها الحكومة خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن استفادت من أزمة الطاقة العالمية لتحسين الدخل القومي.

انتقادات من المعارضة

الأمينة العامة لحزب “العمال” في الجزائر لويزة حنون، اعتبرت أن السياسات الحكومية في البلاد “تشهد تناقضات كبيرة بين زيادات في الأجور ورفع الأسعار، وتجميد للتوظيف، عبر الإعلان عن دفع الطلبة الجامعيين نحو فكرة المؤسسات الاجتماعية“.

حنون طالبت الحكومة بـ“زيادة الاستثمارات العمومية لخلق فرص عمل وإعطاء دفعة جادة للاقتصاد الوطني، وزيادة الأجور على نطاق واسع، بدافع القلق، لدعم القوة الشرائية المتآكلة للعمال وكذلك الحاجة إلى إنعاش الاستهلاك والاقتصاد الوطني“.

الدكتور في جامعة قاصدي مرباح الجزائرية عبد الهادي خمقاني، رأى أن انتقادات الحكومة تركزت خلال العام الماضي، بسبب تراجع الوضع الاقتصادي وانخفاض أسعار الطاقة، التي أعقبت أزمة تفشي فيروس “كورونا“، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي شهِد تحسنا واضحا خلال الفترة الأخيرة، بينما الانتقادات هي جزء من الحالة السياسية في البلاد.

خمقاني قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الانتقادات موجودة بالطبع لكنها تراجعت كثيرا خلال الأشهر الأخيرة، حاليا في الجزائر هناك توافق إلى حدّ كبير على السياسات العريضة فيما يخص الوضع الاقتصادي“.

خمقاني أوضح أن الانتقادات الموجهة للحكومة، تركزت خلال العام الماضي، على المساعي التي تم توجيهها لتحجيم الواردات، وذلك بحجة المحافظة على النقد الأجنبي، ومما زاد الأوضاع الاقتصادية سلبية، انخفاض أسعار الطاقة، التي يعتمد عليها الاقتصاد الجزائري بشكل كبير.

الحكومة عمدت وقتها إلى تخفيض الواردات وفرضت قيودا كبيرة من أجل الوصول إلى هذا الهدف، ما أثر على الحياة العامة للجزائريين، بحسب الدكتور خمقاني.

الانتقادات المتصاعدة في الجزائر، قد يساهم في تعزيز دور الأحزاب المختلفة في عملية النهضة الاقتصادية التي بدأتها الحكومة الجزائرية خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك من خلال الميزانية التي أقرتها للعام الجديد فضلا عن مشاريع الطاقة المتوقع أن تعود على الجزائر بعوائد مالية ضخمة.

خطط جديدة

خمقاني أشار إلى أنه “بالنسبة للسنة الجديدة، صادقت الحكومة على قانون المالية لسنة 2023، وقد حدد ميزانية ضخمة للبلاد، وهي أكبر ميزانية للجزائر منذ الاستقلال، الأمر لقي استحسان من قبل الشارع، لكنه بالمقابل لقي انتقادات من بعض السياسيين، على أساس أنه من الممكن أن يكون هناك نوع من شراء الذمم وتكميم الأفواه، هذه المبالغ يفترض أنّنا سنراها في صورة مشاريع خلال السنة وهذا سينعكس بالضرورة على الوضع الاقتصادي، يبقى ربما التحدي حول كيفية إنفاق هذه الميزانية“.

بالعودة إلى الأمينة العامة لحزب “العمال” لويزة حنون، فقد انتقدت في تصريحاتها التي نقلها موقع “العربي الجديد“، الطريقة التي تقود بها السلطة السياسة الاقتصادية، معربة عن مخاوف حزبها، من استغراق السلطة في خيار خصخصة المؤسسات العمومية، كما أكدت رفضها لخصخصة مؤسسات في قطاع السياحة، بالاعتراض على الاتفاقية الأخيرة المبرمة بين الحكومة وشركة أجنبية لإدارة 30 بنية تحتية فندقية عمومية قامت الدولة بإعادة تأهيلها بمليارات الدينارات.

ومن بين الانتقادات التي وجهت للسلطة في الجزائر، ما جاء في بيان حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية“، الذي انتقد “غياب الثقة والنقاش وغياب الهيئات الإحصائية ذات المصداقية، ما تسبب في أن تظل السلطة وحدها المحتكرة للأرقام التي تقوم بتعديلها إرضاء لنفسها، وفي هذا الصدد، فإن انتعاش أسعار المحروقات يسمح بسد كل الفجوات“.

غياب الرؤية الاقتصادية؟

البيان تحدث عن غياب رؤية واضحة لتفعيل الاستثمار في الجزائر، كما أن ما سماها “المحاولات الخاطئة وعدم استقرار القانون والبيروقراطية“، تتسبب في إثقال كاهل أي فكرة للاستثمار في البلاد.

البيان حذّر من تدهور القدرة الشرائية، والزيادة المستمرة في الأسعار، لا سيما المواد الأساسية، ما قد يؤدي إلى “إلقاء الملايين من الجزائريين في العوز والفقر“، ما قد يساعد من وتيرة الهجرة خارج البلاد.

من جانبها عبّرت “حركة الشباب المسلم” وهي أكبر تكتلات المعارضة في البرلمان، عن رفضها للسياسات الاقتصادية، وقد امتنعت عن التصويت لصالح قانون الاستثمار الذي طرحه الرئيس عبد المجيد تبون في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وصوتت ضد قانون الموازنة الجديد لعام 2023.

البرلمان الجزائري، صادق نهاية العام الفائت، على موازنة البلاد لسنة 2023، التي تُعدّ الأضخم منذ الاستقلال قبل 6 عقود، وذلك بأغلبية أصوات النواب البالغ عددهم 407 نواب.

الحكومة الجزائرية رصدت موازنة، بقيمة 13.76 تريليون دينار “نحو 98.5 مليار دولار“، بزيادة قدرها 24.5 مليار دولار عن موازنة 2022 و36.5 مليار دولار عن موازنة 2021.

الموازنة الجزائرية، حملت سقفا تفاؤليا عاليا للحكومة الجزائرية، عبر المؤشرات التي قدمتها وتوقعها للأعوام الثلاثة المقبلة للاقتصاد الجزائري، على عكس العامين الماضيين، وسط خلوها من ضرائب جديدة على المواد الاستهلاكية أو الطاقية.

قد يهمك: هبوط العملة الحاد.. حرب أوكرانيا تسبب أزمة تكلفة المعيشة في مصر؟

اللافت في موازنة الجزائر للسنة القادمة، خلوها من أي ضرائب جديدة تمس جيوب المواطنين، ولم تلجأ الحكومة إلى أي مراجعة للضرائب والرسوم

من المؤشرات التي قدمتها موازنة حكومة أيمن بن عبد الرحمن لعام 2023 توقعها معدل نمو بـ 4.1 بالمئة، في مقابل 3.3 بالمئة إلى 3.8 بالمئة في موازنة 2022، وتوقعت استمرار ارتفاع نسبة النمو عام 2023 إلى 4.1 بالمئة و4.4 بالمئة عام 2024.

إلا أن نسبة التضخم التي توقعتها الحكومة الجزائرية للعام المقبل كانت أكبر بمعدل 5.1 بالمئة، في مقابل 4.9 بالمئة بموازنة 2022.

الحكومة الجزائرية، اعتمدت في موازنتها على سعر مرجعي للنفط قُدر بـ 60 دولارا للبرميل، مرتفعا بـ 15 دولار للبرميل عن موازنة 2022 “45 دولارا“، ما يعني بقاء اعتماد موازنة الجزائر على الريع النفطي، الذي يستفيد هذا العام من الارتفاع القياسي في أسعار النفط والغاز بالأسواق العالمية نتيجة الصراع الدائر في أوكرانيا.

الجزائر كانت قد استفادت من أزمة الطاقة العالمية لزيادة صادراتها من النفط والغاز، لا سيما بعد أن شهدت البلاد توافدا لمسؤولي الدول الأوروبية لزيادة كميات الغاز الجزائري الذي يتم تصديره لأوروبا بعد تراجع الواردات من الغاز الروسي.

على الرغم من العديد من المؤشرات الإيجابية في الاقتصاد الجزائري، إلا أن محللين يرون أن التحدي الأكبر بالنسبة للحكومة، يكمن في طريقة صرف أموال الميزانية الضخمة التي تم إقرارها هذا العام، وفيما إذا كان هنا خطة لإطلاق مشاريع من شأنها تأمين فرص عمل إضافية للشباب وتخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.