القطاع الطبي في سوريا لا زال يواجه خطر الانهيار منذ سنوات، لا سيما مع استمرار ظاهرة هجرة الأطباء خارج البلاد أملا في الحصول على فرص عمل أفضل، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها البلاد.

المشافي السورية تواجه اليوم، خطر فقدان أطباء التخدير، حيث تعاني البلاد من ندرة هذا الاختصاص، وقد أكدت مصادر طبية أن بعض المشافي تعمل الآن بدون أطباء تخدير، حيث يتم الاستعانة بأطباء من مشافي أخرى عند الحاجة، بسبب قلة الكوادر.

تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، أشار إلى أن “هناك مشفيين وهما مشفى الزهراوي التابع لوزارة الصحة، والذي تم تخديمه بأطباء تخدير من مشفى الهلال الأحمر؛ وكذلك التوليد الجامعي في دمشق التابع لوزارة التعليم العالي ليس فيهما أطباء تخدير، ويتم تخديم مشفى التوليد الجامعي عبر مشفيي المواساة والأسد الجامعي”.

أسباب النقص

المسؤول العلمي في “رابطة التخدير” في سوريا الدكتور فواز هلال، أكد أن ما يجعل طبيب التخدير يتسرب من عمله هي قوانين الطب البالية، وأضاف في تصريحات للصحيفة المحلية، “الطب يتطور في كل أنحاء العالم، والقوانين الناظمة للعمل الطبي تتطور معه؛ وأطباؤنا يطوّرون أنفسهم بشكل أو بآخر، والعلم اليوم أصبح مفتوحاً والشخص عن طريق الإنترنت بإمكانه أن يطور نفسه؛ وللأسف تطوّر العمل الطبي، ولكن لم تتطور معه القوانين الناظمة”.

الأطباء السوريون لا يسعون للهجرة إلى الدول المتقدمة فقط، بل إنهم يبحثون عن أي فرصة للهجرة والعمل طالما أنها خارج سوريا، وقد أكد هلال أن “أطباء سوريا يهربون إلى دول فقيرة ومتخلفة ومأزومة وتعيش حروب، كيف لدولتي اليمن والصومال أن تستقطب الطبيب السوري ونحن لا نستطيع التمسك به”.

الجهات الحكومية أصدرت العديد من القرارات في محاولة للحد من هجرة الأطباء، لكنها فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها حول المحافظة على الكادر الطبي، هذا فضلا عن الأخطاء الطبية المتكررة التي أودت بحياة عشرات السوريين خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة ضعف الكادر الطبي.

قد يهمك: حرق السيجارة أغلى من حرق العملة“… ارتفاع جديد لأسعار الدخان في سوريا

مشروع قرار جديد تعتزم الحكومة السورية تطبيقه في محاولة للمحافظة على الكادر الطبي المتبقي في سوريا، حيث بيّن عضو “اللجنة الدستورية والتشريعية” في مجلس الشعب فيصل جمول في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية قبل أيام، أن مشروع القانون الخاص برفع سن انتهاء خدمة الطبيب البشري للأطباء العاملين في القطاع العام، تضمن رفع السّن التقاعدي إلى 65 عام.

بموجب القرار يحق للطبيب بعد التقاعد في سن 65 عام، طلب التمديد بشكل اختياري حتى سن 70 عام، وتكون الموافقة على طلب التمديد من الوزير المختص، وذلك بعد تعديل المادة الواردة من الحكومة في هذا الصدد والتي كانت تنصّ على أنه يحتاج إلى موافقة رئيس مجلس الوزراء.

مشروع القرار الذي تحدّث عنه كذلك نقيب الأطباء في سوريا غسان فندي، يطرح التساؤلات حول جدوى القرار وإمكانية مساهمته فعلا في المحافظة على الأطباء، وتخفيف الفاقد من الكوادر الطبية السورية.

واقع طبّي مأساوي

مؤخرا تشهد المراكز الصحية والمشافي، أخطاء طبية متكررة، أودت في كثير من الأحيان بحياة عشرات السوريين بينهم أطفال، وذلك نتيجة ضعف الاهتمام بالقطاع الطبي، فضلا عن نقص الكوادر الحاد التي تشهده البلاد منذ عدة سنوات.

آخر الحوادث التي وثّقتها وسائل إعلام محلية قبل نحو أسبوعين، كانت لطفل يبلغ من العمر تسع سنوات، حيث دخل إلى عيادة طب أسنان، وفقد حياته خلال تعرّضه لعملية “قلع سن”، نتيجة خطأ طبي يتعلق بالتخدير، وقد لاذ الطبيب بالفرار بحسب وسائل إعلام محلية.

مصادر محلية ذكرت أن الطفل زين العابدين إبراهيم، كان يعاني من تأخّر سقوط الأسنان اللبنية (تأخّر التقويم)، ونقله ذووه إلى المركز الطبي في الشهبندر، الذي تعود ملكيته إلى طبيب طلب 3.3 ملايين ليرة سورية كلفة إجراء العملية.

بحسب ما نقلت الإذاعة المحلية عن والد الطفل، فإنه ” أثناء إجراء العملية أخبره طبيب التخدير أن زين فتح عيناه، وكان قد تبقّى سنّ واحد لتنتهي العملية، وأنه أعطاه إبرة ثانية، ليعود والد زين ويطمئن على ولده، لكنه وجد طبيب التخدير وهو يحاول إنعاش زين، ويضربه على صدره بعد أن وضعوا له المنفسة اليدوية، لكنه لم يستجب”.

نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، فإن البلاد تشهد منذ سنوات هجرة غير طبيعية للأطباء الذين يفضلون العمل خارج سوريا، حيث الرواتب أفضل، في ظل انعدام الفرص داخل القطاعات الحكومية والخاصة داخل البلاد.

كذلك بسبب الأوضاع التي يعيشها القطاع الطبي في سوريا، انخفض الإقبال على التسجيل في كليات الطب السورية، بعد أن كانت كليات الطب من أكثر الأماكن إقبالا قبل عام 2011، وكان الحصول على مقعد في كلية الطب بمثابة حلم لكل طالب سوري.

هجرة الأطباء تسببت بمزيد من الانهيار للقطاع الصحي، ورغم أن الأطباء لا يحصلون على أجور ترقى لمتوسط أجور الطبيب، إلا أن انهيار العملة المحلية، جعل من كشفيات الأطباء الحالية قضية شائكة يصعب على المرضى مواجهتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات