فرضت وزارة الخزانة الأميركية منتصف الأسبوع الماضي، عقوبات جديدة على ميليشيات “سرايا الأشتر” البحرينية المدعومة من إيران، وقالت الوزارة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني: “يتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) إجراءات بالتنسيق مع مملكة البحرين ضد العملاء الرئيسيين المقيمين في إيران والميسّر المالي لمجموعة كتائب سرايا الأشتر المصنّفة إرهابية”.
سابقاً، صنفت وزارة الخارجية الأميركية الميليشيا ذاتها المرتبطة بإيران كمنظمة إرهابية أجنبية وعالمية في العام 2018، فيما نقل البيان عن وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، قوله: إن “الإجراء الذي تم اتخاذه اليوم، بالتنسيق مع مملكة البحرين، يؤكد التزامنا الجماعي بتعطيل القوى والتهديدات الإيرانية المزعزعة للاستقرار، وخاصة تلك التي تهدد شركاءنا في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم”.
خطوات منسّقة ضد إيران
وفقاً للبيان، تلفت تلك العقوبات الجديدة المقررة على قيادات “سرايا الأشتر” والمقيمينَ في طهران على “الدور الحاسم الذي يلعبه النظام الإيراني في تقديم الدعم لتلك التنظيمات الإرهابية”. كما أنه في العام 2018 اتهمت حكومة البحرين العديد من الأفراد بسبب أنشطة متعلقة بالإرهاب، وعقب ذلك فرّ عددٌ منهم للتهرّب من أحكام السجن واستوطنوا البلد التي توفّر لهم الرعاية الأمنية والحماية السياسية.
إلى ذلك شملت العقوبات التي وردت في البيان، الشخصيات التالية، حسين أحمد عبد الله أحمد حسين الدمامي، وقد شارك في تسهيل وصول المساعدات الفتاكة إلى البحرين دعماً لـ”سرايا الأشتر”. في السابق، جرى التحقيق مع الدمامي من قبل الحكومة البحرينية بتهمة محاولة القتل والإرهاب وحيازة متفجرات وجرائم أخرى، وفرّ إلى إيران بعد الحكم عليه ومصادرة أصوله.
فضلاً عن علي عبد النبي أحمد إبراهيم الشوفة، عضو في التنظيم المسلح ذاته ومقيم في إيران هو الآخر بينما يشتبه في تسهيله تمرير المساعدات الفتاكة في الشرق الأوسط. ثم حسن أحمد راضي حسين سرحان، وهو متورّط في التخطيط لعمليات إرهابية في البحرين.
وأخيراً عيسى صالح عيسى محمد سلمان الممول للتنظيم، وإلى جانب إقامته في طهران كما غيره، فهو متورّط في توفير السيولة المالية للجماعة وتهريبها لهم. وفي عدة مناسبات، قام سلمان بتسهيل تحويلات الأموال إلى البحرين. ووفق البيان، فإن هذه الشخصيات الأربعة، “قدّمت المساعدة المادية أو الرعاية أو تقديم الدعم المالي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات إلى سرايا الأشتر أو دعمتها”.
البيان أوضح أيضاً أنه نتيجة للإجراء المتخذ، سيتم حظر جميع ممتلكات الأفراد المدرجينَ أعلاه والموجودة في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة أشخاص أميركيين، مضيفا “يجب إبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عنها”.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم أيضًا حظر أي كيانات مملوكة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل فردي أو إجمالي، بنسبة 50 بالمئة أو أكثر من قبل شخص واحد أو أكثر من هؤلاء الأشخاص، حسبما قال البيان.
أعين طهران على البحرين
في العام 2018 أدرجت وزارة الخارجية الأميركية جماعة “سرايا الأشتر” كـ”منظمة إرهابية مدعومة من إيران في البحرين” على خلفية تورطها في أعمال إرهابية وتنفيذ تفجيرات دموية.
في هذا السياق، تقدر الرئيس السابق لجمعية الصحفيين البحرينية، عهدية السيد، إعلان واشنطن بفرض عقوبات على عناصر رئيسية لجماعة “سرايا الأشتر” الموجودين في إيران، بأن ذلك مسار “لغل نظام الملالي والتحكم في تحركاته ودعمه للجماعات الوظيفية التي تعمل لصالحه في دول المنطقة سيما تلك الموجودة في دول الخليج وخاصة البحرين”.
تتابع عهدية السيد تصريحاتها لـ”الحل نت”، بكونها تنظر بكثير من الترقب نحو عقوبات شاملة مباشرة ضد النظام الإيراني، وذلك باعتباره الممول الرئيسي والداعم لتلك الجماعات والميليشيات التي تعبث بأمن واستقرار دول المنطقة.
تؤكد السيد، أن طهران تموّل الإرهاب وكافة تنظيماته، وتعبث من خلال ذلك بأمن دول الخليج. وإلى ذلك ينبغي على واشنطن أن تثقل يدها ضد طهران ونظام الملالي الذي يهدد نقاط استراتيجية في الشرق الأوسط، وبالتالي يهدد المصالح الأميركية.
يقيناً، والحديث للمصدر نفسه، البحرين واجهت تلك الجماعات المدعومة من طهران خلال العقود الماضية كونها تأثرت كثيراً من وجودها على أرض المملكة ومن تدخلات طهران عبر تلك الجماعات في البيئة البحرينية ومحاولة فرض سيطرتها على المجتمع البحريني.
تشير الرئيس السابق لجمعية الصحفيين البحرينية، إلى أنها لا يمكن أن تغفل صور قادة إيران وهي تُرفع في شوارع البحرين، ما يعكس أثر طهران المباشر وعلاقتها بتلك الجماعات، وأن المنامة وعصبة الدول الخليجية واجهت ذلك بشكل كبير على مدار سنوات كثيرة.
وتلفت عهدية السيد في حديثها لـ”الحل نت”، أن البحرين مستهدفة بصورة كبيرة من إيران عبر عدد من التنظيمات والجماعات، خاصة عندما استطاعت مؤسسات الدولة القبض على تنظيم باسم “حزب الله”، مؤكدة أن تعدد الأسماء والتنظيمات لا يعكس أبدا أي اختلاف في المضمون أو الأهداف بل جميعها تعمل لصالح إيران وخدمةً لأهدافها الاستراتيجية.
كما تختتم الكاتبة البحرينية حديثها بقولها: إن إيران تطمح دوماً في التمدّد داخل محيط دول الخليج العربي، وهذا حُلم تعمل عليه منذ سنوات عبر نشاط الجماعات التي تموّلها، ولن تكفَّ عن ذلك سوى بسقوط نظام ولاية الفقيه وتوجه واشنطن بعقوباتها المباشرة ضد هذا النظام.
مخاض “سرايا الأشتر”
وفق تقدير موقف سابق، فقد حشد “الخميني” كل إمكانيات الثورة التي قادها وشرع في العمل على تصديرها بين الطوائف الشيعية في المنطقة العربية والإسلامية، الأمر الذي صنع من المعارضة الشيعية في الفضاء الإسلامي صراعاً سياسياً، تجاوز الأيديولوجيا والهوية الدينية، عبر متغيرات الفعل السياسي الذي تطوّر عبر عقود الثمانينيات، وما تلاها، خاصة بعد سقوط العراق، وإعدام صدام حسين بقرارٍ من نوري المالكي، وأحداث ما عُرف بـ”ثورات الربيع العربي”.
والأخيرة فرضت مخاطر جيوسياسية في ضوء الصراع الذي احتدم في عدة مناطق من بينها اليمن وسوريا التي تحركت فيهما إيران عبر وكلائها المحليين، وتكفّلت بتأسيس العديد من الميليشيات والفيالق التي تلحق بتبعية “الحرس الثوري” الإيراني.
فظهرت جماعة “الحوثي”، وفي دمشق تعددت أسماء الميليشيات المسلحة التي تعمل ميدانياً وتفرض تغييرات ديموغرافية صعبة ومعقّدة في الداخل السوري وهو ما يجعل من المنطقة العربية عموما والخليج خاصة أمام مواجهة مُلحّة ومعقّدة أمام المخططات الإيرانية في إنجاز مشروعها القديم “الهلال الشيعي”، عبر العمل على إحكام السيطرة على مجالاتها الحيوية في الدوائر الإقليمية، مستفيدة من كافة المتغيرات التي تحيط بالشرق الأوسط وسيناريوهات المنطقة في الأفق المنظور.
“سرايا الأشتر” أو ما يعرف باسم “تنظيم المقاومة الإسلامية في البحرين”، تأسست خلال نهاية العام 2012 وبدايات العام 2013، وأخذت تسميتها من مالك الأشتر، وهو من أصحاب الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب.
فيما تهدف هذه الجماعة المحظورة إلى إسقاط نظام الحكم في البحرين بالقوة، هذا وقالت السلطات البحرينية في العام 2018، إنها تمكنت من تحديد هوية زعيمي “سرايا الأشتر”، وهما أحمد يوسف سرحان (26 عاما)، يقيم في إيران واسمه الحركي “أبو منتظر” وجاسم أحمد عبد الله، (39 عاما)، يقيم في إيران أيضا واسمه الحركي “ذو الفقار”.
بدوره يشير الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء محمد بن صالح الحربي، بقوله: من المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية أدرجتهم على قوائم الإرهاب عام 2018، وكان هناك سلسلة من الأشخاص معظمهم ذهب من هذه المنظمة التي بدأت في العام 2012، وارتكبت عمليات إجرامية وتفجيرات بهدف قلب نظام الحكم في البحرين ومقتل العديد من رجال الشرطة البحرينية في أعمال مظاهرات وتخريب.
وأضاف الحربي في تصريحاته التي خصّ بها “الحل نت”، أن تلك الميليشيا صدرت بحقهم عدة أحكام، ثم فرّ عدد كبير منهم إلى إيران، فضلاً عن تلك المعلومات التي أقرّت بتلقّيهم تدريبات داخل العراق، مما حدا بالخارجية البحرينية آنذاك استدعاء السفير العراقي ورفع احتجاج على تدريب هذه المنظمات والجماعات.
ويلفت الخبير السعودي إلى أن تدخل قوات درع الجزيرة في شهر آذار/مارس من العام 2014 إلى البحرين بعشرة آلاف جندي من قوات درع الجزيرة المنبثقة من مجلس التعاون الخليجي ساهم كثيراً نحو استقرار الحكم في البحرين من خلال القضاء على تلك المنظمات الإرهابية والتفجيرات التي أحدثتها في البحرين آنذاك. وكان وجود تلك القوات داعماً للقوات الأمنية البحرينية وحتى زوال الخطر.
الخبير الاستراتيجي، أكد أن إيران ما زالت تلعب بأذرعها بغية ممارسة الضغط على الولايات المتحدة الأميركية سيما مع أحداث “طوفان الأقصى”، وتصاعد منسوب العمليات الميدانية على أكثر من محور جميعهم يرتبط بطهران بشكل مباشر سواء من خلال “حزب الله” أو “الحوثيين” وكذا الميلشيات في العراق.
كما يلفت اللواء محمد بن صالح، إلى أنه وبعد مرور عام على التقارب السعودي الإيراني الذي جرى توقيعه خلال شهر آذار/مارس من العام الماضي، نجد أن دعم طهران لتلك الميليشيات المنتشرة في عدد من دول المنطقة ما زال متصلاً وممتداً سواء بدعم الأسلحة المتنوعة والمتعددة والتدريب على طريقة استخدامها.
معركة ممتدة
إذاً، نحن إزاء مشهد شديد التعقيد والإرباك مما يضع شكل وملامح المواجهة فيما بين إيران والدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية بالتحديد تأخذ صفة التدرّج والتمهّل خطوة خطوة على خلفية تطور مسار الأحداث وتفاعلاتها.
لا تستطيع أن تجزم بتطور مسار الأحداث في المنطقة، سيما وأن إيران نفسها تتباين درجة توجهها للميلشيات الخاضعة لها بسيولة الميادين أو ضبطها ويجري ذلك بمقادير، لم تعد منضبطة بالشكل الكافي مما يجعلنا ننظر للقرار الأميركي الأخير ضد قيادات “سرايا الأشتر” في نفس الاتجاه الذي يشي بكون المعركة ممتدة بين واشنطن وطهران، والأخيرة تراهن على الوقت والضغط على الولايات المتحدة في الجغرافيا الساخنة، فضلاً عن مشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال نهاية العام الحالي.
ويختتم اللواء الحربي، بوصفه القرار الأميركي الأخير ضد قيادات “سرايا الأشتر” البحرينية، أنه يأتي ليعكس سياسة واشنطن التي تعتمد مبدأ التدرج خطوة بخطوة فضلاً عن كون تراكم تلك القرارات مع بعضها أثّر يقيناً على أذرع إيران في المنطقة.
إيران دأبت على تكدير السلم العام في البحرين عبر عمليات العنف خلال العقود الأخيرة وفككت المنامة عشرات الخلايا وصادرت آلاف الأطنان من المتفجرات الخطيرة. فيما كانت أحداث الفوضى والعنف التي هزت عددا من دول المنطقة في العام 2011 فرصة مواتية لطهران أن تسعى نحو ذلك في البحرين عبر موجة الإضرابات التي عمت البلاد، وقتل فيها العشرات من رجال الأمن وتفخيخ عدد من السيارات وتفجير الممتلكات عامة.
من الصعوبة بمكان النظر والتدقيق صوب “سرايا الأشتر”، أو غيرها من التنظيمات التي عرفتها البحرين، سوى تنظيمات موّلتها ودرّبتها وصدّرتها إيران لجغرافيا دول الخليج بهدف توحيد صفوف تلك الميليشيات والتنظيمات واستنساخ تجربة “حزب الله” في لبنان بمثيل في المنامة امتثالاً لتعليمات “الحرس الثوري” الإيراني وتحقيقاً لأهدافها. غير أن المواجهات الأمنية والقضائية والميدانية التي عملت عليها المؤسسات البحرينية قوّضت ذلك النشاط المريب لعناصر وجماعات “الحرس الثوري” الإيراني.
- ماذا سيفعل ترامب بعد الفوز بالرئاسة؟
- “ناتو عربي” وإطفاء الحروب وتحالفات اقتصادية.. ما سياسات ترامب الجديدة؟
- مواجهات بين ميليشيا تابعة لـ “الحرس الثوري” وعشيرة الحسون في البوكمال.. والسبب؟
- “مقتل 4 من عائلة نصرالله”.. غارات إسرائيلية على عدة مناطق بلبنان
- شكران مرتجى تكشف عن مشروع مستوحى من شخصية “فريدة الأسعد”.. تفاصيل
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.