مع إعلان تنظيم “داعش” عن تولي أبو الحسين الحسيني القرشي قيادة التنظيم، أعلنت مجموعة من العناصر التي أطلقت على نفسها “ولاية لبنان”، في 9 كانون الأول/ديسمبر الماضي، البيعة للتنظيم وبثت وكالة “أعماق” عبر منصاتها المختلفة صورا لبيعة العناصر اللبنانية لأبو الحسين الحسيني القرشي، وهو ما اعتبر إعلانا رسميا عن تأسيس فرع جديد لتنظيم “داعش” في لبنان ليصبح عدد أفرع التنظيم 18 فرعا، وليصبح ثالث فرع للتنظيم يعلن عنه خلال النصف الثاني من العام 2022.

على الرغم من وقف نشاط فرع التنظيم في لبنان، إلا أن العديد من تحركات عناصره استمرت منذ عام 2017 وحتى نهاية العام الفائت 2022، تخللها العديد من العمليات من قبل التنظيم، وعمليات مضادة من الأجهزة الأمنية اللبنانية، لكن إعلان تجديد بيعة من قبل عناصر التنظيم في لبنان يدفع للتساؤل حول عدد من الأمور أبرزها، دلالات ودوافع المجموعة في لبنان لإعلان البيعة للتنظيم في هذا الوقت، و العوامل المؤثرة على التنظيم داخل لبنان، وما إذا كان ذلك ينذر بتجدد التهديدات الإرهابية.

دلالات إعلان تجديد بيعة التنظيم في لبنان

لبنان يحظى باهتمام من جانب تنظيم “داعش” منذ نشأته في عام 2014، حيث شكل لبنان أحد أفرع التنظيم حتى عام 2017، وهو العام الذي تم إعادة هيكلة أفرع التنظيم بشكل مختلف في أعقاب تحرير الموصل من سيطرة التنظيم في أيلول /سبتمبر 2017، بالإضافة لاعتبار لبنان أحد دول الاستقطاب التي دعمت التنظيم بالعديد من العناصر منذ نشأته وحتى الآن.

الأمن اللبناني بعد إحباط عملية لتنظيم “داعش”

من هنا يمكن تفسير دلالات إعلان مجموعة لبنانية البيعة لـ”داعش” وتعمد الأخير توسيع نطاق الاهتمام الإعلامي بذلك، من خلال إثبات النفوذ، فمع تراجع قدرات تنظيم “داعش” خلال الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة الضربات الأمنية ومقتل الكثير من قيادات التنظيم وبشكل خاص إعلان مقتل اثنين من قياداته في عام واحد، فإن ذلك دفعه إلى الإعلان عن فرع جديد، كنوع من إثبات النفوذ والقدرة أمام العالم وخصوصا أن هذه الخطوة تزامنت مع إعلان التنظيم عن تأسيس فرعين جديدين في “الساحل الإفريقي” و”موزمبيق” منذ أقل من ثلاثة أشهر.

الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، حسن أبو هنية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن إعلان تجديد البيعة في لبنان هو محاولة إثبات أن هناك مجموعات تابعة للتنظيم في لبنان وليس فقط إثبات وجود صلات إيديولوجية مع التنظيم الأم، أي هناك محاولات تجري في لبنان لبناء هيكل تنظيمي حقيقي لـ”داعش”، ولكن بناء هذا الهيكل يعتمد على قرار مركزي من قيادة التنظيم يرتبط بقدرته على دعم هذه المجموعات.

من جهته، أحمد زغلول، الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، يبيّن خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن البيعة تقليد اعتيادي في التنظيم وتتم عند تغيير زعيم التنظيم، كما أن فكرة البيعة هي أيضا إثبات وجود، والتنظيم يحرص من خلال قنواته الإعلامية المختلفة على إبراز هذه البيعات أي إثبات أنه موجود في أماكن عديدة.

إقرأ:“داعش خراسان” تضع طالبان بموقف حرج في أفغانستان؟

أيضا بحسب زغلول، فإن لهذه البيعات جانب دعائي لجذب المزيد من الأتباع، ويترتب عليها دعم لوجستي من قبل التنظيم المركزي إلى مختلف الفروع والالتزام بالاستراتيجية التي يعلن عنها التنظيم الأم.

العوامل المؤثرة على التنظيم في لبنان

البيئة في شمال وغرب ووسط لبنان، تعتبر إحدى أهم البيئات الجاذبة للعناصر المتطرفة والإرهابية، وتعد من أهم الساحات المُفرِزة لعناصر متطرفة، ويعتبر تجنيد أعضاء جُدد للتنظيم الإرهابي هدفا مهما خاصة في ظل الخسائر الفادحة التي تعرض لها، ما يجعل من التركيز على استقطاب عناصر من المقاتلين الجدد مهمة رئيسية للتنظيم، لكن ذلك يرتبط بعوامل أخرى على الساحة اللبنانية أبرزها تصاعد حدة الاستياء الشعبي.

حيث بدأ التنظيم في محاولة اختراق الساحة اللبنانية والاستفادة من هذه التظاهرات لاستقطاب عناصر جديدة نتيجة حالة الغضب الشعبي التي يمكن أن تساعد “داعش” على تأسيس نقاط ارتكاز جديدة للتنظيم في الشمال اللبناني في طرابلس وعكار، وهي المناطق التي تعاني حالة من تردي الأوضاع بشكل غير مسبوق سواء على مستوى الخدمات أو على صعيد عدم توافر السلع.

أيضا استغلال الفراغ المؤسسي، حيث يتزامن إعلان تنظيم “داعش” عن فرعه الجديد في لبنان مع تعرض الأخير لفراغ دستوري ومؤسسي يتمثل في خلو منصب رئيس الجمهورية، ووجود حكومة مستقيلة غير قادرة علي الانعقاد مع تشكيك بعض القوى السياسية في صلاحيتها باعتبارها حكومة “تسيير أعمال”، مع تشكيل برلمان منقسم بشكل كبير وغير قادر على اتخاذ قرارات وسن تشريعات، وهو ما يبدو أنه ساعد وبشكل كبير التنظيم على إعلان تأسيس فرع لبنان.

أبو هنية أوضح أن التنظيم لم يتمكن على مدى سنوات من إقامة هياكل ثابتة في لبنان، وبالتالي تأسيس “ولاية” للتنظيم هناك على غرار مناطق أخرى، ولكن من المهم التأكيد على أن السلفية الجهادية في لبنان أصبحت أقرب لتنظيم “داعش” منها لـ “القاعدة”، وهذا التحول ليس فقط في لبنان بل في معظم المناطق وخاصة الجيل الجديد من السلفيين الجهاديين.

أيضا يضيف أبو هنية، أن كل الظروف الحالية في لبنان جاهزة وتشكل أرضية ملائمة لوجود تنظيم “داعش”، خاصة تلك المشاكل المتجذرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بالإضافة إلى العوامل الطائفية والخلافات المتصاعدة بين الفرقاء اللبنانيين.

زغلول يرى أيضا أن لبنان وبسبب أوضاعه السياسية والاقتصادية يشكل مساحة جيدة وخصبة للتنظيم الإرهابي الذي يبحث عن إثبات وجوده، ويساعده في ذلك انهيار الدولة اللبنانية، وهذا ما يحقق مصالح التنظيم الذي يحرص على اختيار أماكن محددة تشكل إضافة مهمة لوجوده.

أيضا فهناك سبب يؤثر على التنظيم في لبنان، وهو هشاشة الحدود اللبنانية السورية، إذ تعتبر الحدود بين لبنان وسوريا هشة، بما يعني أنها تساعد على حرية الحركة لعناصر وأفراد تنظيم “داعش”، للانتقال عبر الحدود بجانب قرب تمركز عناصر التنظيم في الشمال وغرب وسط لبنان من تمركزه في سوريا، حيث يعتبر فرع التنظيم في سوريا واحدا من أقوى أفرعه على مستوى الإقليم.

هل يؤدي إعلان البيعة لتجدد التهديدات الإرهابية؟

تنظيم “داعش”، يسعى عبر إعادة التموضع في لبنان إلى استكمال محور العراق سوريا لبنان ليكمل ما يطلق عليه التنظيم “محور الشام الكبرى” أو “الهلال الداعشي”، ليتمكن التنظيم من إثبات النفوذ والسيطرة والهيمنة في ظل هزيمة استراتيجية “التمكين والخلافة” في مرحلة ما بعد سقوط الباغوز في آذار/مارس 2019.

الحدود السورية اللبنانية

كما يحاول “داعش” من خلال ذلك توجيه بعض الرسائل إلى الغرب مفادها أنه ما زال التنظيم الأقوى بالمنطقة والقادر على إعادة الانتشار وتنفيذ العمليات الإرهابية على الرغم من سقوط ما تسمى بـ”دولة الخلافة الداعشية” في الباغوز في آذار/مارس 2019، ومقتل العديد من قيادات الصف الأول من التنظيم خلال المرحلة الماضية.

في هذا السياق، يشير أبوهنية إلى أن ما وصل إليه التنظيم في لبنان هو نتيجة للوضع الداخلي والانهيار اللبناني، ومهما كانت هذه المجموعات التابعة للتنظيم ضعيفة فإنها سوف تستثمر في انهيار لبنان وضعفه كدولة، وهو ما سيمكن التنظيم في وقت قريب من إعلان وجود بشكل رسمي أكبر والبدء بتنفيذ عمليات في لبنان.

أما زغلول فيرى أن مآلات التنظيم في لبنان ترتبط بمدى استمرار الأوضاع الحالية في لبنان، وطبيعة التحالفات السياسية الداخلية، والموقف المضاد من التنظيم من قبل الشعب اللبناني، والقدرة على استمرار وجود اتصال جيد بين مجموعات التنظيم في لبنان والتنظيم الأم، مع استغلال كبير من التنظيم لتناحر القوى السياسية اللبنانية واستمرار انهيار الدولة اللبنانية.

من الواضح أن التنظيم الإرهابي يسعى من خلال تجديد بيعته من قبل مجموعات في لبنان إلى إثبات وجوده من جهة والتخفيف عن فرع التنظيم في سوريا والذي يتعرض لحرب مستمرة من التحالف الدولي، ولكن استمرار التنظيم في لبنان قد يتزعزع في حال الوصول لاستقرار سياسي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على قيادة البلاد وهو ما سيمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية من مواجهة التنظيم وتوجيه ضربات قوية له.

إقرأ أيضا:فزاعة “داعش” في الجنوب السوري برعاية النفوذ الإيراني

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.