مع انتهاء اليوم العاشر من شهر رمضان، تشهد المطاعم السورية هذا العام إقبالا خجولا من قبل السوريين على وجبات الإفطار الجاهزة التي تقدمها عادة المطاعم في هذا الشهر، حيث أصبح ارتياد المطاعم في رمضان عبئا ثقيلا على معظم السوريين ذوي الدخل المحدود، الذين يحتاجون راتب شهر كامل لدفع فاتورة إفطار يوم واحد من شهر رمضان.

أصحاب المطاعم في دمشق اشتكوا من ضعف الإقبال هذا العام، حتى مقارنة بما كان عليه الوضع في رمضان الماضي، في حين أشارت تقارير محلية إلى احتمالية تحسّن الإقبال بعد النصف الأول من شهر رمضان، حيث تَميل العائلات إلى الإفطار في المنزل في أول أيام الشهر.

إقبال ضعيف

لم يتمكن سامر أبو العلاء وهو شاب يعمل محاسب في أحد متاجر الألبسة بالعاصمة دمشق، تناول وجبة الإفطار في مطعم خلال شهر رمضان الماضي، لكنه يخطط هذا العام للذهاب رفقة خطيبته لتناول وجبة الإفطار في أحد مطاعم دمشق القديمة، غير أنّه يؤكد أن ارتفاع أسعار الوجبات الرمضانية في المطاعم جعلته يفكر كثيرا قبل الإقدام على هذه الخطوة.

مدير القياس والجودة في وزارة السياحة زياد البلخي، برّر بدروه ضعف الإقبال على ارتياد منشآت الإطعام السياحي، بتوجه الأهالي لتناول وجبة الإفطار في المنازل في بداية رمضان، متوقعا تحسّن الحركة خلال الفترة الأخيرة من الشهر.

قد يهمك: من طفرة إلى أخرى.. قرار سيادي وراء انهيار زراعة القطن السوري؟

البلخي أشار كذلك في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، أن الضابطة العدلية في مديريات السياحة، تعمل على تدقيق جودة الخدمات المقدمة في المنشآت السياسية، ومطابقة آلية التسعير، بما يضمن حصول أصحاب المطاعم على جميع التكاليف إضافة لهوامش ربح “صغيرة”.

وجبة بـ 90 ألف

أبو العلاء أشار في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، إلى أنه أجرى جولة محدودة على بعض المطاعم في دمشق القديمة لحجز وجبة إفطار لشخصين، وأضاف “الأسعار تراوحت بين مئة ألف ليرة سورية إلى 180 ألف، لذلك فإن وجبة واحدة لشخصين من هذه المطاعم تستهلك ربما 60 بالمئة من راتبي الشهري”.

ابتعاد السوريين عن ارتياد المطاعم في رمضان، يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف القدرة الشهرية لمداخيلهم الشهرية، ففي وقت تبلغ فيه تكلفة وجبة رمضان للشخص الواحد بين 50 إلى 90 ألف، ما يزال الحد الأدنى لراتب الموظف الحكومي عند حدود 95 ألف ليرة سورية.

بحسب تقرير الموقع المحلي فإن أصحاب المطاعم، يعانون في سبيل الحصول على زبائن في رمضان، حيث تقدم المطاعم في باب توما بدمشق القديمة، عروض الإفطار، بأسعار تبدأ من 40 ألف للشخص الواحد وتنتهي بـ 85 ألف حسب نوعية الطعام المُقدَّم.

إذ إن “وجبة الـ 40 ألف متضمنة علبة ماء صغيرة وحبات تمر ونوع عصير؛ أما الوجبة فستكون عبارة عن نوع واحد من الشوربات إضافة لطبق رئيسي من لحم الدجاج وستكون من دون حلويات إلا إذا طلبها الزبون فسوف يزيد الحساب، أما وجبة الـ 85 ألف فتتضمن علبة ماء صغيرة وتمر وشوربة وفتة أو فول، وطبق رئيسي ممكن أن يكون شيش أو شرحات أو شاورما حسب الطلب وطبق سلطة ومقبلات”.

غلاء يقتحم إفطار المنازل

في سياق آخر فإن معظم العائلات السورية تجد صعوبة أيضا في تحضير الوجبات الرمضانية حتى في المنزل، ذلك مع ارتفاع أسعار مستلزمات المائدة الرمضانية على الإفطار والسحور، من لحوم وألبان وأجبان وغيرها من المواد التي تدخل في صنع وجبات رمضان.

منذ أكثر من خمس سنوات ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، يأتي شهر رمضان في ظل انخفاض حاد بالقدرة الشرائية للمواطنين، ما يجعل من تحضير “الأطباق الرمضانية” أمرٌ غاية في الصعوبة، ويطرح التساؤلات حول خيارات العائلات داخل سوريا في ظل عدم قدرتهم على شراء المستلزمات الرمضانية الكاملة.  

متوسط سعر كيلو اللحم الأحمر سجّل مع أول أيام رمضان ما بين 80  إلى 90 ألف ليرة سورية، بينما تراوح سعر كيلو اللبن بين 4 إلى 5 آلاف ليرة سورية  والبصل 15 ألف ليرة للكيلو الواحد، ذلك ما يجعل تكلفة إعداد “الطبق الأبيض” الرمضاني تتجاوز راتب موظف حكومي لشهر كامل.  من النادر أن تجد في سوريا عائلة في المرحلة الراهنة، قادرة على إعداد إفطار وفق العادات السورية القديمة، والمتمثلة بطبخة تقدم كطبق رئيسي إلى جانب العديد من أنواع المقبلات والمشروبات الرمضانية، إضافة إلى أنواع من الحلويات يتم إعدادها خصيصا لتقديمها طوال أيام شهر رمضان.

تكاليف الأكلات الرمضانية أصبحت عبئا ثقيلا على السوريين هذه الأيام، فقد أشار الدكتور في كلية الاقتصاد بدمشق علي كنعان، إلى أن الحد الأدنى لكلفة وجبة الإفطار بشهر رمضان لخمسة أشخاص تتراوح ما بين 40 إلى 60 ألف ليرة سورية، مؤكدا في تصريحات نقلتها إذاعة “شام إف إم” أن “سفرة رمضان قد تتجاوز متوسط تكلفتها يوميا مئة ألف ليرة سورية”. 

حتى صحن “الفتوش” وهو من الأطباق الرئيسية في رمضان والأقل تكلفة، يبلغ تكلفته بحسب ما أفادت به تقارير محلية، 15 ألف ليرة سورية، وذلك بعد ارتفاع أسعار معظم مكوناته الأساسية، فقد وصل سعر باقة البقدونس إلى 800 ليرة سورية، والنعناع إلى 1000 ليرة سورية، والبقلة والخيار 4500 ليرة سورية، فيما سجلت الأسواق سعر 20 ألف ليرة لليتر الواحد من زيت الزيتون. في ظل الأزمة الاقتصادية والغذائية التي تعيشها سوريا، تؤكد تقارير المنظمات الدولية أن نحو 69 بالمئة من السوريين في سوريا تحت خط الفقر، في وقت تساعد فيه الحوالات المالية المرسلة من أقاربهم وأصدقائهم في الخارج إلى التخفيف من وطأة الأزمة.

وأخيرا، لا يبدو أن القسم الثاني من الفترة الرمضانية سيشهد تحسّنا في الإقبال على المطاعم والمنشآت السياحية لتناول وجبة الإفطار أو حتى السحور من قبل السوريين، الذين يفضلون ربما توفير هذه التكلفة لشراء بعض المستلزمات الرمضانية وعمل طبخة ما لعائلاتهم في المنازل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات