زراعة القطن في سوريا انحدرت إلى مستويات قياسية خلال السنوات الماضية، فبعد أن كان محصول القطن في صدارة المحاصيل الاستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد، تحولت سوريا من  بلد الوفرة بإنتاج القطن، إلى بلد الندرة والاستيراد.

الأخطر هذا العام هو توجه الحكومة السورية إلى مناقشة قضية تعليق زراعة القطن في البلاد، ما يعني تهديد قطاع زراعة القطن بشكل كامل، بعد أن تراجعت العام الماضي مساحة زراعة القطن إلى أقل من 10 بالمئة، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام 2011.

هل تنتهي زراعة القطن؟

زراعة القطن في سوريا تراجعت إلى هذه المستويات، بسبب عجز الحكومة السورية عن تأمين مستلزمات الزراعة والإنتاج للمزارعين، فأصبحت الزراعة غير مجدية للفلاحين، وسط تكاليف مرتفعة وأسعار منخفضة، حيث بدأ مزارعو القطن يستثمرون في زراعات أكثر جدوى.

تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، أشار إلى أن وزارة الزراعة السورية، لم تطلب من دوائر الإحصاء و التخطيط في مديريات الزراعة تقديم دراسة لتكلفة إنتاج كيلو القطن، ما يشير إلى إهمال حكومي تجاه قطاع زراعة القطن في البلاد، بعد أن تراجعت المساحات المزروعة بالقطن، من 20 ألف هكتار عام 2015 إلى 393 هكتار العام الفائت.

قد يهمك: “حتى يمر رمضان بسلام”.. اللحوم السورية باتت حكرا على موائد الأغنياء؟

أحد أبرز أسباب تراجع الاهتمام بزراعة القطن، هي موجات الجفاف التي ضربت البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، لكن أن يصل الأمر إلى مناقشة تعليق خطة زراعة القطن هذا العام، فذلك يؤكد عجز الحكومة عن إيجاد أية آلية من شأنها إنقاذ القطاع الزراعي من الانهيار، خاصة فيما يتعلق بمساعدة المزارعين على تحقيق ربح مُرضي لتشجيعهم على الاستمرار بزراعة أراضيهم بالقطن.

تكاليف مضاعفة

تكلفة زراعة القطن تضاعفت عدة مرات خلال المواسم الماضية، بينما بقيت تسعيرة القطن التي تحددها الحكومة في حدودها الدنيا، بسعر وصل العام الماضي إلى 4000 ليرة سورية، في وقت يبلغ سعره العالمي 27 ألف ليرة.

بحسب تقرير الصحيفة المحلية، فإن محصول القطن، هو من أبرز المحاصيل الاستراتيجية بالمردودية، ومع ذلك تتجه دوائر الزراعة للتخلي عن خطة زراعته بمسوغ عدم توفر المياه اللازمة للري، “علما أن مزارعي القطن لا يطلبون من هذه الجهات توفير المياه و كل ما يريدونه هو إقرار خطة زراعته و توفير البذور والأسمدة بسعر التكلفة وأن تترك مسؤولية توفير مياه الري للمزارعين”.

فالمزارع لن يتجه لزراعة القطن، وهو يعلم مسبقا أنه سيدفع تكاليف أكثر من تلك التي سيحصل عليها بعد بيع محصوله للحكومة، فتكلفة جني المحصول فقط أصبحت تصل إلى 700 ليرة سورية للكيلو الواحد، فضلا عن ارتفاع تكاليف الخدمات التي يحتاجها المزارع خلال الموسم، من أسمدة وأدوية وتعشيب.

دور حكومي سلبي

مزارعون عملوا سابقا في زراعة القطن، أكدوا أن السياسة المعتمدة في تسعير المحاصيل لم ترقَ لمستوى الحفاظ على المحاصيل الاستراتيجية وهي السبب الأساسي في تدهور قطاعي زراعة القطن والشوندر، كذلك فإن توقف زراعة القطن يعطل تطبيق الدورة الزراعية المتكاملة، فأصبح القمح المحصول الاستراتيجي الوحيد المعتمد في الخطة الزراعية وتكرار زراعته بالأرض نفسها سيؤدي إلى تراجع مردوديته وبالتالي فشل زراعته هو الآخر.

بحسب مختصين في القطاع الزراعي، فإن السياسات الحكومية على مدار العقود الأخيرة، ساهمت بالقضاء على القطاع الزراعي، الذي أثّر بدوره على القطاع الصناعي، الذي كان يشغل أكثر من 20 بالمئة من اليد العاملة. في تسعينيات القرن الماضي وصل إنتاج البلاد من القطن إلى نحو 1.3 مليون طن، قبل أن يتراجع جراء توصيات حكومية متتالية، بذريعة فائض الإنتاج والتوجه إلى زراعات أخرى.

زراعة القطن تتركز في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب، إضافة إلى مساحات قليلة في حماة وإدلب، و”هذه المناطق شهدت حربا خلال العقد الماضي، وتعاني حتى اليوم من قلة الأيدي العاملة وارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج الزراعي، بعد تراجع المياه وقلة المحروقات والأسمدة”.

محصول القطن انحدر خلال السنوات القليلة الماضية إلى نحو 950 طن سنويا فقط، بعد أن كان يتجاوز 700 ألف طن قبل عام 2011، في حين أن كل المعطيات الحالية تشير بمستقبل أسوأ، حيث لا خطط حكومية لإنقاذ المحاصيل التي كانت الحكومة السورية تقول عنها استراتيجية، وتعود بعوائد كبيرة على الاقتصاد السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات