يثير قرار الحكومة الباكستانية، حول ترحيل اللاجئين غير الشرعيين، ومن بينهم نحو 1.73 مليون أفغاني، لمغادرة البلاد، مخاوف جمّة، نتيجة سياسات الكراهية المتبعة حاليا في أفغانستان، إضافة إلى خلاف نسبة كبيرة من الأفغان مع “طالبان” التي تولت السلطة قبل نحو عامين، خاصة من الأقليات العرقية، ونشطاء المجتمع المدني، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمسؤولين الحكوميين، وأعضاء سابقين في قوات الأمن، وبالطبع النساء والفتيات بشكل عام.

ما يبعث الخوف لدى الأفغان المجبرين على العودة من باكستان إلى بلادهم، هو أن حياتهم مهددة بالخطر، نظرا لأن نسبة كبيرة منهم فرّوا عندما تولت “طالبان” السلطة، ذات التوجهات الإسلاموية المتشددة. ويفسر باحثون متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية ذلك نتيجة فشل حكم “طالبان” في إدارة البلاد، على الرغم من أنها كانت تتغنى وتقدّم الوعود في بداية تسلّمها للسلطة بأن نظامها سيكون أكثر تساهلا من فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001، والترويج لفكرة أنها ستتصرف بشكلٍ مختلف، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المحلية مثل تعليم الإناث، وخارجيا فيما يتعلق بقضايا الإرهاب.

غير أن كلّ هذه الوعود لم تكن سوى حبرٍ على ورق، فسرعان ما عادت الحركة إلى تفسيرها الصارم للشريعة الإسلامية الذي وسم حكمها في تسعينيات القرن الماضي، حيث فرضت قيودا صارمة على حرية وتنقّل النساء والفتيات الأفغانيات، واتخذت خطوات عديدة لقمع حريات النساء، ولا سيما خلال الفترة الماضية.

باكستان وقرار ترحيل الأفغان

نحو ذلك، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال الباكستانية يوم الخميس الفائت أن باكستان تضع اللمسات النهائية على خطة لترحيل جميع المهاجرين غير الشرعيين. وسبق أن أعلنت إسلام آباد أن الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 يُعدّ موعدا نهائيا لمغادرة البلاد أو مواجهة الطرد القسري.

هذه القرار قوبل برفض واسع، وحول ذلك أعربت “المفوضية السامية لحقوق الإنسان”، عن قلقها البالغ إزاء إعلان باكستان أنها تخطط لترحيل الرعايا الأجانب غير المسجّلين المتبقين في البلاد بعد الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو إجراء سيؤثر بشكل غير متناسب على أكثر من 1.4 مليون أفغاني غير شرعي يظلّون في باكستان.

عودة الأفغان من باكستان إلى أفغانستان- “إنترنت”

وقالت المتحدثة باسم المفوضية رافينا شامداسانى، طبقا لما جاء في موقع “الأمم المتحدة” الرسمي، إن “المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحثّ السلطات على وقف عمليات الترحيل، التي من المقرر أن تبدأ في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل”.

شامداساني، أردفت “نعتقد أن العديد من أولئك الذين يواجهون الترحيل سيكونون معرّضين لخطر جسيم لانتهاكات حقوق الإنسان إذا عادوا إلى أفغانستان، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز التعسفيَين والتعذيب والمعاملة القاسية وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية”.

هذا ويعيش في باكستان أكثر من مليوني أفغاني غير شرعي، وقد غادر ما لا يقل عن 600 ألف منهم أفغانستان بعد سيطرة “طالبان” على السلطة في أغسطس 2021.

ووفق “المفوضية السامية لحقوق الإنسان”، فإن الأكثر عرضة للخطر من بينهم هم النشطاء من المجتمع المدني والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمسؤولون الحكوميون وعناصر قوات الأمن السابقون، وبالطبع النساء والفتيات عامةً اللواتي يُمنعن، نتيجة السياسات البغيضة المعمول بها حاليا في أفغانستان، من الالتحاق بالتعليم الثانوي والعالي، ومن العمل في قطاعات عديدة ومن المشاركة في جوانب أخرى من الحياة اليومية والعامة.

من جانبهم، طالبت مجموعة من الدبلوماسيين الأميركيين السابقين وممثلي منظمات المجتمع المدني إعادة التوطين من باكستان بعدم ترحيل آلاف الأفغان الذين كانوا ينتظرون الحصول على تأشيرات أميركية بموجب برنامج أميركي ينقل اللاجئين الأفغان المستضعفين الفارين من حكم “طالبان”.

هذا الطلب، جاء ضمن رسالة مفتوحة، مؤخرا، وقّعها 80 مسؤولا أميركيا سابقا وكبار الشخصيات وجماعات إعادة التوطين بعد أسابيع من إعلان باكستان حملة على المهاجرين الذين يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، وفق وكالة “أسوشيتد برس“.

تقول “مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة”، إنها وثّقت ارتفاعا حادا في عمليات العودة إلى أفغانستان منذ إعلان الموعد النهائي في 3 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. وحدد تقرير عاجل صُدر مؤخرا عن “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة”، عدد الأفغان الذين غادروا باكستان حتى 15 تشرين الأول/ أكتوبر بـ59.780 شخصا. وأشار 78 بالمئة من العائدين إلى الخوف من الاعتقال كسبب حملهم على مغادرة باكستان.

بالعودة إلى شامداساني، فإنها تقول “مع اقتراب الموعد النهائي لترحيل اللاجئين، نحثّ السلطات الباكستانية على تعليق الإعادة القسرية للمواطنين الأفغان قبل فوات الأوان لتجنّب وقوع كارثة في مجال حقوق الإنسان”، داعية في الوقت ذاته إلى مواصلة توفير الحماية للمحتاجين والتأكد من أن أي عودة مستقبلية تكون آمنة وكريمة وطوعية ومتوافقة مع القانون الدولي، محذّرة أن أي عملية ترحيل من دون تحديد فردي للظروف الشخصية، بما في ذلك أي ترحيل جماعي، إلى الإعادة القسرية بما ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وباكستان دولة طرف فيها، والقانون الدولي للاجئين.

ظروف مأساوية

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الباكستانية، ممتاز زهرة بلوش، أشارت إلى أنّه سيتم تنفيذ قرار الترحيل هذا على مراحل، ولن يُطردوا دفعة واحدة، وأضافت وفق ما نقلته وسائل الإعلام الباكستانية، أن “الأمر قد يبدأ بأصحاب السجلات الجنائية من الضالعين في جرائم أو أعمال تهريب، وسنفحص كل حالة منفردة”.

بحسب تقارير صحفية، فإن القرار اتخذه القادة المدنيون والعسكريون في البلاد في ضوء تزايد الهجمات التي يشنّها مسلحون إسلاميون مع مزاعم بأن مواطنين أفغان نفّذوا 14 من 24 تفجيرا انتحاريا هزت باكستان هذا العام.

فباكستان من جهتها فضّلت لسنوات عدة، “طالبان” باعتبارها الخيار الأفضل لحكم أفغانستان، لكن العلاقات تدهورت على مدى العامين المنصرمين، ويعود السبب في ذلك إلى حدّ كبير للاتهامات بأن الإسلاميين الذين يقاتلون الدولة الباكستانية يعملون من الأراضي الأفغانية، بينما تنفي “طالبان” ذلك.

في المقابل، ومع اقتراب فصل الشتاء، فإن عمليات ترحيل الأفغان سوف تؤدي إلى تأزيم الأزمة الإنسانية المأساوية أصلا في أفغانستان، حيث تكافح البلاد الأثر المدمّر لسلسلة من الزلازل ضربت مقاطعة هيرات هذا الشهر، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1.400 شخص وإصابة 1.800 آخرين بحسب الأرقام الرسمية.

وطبقا لـ”مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية”، يحتاج حاليا 30 مليون شخص تقريبا من أصل 43 مليون، إلى مساعدات الإغاثة في أفغانستان، وهناك أيضا 3.3 مليون مشرّد داخليا.

لكن اللافت في الأمر، هو أنه بالتزامن مع اقتراب انتهاء المهلة التي منحتها الحكومة الباكستانية للاجئين غير النظاميين لمغادرة البلاد، يتدفق اللاجئون الأفغان على الحدود الأفغانية الباكستانية شمال غربي باكستان، حيث تعبر ما يقرب من ألف أسرة معبر طورخم يوميا، بينما ينتظر الآلاف على الحدود حتى انتهاء الإجراءات والعبور.

لاجئون أفغانيون يتجهون صوب باكستان © أ ف ب

وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام، قالت الحكومة المحلية في ولاية ننجرهار المتاخمة لباكستان شرقي أفغانستان، إنه خلال الجمعة والسبت الماضيين، عبرت 2460 أسرة أفغانية الحدود ودخلت إلى ولاية ننجرهار، ومنها انتقلت إلى ولايات ومدن مختلفة.

المأساوي في الأمر، أن الحكومة الأفغانية المحلية أكدت في بيان، يوم أمس الأحد، أن “الحكومة المركزية في أفغانستان تتخذ كل ما من شأنه تقديم الخدمات اللازمة للعائدين من باكستان، غير أن تدفق اللاجئين بهذه الطريقة وإجبارهم على العودة بهذا العدد الهائل يفوق الوسائل والإمكانيات المتاحة لدى حكومة طالبان”.

فشل في الحكم

حكومة “طالبان” منذ توليها الحكم في أفغانستان، أصدرت سلسلة من القرارات التي من شأنها ضيقت الخناق على المواطنين، وقيدت الحقوق والحريات في البلاد، وهو ما أدى إلى زيادة في معدلات الهجرة من البلاد، وعدم رغبة أحد في العودة إلى بلادهم.

هذه القرارات تتعلق بتقييد حرية المرأة في أفغانستان، بدءا بإغلاق المدارس التعليمية، وصولا إلى مطالبة النساء بتغطية وجوههن بالكامل في الأماكن العامة مع تفضيل ارتداء “البرقع”، وكذلك حرمان المرأة من العديد من الوظائف في القطاع العام ومنعهنّ من السفر دون مَحرم خارج مدنِهن. كما أصدرت قرارا للقنوات التلفزيونية يقضي بضرورة ارتداء المذيعات للنقاب أثناء تقديم الأخبار وتقييد حرية التعبير والصحافة من خلال فرض قيود على الإعلام. حيث اضطرت المئات من المؤسسات الإعلامية إلى إغلاق أبوابها، ما ترك الآلاف من العاملين في المجال الإعلامي بدون عمل.

كما اتخذت تدابير تشمل منعَ النساء الأفغانيات من العمل في المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية في أفغانستان. كما وضعت قيودا أخرى تحدّ من قدرة النساء والفتيات على ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

ويبدو أن ثمة أسبابا وراء نمط حكم “طالبان” للبلاد، منها السطحية والقشرية، حيث تقول إن المرأة لا تلتزم بالزي الشرعي الإسلامي، ونتيجة لذلك اتخذت الحكومة قرارات لقمع حرية المرأة الأفغانية. لكن في الواقع هذا ليس صحيحا.

يبدو جليا أن هذه الحركة المتطرفة لا تؤمن بحقوق المرأة في الأساس، فضلا عن عدم الاعتراف بوجود وحقوق الأقليات والأعراق الأخرى، مثل طائفة “الهزارة” الشيعية، التي واجهت عقودا من الاضطهاد على يد “طالبان” السنية التي تصفهم بالكفار.

ولذلك فإن فشل “طالبان” في تغيير عقليتها وسياستها أو الوفاء بوعودها عم كانت تدعي، لم يكن سوى أنها كانت تسعى للحصول على الاعتراف الدولي وكسب ما كانت ترنو إليه منذ سنوات طويلة، وهو ما يؤكد أنها فشلت فشلا ذريعا في حوكمة أفغانستان، ولن تكون سوى حكومة مدعية قمعية تضطهد شعبها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات