“مائدة على قد الحال” هو الوصف الأدق ربما لمعظم موائد إفطار العائلات في سوريا هذا العام، وقد غابت أبرز الأطباق الرمضانية التي اعتاد السوريون تقديمها خلال شهر رمضان، بسبب غلاء أسعار جميع المواد الغذائية، لا سيما اللحوم التي تشكّل المكون الرئيسي لهذه الأطباق.

فأسعار اللحوم ارتفعت تلقائيا بنسبة وصلت إلى 15 بالمئة مع دخول شهر رمضان، حتى أصبحت حكرا على موائد الأغنياء في سوريا، وسط عجز الجهات الحكومية عن ضبط الأسعار أو مساعدة المنتجينَ بما يسمح لهم بتخفيض أسعار منتجاتهم.

انخفاض حاد في الاستهلاك

في محاولة لعدم إلغاء بعض الأطباق الرئيسية في رمضان، اضطرت بعض العائلات إلى الاعتماد على لحم الدجاج بدلا من اللحم الأحمر، وقد انخفضت مستويات استهلاك اللحوم الحمراء إلى مستويات قياسية، رغم أن شهر رمضان عادة ما يشهد ارتفاعا في استهلاك اللحم الأحمر مقارنة بباقي فترات السنة.

رئيس الجمعية الحرفية للحامين في دمشق محمد يحيى الخن، أكد انخفاض استهلاك لحم الغنم في رمضان هذا العام بمعدل يصل إلى 75 بالمئة، مقارنة برمضان العام الفائت، حيث كانت الجمعية تذبح في رمضان الماضي نحو 1500 رأس غنم يوميا في مسلخ الزبلطاني، في حين انخفض هذا العدد إلى 350 هذا العام.

يحيى الخن أشار في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي، إلى أنه في بداية رمضان كان عدد الذبائح تصل إلى 700 رأس غنم يوميا، لكن مع انخفاض الإقبال على اللحوم الحمراء، وصل هذا العدد إلى النصف، حيث أن انخفاض الإقبال يعود إلى انخفاض أو انعدام القدرة الشرائية للأهالي، الأمر الذي انعكس كذلك على اللحامين الذين انخفضت مرابحهم نتيجة قلة البيع في الأسواق، ما اضطرهم لرفع الأسعار لتحقيق التوازن بين الربح وكميات البيع.

قد يهمك: طبيب محمد فؤاد يفتح النار على رامز جلال.. ما حصل “جريمة شنعاء”

بحسب تصريحات يحيى الخن، فإن أسعار الغنم الحي وصل إلى 35 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، كذلك أشار إلى انخفاض استهلاك لحم العجل إلى النصف تقريبا، حيث يُذبح يوميا 50 أو 60 رأس فقط في العاصمة دمشق.

نتيجة هذا الارتفاع في أسعار اللحوم، غابت الأطباق الرئيسية منذ قدوم شهر رمضان عن معظم موائد العائلات السورية سوى الميسورة منها، فتم استبدال أطباق مثل الشاكرية بالمجدرة، وقل كثيرا الاعتماد على الأطباق التي تشكل اللحوم الحمراء المكون الرئيسي لها.

أسعار مرتفعة

ومنذ أكثر من خمس سنوات ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، يأتي شهر رمضان في ظل انخفاض حاد بالقدرة الشرائية للمواطنين، ما يجعل من تحضير “الأطباق الرمضانية” أمرٌ غاية في الصعوبة، ويطرح التساؤلات حول خيارات العائلات داخل سوريا في ظل عدم قدرتهم على شراء المستلزمات الرمضانية الكاملة. 

متوسط سعر كيلو اللحم الأحمر سجّل مع أول أيام رمضان ما بين 80  إلى 90 ألف ليرة سورية، بينما تراوح سعر كيلو اللبن بين 4 إلى 5 آلاف ليرة سورية  والبصل 15 ألف ليرة للكيلو الواحد، ذلك ما يجعل تكلفة إعداد “الطبق الأبيض” الرمضاني تتجاوز راتب موظف حكومي لشهر كامل. 

من النادر أن تجد في سوريا عائلة في المرحلة الراهنة، قادرة على إعداد إفطار وفق العادات السورية القديمة، والمتمثلة بطبخة تقدم كطبق رئيسي إلى جانب العديد من أنواع المقبلات والمشروبات الرمضانية، إضافة إلى أنواع من الحلويات يتم إعدادها خصيصا لتقديمها طوال أيام شهر رمضان.

أطباق رمضان خارج القائمة

بحسب تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، فقد ابتعد طبق الكبة في الأعوام الأخيرة، عن قائمة المأكولات خاصة وأن اللحمة هو المكون الأساسي لهذا الطبق، فكيلو لحم الخاروف “الكباب” وصل إلى 75 ألف ليرة، وكيلو البرغل إلى 6 آلاف ليرة والهبرة بـ 80 ألف ليرة، والبصل أكثر من 10 آلاف ليرة والجوز نحو 70 ألف ليرة، إضافة إلى زيت القلي الذي وصل سعر العبوة سعة ليتر واحد إلى 17 ألف ليرة. 

فيما إذا قررت عائلة، إدراج الكبة المقلية على سبيل المثال في مائدة الإفطار، فإنها ستحتاج إلى 2 كيلو غرام من البرغل، وكيلو لحمة ونصف كيلو هبرة ونصف كميلة بصل ونحو ربع كيلو جوز وليتر زيت إضافة إلى بهارات، وستصل التكلفة في أفضل الاحتمالات إلى 180 ألف ليرة سورية، وهي طبخة تكفي لأسرة مؤلفة من أربع إلى خمسة أشخاص. 

وبالحديث كذلك عن المشروبات الرمضانية، التي تُعتبر من أساسيات المائدة الرمضانية، فقد شكّلت هذا العام كذلك عبئا إضافيا على السوريين، وتراوحت أسعار التمر الهندي والعرق سوس بين 4000 إلى 6000 ليرة لليتر الواحد، في حين بلغ سعر مشروب التوت الشامي 4000 ليرة للتر الواحد.

حتى صحن “الفتوش” وهو من الأطباق الرئيسية في رمضان والأقل تكلفة، يبلغ تكلفته بحسب ما أفادت به تقارير محلية، 15 ألف ليرة سورية، وذلك بعد ارتفاع أسعار معظم مكوناته الأساسية، فقد وصل سعر باقة البقدونس إلى 800 ليرة سورية، والنعناع إلى 1000 ليرة سورية، والبقلة والخيار 4500 ليرة سورية، فيما سجلت الأسواق سعر 20 ألف ليرة لليتر الواحد من زيت الزيتون.

الانخفاض المتواصل في استهلاك اللحوم الحمراء، يهدد خروج العديد من التجار من خطوط الإنتاج، بسبب قلة البيع والمرابح، كل ذلك في وقت يحتاج فيه السوق إلى خطة يُفترض أن تقدمها الحكومة لإنقاذ قطاع إنتاج اللحم، لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات