في ضربة موجعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، أعلنت وزارة العدل الأميركية، في الثاني من شباط/فبراير من مطلع هذا العام، عن اتهامات بالإرهاب والتّهرب من العقوبات ومصادرات مرتبطة بشبكة عالمية غير مشروعة لتهريب النفط بمليارات الدولارات تموّل “الثوري” الإيراني وأنشطته الخبيثة. 

ففي المنطقة الجنوبية من نيويورك، اتُّهم سبعة من بينهم قائد في “الحرس الثوري” الإيراني وضباط في مجموعة طاقة تركية، بالإرهاب والتّهرب من العقوبات والاحتيال وجرائم غسيل الأموال فيما يتعلق بتهريبهم وبيع النفط الإيراني للمشترينَ التابعينَ للحكومة في الصين وروسيا وسوريا، من أجل تمويل “فيلق القدس” التابع لـ”الثوري” الإيراني. 

بالإضافة إلى ذلك، صادرت الولايات المتحدة 108 ملايين دولار تم استخدامها كجزء من مخطط هؤلاء المتّهمينَ لتمويل “فيلق القدس”، وهنا نطرح تساؤل حول: كيف يتم مخطط غسل النفط الإيراني؟

مُخطط معقّد لتهريب النفط

المدّعي العام ميريك بي جارلاند، قال إن إيران تستخدم عائدات مبيعاتها النفطية في السوق السوداء لتمويل أنشطتها الإجرامية، بما في ذلك دعمها لـ”الحرس الثوري” و”حماس” و”حزب الله” وغيرها من الجماعات الإرهابية المتحالفة مع إيران. 

مخططٌ دوليٌّ لتهريب النفط الإيراني ضباط أتراك مُتّهمون بتمويل فيلق القدس (2)
كان للعقوبات تأثير مدمر على إنتاج النفط الإيراني وصادراته. (إنترنت)

وتستهدف وزارة العدل مصدر التمويل هذا من خلال الاستيلاء على أكثر من 108 ملايين دولار و500 ألف برميل من الوقود التي كانت ستمكّن إيران من مواصلة أنشطتها المزعزعة للاستقرار التي تهدد أمننا القومي. 

بالإضافة إلى تعطيل تدفقات التمويل غير القانونية لإيران، اتّهمت وزارة العدل أيضاً تسعة أفراد لدورهم في دعم إيران في انتهاك للعقوبات الأميركية. فيما ذكر مساعد المدعي العام، ماثيو جي أولسن، من وزارة العدل: أن “قضايا اليوم هي جزء من الجهود المستمرة التي تبذلها الوزارة لقطع تدفّق النفط الإيراني في السوق السوداء الذي يموّل نشاط النظام الخبيث، ويهدد الولايات المتحدة ومصالحنا في جميع أنحاء العالم”. وعلّق قسم الأمن القومي التابع لوزارة العدل.

هذه العملية، وبحسب القائمين عليها تهدف إلى كشف المسؤولين الذين يشرفون على عمليات غسيل الأموال، إلى شبكة الشركات الغامضة، إلى الوسطاء الذين يساعدون في تسهيل هذه المعاملات غير القانونية. 

الباحث في الشأن الإيراني، محمود عبد الكريم، في تعليقه لـ”الحل نت” على هذه العقوبات، قال إن إيران لم تفق حتى الآن من العقوبات القديمة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة من خمسة سنوات، ومسألة وجود عقوبات ومصادرات جديدة تعني وجود مزيد من الارتباك في السياسة الإيرانية الخارجية لأن هذه العقوبات بالتأكيد ستؤثر على الدعم المادي الذي تقدمه إيران لوكلائها، وفي الداخل ربما تتسبب هذه العقوبات في زيادة التضخم الاقتصادي، وانخفاض قيمة الريال الإيراني مما ينتج عنها أزمة اقتصادية حادة.

فعلى مدى سنوات، كان “الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس” التابع له فعالين في القمع العنيف الذي يمارسه النظام الإيراني للمعارضة السياسية، واستهداف المنشقين الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج، ودعم الإرهاب الدولي – بما في ذلك جماعات مثل حماس، وحزب الله، والجهاد الإسلامي الفلسطيني. 

اتهامات اليوم تظهر كيف أنشئ “فيلق القدس”، شبكة دولية مترامية الأطراف من الشركات الواجهة لغسل النفط الإيراني الخاضع للعقوبات باستخدام الأكاذيب والتزوير والتهديد بالعنف. وهذا المخطط نجح من خلال تواطؤ رجال الأعمال الأثرياء في دول عديدة، الذين يتوقون إلى جني الأرباح الفاسدة من دعم الجماعات الإرهابية. 

شبكة غسيل النفط التابعة لـ”فيلق القدس” قامت بتسليم ملايين البراميل من النفط الإيراني إلى المشترين التابعين للحكومة في روسيا والصين وسوريا، وحولت مليارات الدولارات عبر نظام مالي معقد.

مخطط غسل النفط

ففي كانون الأول/ديسمبر 2023 انضمت وزارة العدل إلى وزارات التجارة والأمن الداخلي والخارجية والخزانة لإصدار مذكرة امتثال بعنوان “اعرف بضائعك”، حيث تسلط الضوء على التكتيكات التي تستخدمها الجهات الفاعلة في الصناعات البحرية وصناعات النقل بالإضافة إلى إجراءات الإنفاذ المتخذة ردا على الانتهاكات.

مخططٌ دوليٌّ لتهريب النفط الإيراني ضباط أتراك مُتّهمون بتمويل فيلق القدس (1)
زورق سريع تابع للحرس الثوري الإيراني يتحرك في الخليج العربي بينما تظهر ناقلة نفط في الخلفية. (AP/تصوير وحيد سالمي)

يستخدم المتهمون عدداً من الأساليب الخادعة لتعزيز مخطط غسل النفط، بعض منها كالتالي :

1- استخدام شركات واجهة ووسطاء في بلدان خارج إيران لإخفاء دور “الحرس الثوري” الإيراني في معاملات النفط والمصدر الإيراني للنفط.

2- استخدام وثائق مزورة لتشويه مصدر النفط وخداع الشركات والبنوك عن غير قصد وجعلها تقدّم خدمات لتعزيز المخطط.

3- استخدام عمليات النقل من سفينة إلى سفينة، والتلاعب ببيانات الموقع والشحن للسفن المستخدمة لتعزيز المخطط من أجل إخفاء تحميل وتفريغ شحنات النفط الإيراني، وتجنب تحديد هوية السفن المستخدمة لـ تسهيل عملية غسيل النفط.

كانت إحدى شركات الواجهة الرئيسية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس” المشاركة في المخطط هي “شركة الصين” للنفط والبترول المحدودة (China Oil and Petroleum)، والتي على الرغم من اسمها، كان يسيطر عليها القائد مرتضى رستم قاسمي ورفاقه، بما في ذلك محمد صادق كريميان، من إيران. 

عملت “شركة الصين” كوسيط في مبيعات النفط التابع لشركة النفط الوطنية الإيرانية، بما في ذلك الصفقات التي تشمل مجموعة شركات “أي إس بي” التابعة للتركي سيتكي أيان، من أجل تسهيل التسليم النهائي للمشترين التابعين للحكومة في الصين. 

بين عام 2019 على الأقل وحتى الوقت الحاضر، شاركت الشركة في تحويل أكثر من 2 مليار دولار من خلال النظام المالي الدولي لتعزيز مخطط تمويل “الحرس الثوري” الإيراني. وفي هذا الصدد صرحت نائبة المدعي العام ليزا أو موناكو، بأن النفط هو شريان الحياة بالنسبة لـ”الحرس الثوري” و”فيلق القدس” الذراعين الإرهابيين القويين للنظام الإيراني. 

إغلاق خط أنابيب النفط والأرباح الإيراني، والاتهامات والمصادرات التي تم الإعلان عنها مؤخرا، تضرب جوهر شبكة تهريب النفط العالمية التي بنتها إيران لتمويل نظام الإرهاب والقمع، فضلا عن حرمان النظام من ملايين الدولارات من العائدات لتعزيز أجندته. 

في هذا السياق، يرى عبد الكريم في حديثه مع “الحل نت”، أن المصادرات الجديدة على شبكة النفط الإيراني في ذلك التوقيت قد تكون رسالة غاضبة من الولايات المتحدة لإيران؛ وخاصة أنها تأتي بعد مقتل الجنود الأميركان على الحدود الأردن على يد المليشيات الإيرانية مما يغذي ارتفاع التوتر بين البلدين.

لائحة بأسماء المتهمين

شملت لائحة الاتهام مجموعة من الإيرانيين، مثل بهنام شهرياري، 58 عاماً، وهو مسؤول كبير في “فيلق القدس”، وكان على لائحة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي منذ عام 2011.

إندونيسيا تحتجز ناقلة ترفع العلم الإيراني للاشتباه في قيامها بنقل النفط بشكل غير قانوني. (رويترز)

مرتضي رستم قاسمي، 32 عاماً، وهو نجل قائد في “فيلق القدس”، ومحمد رضا على أكبري، وهو ضابط كبير في شركة “سفيران بايام داريا” للشحن، التي تعمل نيابة عن الحكومة الإيرانية. ومحمد صادق كريميان، 36 عاماً، يعمل كعميل لـ”الحرس الثوري”.

كما شملت القائمة، التركي سيتكي أيان، 61 عاماً، الذي لديه تاريخ طويل من الشراكة مع شركات النفط والغاز الإيرانية المملوكة للدولة. وهو رئيس مجموعة شركات “ASB”، والتي تضم (سوم للبترول، وبسلام للبترول، وبسلام نكليات المحدودة)، والتي تم تصنيفها جميعًا من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في كانون الأول/ديسمبر 2022 على أنها شركات واجهة.

من ضمن المتهمين، التركي بهاء الدين أيان، 35 عاماً، هو ابن سيتكي أيان ونائب رئيس مجموعة شركات “ASB”. وأيضا التركي قاسم أوزتاس، 41 عاماً، ويشغل منصب العضو المنتدب لمجموعة شركات “ASB”.

المتهمين وُجهت لهم تهم بالتآمر لتقديم دعم مادي لمنظمة إرهابية أجنبية محددة، وهي تهمة تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 20 عاماً؛ والتآمر لانتهاك قانون القوى الاقتصادية الدولية في حالات الطوارئ والعقوبات المفروضة على حكومتي إيران وسوريا والإرهابيين العالميين وناشري أسلحة الدمار الشامل، والذي يعاقب عليه بالسجن لمدة أقصاها 20 عامًا. 

أيضا، التآمر لارتكاب عمليات احتيال مصرفي وتحويلات مصرفية، والتي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة 30 عاماً؛ والتآمر لارتكاب جريمة غسل الأموال، والذي تصل عقوبته القصوى إلى السجن 20 عامًا؛ والتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة، والذي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة خمس سنوات.

كما اتهمت وزارة العدل امرأة صينية، شاويون وانغ، ورجل عُماني، محمود راشد الحبسي، بالتهرب من العقوبات المفروضة على إيران وغسل الأموال فيما يتعلق بتهريب وبيع النفط الإيراني إلى المصافي المملوكة للحكومة الصينية.

تهريب النفط الإيراني إلى الصين

صادرات إيران من النفط الخام وإنتاجها النفطي بلغت مستويات قياسية جديدة في عام 2023 على الرغم من العقوبات الأميركية بسبب برنامج طهران النووي.

اتُهم سبعة من بينهم قائد في “الحرس الثوري” الإيراني وضباط في مجموعة طاقة تركية بتهريبهم وبيع النفط الإيراني. (إنترنت)

لكن في كانون الثاني/يناير الفائت، تعثّرت تجارة النفط بين الصين وإيران، حيث امتنعت طهران عن الشحنات وطالبت بأسعار أعلى من أكبر عملائها، مما أدى إلى تقليص الإمدادات الرخيصة لأكبر مستورد للخام في العالم. 

النفط الإيراني يشكل نحو 10 بالمئة من واردات الصين من النفط الخام. وتؤكد حيثيات الاتهام أنهم حصلوا على النفط من إيران باستخدام وسائل خفية شملت انتحال نظام التعرف الآلي والنقل المتعدد بين الناقلات العابرة للمحيطات. 

واعتمد المخطط على استخدام النظام المالي الأميركي، وتم تسهيله من قبل أشخاص وكيانات تركية وعُمانية، وكل ذلك في انتهاك للعقوبات الأميركية ضد إيران. 

لائحة الاتهام تكشف أن وانغ والحبسي أنشأا وثائق احتيالية لإخفاء أن النفط مصدره من إيران، واستخدما الاتصالات الإلكترونية لترتيب المشترينَ الصينيين للنفط الإيراني، واستخدموا شركات وهمية لغسل العائدات من خلال النظام المالي الأميركي وقدموا معلومات كاذبة للشركات الأميركية حول مصدر الأموال الناتجة عن المعاملات. 

بالإضافة إلى ذلك، استخدم المدّعى عليهم شركات أميركية “كصندوق ائتماني” للاحتفاظ بأرباح “الحرس الثوري” الإيراني. فقد حصل الحبسي، من خلال إحدى شركاته، على قرض بقيمة 16.5 مليون دولار في حزيران/يونيو 2020 من شركات مالية أميركية لشراء ناقلة نفط، سمّيت فيما بعد “M/T عُمان برايد”.

وابتداءً من تموز/يوليو 2020، قامت سفينة “فخر عُمان” بنقل النفط الإيراني، إلى سفنِ طرفٍ ثالث لبيعه إلى المصافي والشركات المملوكة للحكومة الصينية في الصين. 

وانغ – الذي شغل منصب مدير مصفاة نفط صينية – كان أيضاً رئيساً لشركة أميركية في لاس فيغاس، “نيفادا”، ومديراً عاماً للشركة الأم الأميركية ومقرّها هونغ كونغ، التي عملت كواجهة للمعاملات. وتواصل وانغ مع كبار مسؤولي “الحرس الثوري” الإيراني لتنفيذ عمليات الشراء. وأسفر المخطط عن معاملات بقيمة ملايين الدولارات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة