“ولاء الجهاد الإسلامي وتبعيتها لإيران طغى وأهمل القضية الفلسطينية”

في نيسان/أبريل 2004، أكّد متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، أن إسرائيل لا تستبعد شنّ هجمات جديدة في سوريا إذا ما واصلت دمشق “إيواء منظمات إرهابية تعدّ لهجمات ضد إسرائيل”، بعد الغارة التي استهدفت موقعا في سوريا في ذات الشهر.

الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت شنّ غارة على معسكر تدريب في سوريا لحركة “الجهاد الإسلامي” التي تبنّت عملية انتحارية في حيفا بذات اليوم، حيث ذكر بيان الجيش أنه نفّذ عملية في عمق الأراضي السورية وهاجم معسكر تدريب “تستخدمه منظمات إرهابية تحت رعاية سوريا”.

تُعتبر حركة “الجهاد الإسلامي” من أقرب المنظمات الفلسطينية إلى النظام الإيراني، وهو ما يمنح الحركة دعماً مالياً ولوجستياً كبيراً، وهذا ما كشفه باسل مهدي، القيادي في الحركة بعد أن اعتقلته القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، في كانون الثاني/يناير الفائت.

الولاء لنظام آية الله الإيراني

لا شكّ أن النظام الإيراني هو الراعي الرئيسي والقوة القائدة للميليشيات في الشرق الأوسط، فهو يسيطر على وكلاء على طول الطريق من العراق إلى اليمن، متسببا بحروب وانهيار اقتصادي أينما وجد، وعلى الرغم من أن معظم المنظمات الفلسطينية تتلقى الدعم والتوجيه من إيران، إلا أن حركة “الجهاد الإسلامي” هي الوكيل الأقرب والأكثر ولاءً لإيران.

الجهاد الإسلامي الوكيل الإيراني الذي يستخدم الأراضي السورية (5)
الرئيس السوري بشار الأسد، على اليسار، يتحدث مع خليل الحية، القيادي البارز في الجناح السياسي لحركة حماس، وزياد نخالة، زعيم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في دمشق، 19، 2022. (إنترنت)

خلال التحقيق الذي نشره جهاز “الشاباك” الشهر الفائت، كشف باسل مهدي، القيادي في الحركة عن معسكر التدريبات التي خاضها في قاعدة عسكرية إيرانية، حيث نقله جنود إيرانيون ضمن مجموعة من 15 حتى 20 ناشطا من “الجهاد الإسلامي” من غزة، ولبنان وسوريا. 

وقال مهدي: “القائد اتصل معي وأبلغني أنه يجب أن أسافر إلى إيران لدورة قنص، حيث سأستفيد منها وسيرتفع المعاش الذي أتلقاّه بعد عودتي”. وأضاف مهدي للمحقّقين “سافرتُ من غزة إلى مصر، وتواجدت هناك على مدار أسبوعين، من هناك سافرتُ إلى سوريا لعدة أيام وبعدها إلى لبنان، وبعد أسبوعين سافرنا من سوريا إلى إيران”. 

طبقا لمصادر إسرائيلية، فإن النظام الإيراني، وغيره من وكلاء إيران مثل “حزب الله” والميليشيات الشيعية في سوريا، هم المساهمون الوحيدون تقريباً في الموارد المالية واللوجستية لحركة “الجهاد الإسلامي”، حيث يقدّمون ملايين الدولارات التي تُستخدم بشكل شبه حصري في تصنيع الأسلحة والبنية التحتية للحركة.

يد إيران الخفية في سوريا

تموضع “الجهاد الإسلامي” في سوريا جاء بعد خضوع قيادات الحركة للنظام الإيراني بشكل رسمي، وتجلّى ذلك في سوريا منذ عام 2002، عندما بدأت دمشق بتوفير معسكرات للحركة داخل البلاد والسماح لطهران بتقديم دعمها للحركة عبر الأراضي السورية.

مشيعون يحملون علم الجهاد الإسلامي خلال تشييع عضوين في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق. (إنترنت)

لكن التنسيق بين التحالف – حركة الجهاد وإيران وسوريا – ارتفع بشكل متزايد، بعد طرد الرئيس السوري، بشار الأسد، لحركة “حماس” من سوريا عام 2012، وفرض على عناصرها الانضمام إلى “الجهاد الإسلامي” والحركات الفلسطينية الأخرى داخل البلاد، أو مغادرتها.

نشاط الحركة الفلسطينية ارتفع بعد هذا التحول، وافتتحت مكاتب لها داخل سوريا، وبات أكبر قاداتها متواجدين في دمشق، مثل أكرم العجوري رئيس الدائرة العسكرية في الحركة والمسؤول عن إمداد جناحها العسكري “سرايا القدس” بالصواريخ والأسلحة وإيصالها إلى قطاع غزة.

وطبقا لصحيفة “القدس”، فإن العجوري، التي حاولت إسرائيل اغتياله في سوريا عام 2019، تتهمه الاستخبارات الإسرائيلية بلعب دور المنسق الرئيسي بين “الحرس الثوري” الإيراني والجناح العسكري لـ”الجهاد الإسلامي” المعروف باسم “سرايا القدس”. 

تقول تل أبيب، إن إطلاق القذائف الصاروخية بشكل دوري من قطاع غزة على المستوطنات في محيط القطاع يدل على أن إيران وجدت وكيلاً جديداً على الحدود، يتمثل بشبكة تابعة لحركة “الجهاد الإسلامي”.

معسكرات “الجهاد” في سوريا

في ساعات متأخرة من ليل أمس الثلاثاء، استهدفت صواريخ إسرائيلية مبنى في في حي الحمرا بمدينة حمص السورية، ما أدى لمقتل 8 أشخاص، بينهم 6 مدنيين، و2 من عناصر “حزب الله” اللبناني، بالإضافة إلى جرحى آخرين.

مسلحون وملثمون في غزة وهم يرتدون الزي العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – (غيتي)

المناطق المستهدفة كانت قريبة من مبنى الخدمات الفنية ومنطقة المزرعة بالقرب من مصفاة حمص، ومنطقة الأوراس وقرب الملعب البلدي، وهذا ما يثير الريبة، إذ تعتبر هذه المناطق بؤرة لتدريب بعض الفصائل الفلسطينية مثل “جيش التحرير الشعبي” و”الجهاد الإسلامي”.

وبحسب مصدر في الجيش السوري، فإن حركة “الجهاد الإسلامي” في سوريا تتّخذ من الأراضي السورية قاعدة وميدان تدريب لأعضائها وقياداتها، تحت رعاية وحماية إيران وحلفائها، وبعلم القيادة العسكرية والسياسية في دمشق.

طبقا للمصدر الذي يتحفّظ “الحل نت” عن ذكر اسمه، فإن أبرز أنشطة “الحركة” في سوريا هي تدريب وتجهيز مقاتليها وعناصرها الذين يتم تجنيدهم من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والمناطق الفقيرة في سوريا، ومن دول أخرى مثل لبنان والأردن ومصر والسودان. 

لدى “الجهاد الإسلامي” العديد من معسكرات التدريب والمرافق في ريف دمشق و معسكر الصاعقة في حمص، حيث تقوم بتعليم أعضائها مهارات وتكتيكات مختلفة، مثل حرب العصابات، والقتال في المناطق الحضرية، والمتفجرات، والقنص، والاغتيال، والاختطاف، والتفجيرات الانتحارية.

كما تتمتع حركة “الجهاد الإسلامي” بحضور ونفوذ قويّين في العاصمة السورية، حيث تمتلك مكاتب ومساكن ووسائل إعلام ومؤسسات دينية، كما تحظى بحماية وحصانة من حكومة دمشق وقواتها الأمنية، التي تغضّ الطرف عن أنشطة الحركة وتحرّكات قاداتها.

فضلا عن ذلك، فإن هناك تنسيق وتعاون مع إيران ووكلائها، مثل “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني وقوات “الحشد الشعبي”، الذين يشاركونها أيديولوجيتها وأهدافها، والذين يقدّمون لها الدعم المالي والعسكري والسياسي، كما يشارك عدة أعضاء من “الجهاد الإسلامي” في الصراعات والعمليات الإقليمية التي تخدم الأجندة الإيرانية، مثل الحرب في اليمن، والحرب في العراق، والهجمات على إسرائيل وحلفائها.

“الجهاد” والقضية الفلسطينية

بشكل فريد، منذ تأسيسها، أعربت حركة “الجهاد الإسلامي” عن دعمها الأيديولوجي والولاء لنظام آية الله الإيراني، على الرغم من أن النظام الإيراني شيعي وأن “الجهاد الإسلامي” من السّنة المتدينينَ.

الجهاد الإسلامي الوكيل الإيراني الذي يستخدم الأراضي السورية (1)
عناصر من الحركات الفلسطينية والميليشيات العميلة لإيران في دير الزور. (إنترنت)

الحركة تأسست عام 1981 على يد القيادي فتحي الشقاقي، الذي اغتيل في مالطا، عام 1995، ولا تعترف الحركة بالاتفاقيات بين الجانب الفلسطيني وإسرائيل، وينشط جناحها العسكري “سرايا القدس” في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما يعيش قادتها السياسيين في لبنان وسوريا وإيران.

رمضان شلح، أحد قادة “الجهاد الإسلامي”، قال علناً: “إن الجهاد الإسلامي ما هو إلا ثمرة واحدة من شجرة القائد خامنئي المثمرة” ومعظم قيادتهم الحالية تعيش حالياً في لبنان وسوريا وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع “حزب الله” و”فيلق القدس” الإيراني.

طبقا لحديث الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، كمال حبيب، لـ”الحل نت”، فإن ولاء “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية وتبعيتها لإيران قد طغى وأهمل القضية الفلسطينية وتطلّعات الشعب الفلسطيني الذي تمّ استغلاله والتلاعب به من قِبل إيران وحلفائها.

وهذا الدور الذي تلعبه طهران مع الفصائل الفلسطينية في سوريا بدا واضحاً، فمنذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وقفت الفصائل الفلسطينية ذات الأسماء “الرنانة”، العاملة في سوريا متفرّجة على ما يجري في غزة، رغم التعداد الكبير لمقاتليها والذي يمكن أن يكون نواةً لجيشٍ مسلّح يشكل فارقاً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويربك إسرائيل ويهدد وجودها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات