خلال الفترة الماضية، نوّه قائد القيادة المركزية الأميركية السابق الجنرال المتقاعد، فرانك ماكنزي، إلى أن استراتيجية موسكو تتمثل في محاولة إجبار القوات الأميركية على التراجع في سوريا، بالتزامن مع تراجع وجودها العسكري في الشرق الأوسط بشكل عام.
حديث ماكنزي جاء بعد التصرفات الروسية تجاه القوات الأميركية في سوريا، والتي وصفها السكرتير الصحافي لـ “البنتاغون” العميد في سلاح الجو، بات رايدر، بأنها تفتقر للمهنية وغير آمنة قط. وأضاف أن الطيارينَ المحترفين يجب أن يكونوا أقل تهورا.
في ظل التطورات الجارية في سوريا والمنطقة العربية بأكملها، ظهرت بوادر على تحوّل جديد في الأزمة السورية، ويثير هذا التحول الجديد العديد من التساؤلات حول كيف سيكون القرار الأميركي الغربي الذي يهدف إلى إنهاء سلطة روسيا في سوريا وطرد إيران، وما هي الدلالات والتداعيات المترتبة على تحرك روسيا في إفريقيا لانتزاع دول من السيطرة الأميركية الفرنسية، وكيف يرتبط ذلك بأزمة سوريا.
ساحة صراع؟
بعد التجاذبات التي حصلت بين الطائرات الروسية على مدى أيام شهر تموز/يوليو الجاري، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إلى أن تصرفات موسكو دفعت المسؤولين الأميركيين إلى التفكير في كيفية الرد، بما في ذلك من خلال الوسائل غير العسكرية، في حال أقدم الروس على إسقاط طائرة مسيّرة أميركية.
الكاتب والمحلل السياسي، جورج أبو صعب، يرى أنه في أروقة القرار الأميركي، القرار اتّخذ بشأن القوات الروسية وطرد إيران من سوريا، خصوصا بعد التقارير التي صدرت عن ضلوع “فاغنر” بآخر الانقلابات العسكرية في إفريقيا، حيث دعمت المجلس العسكري بالنيجر للانقلاب على الحكم.
تحركات روسيا في النيجر، لم تكن بحسب أبو صعب لو لم تتيقن موسكو أن أوراقها في الشرق الاوسط وتحديدا في سوريا بدأت تحترق، خصوصا بعد أن وصلت حاملات الطائرات ومقاتلات “إف 35″ و”إف 25” إلى البحر المتوسط باتجاه سوريا، ومعها بارجتي “أبراهام لينكولن” و”جورج واشنطن” وفرقاطاتهم النووية والقوات الخاصة وقاذفات الصواريخ، وكلها تأتي هذه المرة لتنفيذ سلسلة قرارات جديدة.
الحديث عن التحركات الأميركية والتي تأتي بعد عدة استفزازات من القوات الروسية لجيشها في سوريا، تزامن مع جريدة “عكاظ” السعودية، لمقال تحت عنوان “الحل العربي للأزمة السورية يتعثر”، حيث ذكر المقال أن أساس الحل الذي حمله الأردن هو القرار الأممي “2254”، وكان لا بد من إطار يسمح بتكوين رؤية للحل مقبولة من المجتمع الدولي، لكن الحكومة السورية لم تبدِ موافقتها على أفق الحل المقترح عربيا بشكل صريح وواضح، ما دفع المجتمع الدولي إلى حالة شك بإمكانية نجاح الدول العربية بإقناع دمشق بهذا الإطار الجامع.
السعودية بحسب المقال كما الدول العربية التي رسمت أفقا لحل الأزمة السورية، وبذلت جهودا، وعملت على إقناع المجتمع الدولي بهذا الحل، وعملت على إقناع المجتمع الدولي بضرورة هذا الحل وفوائده من الناحية السياسية والأمنية والإنسانية، لكن لا يوجد أي مبادرة من دمشق.
في ذات الوقت، أكد يوسف الشمالي، وزير الصناعة والتجارة والتموين والعمل في الأردن، في تصريح حديث ومفاجئ للسياسة الأردنية المنفتحة على دمشق، أنه لا مانع لدى الأردن من التبادل التجاري مع سوريا، لكن الجانب السوري منع دخول البضائع الأردنية بالرغم من إعادة فتح معبر نصيب والأردن قدم كافة التسهيلات لإعادة فتحه.
بوتين يعيد تاريخ هتلر
الانقلاب في النيجر أثار مخاوفا من تكرار السيناريو الذي وقع في مالي بعد انحسار الوجود الفرنسي لصالح دور روسي تمثله مجموعة “فاغنر” الروسية. حيث لمحت وسائل الإعلام الفرنسية إلى احتمال وجود دور لـ”فاغنر” في ما يحدث، خصوصا أن قادة الانقلاب الفعلي، لهم ارتباطات مع صدام حفتر، نجل قائد “الجيش الوطني” الليبي، خليفة حفتر، وشركة “فاغنر”.
خبير العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مازن حماد، أوضح لـ”الحل نت”، أن الظروف الإقليمية والدولية التي تجعل سوريا على أعتاب تحول جديد تتألف من عدة عوامل مترابطة. من جهة، يُلاحظ اتساع نطاق التوترات والتدخلات الإقليمية والدولية في المنطقة العربية، وخاصةً في سوريا. تواجه سوريا صراعًا داخليًا طويل الأمد بين قوات الحكومة والمعارضة، ومشاركة قوات إقليمية ودولية مختلفة، مثل روسيا وإيران، وهذا يساهم في زيادة التوترات وتعقيد الأوضاع.
بعد توسع روسيا في إفريقيا، ودعمها للمجالس العسكرية المنقلبة التي أدت إلى انتشار الجماعات الإرهابية مثل “القاعدة” وتنظيم “داعش”، تسعى القوى الأميركية والغربية بحسب حماد، إلى التأثير على الأوضاع في سوريا، وقد تكون استراتيجيتها حاليا تتمثل في العمل على إنهاء سلطة روسيا في سوريا وطرد إيران من البلاد. وتأتي هذه الجهود في إطار التنافس الإقليمي والدولي، حيث يسعى كل طرف لتعزيز نفوذه وتأثيره في المنطقة.
تحرك روسيا في إفريقيا لانتزاع دول من السيطرة الأميركية الفرنسية يشير إلى نفس تصاعدي لدى “الكرملين” بعد خسارته الحرب في أوكرانيا، حيث لم تنجح مخططاته، في حين تكبدت خسائر اقتصادية وعسكرية فضلا عن زعزعة صورته أمام الشعب الروسي، لذلك فضّل استفزاز القوات الأميركية في سوريا، والعمل على ضرب المناطق الحيوية في إفريقيا حتى لو على حساب انتشار الإرهاب.
هذه التحركات ترتبط بأزمة سوريا لأن الشرق الأوسط بشكل عام يشهد تدخلات دولية متعددة تؤثر على الصراعات والتوترات في المنطقة، وهذا يعكس التنافس الدولي على التأثير في السياسة والاقتصاد والأمن.
الولايات المتحدة وروسيا تختبران بعضهما
المسؤولون الأميركيون يشعرون بالإحباط من الحوادث المتكررة، حيث ينتقدون طياري موسكو بسبب سلوكهم الخطير والمتهور، ويتهمون روسيا بالتدخل في استخدام الطائرات القتالية بدون طيار في مهام مكافحة الإرهاب رفيعة المستوى. قال خبراء عسكريون إن هناك عدة أسباب وراء تصاعد السلوك العدواني، بما في ذلك تعويض روسيا المفرط عن عيوبها العسكرية في أوكرانيا والرغبة في استعراض عضلاتها في منطقة لا تزال تتمتع فيها بدرجة معينة من القوة.
كل من الولايات المتحدة وروسيا تحتفظان بوجود عسكري في سوريا. حيث تنشر واشنطن حوالي 900 جندي لعمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم “داعش”، بينما تنتشر القوات الروسية في أكثر من 32 موقعا عسكريا داخل البلاد، لكن العلاقة الثنائية بين واشنطن وموسكو وصلت إلى الحضيض بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
لم تتحسن في 17 شهرا منذ ذلك الحين، ولم تظهر العلاقة أي علامات على المصالحة في المستقبل القريب. كما أدت الاشتباكات الأخيرة في الأجواء فوق سوريا إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.
بحسب حماد، روسيا ربما شنّت هجمات مضايقة للجيش الأميركي في سوريا لدعم إيران التي تتمتع موسكو بعلاقات عسكرية متنامية معها، وفي إطار هدفها العام المتمثل في محاولة طرد القوات الأميركية من الشرق الأوسط.
أخيرا سوريا تعيش في الوقت الراهن على أعتاب تحول جديد يتطلب النظر بجدية إلى الأوضاع الإقليمية والدولية المترتبة عليه. يبدو أن هناك استراتيجية موسكو التي تهدف إلى محاولة إجبار القوات الأميركية على التراجع في سوريا، ما يشير إلى تصاعد التوترات بين القوتين.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.