منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بعد الهجوم المفاجئ الذي شنّته حركة “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أصبح دور إيران بالانخراط في القتال موضع تكهنات، إذ رغم نفي آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، تورّط البلاد لكنه وصف الهجوم بأنه ناجح.
الصراع الذي أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح ما يقرب من مليوني شخص، ورغم الهدنة التي استمرت أسبوعا، استؤنِفت الهجمات الإسرائيلية، مما سلّط الضوء على تحركات إيران التالية.
تحديد الخطوط الحمراء
وفقا لما كشفته صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية، فإنه منذ بدايتها، كان يُنظر إلى الحرب في غزة على أنها تنذر بصراع مباشر بين إيران وإسرائيل، خاصة أن “حزب الله” اللبناني يمارس التهديد بفتح جبهة جديدة في الحرب، مع ترحيب المتشددينَ الإيرانيينَ بالتدخل المباشر من جانب بلادهم.
في الشهر الماضي، أشار وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، إلى رسالة كتبها مسؤولون متشددون إلى المرشد الأعلى الإيراني في محاولة لإقناعه بالانخراط في الصراع مع إسرائيل نيابة عن “حماس”.
ومع ذلك، فإن احتمال نشوب حرب إقليمية موسّعة منخفض؛ فعلى الرغم من الشعارات التي ردّدها المتشددون الإيرانيون، فإن واقع التفكير الاستراتيجي الإيراني أكثر حذرا، وهناك سبعة أسباب على الأقل تجعل من المرجّح أن تتجنب طهران بدء حرب مع إسرائيل نيابة عن “حماس”.
أولاً: لا يستطيع النظام الإيراني حشد شعبه للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينيات، حيث كانت التعبئة المتواصلة للموجات البشرية، من بين عوامل أخرى، هي التي قاومت الجيش العراقي وأجبرت بغداد على الانسحاب من الأراضي الإيرانية.
ومع ذلك، بعد عدة عقود، انخفض دعم المجتمع للنظام السياسي بشكل ملحوظ، وفي أعقاب احتجاجات العام الماضي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الناجمة جزئياً عن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، تصاعد السّخط بين الشباب والطبقة المتوسطة في المناطق الحضرية.
ثانياً: حذّر الفصيل المعتدل في الحكومة الإيرانية من التدخل الإيراني المباشر في الحرب؛ والحقيقة أن الحرب في غزة أدت إلى تعميق الانقسامات السياسية في طهران، وفي تقييم التهديد الذي يتبناه المتشددونَ الإيرانيون، فإن تدمير “حماس” يرتبط تلقائياً بالانهيار اللاحق لـ”حزب الله”، وفي نهاية المطاف، بشنّ هجوم عسكري على إيران.
ولهذا السبب يدعمون استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا من قِبل وكلاء إيران الشيعة، ويتناقض هذا الرأي مع وجهة النظر التي يتبناها المسؤولونَ المعتدلون، وخاصة ظريف، الذي حذّر باستمرار من العواقب المدمّرة لتورّط إيران المُحتَمل في حربٍ مع الولايات المتحدة.
ووفقا لظريف، إذا اتخذت إيران موقفا أكثر تطرّفا بشأن غزة، فقد يؤدي ذلك إلى صراع مميت مع الولايات المتحدة، وهو ما سترحّب به إسرائيل. وعلى الرغم من تهميشه من قِبل حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لا يزال ظريف يتمتع بنفوذ كبير بين النُّخب السياسية في الجمهورية الإسلامية وحتى مجتمعها.
أحلاف طهران لا يدعمون حروبها
ثالثاً: فشل إسرائيل الواضح في ردع هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لا يغيّر حسابات طهران الاستراتيجية تجاه إسرائيل. وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل على تكنولوجيا دفاعية عالية التقنية مثل نظام الدفاع الصاروخي، القبة الحديدية، فقد وجّهت “حماس” ضربة عسكرية واستخباراتية كبيرة ضدها، وبالتالي حطّمت سياسة الردع التي تنتهجها.
لكن هذا لا يغيّر وجهة نظر إيران بشأن إسرائيل أو ديناميكيات القوة في المنطقة، فرغم أن عملية “حماس” زعزعت استراتيجية الردع الإسرائيلية القائمة منذ فترة طويلة، فإنها لا توفّر لإيران الفرصة لتحدي إسرائيل باستخدام القوة الصاروخية، وعلى العكس من ذلك، قد تعتقد إيران أن إسرائيل تشعر أن إعادة الردع هي أولوية وجودية تستحق المخاطرة العسكرية أو السياسية غير العادية من أجلها.
رابعا: خلافا للرأي السائد، لا “حماس” ولا حتى “حزب الله” وكيل لإيران؛ وسيكون من الأدق اعتبارهم حلفاء إيران من غير الدول، حيث لا توجد علاقة من أعلى إلى أسفل بين طهران و”حماس”، وحتى مع قيام الأخيرة بمواءمة أفعالها مع إيران، فإن نهجها قد يتباين، كما حدث بشكل ملحوظ خلال الأحداث في سوريا عندما دعمت “حماس” المعارضينَ المناهضينَ للأسد.
خامساً: لم يعلن شركاء إيران الاستراتيجيون في موسكو وبكين عن دعمهم الكامل لـ”حماس”، لا سيما أن النظام الإيراني سعى إلى التحالف مع الصين وروسيا في إطار سياسته الخاصة بالنظر إلى الشرق، ولن يرغب في إفساد علاقاته مع تلك الدول.
وفي الواقع، تتبع طهران سياسة مماثلة في غزة لتلك التي تبنّتها بعد ملاحظة نهج الانتظار والتّرقب الصيني الروسي عند استيلاء “طالبان” على كابول قبل عامين، وهنا هدف إيران هو تجنّب العزلة في الأزمات الدولية الكبرى.
درس حرب العراق
سادسا: هناك اعتقاد عميق بين صنّاع القرار ذوي النفوذ في إيران بأن الساحة العربية ولا سيما دول الخليج سوف ترحّب بحرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل، حيث كان الزعماء العرب ينظرون إلى “حماس” منذ فترة طويلة باعتبارها وكيلاً إيرانياً مخرّباً.
العامل الأخير والأكثر أهمية الذي يؤثر على إحجام إيران الواضح عن الانخراط في الحرب، هو وجهة نظر خامنئي المحددة تجاه الصراعات الإقليمية. وخلافاً لوجهة النظر السائدة في الغرب، يتعامل المرشد الأعلى الإيراني مع الاستجابات للصراعات الإقليمية من وجهة نظر واقعية وليست أيديولوجية.
فبعد أن شغل منصب رئيس الجمهورية خلال الحرب المدمّرة مع العراق، فإنه يدرك تماماً عواقب الحرب، خاصة مع الولايات المتحدة. وقد دفع هذا الوعي إيران إلى اختيار ردّ فعل محسوب نسبياً في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني، القائد السابق لـ”فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري”.
ينسجم هذا السلوك مع استراتيجيته الشاملة في التعامل مع الأزمات الإقليمية، فقبل أكثر من عقدَين من الزمن، عندما قُتل دبلوماسيون إيرانيون في شمال أفغانستان على يد إمارة “طالبان” الأولى ومالت المشاعر العامة في إيران بشدة نحو تدخل كبير، ساعد خامنئي وحسن روحاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي في ذلك الوقت، في منع التصعيد.
تُفسّر هذه الأسباب السبعة المترابطة إحجام النظام الإيراني عن التورط في الحرب نيابة عن “حماس”. ومع ذلك، فإن الحرب في غزة قد تؤدي إلى تسريع برنامج إيران النووي، إذ إن هناك أصواتٌ قوية في إيران، وأغلبها في المعسكر المتشدد، تزعم أن الأداة الأكثر أهمية التي تستخدمها البلاد لمنع تدمير “حماس” تتوقف على قرارها بالسعي إلى اكتساب القدرات النووية بشكل كامل، وهم يعتقدون أن ورقة إيران الرابحة تكمن في تهديدها بتطوير أسلحة نووية، وإظهار الدعم الحيوي لحلفائها – على غرار دعمها السابق لحكومة الأسد في سوريا.
ولا يعني أيّ من هذا أن إيران راغبة في التخلي عن “حماس”، التي تمثّل رصيدها الاستراتيجي في غزة؛ وبدلاً من الوقوف مكتوف الأيدي، من المرجّح أن تستمر طهران في ممارسة الضغط على كل من إسرائيل والولايات المتحدة – من خلال “حزب الله” ووكلائها الشيعة في العراق وسوريا – دون تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.