إن خطر المشروع الإيراني “ولاية الفقيه” يتمثل بالدرجة الأولى بنظرية “أم القرى” التي تسيطر على العقيدة الإيرانية السياسية والدينية، وهي أخطر من خطط الاستعمار “الماكيافيلية” السرية.
هذه النظرية التي يُشير إليها خامنئي وغيره من القيادات الإيرانية في خُطبهم، ويُعتبر “لاريجاني” أكبر المنظّرين لها، هي أساس عمل إيران في العقود الأخيرة، وتحديداً بالنسبة لعمل وزارة الخارجية والدفاع، وكذلك الإعلام، والهدف هو صناعة إيران “فارس” تحكم العالم العربي وتُجاور أوروبا “الروم”، وهو حلم يغذّونه لأطفالهم في جميع المناهج الدراسية من الابتدائية وحتى الدراسات العليا.
سوريا والعراق تمثّلان القاعدتين الرئيسيتين في هذا المشروع، فمنذ دخول إيران بقوة إلى العراق بعد 2003، بدأت تتعاظم تطلعاتها إلى سوريا لاستكمال هلالها، ومع انطلاقة الاحتجاجات السورية 2011 ألقت إيران بثقلها لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يخدم تطلعاتها ومشروعها في المنطقة بطريقة أو بأخرى.
وسعت إيران بكل قوتها لإنقاذه، وبنت استراتيجيتها في ذلك على أُسس ثلاث: أولها القوة العسكرية، من خلال الزّج بالميليشيات التابعة لها من مختلف الجنسيات لمساندة الأسد وقواته، وثانيها القوة الناعمة التي تشمل مختلف الأدوات الدينية والتعليمية والاجتماعية وحتى الديموغرافية. وثالثها التدخل الاقتصادي الداعم للركنين السابقين أي بمعنى آخر لتمويل تدخّلاتها الخشنة والناعمة؛ لكن ما مصير هذه الفئة؟
التوغل الاقتصادي الإيراني في سوريا وأدواته
التدخل العسكري للنظام الإيراني أفرد له العديد من التقارير، لكن كان لابدّ من استكمال الحديث وتناول التدخل الاقتصادي بشيء من التفصيل، من خلال المرور على أدوات إيران الاقتصادية في سوريا، من رجال أعمال وشركات تساعدها وتموّل أذرعها كـ”حزب الله” في لبنان، والميليشيات مختلفة الجنسيات والتابعة لها في سوريا، وكيف تحاول من خلالها أيضاً السيطرة على الاقتصاد السوري لهدف بعيد المدى إن جاز القول.
لا يختلف الدارسون، بأن المشروع الإيراني يحتاج إلى تمويل ضخم قد يعجز عنه الاقتصاد الإيراني، وخصوصاً بعد العقوبات الاقتصادية على طهران التي ساهمت إلى حدّ بعيد في الحدّ من قدرة إيران المالية، وعجزها عن تلبية احتياجات مشروعها الاستراتيجي في السيطرة على المنطقة العربية.
فلجأت إلى أدوات تستخدمها للالتفاف على هذه العقوبات، كرجال أعمال وشركات استثمارية تعمل لصالحها، وساعدها في ذلك الحكومة السورية وروسيا إلى حدّ ما، وهذا لا ينفي اصطدامها بالأطماع الروسية في ما يخصّ ملف الثروات الباطنية في سوريا، كالنفط والغاز والفوسفات، ما اضطرها إلى الاستثمار في أماكن أخرى، كالعقارات وشركات الصيرفة، والثروات الزراعية.
حيث قامت بمصادرة الأراضي الزراعية وزرع الحشيش وإنتاج المخدرات والإتجار بها، كما فعلت في لبنان عن طريق “حزب الله”، والثروة الحيوانية باستيلائها على مباقر الحكومة السورية بعقود طويلة الأمد، وفي مجال الطاقة بالحد الذي تسمح به روسيا.
نهاية الطريق: السجن أو الموت
يبدو أن أهداف إيران كما يُستنتج، السيطرة على العقارات بعيدة المدى، وتأثيراتها لن تظهر على المدى المنظور، وهذه السيطرة سيليها عمليات استثمار ضخمة بغية التغلغل في مفاصل الاقتصاد السوري، وخلق رجال أعمال وكيانات اقتصادية جديدة ولاؤها بالدرجة الأولى لملالي إيران.
وفي ذلك قدّمت إيران ملايين الدولارات لرجال أعمال سوريين بهدف شراء عقارات في دمشق، لخدمة سياستها الرامية، على ما يبدو أيضاً، إلى إفراغ الأراضي السورية من أصحابها في كلٍّ من دمشق وحلب، حيث يتمتع سفير طهران في دمشق بتسهيلات كاملة من كبار مسؤولي المخابرات السورية ويستخدم “سماسرة” يعملون على تقديم العروض الضخمة والمضاعفة لعدد من رجال الأعمال للاستحواذ على ممتلكاتهم وإرغامهم على البيع، حتى لو بالتهديد.
فمن يرفض منهم يتم توجيه اتهامات له بدعم المعارضة السورية، أو اعتقالهم وتحويلهم إلى محاكم اقتصادية بتهمة التلاعب بأسعار صرف العملة، وذلك بعد سيطرة إيران على شركات الصيرفة الرئيسة في دمشق.
أما في حلب فقد قامت إيران بتوجيه الحكومة السورية لشراء عقارات وتسليمها لرجالها من مدينتي نبل والزهراء الشيعيتين، وطرد رجال أعمال المحايدين – من لم ينخرطوا في المعارضة أو يؤيدون حكومة دمشق – وإجبارهم على بيع ممتلكاتهم عنوة، أو حتى مصادرتها تحت ذريعة التّهرب الضريبي في كثير من الأحيان، بعد فرض ضرائب فلكية عليهم.
إن الهدف من تفريغ تلك الأراضي والممتلكات، كما يبدو، إلى جانب السيطرة الاقتصادية، هو تغيير ديموغرافية المدينتين، وزرع رجالات تابعة لإيران تخدمها في مشروعها، ومن هذا الجانب جاءت الإشارة إلى إيران بضلوعها في حريق سوق ساروجة الأثري في دمشق منذ فترة قريبة.
إضافة لما سلف بدأت إيران منذ نيسان/أبريل 2018 مساعيها للدخول كشريك في مؤسسات القطاع العام الصناعي بسوريا، واستملاكها لهذه المصانع بات واقعاً، ويجري بالفعل التنسيق مع وحدة المتابعة التابعة للقصر الجمهوري بدمشق تحويل 40 منشأة صناعية تتبع القطاع العام إلى ملكية الحكومة الإيرانية أو “الحرس الثوري”.
ليس ذلك فحسب، بل هناك منشآت استراتيجية أخرى تم تسليمها لروسيا، ما ينذر بتسليم اقتصاد البلد بالكامل لإيران وروسيا، وهذا ما انعكس سلباً على حياة المواطن السوري، وعلى معيشته، ليصبح 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر وأكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب إحصائية “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
الفوز: أمير حرب وحوت قاتل
في الوقت الذي يموت فيه الشعب السوري من الجوع والفقر، لا يفوته تداول الأسماء التي تنهب قوته اليومي، من الحكومة السورية، أو من حيتان المال الذين آثرتهم الحرب السورية بدعم من السلطة السياسية السورية، أو من إيران بغية سيطرتها على مفاصل الاقتصاد وتجييرهم لخدمة مصالحها، غير عابئين بلقمة عيش المواطن أو سُبل عيشه.
بعد عام 2011 ازدادت حاجة دمشق إلى المال لتغطية نفقات جنودها وآلياتها وأسلحتها، فجاء دور رجال الأعمال للتسديد مقابل الثمار التي قطفوها خلال سنوات رخائهم التي سبقت عام 2011 عبر تمويل الجيش، والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه.
وبحسب معلومات حصرية حصل عليها “الحل نت” من لجنة مكافحة الفساد السورية، تم عقد اتفاقيات مع رجال أعمال مقربين من السلطة السورية، وأُجبر بعضهم على دفع الملايين، واستولى على أملاك وثروات آخرين، في حين ظهرت فئة من أثرياء الحرب الجدد الذين نهبوا البلاد، وهم في غالبيتهم رجال إيران الذين وظّفتهم لخدمة مشروعها وتمويله.
لعل أهم هؤلاء كان سامر الفوز واجهة إيران الاقتصادية في سوريا، وحوت الأعمال الأضخم لبشار الأسد، والذي يقف على أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في سوريا. إذ يعمل الفوز على شراء العقارات لصالح إيران، فهو من اشترى حصة الوليد بن طلال في فندق “الفور سيزن” بـ 115 مليون دولار.
وفي عام 2017 أعلن شراءه إمبراطوريتي “غريواتي” و “حميشو” الاقتصاديتين، وهو أيضا صاحب مشروع أبراج “لاند مارك” خلف مستشفى “الرازي” بدمشق الذي تُشرف عليه إيران مباشرة، حيث حصل على قرض إيراني بقيمة 350 مليون دولار كجزء من هذا المشروع، علماً أنه يمتلك حصرياً فرصة الحصول على قروض من البنوك الإيرانية، وبوصفه ذراع إيران الاقتصادية الضاربة في سوريا.
وكونه مدعوم من “الحرس الثوري” الإيراني، قام بعقد صفقات لمواد غذائية، وسلع حيوية مع إيران وأدخلها إلى سوريا. وبدورها إيران وجدت في الفوز رجلها المناسب، وتمكنت عبره من تمرير العديد من الصفقات، وتسرّب بأنه يستخدم الساحل السوري كمحطة توزيع للنفط الإيراني لتجاوز العقوبات الاقتصادية باستخدام ناقلات نفط يمتلكها شخصياً.
إلا أن الفوز لم يضع بالحسبان نتيجة ذلك، فكان فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات عليه عام 2019 كالصاعقة عليه والذي أجبره على عدم مغادرة سوريا. والجدير بالذكر أن نجم الفوز لمع وبدأ اسمه بالتداول بعد جريمة قتل ارتكبها عام 2013 في تركيا وخرج من السجن بعدها بأشهر بكفالة مالية، لتبدأ الحكاية بلغز جديد.
تهمة “التخابر والإتجار بالمخدرات”
لم يكن مدلول العزيز الذي شكّل جدلا خلال السنوات الفائتة يعلم بأن السلطة في دمشق يمكن أن تضحي به في ليلة وضحاها، خصوصا أن لديه صك غفران بعد مصافحته للرئيس السوري، بشار الأسد، فوز نادي “الفتوة” الذي يملكه ببطولة الدوري السوري.
في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أصدرت وزارة العدل السورية، مذكرة توقيف بحق عضو “مجلس الشعب”، ومالك نادي “الفتوة” وصاحب أحد آبار النفط شرقي سوريا، وذلك بتهمة العمالة وتجارة المخدرات، للتغطية على فضيحة تهريب المخدرات عبر حقائب عدد من لاعبي كرة القدم من دمشق إلى مسقط.
حسب نصّ وثيقة مسربة فإن البرلماني، مدلول العزيز، يواجه مذكرة توقيف غيابية فور دخوله إلى سوريا، وذلك بسبب “التخابر مع جهات معادية و الإتجار بالحشيش المخدر والكبتاغون”.
العزيز يواجه قضية ظهور المخدرات والدولار المهرّب عبر حقائب لاعبي نادي الفتوة خلال المشاركة ببطولة “كأس الاتحاد الآسيوي”، حيث ضبط مع اللاعبين حقائب محملة بالمخدرات والدولار المهرّب من دمشق إلى دولة سلطنة عمان بإيعاز من المدلول، ما أدى إلى احتجاز 11 لاعبا لمدة يومين في مطار مسقط من قبل السلطات العمانية.
في المنطقة الشرقية لا تختلف الحكاية كثيراً عن قصة الفوز، فقد استطاعت إيران عبر فصائلها العسكرية، استقطاب رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال في دير الزور، حيث تقوم هذه الفصائل بدعمهم في عمليات تهريب الدخان و”الكبتاغون” والآثار، وفي إدخال شركات إيرانية تعمل بأسماء وهمية وتمويل إيراني في مجال الإنشاءات، واحتكار الأدوية وبيعها في دير الزور.
ومن رجالات إيران في دير الزور نذكر فرحان المرسومي، ورئيف عبيد، ومحمد بدران الشيخ، وريم شوبش السليمان، كذلك نذكر خلف محمود المشهداني، ومدلول عبد العزيز المُكنى “أبو ذباح”.
مدلول العزيز، الذي بات يتصدر المشهد في المحافظة الشرقية من سوريا بعد رئاسته لنادي “الفتوة” الرياضي مؤخرا، استغل النشاط الرياضي لتبييض أمواله التي حصل عليها من بئر النفط الخاص به، فضلا عن الإتاوات التي يفرضها من خلال معبر “بقرص” في ريف دير الزور الشرقي.
العزيز الذي يترأس حاليا نادي “الفتوة” الرياضي، وهو عضو في مجلس الشعب السوري أيضا، كان أمير سابق في “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليا) لمدة 3 أعوام ( 2012-2015) حيث كان فيها مسؤولا عن مقتل العديد من عناصر وضباط القوات الحكومية في دير الزور آنذاك.
التحجيم يباغت القاطرجية
لعل أهم رجال إيران في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا هو حسام أحمد القاطرجي، الذي ارتبط اسم مجموعته “القاطرجي” بشبكات الفساد، وأصبح وسيط الحكومة السورية في تلك المنطقة مع “داعش” لتأمين النفط لدمشق.
مجموعته العسكرية التي شكّلها، كانت تنقل النفط والقمح إلى مناطق الحكومة السورية، كما وأنها احتكرت توريد المواد الغذائية إلى محافظة دير الزور إبان محاصرتها من قِبل تنظيم “داعش”، وبيع هذه المواد بأسعار مرتفعة جداً.
يُشرف حسام قاطرجي وأخويه براء ومحمد آغا على إحدى الميليشيات الموالية للجيش السوري وإيران، وتُعرف باسم “مجموعة القاطرجي” وتتمركز بشكل رئيس في محافظة حلب، وشاركت في الأعمال العسكرية التي أدت لحصار الأحياء الشرقية من مدينة حلب 2016.
في منتصف عام 2021 منحت روسيا ميليشيا “القاطرجي” عقدا استثمار لآبار “التيم” و”الورد” النفطية، في إشارة إلا أن القاطرجي عقد شراكة عميقة مع روسيا، الأمر الذي أزعج إيران ومن خلفها دمشق، لما تعنيه هذه الشراكة من استقلالية ونفوذ باتت تتمتع بها عائلة القاطرجي.
وهنا كانت بداية أفول العلاقة بين إيران ومجموعة “القاطرجي” مما استدعى إلى بعض الإجراءات في حقها من قبل الحكومة السورية، كتحريك دعاوى قضائية ضدها على تجاوزات مسكوت عنها، وفتح ملفات الفساد المتروكة كورقة ضغط تستخدمها دمشق عند الحاجة.
وبالفعل تم لي ذراع هذه المجموعة وأجبرت على العودة إلى حظيرة الأطراف المنضوية تحت نفوذها وتعمل تحت إمرتها منذ عام 2017، وهو ما يُذكر بالمصير الذي لاقاه رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والذي سيطر على مفاصل الاقتصاد السوري لعقدَين من الزمن.
تمديد جديد
بدأت سلطات دمشق أيضاً ملئ خزينتها من جيوب المستثمرين والتجار ورجال الأعمال من خلال فرض ضرائب كبيرة عليهم. وفي السياق نفسه طفت على السطح، في الآونة الأخيرة قضية مولات دمشق، بالتهديد بإزالة بعضها، أو الحرائق المشبوهة التي طالت بعضها الأخر، ومن المعلوم أن ملكية هذه المولات تعود إلى أمراء الحرب، ورجال الأعمال الذين ساندوا الجيش السوري في حربه، والذين طالتهم العقوبات الأميركية والأوروبية في غالبيتهم.
في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، منحت محافظة دمشق بشكل مفاجئ صاحب مول “big 5” في حيّ الميدان، مهلة 15 يوماً لإزالة كلّ التجهيزات والإشغالات، بعد إصدار المكتب التنفيذي قرار هدم فوري، على خلفية طيّ قرارات تسوية المخالفات المرتكبة على العقار من قبل مالكه عام 2018.
لكن بعد أيام أتبعه قرار غريب، بإصدار محافظة مدينة دمشق مرسوم وقف هدم مول “big 5” في حيّ الميدان”، ووصفته بـ”صفقة وتسوية لمدة 5 سنوات”، تعود بعدها ملكية أرض المول كاملة للمحافظة، لتنفيذ مخطط سابق “حديقة ومساكن”.
لكن الصفقة الغريبة بدأت تتضح معالمها أن ملكية المجمع التجاري “big 5” آلت إلى المحافظة “استملاك”، ولكن منحت الاستثمار لرجل الأعمال وعضو مجلس الشعب، بلال نعال، الذي يجمع بالمول أكبر 5 مطاعم بدمشق، وقد بُدئ بإعادة لافتات المطاعم وتركيب ما فُكَّ من واجهات المحالّ والتجهيزات داخل المطاعم، بعد إنذار المحافظة بالهدم.
قرار الهدم طبقا لتقارير صحفية، كان انفعالي ومفاجئ وذلك نتيجة خلافات وتصفية حسابات بين الكبار، وهنا يبدو أن رجل الأعمال بلال نعال، أعيد للواجهة، حيث وصل إلى مجلس الشعب عام 2020، وهو عضو مجلس محافظة دمشق وعضو بمجلس إدارة شركة “دمشق القابضة” وعضو المجلس السوري الروسي للأعمال.
وكان يستثمر مجمعاً تجارياً آخر بدمشق “مول قاسيون” لمدة 30 سنة، وهو شريك بالعديد من الشركات التجارية والاستثمارية العاملة بسورية وخارجها، شركات: (فالكون، وماكس، وآر بي التجارية، والعامر، وشركة أبو الجدي، وسيلينا، والنعال).
نعال هو “شريك إن لم نقل واجهة” لرجال أعمال وتجار حرب يقودهم فادي صقر، ويبدو أن استمراره واجهة، وقد تم تمديده لخمس سنوات أخرى، بعد سحب استثمار “مول قاسيون” منه ومنحه لرجل أعمال المعروف وسيم قطان.
لا صديق دائم لدمشق
يبدو أن تحركات إيران ومن خلفها دمشق، لتحجيم دور رجالاتهم الاقتصاديين، القاطرجي وغيره، لا علاقة له بولاءاتهم فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تغيير الواجهة الاقتصادية برمّتها، وبخاصة الذين طالتهم العقوبات الأميركية والأوروبية.
وفي هذا يرى الصحفي السوري، باز بغاري، في حديث لـ”الحل نت”، بأنه “لا يمكن النظر إلى القاطرجي وأمثاله، من بنوا ثرواتهم بناءً على استغلال ظروف الحرب وتجارتها، على أنهم لاعبون مؤثرون ودائمون في اللعبة، بل هم عبارة عن أدوات للاعبين كبار، كإيران وروسيا”.
هذه الدول لا تنظر لهم إلا أنهم أدوات يتم استخدامها حين الحاجة، والتخلي عنهم عند انتهاء المهمة الموكلة إليهم، حالهم كحال رجال الميليشيات المسلحة، وهذا حصل على الجانبين أي سلطات دمشق والمعارضة.
من جهة أخرى أشار بغاري إلى أنه يمكن ربط ذلك بتغيير المعادلة داخل سوريا، والتفاهمات الجديدة بين القوى المنفّذة داخل الخارطة السورية، حيث إن إيران اليوم بعد الحرب في غزة، والتفاهم المعلن مع الولايات المتحدة الأميركية تتجه لتغيير نهجها ولو بشكل جزئي في سوريا، وبالتالي ستغير أدواتها بما يتوافق مع الوضع الجديد.
علاوة على ذلك، لابد من الإشارة إلى أن القاطرجي وغيره، ارتباطهم بإيران مبني على علاقات مصلحية تنفعيّة وليس هناك رابط عقائدي بينهم، عكس الميليشيات التي تربطها بإيران علاقة تبعية مبنية على الولاء الكامل، وهنا يتوقع بغاري أن نشهد في الفترة القادمة تراجع وأفول نجم العديد من الشخصيات وأثرياء الحرب، وظهور آخرين حسب الحاجة.
مآلات السيطرة الاقتصادية الإيرانية على سوريا
من المعلوم، أن النظام الإيراني يستخدم رجال الأعمال السوريين كوسيط لنقل الأموال والسلع والسلاح إلى سوريا ومنها إلى ميليشياتها في لبنان والعراق واليمن، وتستخدمهم لتمويه أنشطتها الاقتصادية والتجارية في سوريا وتجنّب العقوبات الدولية.
لا شك بأن أهداف إيران في السيطرة الاقتصادية على سوريا ليست آنية أو مرحلية، بل هي بعيدة المدى والهدف منها بالدرجة الأولى الوصول إلى شواطئ المتوسط عبر سوريا، والتي تمكنها من دخول الأسواق الأوروبية.
وهو ما تسعى إليه إيران من خلال مشروع أنبوب نقل الغاز “الصداقة الإسلامي” في حال تنفيذه لشحن الغاز إلى أوروبا، وهو ما يمكّنها مستقبلاً من استحواذ حصة كبيرة في الأسواق العالمية، لكن الحسابات الاقتصادية لإيران وأطماعها تصطدم مع الأطماع الروسية، خصوصاً أن روسيا تُعد المورّد الأول للغاز الطبيعي إلى أوروبا.
هنا ربما تدخّل روسيا هو الذي كبح جماح إيران في الحصول على تنازلات سيادية من دمشق في ما يخص الطاقة والثروات الباطنية، وتسليمها ميناء طرطوس على الشاطئ السوري، التنازلات التي حصلت عليها روسيا بالفعل.
وبما أن السياسة الإيرانية في مختلف الدول التي تدخلت فيها تقوم على بناء “دولة داخل الدولة” فسيؤدي هذا التدخل حُكماً إلى السيطرة على القرار السيادي السوري، وإضعاف السلطة المركزية لحساب الحكم الميليشياوي، كما جرى في العراق ولبنان، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى عرقلة أي جهد للحل السياسي في سوريا مستقبلاً، عدا عن التأثير الاجتماعي الذي قد يصل إلى تغيير الهوية الحضارية السورية، والعبث في البُنى الفكرية للأجيال القادمة في سوريا، وباختصار هو تهديد للأمن الإقليمي في المنطقة كلها.
- ماذا سيفعل ترامب بعد الفوز بالرئاسة؟
- “ناتو عربي” وإطفاء الحروب وتحالفات اقتصادية.. ما سياسات ترامب الجديدة؟
- مواجهات بين ميليشيا تابعة لـ “الحرس الثوري” وعشيرة الحسون في البوكمال.. والسبب؟
- “مقتل 4 من عائلة نصرالله”.. غارات إسرائيلية على عدة مناطق بلبنان
- شكران مرتجى تكشف عن مشروع مستوحى من شخصية “فريدة الأسعد”.. تفاصيل
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.