يبدو أن التحول الراهن في العلاقات السعودية – الإيرانية أثّر بالمجمل على العلاقات في الإقليم لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين مصر وإيران، تصب في سياق إيجاد ثقل عربي للضغط المباشر على إيران.

تساؤلات عديدة يطرحها التقارب الجديد المتمثل باتصالات أمنية بين الجانبين، حول جدوى التقارب، وعلاقة التحول الجديد بغياب الفيتو الخليجي السابق على أي علاقة إقليمية مع إيران، وصولا إلى أثره على ملف الأمن في البحر الأحمر، وانتهاء بمدى احتمالية رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى رتبة سفير بين البلدين.

اتصالات جرت خلال الأسبوع الأخير من آذار/مارس الماضي، بين مسؤولين أمنيين من مصر وإيران، تناولت إمكانية التطوير التدريجي للعلاقات الثنائية بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

وبحسب تقارير صحفية، فإن الاتصالات الأخيرة جاءت بعد نحو شهرين من توقف اتصالات جرت على مستوى استخباري بين البلدين، بشأن تنسيق بعض المواقف الإقليمية، لمنع أي صدام بينهما في ملفات المنطقة التي تتقاطع فيها مصالح البلدين.

التقارير أشارت إلى أنه قد لا توجد نية في الوقت الراهن من جانب المسؤولين في القاهرة في الإعلان عن خطوة كبيرة لاستعادة العلاقات، معتبرة أن الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى درجة سفير.

منتصف آذار/مارس الماضي، أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية منح تسهيلات وتأشيرات دخول للسياح الإيرانيين القادمين إلى مصر، ضمن 8 جنسيات أخرى، في إطار امتيازات التأشيرات التي تقدمها الدولة لتشجيع السياحة.
مساعد الرئيس الإيراني علي سلاجقة، كان قد زار مصر، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على رأس الوفد الإيراني المشارك في قمة المناخ التي استضافتها مدينة شرم الشيخ، وذلك قبل أن يجري لقاءات رفيعة المستوى في القاهرة، ويقوم بجولة بمسجد الحسين، وسط حراسة أمنية مشددة من الجانب المصري.

على الرغم من كل المحاولات الجادّة التي جرت لإعادة العلاقات بين الدولتين، منذ سقوط نظام حسني مبارك في العام 2011، إلّا أن هذه المحاولات لم تُفلح سوى جزئيا، لأسباب سياسية واقتصادية ومذهبية معروفة في إفشال هكذا محاولات، لأن أي تقارب مصري– إيراني سينعكس سلبا على الروابط الوثيقة، المعلنة والخفيّة بين مصر وكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى مختلف الصُعد. بحسب دراسة صادرة عن “المعهد المصري للدراسات”.

ومع تشابه العقبات السياسية أمام استعادة العلاقة الكاملة بين مصر وإيران، في عهدي مرسي والسيسي، فإن احتمالات تطوّر هذه العلاقة، “الباردة” حتى الآن، تظل قائمة بلحظ تبدّل الرؤى أو المصالح السياسية لكلا الطرفين المعنيين، والتي قد تطغى على أي عوامل دينية كابحة لا تزال مؤثّرة بشدّة، وتحديدا لدى الحكومة المصرية التي تحسب حساب الحساسيات المذهبية والقومية، كما تحسب حساب المبالغ الطائلة التي ُقدّمت له خلال السنوات الماضية من قبل بعض دول الخليج لإبعادها عن إيران قدر الإمكان، وفق تقارير صحفية.

موانع تطوير العلاقة

تاريخيا، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران بعد إبرام اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في آذار/مارس 1979، إذ قطعت إيران على إثرها علاقاتها الدبلوماسية مع مصر.

حالة القطيعة في ظل فترة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي سار على سياسات السادات سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، استمرت حتى شباط/فبراير 2011، حيث اتجهت القاهرة الى “مراجعة” سياستها تجاه إيران، ثم جاءت زيارة الرئيس المصري السابق محمد مرسي إلى إيران في آب/أغسطس 2012 لحضور مؤتمر قمة عدم الانحياز لتمثل حدثا كبيرا في مسار العلاقة بين البلدين باعتبارها كانت الزيارة الأولى لرئيس مصري إلى طهران منذ وصول سلطة الخميني إلى الحكم في إيران.

لكن الإطاحة بحكم “الإخوان المسلمين” في مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، أعادت العلاقات إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، خاصة مع حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المتكرر حول أمن الخليج العربي وكونه امتداد لأمن مصر، فضلا عن اتساع التوتر بين إيران والسعودية في تلك المرحلة.

المتغير الخليجي هو أحد المحددات الرئيسية للعلاقات بين مصر وإيران؛ بحسب دراسة لمركز “ستراتيجكس” حيث تدرك الأخيرة أن أي محاولة للتقارب مع القاهرة في ظل التوتر مع الرياض وأبوظبي لن يُكتب لها النجاح.

إسرائيل تمثل -بحسب الدراسة- محددا أساسيا من محددات العلاقات المصرية-الإيرانية، ربما يفوق غيره من المحددات الأخرى، وذلك في ظل التوترات الشديدة بين إيران وإسرائيل والتي يمكن أن تقود إلى مواجهة عسكرية في أي وقت. وهذا يجعل القاهرة مترددة في اتخاذ خطوات جادة تجاه علاقاتها مع طهران، لسببين: أولهما لضمان عدم التأثير على التطور في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد أن استضافت شرم الشيخ اللقاء الثلاثي بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي وولي عهد أبو ظبي، إلى جانب اجتماع النقب الذي ضم وزراء خارجية الولايات المتحدة إسرائيل والمغرب ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وثانيهما؛ لتفادي الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في حال أي صدام عسكري بين تل أبيب وطهران.

الخبير بالشأن الإيراني عباس الكعبي الأحوازي يرى خلال حديث لـ”الحل نت” أنه ليس من الصعب تطوير العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران وبلوغها مرحلة تبادل السفراء، ولكن من الصعب جدا ضمان حسن نوايا الجانب الإيراني.

الفرق كبير جدا بين البلدين -بحسب الأحوازي- “على مستوى الأخلاق وصدق النوايا والوفاء بالعهود، إذ لم يسبق لجمهورية مصر العربية التجاوز أو العدوان على دولة أخرى، وإذا كانت مصر قد تخطت حدودها يوما ما، فلم يكن ذلك مردّه التجاوز أو العدوان، بل جاء ذلك بفضل حضارتها التي أشعت بنورها على العالم الخارجي”.

أما الجانب الإيراني فيفتقر تماما لمثل هذه القيم وبلوغه البحر الأحمر، يأتي بدافع الطمع والتوسع والتجاوز والعدوان، والرغبة الجامحة في الهيمنة على أهم الممرات المائية، بدءا بالخليج العربي مرورا بباب المندب ووصولا إلى مضيق جبل طارق.

وبناء على ماسبق، فإن مثل هذه الاتصالات، قد تساهم في إضفاء الهدوء النسبي والمؤقت على أمن البحر الأحمر وإستقراره، ولكن مثل هذا الهدوء لن يدوم طويلا في ظل عقلية العدوان التي يتصرف من خلالها الإيرانيون.

لا فيتو خليجي؟

التقارب الإيراني السعودي جاء ليعزز تموضعا إقليميا جديدا ما يعني كسر الفيتو الخليجي ضد الإيرانيين والعمل على تصفير المشاكل بغية حلحلة ملفات عديدة متشابكة على رأسها الأزمة في اليمن وسوريا ولبنان.

“الاتصالات المصرية الإيرانية تأتي في سياق تعزيز الاتفاقية السعودية الإيرانية ببكين و مصر تبحث عن التهدئة تماشيا مع موقف المملكة العربية السعودية وذلك من أجل إنجاز أعلى المكتسبات السياسية وفق الرؤية المصرية” بحسب حديث الباحث لدى “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية – أفايب” مصطفى النعيمي لـ”الحل نت”.

لكن هل يمكن أن يتم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى رتبة سفير؟. يجيب النعيمي أن التمثيل سيقتصر في المرحلة الأولى على القنصلي خاصة وأن الطرفين يسيران ضمن نظرية خطوة مقابل خطوة وبناء على النتائج يتم الانتقال الى الخطوات التي تليها.

إيران ليس بمقدورها التصعيد في مياه الخليج العربي وبحر العرب وصولا إلى البحر الأحمر لكن بالمقابل هل حالة عدم التوتر ستستمر؟ النعيمي لا يرى ذلك ممكنا خاصة و”نحن نتحدث عن عصابة تهيمن على الدولة الإيرانية ولا توجد ضمن أبجدياتها القدرة على ضبط أدنى درجات النفس تجاه من كانت تصفهم بالخصوم”.

من جانب آخر، فإن الاتصالات العربية عموما والمصرية خصوصا تأتي في سياق تشكيل ثقل عربي للضغط المباشر على إيران أما بخصوص الفيتو الخليجي فيرى النعيمي بأن “المرحلة القادمة تتطلب إعادة النظر في علاقات دول الخليج العربي مع مصر وتسارع المتغيرات الدولية لما يخص الملف الإيراني يتطلب إثبات حسن النية لدى كافة الأطراف”.

لكن هل ستلتزم إيران بذلك؟ يؤكد النعيمي بأن “إيران ما زالت يدها على الزناد وتعزز من قدرات الأذرع الولائية متعددة الجنسيات وبالتالي أعتقد بأنه يجب رفع مستوى الحذر من تداعيات التموضع الإيراني في المنطقة العربية لا سيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن”.

ملف الأمن في البحر الأحمر

ملف أمن البحر الأحمر يتصدر الشواغل الرئيسية للإدارة السياسية المصرية، خاصة في ظلّ إعادة رسم خريطة السيادة والتوازنات في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى لارتباطه بأبعاد اقتصادية يأتي في مقدمتها التأثير على حركة التجارة المارة في قناة السويس بما تمثله من أهمية لمصر حيث كونها موردا رئيسيا للعملات الأجنبية. بحسب موقع “مصر 360”.

منطقة البحر الأحمر تنافسا دوليا وإقليميا للتموضع “التمركز” الاقتصادي والأمني من خلال مختلف الاتفاقيات الموقعة بين قوى إقليمية ودول نامية على ضفتيه. وتملك مصر معظم الموانئ المدنية المطلة على البحر الأحمر بـ 20 ميناء، بواقع 8 موانئ تجارية، بما في ذلك ميناء السخنة الذي تديره شركة موانئ دبي العالمية، و5 موانئ بترولية وتعدين وسياحية، و3 موانئ صيد وصناعية.

الباحث مصطفى النعيمي يعتقد بأن حماية البحار و الممرات والمضائق المائية مسؤولية دولية والمتضرر ليس فقط الدول العربية وإنما ستؤثر أي عملية قرصنة في البحار أو استهداف المنشآت النفطية على ارتفاع أسعار النفط.

الولايات المتحدة -بحسب النعيمي- عملت على تعزيز أسطوليها الخامس والسادس بالتزامن مع التهديدات الإيرانية وبالتالي ليس بمقدور إيران القيام بأي تصعيد في هذه المرحلة في منطقة الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر وتحاول ضبط أعلى درجات الحيطة والحذر للحصول على أعلى المكتسبات لتوظيفها سياسيا لخدمة إيران.
الحوثيون المدعومين من طهران يسيطرون على القطاع الساحلي للبحر الأحمر الذي يمتد شمالا من منطقة الخوخة إلى الأطراف الجنوبية من منطقة ميدي، جنوب غربي محافظة حجة، شاملا ثلاثة موان، هي: الحُديِّدة، والصليف، ورأس عيسى، بينما يسيطر وكلاء السعودية على المنطقة الساحلية الغربية، حيث تتمركز قواتهم شمالي الحديدة، بين ميدي، التي تضم ميناء صغيرا، حتى الحدود البرية – البحرية مع السعودية نفسها، عند منطقة الموسَّم، شاملا ذلك الجزر الواقعة قبالتها، وهي منطقة نفوذ بحرية صغيرة، قياسًا بمنطقتي نفوذ وكلاء إيران والإمارات.

موقع “مصر 360” يرى أنه يمكن لمصر وهي تسعى للحفاظ على مصالحها المباشرة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن ، أن تعمل على صياغة دور إقليمي أوسع، بحكم طبيعة موقعها وحالة التنافس الإقليمي والدولي على تلك المنطقة التي تعد الطريق الرئيسي لمرور الطاقة للأسواق العالمية.

العلاقات بين القاهرة وإيران تسير بخطى بطيئة، تدريجية، إذ تقف في وجهها عوائق تتعلق بمدى نجاح التقارب السعودي – الإيراني، واستطاعة إيران لجم تعديات حلفائها الحوثيين في اليمن ما يؤثر على ملف الأمن في البحر الأحمر. تاريخ العلاقة بين البلدين لا يبشر بالكثير، لكن التموضع الإقليمي الجديد قد يقلب الموازين ويجعل العلاقة تتطور إلى تمثيل دبلوماسي كامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة