مسلسل "ليلة السقوط".. دراما واقعية توثق جرائم "داعش" في العراق

مسلسل “ليلة السقوط”، الذي استغرق إعداده قرابة ثلاثة سنوات وكلف ميزانية ضخمة، كان من المفترض أن يتم عرضه خلال موسم دراما رمضان الماضي، إلا أنه تم تأجيله وذلك لأسباب تتعلق بالإنتاج. والمسلسل يُعرض حاليا خلال موسم دراما رمضان 2023.

بعض الآراء كانت ترى بأن تأجيل عرض المسلسل سوف يفقده جمهوره بعد أن شوّق لرؤيته خلال شهر رمضان الماضي، إلا أنه ومنذ عرض أولى حلقاته قبل نحو أسبوعين والعمل يتصدّر قائمة الأعمال الدرامية المعروضة حاليا على شاشات وقنوات التلفزيون.

”ليلة السقوط”، مسلسل درامي تم تصوير مشاهده في الموصل ومدينة أربيل “هولير”، عاصمة إقليم كردستان العراق. وهو من تأليف الكاتب المصري مجدي صابر وإخراج السوري ناجي طعمي وإنتاج شركة “بلا حدود” للإنتاج الفني، ويعتبر أكبر إنتاج عربي مشترك، عن هزيمة تنظيم “داعش”. وشارك في المسلسل، قرابة 150 فنان وفنانة، أبرزهم، المصري طارق لطفي، والأردنية صبا مبارك، والسوريين باسم ياخور كندة حنا، وميلاد يوسف، والعراقي ذو الفقار خضر، وغيرهم.

دراما واقعية؟

مسلسل “ليلة السقوط” يوثق الأحداث الحقيقية في إطار درامي تشويقي الجرائم التي ارتكبتها تنظيم “داعش” الإرهابي بحق أهالي مدينة الموصل وسنجار “شنكال” بإقليم كُردستان العراق بين عامي 2014 و2017، في السنوات التي وقعت فيها تحت سلطة تنظيم “داعش” الإرهابي، ويستعرض الظروف القاسية والمأساوية التي عاشها أهالي البلاد خلال تلك الحقبة، وكيف تمكنت القوات المسلحة العراقية من دحر الإرهاب بالتعاون مع قوات “البيشمركة” التابعة لإقليم كُردستان العراق وقوات “الحشد الشعبي”، إلى جانب مساندة قوات “التحالف الدولي” لمكافحة تنظيم “داعش”.

العمل يوثق ويسلط الضوء على ما جرى لسكان الموصل وخاصة أبناء الديانة المسيحية، وأجبر أعدادا كبيرة منهم على النزوح والهجرة، فضلا عن الظروف المأساوية التي عاشها سكان الموصل برمَّتهم في تلك الفترة. أيضا المسلسل يظهر الفظائع التي ارتكبت بحق أهالي سنجار الكُردية، عندما تم احتلالها من “داعش”. ويستعرض المسلسل الظروف الأليمة التي عاشها أهل المنطقة تلك وكيف نزح أبناء سنجار ولجؤوا إلى الجبال والوديان للاحتماء والاختباء خشية مما كان يفعله “داعش” باسم الدين.

هذا فضلا عن سبيّ آلاف الصبايا من الإيزيديات الكُرديات وكيف يتم سبيهن وبيعهن والاعتداء عليهن جنسيا وتدميرهنّ نفسيا، وخاصة الصغار في العمر، ما بين عمر الـ 13-16، من قبل عناصر التنظيم الإرهابي وكيف يتبادلون فيما بينهم ويبيعونهم عشرات المرات.

كاتب المسلسل، مجدي صابر يقول إنه تم رصد ارتكاب جرائم بشعة لـ”داعش” خلال احتلاله مدينة الموصل وسنجار حيث كان القتل لأى سبب وأن هذه الجرائم كانت أسوأ من التتار حيث قاموا باختطاف خمسة آلاف فتاة إيزيدية كُردية وتم التعامل معهن في سوق للرقيق والنخاسة، وفق مقابلة خاصة معه لأحد المواقع.

قد يهمك: تقاطع بين “النار بالنار” و”مع وقف التنفيذ”.. تفاصيل حصرية وما خفي أعظم – الحل نت

المسلسل يعتمد على وقائع حقيقية موثقة بالفعل ولكن الشخصيات الدرامية من نسج الخيال ومنهم القائد الداعشي الذي يجسد دوره طارق لطفى، والملقب بـ”أبو عبد الله الذباح” الذى يشبه الكثيرين من عناصر التنظيم ويمثل نموذجا لهم كما يتواجد بالعمل دراما اجتماعية وعلاقات إنسانية وعاطفية من خيال الكاتب كما في شخصية “الحج كاوا” ولكن الهيكل الأساسي يعتمد على الحقيقة.

في المقابل، كان اختيار المؤلف المصري مجدي صابر لكتابة المسلسل قد أثار جدلا، حيث ربط البعض بين ديانته القبطية وعدم قدرة على الإلمام بكل تفاصيل الجماعات التكفيرية الإسلامية ومنهجها الديني. إلا أن المؤلف شدد في العديد من التصريحات على أن اختياره من قبل شركة الإنتاج لكتابة “ليلة السقوط” كان بسبب نجاحاته السابقة وليس بسبب ديانته، مبينا أنه بحث لأكثر من 6 أشهر قبل الشروع في كتابة المسلسل، واعتمد على شهادات حيّة لأشخاص عايشوا احتلال “داعش” للموصل وسنجار ومعاناتهم الشخصية، كما أطلع على الفتاوى التي أصدرها شيوخ التنظيم لتحليل جرائمهم باسم الدين، وبعد ذلك بدأ بمرحلة كتابة جميع حلقات المسلسل على مدار عام كامل ثم بدأ تصوير المسلسل خلال شهر حزيران/يوليو 2021.

رسالة للعالم

في السياق، شارك في العمل قرابة 150 فنان وفنانة من تونس والأردن ومصر وسوريا، إضافة إلى العراق، وبلغت ميزانيته ملايين الدولارات، حسب شركة “بلا حدود” المنتجة للمسلسل، وذلك لأن معظم مشاهد المسلسل خارجية وتتضمن أحداثه الكثير من التفجيرات والمعارك والمذابح الحية وهناك استعانة بخبراء أجانب لتصوير وتنفيذ المعارك.

هذا ويبدو أن المسلسل جاء كحاجة أمنية ورسالة للذين يتاجرون باسم الدين، على اعتبار أن التطرف باسم الدين يأتي بكوارث لا نهاية لها ودمار وخراب، لا سيما وأن “داعش” ارتكبوا أفظع وأبشع الجرائم وكانوا يبثون أفكارا عن أنهم الطائفة المنصورة التي جاءت لنشر الدين الصحيح في بلاد الشام وما حولها، تحت غطاء الدين.

مسلسل “ليلة السقوط” وباقي الأعمال الدرامية الأخرى التي تحدثت ووثقت جرائم التنظيم، مثل مسلسل “بطلوع الروح” و”الكتيبة 101″ وغيرهم، هدفهم هو توعية المتابعين لحجم ما حدث حتى لا يتكرر، بجانب فضح الفكر الراديكالي للتنظيم الإرهابي وجرائمه ضد البشرية والأديان والأطياف والحضارة والتاريخ، وخاصة بعد أن دمروا متحف الموصل والتماثيل التاريخية والشواهد الدينية في الكنائس والمعابد، وإجبار الأطفال الإيزيديين والمسيحيين على اعتناق الإسلام.

أدوار مؤثرة

في الحقيقة كان أداء الفنانين في المسلسل مؤثّرا ولافتا، وحظيو بصدى واسع ونسبة عالية من المشاهدات، لا سيما دور طارق لطفي “الذباح” وصبا مبارك الطبيبة الإيزيدية “جوانا” وكندة حنا “ابنة القاضي” وباسم ياخور “الصحفي” الذي ينضم إلى القتال لإنقاذ حبيبته “جوانا”.

شخصية “الذباح” أحد أدوار البطولة في المسلسل، وطارق لطفي من أكثر الممثلين العرب الذين يبرعون في أداء أدوار الشر، واكتسب شهرة واسعة في ذلك، منذ أدائه خلال الموسمين الرمضانيين الماضيين حيث شارك في مسلسل “القاهرة كابول” الذي تناول التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها المنطقة العربية، وحتى في مسلسل “جزيرة غمام” الذي يبتعد قليلا عن موضوع الإرهاب والتطرف فقد لعب الممثل دور “خلدون” وهو رجل شرير يسعى إلى بث الفتن وتأجيج الخلافات بين الناس.

إلى جانب الحضور الذكوري للمقاتلين مع “داعش” والمقاومين له، يركز المسلسل على دور المرأة في العراق المقاوم للتنظيم الإرهابي وعناصره، ومدى قدرتها على تقديم الدعم ومساندة الرجال في المواقف الصعبة، وعدم الاكتفاء بالبقاء في المنزل، لكنه يتطرق أيضا للمرأة المجندة ضمن عناصر التنظيم والتجاوزات التي يمكن أن ترتكبها في حق غيرها من النساء.

لعل تلك الأدوار النسائية المهمة في المسلسل، كانت متمثلة في دور الدكتورة الإيزيدية “جوانا” التي تقع سبية بيد التنظيم، وتتعرض للتعذيب والتنكيل، وتقدم من خلال شخصيتها هذه صورة عمّا تعرضت إليه النساء الإيزيديات من انتهاكات ومعاناتهن من بطش عناصر التنظيم. بالإضافة إلى دور “ابنة القاضي” المؤثر وخاصة بعد تزويجها من “الذباح” وقتل والدها بطريقة وحشية وصادمة.

في العموم، مسلسل “ليلة السقوط” واحد من الأعمال المهمة واللافتة، ومكتوب بحرفية عالية، ويقدم رسالة مهمة جدا للمشاهد العربي والعالم ككل، لما يتناول من حقائق وتوثيق لجرائم تنظيم “داعش” الإرهابي في فترة احتلاله مدينة الموصل و مناطق جبل سنجار الكُردية.