ارتفع عدد قتلى “حزب الله” اللبناني، إلى 26 قتيلا خلال 16 يوما من المواجهات مع إسرائيل في جنوب لبنان، وبهذا العدد يكون قد وصلت نسبة القتلى الذين أعلن الحزب عنهم حتى الآن إلى نحو 40 بالمئة من قتلى حرب 2006، بحسب مدير مركز الدولية للمعلومات، جواد عدرا.
رغم أن “حزب الله” لا يمتلك تاريخا طويلا من المواجهة المباشرة مع إسرائيل والتي كان آخرها منذ 17 عام، إلا أن خطابات أمينه العام، حسن نصرالله، كانت كفيلة بطبع صورة نمطية لدى مؤيديه، أن سلاح الحزب موجود من أجل خوض عناصره حرب إزالة إسرائيل والسيطرة على القدس.
منذ بدء حركة “حماس” حربها الحالية ضد إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، نجد أنفسنا أمام مشهد كوميدي ساخر، تاريخيا على الأقل، حيث كشف ما يسمى لدى اللبنانيين، “سيد المقاومة” نصر الله، وبكل جدّية: “هؤلاء أهم من غزة”، نعم، هذا ما قاله الزعيم الذي يعتبر نفسه حاكما لإمبراطورية المقاومة. ولكن ما الذي جعله يضع بيئته الحاضنة في لبنان فوق مصلحة الفلسطينيين في غزة؟
هنا يشير نصر الله إلى أن طهران، رغم كل دعمها لـ “حماس” في غزة، لن تجبر “حزب الله” على فتح جبهة الجنوب، ليس لأنها تخشى على استقرار المنطقة، بل لأنها تعلم جيدا أن الثمن الذي سيدفعه بيئته الحاضنة سيكون باهظا للغاية.
إذا كان التساؤل، ما هذا الثمن الذي يشير إليه نصر الله، فلننظر إلى الجنوب اللبناني، فهذه المنطقة تتعرض لقصف صاروخي ومدفعي بشكل دوري، وأحيانا حتى إطلاق مسيرات انتحارية، لكن واقعيا هذه الأحداث لن تتجاوز مجرد مناوشات عسكرية، وذلك بسبب عدم وجود مصلحة للحزب في توسيع رقعة الحرب.
“حزب الله” يكشف سبب صمته
حصل “الحل نت”، على تصريح رسمي من أحد قادة “حزب الله” المتواجدين في سوريا، والذي كشف فيه سبب عدم إطلالة أمينه العام حسن نصرالله، على الإعلام لمخاطبة الرأي العام، أو إعلان دخول الحزب رسميا بحرب مواجهة مع الجيش الإسرائيلي.
على وقع هتافات “يا سيّد يلاّ كرمال الله”، ارتفعت أصوات بعض الشبان المتحمّسين الذين يدعون الأمين العام لـ”حزب الله”، إلى فتح الجبهة ومساندة حركة “حماس” وربما “رمي إسرائيل في البحر” كما كان يردد، إلا أن الواقع مغاير تماما لبعض التمنيات، خصوصا أن القرار جاء بعد عدة تقارير من مجلس شورى الحزب للقيادة العامة.
خلال الأيام السابقة، تلقّى نصرالله ثلاثة تقارير تفصّل حالة الحزب عسكريا واقتصاديا واجتماعيا، والتي خلُصت إلى أن الحزب سيقع في ورطة كبيرة ومعه كل دول ومجموعات “محور الممانعة”، وسيكون محرجا سواء فتح الجبهة أو لم يفتحها.
التقارير الثلاثة التي طرحها الحزب في اجتماعه الأسبوع الفائت، ذكرت أن دخول “حزب الله” في معركة مفتوحة مع إسرائيل سيكلفه أكثر من 100 مليون دولار، وهذا يفوق ميزانية الحزب الحالية، خصوصا أن طهران خفّضت المساعدات المالية للحزب منذ أشهر لحوالي النصف.
أيضا تطرقت التقارير، إلى أن الحزب يواجه حملة غير مسبوقة لتشويه صورته داخليا وخارجيا، وهذه الحملة جنت نتائجها داخل حاضنة الحزب محليا، لا سيما وأن النقمة الشعبية على “حزب الله” تطورت بعد أحداث انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
كذلك، فإن الترسانة العسكرية التي اكتسبها الحزب خلال السنوات السابقة لن يستطيع إنتاجها مستقبلا، حيث ذكرت التقارير التي قدمها قيادة “حزب الله”، أن المواجهة هذه المرة مستقبلها مجهول، وهناك تخوّف من إقدام الدول الغربية على إنهاء الحزب عسكريا.
إسرائيل منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”، وجّهت تحذيرا لـ “حزب الله” اللبناني، عبر فرنسا، بأنه إذا ما دخل الحرب فإن إسرائيل قد تقوم “بتوجيه ضربات لدمشق مثل الضربات التي توجهها للضاحية الجنوبية، وأن بشار الأسد ومؤسساته بخطر”، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن كل مكان يوجد فيه “حماس”، سيتحول لساحة دمار.
“الحزب” مُحرج
“لماذا تخافون من الموت في سبيل القدس؟”، هي الجملة التي استخلصت من خطاب رئيس حركة حماس” في الخارج خالد مشعل، الاثنين الفائت، حيث ذكر بأن “حزب الله” قام بخطوات لكن بتقديره أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري غيرُ كافٍ، ورأى بأنه اليوم المطلوب أكثر من طوفان، حيث هكذا يصنع التاريخ، ليس بالخطوات المحدودة الخجولة المترددة.
طهران وبالرغم من أنها تبحث عن انتصار لـ “حماس” تستطيع من خلاله قبض الثمن سياسيا، بحسب السفير اللبناني السابق في واشنطن، رياض طبارة، لن تدفع فصيلها “حزب الله” في لبنان إلى فتح جبهة الجنوب، وذلك مردّه ليس إلى خوفها على الاستقرار في المنطقة، بل ليقين “حزب الله” أن الثمن الذي ستدفعه بيئته الحاضنة سيكون باهظا وغير مسبوق، بحيث لن يعود داخل هذه البيئة نتيجة التهجير وحجم الدمار، من يهتف “لبيك نصرالله”.
خصوصا في ظل غياب المساعدات العربية لإعادة إعمار ما تهدّم على غرار حرب تموز/يوليو 2006، وبالتالي انهيار الركيزة التي تمنح الحزب فرض مشيئته وهيمنته على الدولة اللبنانية، وتحديد خياراتها وسياساتها الداخلية والخارجية.
ما يشهده الجنوب من قصف صاروخي ومدفعي حينا، وإطلاق مسيرات انتحارية أحيانا، لن يتجاوز عتبة المناوشات أو السجالات العسكرية بتعبير أدق، هذا إضافة إلى أنه لا مصلحة لإسرائيل بتوسيع رقعة الحرب وتكبّدها بالتالي المزيد من الكلفة المالية والعسكرية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أطلق أمس الأحد، تحذيرات شديدة اللهجة لـ”حزب الله”، وحذرهم من دخول الحرب الدائرة في قطاع غزة، بحسب بيان أرسل مكتبه نسخة منه للوكالات الإعلامية العالمية، وقال: “إذا قرر حزب الله الدخول في الحرب، فإنه سيشتاق إلى حرب لبنان الثانية”.
المكتب لفت إلى أن نتنياهو قال لجنودٍ من وحدة الكوماندوز الإسرائيلية في شمالي البلاد: “في حال قيام حزب الله بذلك، فإنه سيرتكب خطيئة كبرى، سنضرب حزب الله بقوة لا يستطيع تخيلها وتداعيات ذلك بالنسبة له وللدولة اللبنانية ستكون مدمرة”.
دون عتبة الحرب
“حزب الله”، الذي بنى سلطته بالترويج لكونه مدافعا عن القضية الفلسطينية و”محور المقاومة”، لم يحقق شعبية كبيرة في الدول العربية إلا بين متابعيه الأساسيين في لبنان، وهذا الواقع لم يتغير خلال السنوات الماضية، وذلك خلال استطلاع أجراه معهد “واشنطن” للدراسات.
فنسب الدعم للحزب لم تتجاوز 10 بالمئة في مصر والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ويعبِّر أكثر من ثلث السكان في كل هذه الدول، عن آراء سلبية جدا تجاه الحزب. وحتى في لبنان، يُلاحظ تراجعا تدريجيا في نسب الدعم منذ عام 2017، حيث انخفضت من 50 بالمئة إلى 34 بالمئة في استطلاع الرأي الأخير عام 2020.
هذا التراجع في لبنان هو ما يخيف نصرالله فعليا، فطبقا لمخرجات الاجتماع، فإن الأخير مستعدّ لضرب سمعة الحزب بمناصرته للقضية الفلسطينية، مقابل عدم خسارته للحاضنة الشعبية، التي بدأت تتراجع بشكل كبير.
الوتر الذي يلعب عليه حاليا نصرالله، هو إثبات أنه لم يخطف قرار السلم والحرب من يد الدولة اللبنانية كما كان يروّج له إعلاميا، وبذلك هو لن يفتح جبهة لبنان ويشارك في حرب غير معني فيها و ستجلب الدمار، فإقدامه على خطوة متهوّرة سيجلب المآسي للّبنانيين وسط امتعاض داخلي عارم من سياساته وغياب التضامن معه.
هل الحزب جاهز عسكريا؟
وفق تقديرات “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة “تل أبيب”، فإن حزب الله المدعوم من إيران مجهّز بالعديد من الأسلحة ذات القوة التدميرية الكبيرة، إذ تتكون من جنود نظاميين وجنود احتياط، يتراوح عددهم بين 50 ألفا إلى 100 ألف مقاتل، وقدرة صاروخية وتتراوح ما بين 150 ألفا إلى 200 ألف صاروخ، وقذائف صاروخية وقذائف هاون.
وتضم القوات القتالية لحزب الله “قوة الرضوان”، وهي وحدة كوماندوز ذات خبرة قتالية من الحرب في سوريا، ويبلغ عددها نحو 2500 مقاتل أو أكثر، إضافة إلى الدعم الخارجي من المقاتلين من الدول المجاورة مثل أفغانستان وباكستان وسوريا والعراق، وأكثر من 2000 طائرة بدون طيار.
إلا أنه وفق ما ذكره القيادي في الحزب لـ”الحل نت”، فإنه منذ بدء المناوشات جنوب لبنان، طلب أكثر من ألفي مقاتل داخل الحزب إجازات اضطرارية تراوحت بين 5 إلى 15 يوم، فيما انتقل أكثر من 80 مقاتل من جنوب لبنان إلى وسط وشرق البلاد.
ليس ذلك فحسب، بل طلب عدة مقاتلين نقلهم إلى سوريا تحت ذريعة حماية مرقد “السيدة زينب” في دمشق، فيما طلب آخرون فرزهم إلى النقاط الحدودية مع إسرائيل من جهة القنيطرة في سوريا، وذلك لعلمهم أن هذه الجبهة يستحيل فتحها مع إسرائيل.
عضو كتلة “الوفاء”، النائب حسن فضل الله، في تصريحات إعلامية، أكد أن الحزب يعرف طريقه الذي اختاره للدفاع عن بلده جيدا، وأن الأمين العام للحزب حسن نصرالله، يتابع مجريات هذه المواجهة في لبنان وما يحدث في غزة ساعة بساعة ولحظة بلحظة، وهو يشرف على إدارة هذه الجبهة وكل المجريات الميدانية والسياسية.
بناء على ذلك، يبدو أن حسن نصر الله، الذي وضع البيئة الحاضنة فوق غزة، مبينا أن غزة ليست أهم من بيئته الحاضنة، وهذا يعني أن “حزب الله” لن يفتح جبهة الجنوب مع إسرائيل، ولن يدعم “حماس” بالسلاح أو المال، ولن يشارك في الدفاع عن القدس أو الأقصى، والسبب هو أن “حزب الله” يخشى على مصير بيئته الحاضنة، التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية لا تُحصى، والتي لا تجد من يساندها أو يعينها على إعادة إعمار ما دمّرته حروب الحزب المتكررة مع إسرائيل.
- لقاء وزير الخارجية الإيراني مع نظيره التركي يكشف حجم الخلافات بشأن سوريا
- حلب من جديد في قبضة المعارضة: ماذا تعني خسارتها لدمشق؟
- تعزيزات عسكرية للجيش السوري إلى حماة.. وهذه آخر التطورات الميدانية
- “حلب المقصد والسبيل”.. هكذا تفاعل نجوم الفن مع أحداث سوريا
- استهداف رتل عسكري قادم من العراق.. وروسيا تسحب نقاطها في دير الزور