مع استمرار التدهور الاقتصادي في سوريا، جرى الحديث منذ نحو عامين عن إصدار فئات جديدة من العملة السورية، وقد تم إصدار فئة ورقية جديدة وهي فئة الخمس آلاف ليرة، لكن ومع استمرار انخفاض قيمة العملة تجددت المطالب لإصدار فئة أعلى من الـ 5 آلاف.

منذ بداية عام 2011، تعرضت الليرة السورية لانهيارات متواصلة أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأميركي، فقد فقدت الليرة أكثر من 99 بالمئة من قيمتها، كذلك فإن الانهيار الاقتصادي جعل بعض الخبراء يتحدثون عن عدم جدوى طباعة المزيد من العملات الورقية، حيث أن تكلفة الطباعة للعملات الورقية تعتبر مرتفعة إذا ما تمت مقارنتها بقيمة الورقة.

الخبير الاقتصادي جورج خزام، أكد أن تكلفة طباعة العملة الورقية تعادل 2000 ليرة سورية، أي أن طباعة الفئة الجديد المستخدمة حاليا في الأسواق وهي فئة الـ 5 آلاف ليرة كبدل تالف، ستذهب 40 بالمئة من قيمتها لتكلفة طباعتها.

التداول بالدولار؟

خزام، اعتبر في منشور له عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن سبب خلو الأسواق من الأوراق النقدية المزورة، يعود لكون تكلفة طباعة الأوراق النقدية بالألوان بالدقة العالية أصبحت تعادل تقريبا أكثر من نصف قيمة الورقة، وذلك في محاولة منه للدلالة على مدى انهيار قيمة العملة المحلية.

بالتالي، فإن طباعة عملة ورقية بفئات جديدة عالية هو هدر لملايين الدولارات، و زيادة لكمية السيولة النقدية بالليرة السورية ومعه المزيد من التضخم النقدي، حيث اقترح الخبير الاقتصادي السماح بتداول الدولار كبديل حقيقي عن طباعة عملة جديدة وتوفير لتكلفة الطباعة وزيادة التضخم النقدي. 

اقتراح التداول بغير الليرة السورية يُعتبر خرقا للقوانين السورية، حيث كان الرئيس السوري بشار الأسد، قد أصدر مرسوما قبل سنوات يقضي بمنع التداولات التجارية بغير الليرة السورية التي فقدت نسبة كبيرة من قيمتها جرّاء النزاع المستمر منذ أكثر من عامين، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول توجه السلطة إلى تغيير السياسة النقدية .

قد يهمك: معاناة جديدة للسوريين مع الصيدليات.. “المواطن طبيب نفسه“!

خزام، رأى أن إلغاء قرار تجريم التعامل بالدولار سوف تكون نتيجته الحتمية إنخفاض سريع بسعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، ونوّه إلى أن “هذا الانخفاض لن يستمر وسوف يعود سعر الدولار للارتفاع إذا لم يترافق ذلك بتحرير الاقتصاد بالكامل من عقبات زيادة الإنتاج وتحرير الاقتصاد من المسؤولين في مراكز إتخاذ القرار الإقتصادي و المالي الذين يعتبرون تحرير الأسواق هو نهاية لصلاحياتهم الضاربة على التاجر والصناعي في السوق والمصنع وعلى الطريق”، بحسب قوله 

الليرة السورية انخفض سعر صرفها من حوالي 47 ليرة للدولار في عام 2010، إلى أكثر من 15 ألف ليرة للدولار في عام 2023. وهذا التدهور، الذي يعكس حالة الاضطراب والفوضى التي تعيشها سوريا، أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وزاد من معاناة المواطنين من التضخم والفقر والجوع.

ليرة إلكترونية؟

في محاولة لمواجهة هذه المشكلة، طُرح مؤخرا فكرة إصدار الليرة السورية الإلكترونية، أو ما يسمى بالعملة المشفرة أو الرقمية، وهذه الفكرة تقترح استخدام نظام إلكتروني آمن وشفاف لإنشاء وتداول وحدات نقدية رقمية، بدلا من استخدام الأوراق النقدية التقليدية، وهذه الوحدات، التي تعتمد على تقنية سلسلة الكتل “بلوك تشين”، تكون محصورة في عدد محدود، ولا يمكن تزويرها أو تضخيمها أو مصادرتها.

المؤيدون لهذه الفكرة يرون أنها تحمل فوائد عديدة للاقتصاد والمجتمع السوري، فهي تسهّل التعاملات المالية داخل سوريا وخارجها، وتخفّض التكاليف والرسوم والضرائب، كما تحافظ على قيمة الليرة وتحميها من التلاعب والتخريب. وبالإضافة إلى ذلك، تزيد من ثقة المواطنين بالعملة المحلية، وتشجّع على التوفير والاستثمار، وأخيرا تعزّز من حرية المواطنين وسيادتهم على مصيرهم المالي؛ ولكن هل هذه الفكرة مجرد حُلم جميل، أم أنها مشروع واقعي وقابل للتطبيق، وهل هي خدمة جديدة تحسّن من الانهيار الاقتصادي، أم أنها مغامرة خطيرة تزيد من المخاطر.

الأوضاع الاقتصادية في سوريا قد تجاوزت مرحلة الأزمة إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير، فالليرة السورية تعاني من انهيار هائل تسبب في تدهور معيشة المواطنين وزيادة معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وتأثير هذا الانهيار لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط، بل يمتد أيضا إلى الحياة اليومية للسوريين، حيث أصبحت صعوبة الحصول على السلع الأساسية والخدمات الأساسية أمرا شبه مستحيل.

في هذا السياق، تبرز فكرة الليرة السورية الإلكترونية كخيار يمكن أن يكون له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي في البلاد، إذ إن استخدام النقود الإلكترونية يمكن أن يساهم في تحسين الحالة الاقتصادية ويوفر حلّا جزئيا للأزمة المالية المستمرة، خصوصا أن التعامل بالأوراق النقدية الجديدة التي طبعتها الحكومة سيقلّل من حجم المعروض النقدي؛ وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الليرة السورية.

لكن هذا الاقتراح ليس بدون تحديات، كما أنه بحسب الخبير في العملات الرقمية، محمد أبازيد، ليس مشروعا جدّيا لحكومة سوريا؛ فهذا مجرد اقتراح من بعض المحللين والخبراء الاقتصاديين، الذين يبحثون عن حلول لمواجهة الانهيار الاقتصادي والنقدي في سوريا. 

هذا الاقتراح لم يحظَ بأي تأييد أو تجاوب من قبل السلطات السورية، بحسب حديث أبازيد لـ”الحل نت”، التي تعتمد على السياسات التقليدية لإدارة العملة والسوق، كما أن هذا الاقتراح يواجه العديد من التحديات والعوائق التقنية والقانونية والأمنية والثقافية، التي تجعل تطبيقه صعبا إن لم يكن مستحيلا في الظروف الراهنة.

الاقتصاد السوري يعاني من الانهيار والفوضى بسبب الصراع المستمر والفساد، ووفقا لـ”البنك الدولي”، تراجع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 3.1 بالمئة في عام 2022، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 4.6 بالمئة في عام 2023، كما ارتفع معدل التضخم من 105 بالمئة في عام 2020 إلى 200 بالمئة في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 250 بالمئة في عام 2023.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات