خلال الفترة الماضية، شهد سعر زيت الزيتون المحلي بورصة حقيقية ارتفعت مع كل ارتفاع في سعر الصرف، بحيث تجاوز سعر “التنكة” منه اليوم نصف مليون ليرة سورية، لاسيما وأن ارتفاع سعره لم يعد مرتبطا بسعر الصرف فقط وسط تهريبه على قدم وساق عبر الحدود من قبل شبكة تجار، دون حسيب أو رقيب.

وصول سعر”بيدون” زيت الزيتون بسعة 16-17 كيلو، إلى أكثر من نصف مليون ليرة اليوم، ما يعني زيادة بنحو 60 بالمئة عن العام الماضي، وبالتالي هذا مؤشر خطير ولا يبشر بالخير، فهذا الأمر حتما سيولد مخاوفا لدى المواطنين من وصول الغلاء إلى سلع أخرى، خاصة المواد التي يتم تخزينها “التموين” والتي تعتبر من أساسيات المطبخ في سوريا مثل زيت الزيتون.

تهريب زيت الزيتون

في الوقت الذي تغنّت فيه الجهات المعنية بموسم وفير من الزيتون وما يؤول إليه من وفرة أيضا في زيت الزيتون، ليتوسم المواطنون الخير بهذا الموسم علّه يحضر زيت بلدهم إلى موائدهم، لكن مآرب التجار يبدو أنها تسعى في منحى مغاير للمأمول، فالوفرة بالمادة والخطط وقرارات التصدير المشروطة بحجم العبوات لم تفلح بخفض سعر المادة على مدار العام الجاري، بل على العكس شهد ارتفاعا غير مسبوق، حسبما يوضح تقرير لصحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الأربعاء.

زيت الزيتون مادة أساسية في بيت كل سوري- “إنترنت”

بحسب التقرير فإن ارتفاع سعر زيت الزيتون ليس مرتبطا بسعر الصرف فقط ولكن بتهريبه أيضا وبكميات كبيرة عبر الحدود من قبل شبكة تجار، وفق ما أكده أهالي المناطق الساحلية والغربية للصحيفة المحلية، إذ بلغ سعر “التنكة” المُباعة لتّجار التهريب عبر الحدود اللبنانية ما بين 500-700 ألف ليرة.

مديرة مكتب الزيتون في “وزارة الزراعة السورية” عبير جوهر، اكتفت بالقول إن تسويق زيت الزيتون يتم عبر عدة قنوات، سواء تسويقه في السوق المحلية أو التصدير إلى السوق العالمية، أما التهريب فهي ظاهرة لتصريف الإنتاج بطرق غير قانونية.

المسؤولة في “وزارة الزراعة السورية” تهربت من مسؤولية الوزارة من تهريب زيت الزيتون، قائلا إن “مراقبتها تقع على عاتق الجهات المعنية بمكافحة التهريب، خاصة وأن وزارة الزراعة معنية فقط بالإنتاج”، وأرجعت سبب ارتفاع الزيت محليا لارتفاع السعر العالمي، إضافة إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المادة.

سعر “تنكة” زيت الزيتون في الأسواق السورية يتراوح بين 400-410 آلاف ليرة سورية، وهذه الأسعار التي كما يبدو اتفق عليها تجار الزيت فيما بينهم لتسعير الزيت، يراها الأهالي مجحفة ولا تتناسب مع ميزانيتهم التي ادّخروها لشراء الزيت الذي يُعد مادة أساسية في كل منزل ولا يمكن الاستغناء عنها، حسب تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي، نُشر مؤخرا.

المواطنون يقولون إنه في ظل غلاء المعيشة وصعوبة تدبّر جميع متطلبات الأسرة، من الصعب على عائلة متوسطة الدخل أن تشتري بيدون زيت بسبب ارتفاع سعره بهذا الشكل اللامنطقي، حيث يتجاوز سعر البيدون الـ 400 ألف ليرة، بينما يُقدّر راتب الموظف الحكومي قرابة الـ 156 ألف ليرة.

تكاليف الإنتاج سبب الغلاء

جوهر لفتت إلى أن ارتفاع السعر العالمي يعود لعدم وجود إنتاج جيّد في مناطق الإنتاج عالميا، مثل إسبانيا وإيطاليا، إذ انخفضت نسبة الإنتاج في إسبانيا نحو 25 بالمئة أما في إيطاليا فقد انخفضت بنسبة 37 بالمئة، لذا كان البديل بالاستيراد من الدول الأخرى المنتجة لزيت الزيتون نتيجة عدم كفاية الإنتاج لتغطية حاجة معامل التكرير لديها، إلا أن هذه الدول تستورد الزيت “دوكمة” وهو ممنوع حاليا في سوريا، لذلك لم يستفد المنتج السوري من ارتفاع السعر للزيت المصدّر “دوكمة”، في حين سُجل أعلى سعر حتى الآن لكيلو الزيت المعبأ “دوكمة” 5.2 يورو بحسب الإحصائيات الأخيرة لـ”المجلس الدولي للزيتون”.

أما عن الكميات المصدّرة من سوريا حتى اليوم، أكدت مديرة مكتب الزيتون، وصول الفائض هذا العام إلى 45 ألف طن، إلا أنه وحسب الإحصائيات الواردة للصحيفة المحلية، فلم تتجاوز كمية المصدّر من زيت الزيتون 15 ألف طن حتى نهاية شهر نيسان/أبريل الماضي، مشيرة إلى أن سماح الحكومة بتصدير كمية محددة من زيت الزيتون جاء بشروط معينة تضمن تصديره بعلامة تجارية سورية.

إضافة لخفض الكميات المصدّرة وتجنب ارتفاع سعرها وفقدانها من الأسواق المحلية من جهة أخرى، وبالتالي كان هناك صعوبة في تحقيق توازن بين السعر المحلي والسعر العالمي بما يضمن تصريف الإنتاج بشكل مناسب للمزارع ليستفيد بشكل جيد من الميزة التصديرية لمنتجه من جهة وللمستهلك ليحصل على مكون أساسي لغذائه بسعر مقبول من جهة أخرى، على حد زعمها.

في المقابل، يرى عدد من المزارعين أن سبب ارتفاع أسعار زيت الزيتون يعود لعدة عوامل وخاصة في السنوات الأخيرة، منها تأثير التغيرات المناخية بطريقة سلبية على المحاصيل كافة بشكل عام، بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف المتعلقة بمستلزمات الإنتاج كالحراثة والتقليم وجني المحصول، وتعرض محصول الزيتون للكثير من الجانحات المَرَضية وأهمها عين الطاووس وارتفاع تكاليف عصر الزيتون.

سعر “بيدون” زيت الزيتون العام الماضي سجل وسطيا 250 ألف ليرة وبلغ إنتاج اللاذقية من محصول الزيتون للموسم الماضي 210 آلاف طن، إذ تُعد زراعة الزيتون في اللاذقية الزراعة الأولى من حيث المساحة، وتمتد على مساحة 45 ألف هكتار، وعدد أشجار الزيتون يبلغ نحو 10 ملايين شجرة مثمرة.

تكاليف الزيتون لا تقتصر على الري والفلاحة والأعمال التي تسبق القطاف، وإن كانت أساسية ومهمة، فعند الوصول إلى موسم عصر الزيتون بعد منتصف تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، تبدأ تكاليف أخرى بالظهور ويتم التعامل معها بشكل مختلف بين شخص وآخر من المزارعين.

قطاف الزيتون- “إنترنت”

كما أن زيادة سعر زيت الزيتون وتوجه المنتجين لطرق التهريب بغية الحصول على تكاليف إنتاجهم على الأقل يعود لغياب الدعم الحكومي للمزارعين، سواء من حيث الوقود أو الأسمدة والمبيدات وغيرها من مستلزمات زراعة أشجار الزيتون، خاصة وأن العناية بأشجار الزيتون أصبحت مكلفة للغاية.

العزوف عن تموينه!

الارتفاع غير المسبوق في تكاليف إنتاج زيت الزيتون، يترك آثاره على سعر مبيع ليتر الزيت، حيث أكد منتجون في وقت سابق أن هناك أرقام كبيرة يدفعونها لقاء كل عبوة زيت، حيث يشعر غالبية المستهلكين بوطأة سعرها، موضحين أن تكاليف إنتاج الزيت تتوزع على أكثر من مرحلة، فهي تصل إلى أكثر من 400 ألف ليرة لكل دونم زيتون، وتتوزع بين تكاليف حراثة الدونم التي تصل إلى 80 ألف ليرة، وأجرة عامل التقليم 25 ألف ليرة يوميا، ويصل سعر كيس السماد الواحد إلى 250 ألف ليرة. وعلى الرغم من انخفاض قيمة الليرة وارتفاع سعر “تنكة” الزيت لحوالي ربع مليون ليرة خلال العام الماضي، إلا أن دخل الأهالي متدني، وشراء “تنكة” الزيت يحتاج راتب شهرين تقريبا.

الأهالي في سوريا اعتادوا على تخزين العديد من المواد الغذائية، دعما لمخزونهم الغذائي طوال فصلي الشتاء والربيع، بغية الإسهام في تخفيف النفقات والمصاريف المعيشية اليومية، ذلك لأن هذه الأصناف الغذائية غير متوفرة في فصل الشتاء وفي حال توافرت فستكون غالية الثمن وطعمها غير جيد مثل مواسمها الطبيعية.

غير أنه خلال العام الماضي تجنّب الكثير من السوريين صنع “المونة” نتيجة غلاء الأسعار بشكل غير مسبوق، وكان من بين هذه المواد التي تُخزّن عادة؛ زيت الزيتون، لا سيما وأنه يُعد أحد المكونات الأساسية في صنع “المكدوس” الشهير في سوريا.

بالتزامن مع هذا السعر المرتفع لزيت الزيتون، يبدو أن نسبة كبيرة من السكان ستمتنع عن شرائه والاكتفاء بالزيوت النباتية ذات الجودة المنخفضة، سواء في الطبخ أو في صنع “المونة” وتحديدا “المكدوس”.

بحسب إحصاءات “المجلس الدولي للزيتون” لموسم 2020-2021، فإن سوريا أكثر الدول العربية من حيث استهلاك الفرد لزيت الزيتون، وحسب إحصاءات المجلس، وهو عبارة عن منظمة حكومية دولية تضم 44 دولة، تستحوذ على 98 بالمئة من الإنتاج العالمي من زيت الزيتون، فإن استهلاك الفرد من زيت الزيتون في سوريا، هو الأعلى عربيا والرابع عالميا بـ 4.6 لترات سنويا.

عدد أشجار الزيتون في سوريا يبلغ وفق إحصائية “وزارة الزراعة السورية”، نحو 106 ملايين شجرة، منها 82 مليونا مثمرة، وتتوزع زراعة الزيتون في المنطقة الشمالية، إدلب وحلب، بنسبة 46 بالمئة، وفي المنطقة الوسطى، حمص وحماة، بنسبة 24 بالمئة، وفي المنطقة الساحلية، طرطوس واللاذقية، بنسبة 18 بالمئة، وفي الشرقية، دير الزور والحسكة والرقة، بنسبة 2 بالمئة، لتدخل مناطق الجنوب، درعا والسويداء حديثا وبوتيرة زراعة عالية، بنسبة 10 بالمئة، ما أوصل الإنتاج المتوقع إلى أكثر من 800 ألف طن خلال العام الماضي من الثمار، ونحو 125 ألف طن من زيت زيتون.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات