في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية، زار سلطان عُمان هيثم بن طارق، إيران يوم أمس الأحد بعد أيام على زيارته مصر ولقائه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في زيارة هي الأولى له منذ توليه مقاليد الحكم قبل أكثر من ثلاثة أعوام.

سلطان عُمان، أجرى محادثات رسمية مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في القصر الرئاسي بالعاصمة طهران، تركزت على العلاقات الثنائية والوضع الإقليمي في المنطقة.

بالنظر إلى أن هذه الزيارة تأتي وسط موجة مصالحات إقليمية تخييّم على المنطقة، كان أبرزها المصالحة بين السعودية وإيران برعاية صينية في العاشر من آذار/مارس الماضي، وعودة سوريا لـ”جامعة الدول العربية”، ومؤخرا نجحت عُمان في الوساطة بين بلجيكا وإيران لحل قضية المواطنين المحتجزين في كلا البلدين. إلى جانب تفاؤل بحلحلة ملف الأزمة اليمنية، وأنباء عن تبادل الرسائل بين واشنطن وطهران بشأن استئناف المفاوضات النووية المتعثرة، ثمة تفاؤل إيراني بإعادة العلاقات مع مصر التي تبدو هادئة في هذه الخطوة، ومع ذلك، أيّدت آراء كثيرة حقيقة أن العلاقات بين البلدين والتي قُطعت قبل عقود، يمكن أن تعود خلال الفترة المقبلة.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول إمكانية قيام سلطنة عُمان بدور وسيط للتقارب بين مصر وإيران، وأسباب رغبة طهران في التقارب مع القاهرة، خاصة في هذا التوقيت لا سيما وسط المتغيرات الإقليمية الدولية، وفرص التحسين الفعلي للعلاقات بينهم والعقبات التي تقف في طريق ذلك، وفي حالة حدوث تقارب حقيقي بين البلدين، فعلى أي مستوى يمكن أن يكون كبداية.

أهداف إيران من التقارب مع مصر

هيثم بن طارق، زار طهران على رأس وفد كبير يضم وزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد، في زيارة تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الإيراني.

حسب ديوان البلاط السلطاني فإن الزيارة تأتي في إطار استمرار التشاور والتنسيق بين القيادتين لبحث مختلف التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، وتعزيز كل ما من شأنه الارتقاء بأوجه التعاون القائمة بين البلدين في مختلف المجالات، وسبل تطويرها بما يخدم مصالحهما وتطلعاتهما حاضرا ومستقبلا.

المرشد الأعلى، علي خامنئي، خلال لقائه بسلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد- “إعلام إيراني”

هذا وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، قد أعلن عن دعمه لنهج حكومة إبراهيم رئيسي بالتقارب مع دول الجوار والدول الإسلامية البعيدة، بالإضافة إلى دول تتشارك مع طهران في التوجهات، وأضاف اليوم الإثنين خلال لقائه هيثم بن طارق، أن إيران ترحب بإعادة العلاقات مع مصر، حسب وسائل إعلام رسمية إيرانية.

المحلل والباحث السياسي المتخصص بالشأن الإيراني، هاني سليمان، يعتقد بهذا الصدد لموقع “الحل نت”، أن إيران تسعى منذ وقت طويل لمحاولة اختراق هذا التصدع في العلاقات مع الدول العربية وخاصة مصر، وهناك حاجة لتحريك الماء الراكد واستعادة العلاقات مع مصر والتّقرب منها لما له من مركزية في الفكر الإيراني، نظرا لاعتبارات خاصة بقوة مصر على المستوى السياسي والثقافي والديني والإقليمي والعربي، وقد شوهد ذلك في العديد من التصريحات على المستوى الرسمي ومن قبل المسؤولين الإيرانيين في فترات زمنية سابقة، خاصة منذ توقيع الاتفاق الإيراني السعودي.

لذلك فإن حديث المرشد الأعلى اليوم عن إعادة العلاقات مع مصر باعتباره قوة وذات مكانة دينية وسياسية للثورة الإيرانية، تأكيد لهذا المعنى في أهمية مصر في الفكر الإيراني، وهي حالة إصرار إيراني على فتح علاقات أكثر اتساعا مع القاهرة، وبالتالي فإن هذه التصريحات في ظل زيارة عُمان تؤكد هذه الأولوية والوساطة العُمانية مهمة في الفترة المقبلة لتحقيق هذا التقارب بسبب العلاقات الجيدة بين عُمان مع كل من مصر وإيران، بحسب تحليل سليمان.

بهذا المعنى يرى سليمان أنه ستكون هناك بالفعل وساطة عُمانية للتقارب بين الطرفين، في ظل عدد من الرسائل الإيجابية والتصريحات المتتالية، وإيران تدرك جيدا أهمية دور مصر الكبير في المنطقة، وستحقق طهران مكاسب كثيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، إذا ما تم بالفعل عودة للعلاقات بينهم، في إطار رغبتها بالتقارب مع القاهرة.

العلاقات بين القاهرة وطهران ظلت مشحونة في أغلب الأحيان خلال العقود الماضية، على الرغم من أن البلدين حافظا على الاتصالات الدبلوماسية، وفقا لـ”رويترز“.

فرص عودة العلاقات

خلال الفترة الماضية كانت هناك اتصالات محدودة بين البلدين، حيث التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نائب الرئيس الإيراني علي سلاجقة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لأطراف اتفاق المناخ “كوب 27” الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ. وتاليا التقى الرئيس السيسي بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش مؤتمر “بغداد 2” الذي أقيم في الأردن، وأعقب ذلك إعلان الوزير الإيراني أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اقترح إطلاق حوار مصري إيراني.

هناك فرصا كثيرة لعودة العلاقات بينهما، وهذه الفرص لها ما يدعمها، ومنها الاتفاق السعودي الإيراني، إلى جانب عدد من المتغيرات في المنطقة ودخولها لمرحلة جديدة، إذ إن هناك العديد من الدول التي تتقارب علاقاتها بعد العداء الشديد فيما بينها، ورغم أن هذه العلاقات في مرحلة التقييم إلا أن هناك الكثير من الأمور والتفاصيل.

الباحث السياسي، هاني سليمان

كما أن بعض الدول ربما كانت متأنية وتشكك وكانت تضع بعض المحاذير في علاقاتها مع طهران نظرا لمراعاة غضب بعض الأطراف مثل السعودية، ولكن منذ الاتفاق السعودي الإيراني أصبح هذا الإحراج معدوما. وبالتالي فإن هذا سيعزز فرص التقارب المصري الإيراني. هناك أيضا حالة إعادة تشكيل القوة، وهندسة المصالح، أو ربط التوازنات وخيوط العلاقات على المستوى الدولي، وفق تقدير سليمان.

إلا أن الحديث عن حدوث تقارب ليس بالأمر السهل، وذلك لاعتبارات عديدة تتمثل في طبيعة الرؤية المصرية للجانب الإيراني، حيث يعتقد الأول أن طهران دولة أيديولوجية ولها موضوع مهم في سياساتها الخارجية مثل تصدير الثورة وانتشار ميليشياتها في العواصم العربية وتهديد أمنها واستقرارها. كما أن مصر تدرك جيدا من خلال أجهزتها الأمنية أن السفارات الإيرانية ونشاطها الدبلوماسي لا يخلو من محاولات استقطاب ونشر البعد الأيديولوجي واختراق المجتمعات من هذه الزاوية، كما حدث عام 2011 في محاولة لاختراق المجتمع المصري. وبالتالي فإن هذا الارتباط سيكون أحد الخطوط الحمراء للجانب المصري في قراءة وتقييم علاقاته مع الجانب الإيراني، بحسب سليمان.

على الرغم من التقارب السعودي والإيراني، إلا أن مصر لها سياستها الخارجية المستقلة، وإن كان ذلك بالتنسيق مع الدول العربية، مع مراعاة المصالح المشتركة، وهناك حالة تفاهم دائمة. فعلى الصعيد الاقتصادي، قد يكون هناك تطور في العلاقات مع طهران، لكنها قد تكون حذرة على المستوى السياسي، وقد لا ترغب في التعامل بشكل كبير مع إيران، تحسبا من تعكير صفو العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم أنها ليست بهذا الشكل الكامل، ولكن على الأقل لن تنحاز لطرف إيران.

“إثبات حسن نية إيران”

مطلع أيار/مايو الجاري أعرب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، عن أمله في أن تشهد العلاقات مع القاهرة تطورا وانفتاحا جديا ومتبادلا، مؤكدا أن العلاقات مع القاهرة بين أولويات سياسات إيران الخارجية، كما كشف عن وجود دول لم يسمها تبذل جهودا وتشجع البلدين على رفع مستويات العلاقات الثنائية.

عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في “مجلس الشورى الإيراني” فدا حسين مالكي، ذكر أن هناك مفاوضات جارية في العراق وستؤدي في المستقبل القريب إلى استئناف العلاقات وفتح سفارتي البلدين، وتوقع أن يعقب تلك الخطوة لقاء بين الرئيس السيسي ونظيره الإيراني.

إلا أن رد مصر جاء هادئا ولم يكن به ترحيب، إذ نفى شكري أن ما تردد في الإعلام عن وجود مسار مصري إيراني، لافتا إلى أنه ليس له أساس من الصحة، وذلك بعد نحو أسبوع من تصريحات الوزير الإيراني، مؤكدا أن علاقات البلدين مستمرة كما هي عليه، وأن بلاده تتابع سياسات طهران وعلاقاتها بدول الخليج، وفي وقت سابق قال شكري إن القاهرة تتابع التطورات بالمنطقة وفي إطار هذا التقييم ستتخذ خطوات إذا رأت أنها تصبّ في مصلحتها ومصلحة أمنها القومي.

زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق لمصر في الـ21-22 أيار/مايو 2023- “إنترنت”

بالعودة إلى سليمان، فإنه يعتقد بأن مصر ربما تفكر في عودة العلاقات بشكل معين، إذا ما كانت هناك نيّة استراتيجية لدى إيران في استعادة علاقات قوية في مراعاة مصالح وسيادة واستقلال الدول العربية من خلال سحب ميليشياتها من الدول العربية وغيرها من الأمور التي قد تكون مصر متحفّظة عليها. وبالتالي هذه النّية الكاملة تبدو غير موجودة، فإيران تحاول الحصول على بعض المكاسب المرحلية والتكتيكية، وفي مرحلة ما قد تكون هذه العلاقات ليست في صالح مصر على المستوى الأمن المجتمعي والرهان السياسي.

لذا فإن تقييم العودة والقرار المصري سيتطلب مزيدا من الوقت لاختبار النوايا الإيرانية لإثبات مبدأ حسن النية وأيضا لتحديد أبعاد وضوابط هذه العلاقات، لأنها لن تكون علاقات مفتوحة تماما في رأي سليمان، فقد تسير في مراحل معينة وتدريجية خلال الفترة المقبلة.

إذا ما حدث تقارب بين مصر وإيران، يعتقد سليمان أنه ربما يكون من حيث رفع المستوى الديبلوماسي، من خلال فتح السفارات أو مستوى أعلى من التمثيل بعيدا عن المكتب الخاص بطهران، والمستوى الآخر ربما يكون التعاون اقتصاديا، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر استعادة “البنك الإيراني” في مصر بحيث تكون عند مستويات معينة وفق مصالح مصر، على حد قوله.

أما من ناحية دخول الإيرانيين للمزارات الدينية وبعض الأمور الخاصة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية الكاملة، حيث سيكون محط دراسة وإعادة نظر من الجانب المصري ولن يكون اتخاذه سهلا في الفترة المقبلة.

على اعتبار أنه سبق لسلطنة عُمان أن قامت بوساطة بين طهران وواشنطن في الفترة التي سبقت إبرام الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني لعام 2015 بين طهران وست قوى دولية كبيرة. وغالبا ما يُنظر للدور الإيجابي الذي تلعبه لتقريب وجهات النظر بين إيران ودول خليجية وعربية، كما تضطلع السلطنة بدور الوساطة في الملف النووي الإيراني، وكانت منصة لتبادل الرسائل بين طهران والولايات المتحدة، فإن وساطتها في التقارب بين طهران والقاهرة ربما تأتي بنتائج إيجابية في سبيل إعادة العلاقات بين الجانبين، وفق ما ترنو إليه مصر وتتطلع إليه من إرساء للأمن والاستقرار بالمنطقة وليست كما تريده إيران وتخطط له.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة