خلال الأيام الفائتة، منعت حشود من مليشيات وفصائل عراقية بالقوة، صهاريج محمّلة بالنفط من العبور إلى الأردن عبر منفذ الطريبيل، ما اضطر هذه الصهاريج إلى العودة إلى مدينة الرطبة على بعد 160 كيلومتراً من منفذ الطريبيل.
فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتحت دعوات مناصرة غزة، يحتشد آلاف العناصر من تنظيمات عراقية قرب الحدود مع الأردن، وتحديدا عند معبر طريبيل، ويقيمون خيماً ويتظاهرون بتوجيهٍ من مرجعيات دينية وسياسية عراقية، مما دفع مراقبين للتحذير من خطورة الوضع على الداخل الأردني وما قد يشكّله من عنصر ضغطٍ مستقبلاً.
حشر الأردن في المنتصف من بين مصالح إيران، والتي تحاول استغلال موقعه الجغرافي والسياسي لتحقيق أهدافها الخاصة، خصوصا أن التساؤلات تحوم حول هذا التجمع، فلماذا لا يتوجهون عبر جبهة الجنوب السوري، أليست أقرب؟ أم يريدون الأردن كأحد الأهداف الإيرانية التي طال انتظارها؟
استغلال إيران لحرب غزة
يتجه نحو 60 صهريجا من النفط يوميا إلى الأردن عبر منفذ الطريبيل، وهذا العدد يتوزع بالتساوي بين صهاريج أردنية وعراقية، وفقًا لآخر اتفاق رسمي بين حكومتي الأردن والعراق؛ إذ يهدف هذا الاتفاق إلى توريد ما يصل إلى 15 ألف برميل من النفط يوميا من منطقة كركوك إلى مصفاة البترول الأردنية، وهذه الكمية تشكّل حوالي 15 بالمئة من احتياجات الأردن اليومية من النفط.
لم يُرصد بعد أردنيا على الأقل وصفة محددة لكيفية التعامل مع الحدث المثير الذي تشهده المنطقة الحدودية بين الأردن والعراق، حيث يحتشد نحو 6 آلاف عراقي، أغلبهم من “الحشد الشعبي” وحركة “النجباء” الشيعيتين، وهم يضعون أمام الأردن تحدّيا حقيقيا يتجلى في إعاقة وتعطيل العمل الروتيني المعتاد للمركز الحدودي، وهو ما يجعل الأمور تأخذ منحىً أكثر جدّية وتوترا.
منصات التواصل الاجتماعي في الأردن والعراق بدأت تتداول عددا إضافيا من الفيديوهات، والتي تكشف عن تفاصيل هذه الأزمة الحدودية، ويظهر في أحد هذه الفيديوهات عشرات الشبّان يجلسون على الأرض، متعهدين بإعاقة مرور شاحنات النفط العراقية باتجاه الأردن. وفي فيديو آخر، يظهر شاب يؤكد أن المتظاهرين سيُعيقون تلك الشاحنات لأنها تمثّل “ثروة العراق” وتقدم مجاناً للأردن “المطبّع” على حدّ وصفه.
وتبدو هذه اللقطات غامضة، حيث لا يقول الناشطون العراقيون ما الذي يريدونه بصورة محددة، ولكن الجميع تحت انطباع بأن المحتشدينَ من عناصر “الحشد الشيعي” يهتفون بفتح الحدود للعبور إلى الأراضي الفلسطينية من أجل القتال.
وفقا لمصادر أردنية رسمية، فإن الحكومة امتنعت عن الإدلاء بتصريحات بشأن هذه القضية. ومع ذلك، لم تكتفِ السلطات بمجرد مراقبة المشهد من بعيد، بل أجرت اتصالات دبلوماسية مع الجانب العراقي بهدف التّحقق من حقيقة ونطاق هذه التحركات؛ إلا أن الجانب العراقي أكد أن المسألة لا تعدوا أن تكون محاولة للاستقطاب الشعبي وتتعلق بتنافسٍ في الخطاب بين الميليشيات، مشيرينَ إلى أنها لا تمثّل وجهة النظر الرسمية العراقية.
تزداد تداعيات المشهد سخونةً، وهذا ما يجعلنا نستعرض هنا حجم التّحدي الذي يواجه الأردن، إذ تُلقّب هذه الأزمة بالـ “كارثة الجديدة”، فما يحدث على الحدود يترتب عليه تأثيرات غير محسوبة على الأمن القومي للأردن واقتصاده، فالمسألة ليست مجرد تعطيل مرور الشاحنات، بل هي عامل مُضاف للفوضى التي تموّلها إيران في المنطقة، مما يضعف التبادل التجاري ويقيّد الصادرات الأردنية إلى السوق العراقية.
تحرك عدائي؟
في تموز/يوليو 2022، ألمح الملك عبد الله الثاني، العاهل الأردني، خلال مقابلة تلفزيونية مثيرة، إلى وقوع هجمات منتظمة على حدود بلاده تنفذها ميليشيات لها علاقة بإيران، وكان لتصريحاته هذه أثرٌ كبير في الساحة الدولية، وأعرب عن أمله في رؤية تغير في سلوك طهران. وعند مناقشة الخطر الذي يحيط بالأردن، يجب أن نتأمل في السياق المعقّد الذي تواجهه هذه الدولة الشرقية الوسطى، والتي تلعب دورا بارزا في المنطقة.
بالرغم من الاستقرار النسبي الذي يظهره الأردن، يجب عدم تجاهل التهديد الخفي الذي ينصبّ أمامه. فتصاعد الأنشطة الإيرانية في المنطقة يجعل من الأمر ضروريا النظر في إمكانية أن يكون الأردن هدفا محتملًا لها. تاريخياً، اتّبعت إيران تكتيكات عدائية لزعزعة استقرار الدول المجاورة وللتدخل في شؤونها الداخلية من خلال تحريض ودعم جماعات مسلحة. ولقد نجحت إيران في استهداف دولٍ كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، وأحدثت حالةً من الفوضى والانهيار السياسي والاقتصادي في تلك البلدان.
وبفضل تكتيكاتها العسكرية والإرهابية غير المتكافئة، وتحريضها المستمر ضد إسرائيل، نجحت إيران في بناء شبكة من الفصائل والميليشيات التي تتبع أجندتها مثل “حزب الله” في لبنان، ووحدات “الحشد الشعبي” في سوريا والعراق، و”الحوثيون” في اليمن، وجميعهم أدوات بيد إيران لتحقيق أهدافها الإقليمية.
المحلل السياسي، ماهر أبو طير، يرى في تصريحات صحفية، أن “التحشيد العراقي الميليشياوي مثيرٌ للريبة، لأنه كان بإمكان مناصري هذه الميليشيات التوجه نحو الحدود الفلسطينية من طريق سوريا ولبنان المحسوبتين سياسياً وأمنياً وعسكرياً على المحور نفسه، فضلاً عن الوجود الكبير والمؤثر لها في هاتين الساحتين على الأرض”.
الأردن بدوره لا يخفِ استغلال هذه الميليشيات أحداث غزة والتغلغل في الأراضي الأردنية لأهداف عديدة، وتتقاطع هذه المخاوف مع طلب زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، من أربع دول على رأسها الأردن السماح لأنصاره بالوصول إلى حدود فلسطين.
إيران التي فشلت في اختراق الأردن أمنياً، ويجزم الساسة الأردنيون أنها تبحث عن أية وسيلة للضغط عليه، فطهران لم تعد تكتفي بوجودها العسكري في الجنوب السوري للضغط على الأردن وتهريب المخدرات عبره، هناك ميليشيات عراقية تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، تسعى إلى وقف تزويد الأردن بالنفط العراقي بأسعار مخفّضة.
أزمة صامتة
ما حدث على الأرض، واستمرّ ليومين، هو تجمّعٌ للمئات من أنصار الفصائل المسلحة الموالية لإيران، بما فيها حركة “النجباء” و”كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء” و”عصائب أهل الحق”، عند الحدود العراقية – الأردنية قرب منفذ طريبيل الحدودي.
عدد العراقيين الشيعة المحتشدين على الجانب العراقي، يزيد بصفة يومية وقد يتحول إلى ظاهرة مع اعتصام مفتوح، بعد تزويدهم بخدمات المياه والشراب والطعام وظهور بعضهم بأسلحتهم الفردية. وهؤلاء جميعا يتجمعون بصفة يومية، ويتم تمويل نقلهم بحافلات من قبل مؤسسات وجمعيات “الحشد الشيعي” العراقي وحركة “النجباء”.
والانطباع حتى الآن، بأن حكومة السوداني لا تبذل الجهد الكافي للحيلولة دون تحوّل وجود آلاف من العراقيين على الحدود في حالة الاعتصام، إلى أزمة لا تزال صامتة بين البلدين لكنها مفتوحة على كل الاحتمالات، وهي أزمة قابلة للتمدّد أمنياً إلى حدّ كبير إذا لم تحصل تجاوبات واستمرت التجاوزات.
الاحتشاد لـ”نصرة غزة”، كان يمكن تصديق مثل هذا النوع من الكلام الذي لا علاقة له بالواقع لو كان لمثل هذه الميليشيات وجود لولا الدعم الإيراني الذي يعود إلى ثمانينات القرن الماضي، فهذه ميليشيات شاركت في الحرب العراقية – الإيرانية إلى جانب طهران وليس إلى جانب العراق. صحيح أن موضوع كيف بدأت هذه الحرب التي استمرت ثماني سنوات لا يزال موضع أخذ وردّ، لكنّ الصحيح أيضا أن هذه الميليشيات، التي عادت إلى بغداد، لا يمكن أن تكون سوى أداةٍ إيرانيّة أخرى.
حشر الأردن في المنتصف على ما يبدو جزءٌ من الاستراتيجية الإيرانية الجديدة مستغّلة حرب غزة، ويبدو أن جرس الإنذار يُقرع؛ لأن المزيد من المتطوعين العراقيين الشيعة يحضرون بصفة جماعية للمنطقة، وإذا ما استمر تدفّقهم بدون تدخل من مؤسسات المرجعية الشيعية في بغداد فالسلطات الأردنية تتوقع سيناريو أسوأ.
- المعارضة تدخل مدينة حماة.. والجيش السوري يؤكد خوض معارك في الريف الشمالي
- مستشار خامنئي: لم نتوقع أن تقع تركيا في “فخ” أميركا وإسرائيل
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب