يبدو أن بلوغ المنسوب الآمن نحو الاقتراب من أمن الطاقة في العراق وإيران مسألة تستدعي الكثير من الإجراءات التي تعمل عليها الحكومة العراقية والإيرانية، خاصة في ظل المشكلات الفنية اللوجيستية بشبكة الكهرباء في العراق، وكذا نقص البنزين في إيران.
وعلى خلفية ذلك، نفّذ العراق عقداً جديداً يهدف إلى تسوية ديونه المستحقة لإيران البالغة 11 مليار دولار مقابل إمدادات الغاز الطبيعي ويتضمن هذا العقد مقايضة المنتجات العراقية المكررة بالغاز الإيراني.
ويأتي هذا الاتفاق بعد أن أوقفت طهران إمدادات الغاز إلى بغداد بسبب رفض العراق الدفع، وتفاقم ذلك بسبب العقوبات الأميركية على إيران. من جانبه صادق رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، على الصفقة التي تهدف إلى استئناف شحنات الغاز من إيران مقابل النفط الخام ومعالجة نقص الكهرباء الكبير في العراق خصوصاً خلال أشهر الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة ويزداد الطلب على الكهرباء.
دور خطير
أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، عن توقيع عقد لاستيراد الغاز من شركة الغاز الوطنية الإيرانية لمدة خمس سنوات. فيما ذكر بيانٌ للوزارة إن الوزير زياد علي فاضل، وقّع عقدٌ لتوريد الغاز من إيران بمعدل ضخ يصل إلى (50 مليون متر مكعب يومياً) وستكون هذه الكمية متفاوتة بحسب حاجة المنظومة.
وأضاف زياد: أن “ذلك يهدف لإدامة زخم عمل محطات الإنتاج ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية و ريثما يكتمل تأهيل حقول الغاز الوطنية و سدّ حاجة الكهرباء”.
في هذا السياق يشير الأكاديمي العراقي، عبد الناصر دريد، أن دور الاقتصاد العراقي في تمويل احتياجات إيران ينقسم إلى الرسمي وآخر غير رسمي، موضحاً لـ”الحل نت”، أن الدور غير الرسمي “هو الأخطر” إذ يتمثل في عملية تهريب العملة سواء إلى إيران أو إلى سوريا، ومن ثم إلى لبنان ومن خلالها إلى بقية الفصائل التي تتبع النهج الإيراني سواء كانت في اليمن أو بالنسبة لـ”حماس” في غزة غيرها من الجهات.
يلفت المصدر، أن هذا جانب خطير لطالما تغاضت الأطراف الدولية عن تعاظم هذا الدور في العامين الماضيين”. خلال السنة الماضية تنبّهت الولايات المتحدة إلى خطورة هذا الدور وبدأت بمحاولة التصدي له. بيد أنه من الصعوبة بمكان حسم القول بمدى نجاعة هذا التصدي بشكلٍ كامل لتلك العمليات غير أن تحركات واشنطن والقوى الدولية قلّصت منها إلى حدٍّ كبير.
أما بالنسبة للعلاقة في الجانب الرسمي، فهي تتمثل في عمليات الاستيراد المعتادة والمستمرة من قبل الجانب العراقي للبضائع والسلع الإيرانية وعلى رأسها وأهمها هي قضية الغاز الإيراني وأيضا الكهرباء.
إذاً، تصدير الطاقة الإيرانية للعراق يتمثّل في تصدير الغاز وتصدير الكهرباء وهذه كانت وسيلة في البداية انطلت على المجتمع الدولي والمجتمع الغربي؛ باعتبارها وسيلة مهمة لتصدير المنتجات الإيرانية المحاصرة أو المقاطعة من قبل الولايات المتحدة، وذلك عن طريق بيعها للعراق حيث يقوم الأخير باستهلاكها وأحيانًا ببيعها خارجيًا لصالح إيران. وهذه هي الفضيحة المعروفة تصدير النفط الإيراني عن طريق شركات عراقية.
اتفاقيات مشبوهة؟
يرجّح الأكاديمي العراقي، عبد الناصر دريد، أنه في زمن إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تم تفعيل آلية العقوبات وهددت كل دول العالم بضرورة مقاطعة البضائع الإيرانية والغاز والنفط الإيراني، بينما جعلت استثناءات معيّنة للعراق لكونه لا يستطيع الاستغناء بسبب ضعف الطاقة الإنتاجية.
إلا أنها وضعت ضوابط بحيث لا يتم الاستيراد بشكل مباشر، وكذا العوائد من عمليات الاستيراد لدى إيران ووضعها في حسابات خاصة للتأكد من صرفها في نواح إنسانية للشعب الإيراني.
ولهذا جاءت الاتفاقية الأخيرة كنوع من الالتفاف على العقوبات الأميركية، ولم يكشف حتى اللحظة موقف واشنطن من ذلك.
كشفت مصادر عراقية متطابقة أن هذا الاتفاق مدرج على جدول أعمال رئيس الحكومة العراقية في زيارته المرتقبة للولايات المتحدة الأميركية لمناقشته مع واشنطن، وحسم الموقف الأخير منه ما لم تعلن الإدارة الأميركية موقفها الحاسم من ذلك قبل الزيارة وتقطع كافة التكهنات بشأن سَرَيانها.
ثمة مؤشرات تلوح في الأفق صوب تعقيدات قد تسمح بتأمين نسخة آمنة لذلك الاتفاق، رغم أن اتفاق المقايضة بين العراق وإيران يهدف إلى تحقيق أمن الطاقة ومعالجة التحديات الاقتصادية ومشكلات إمدادات الطاقة الملحة.
الارتياب الخاص بشأن قابلية الاستمرار في هذا الاتفاق على المدى الطويل يتعلق بعمق التوترات الجيوسياسية والعقوبات الأميركية، سيما مع ضغوط إدارة موارد الطاقة في البلدين لتلبية احتياجاتهما الأساسية.
بدوره يشير الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور نبيل المرسومي، إلى أن العراق وإيران توصّلا إلى اتفاق جديد لتسوية ديون الغاز الإيرانية على العراق البالغة 11 مليار دولار. وبموجبه تقوم إيران بترشيح الشركات لتحميل المنتجات المكررة من المصافي العراقية.
وعندما تُباع تلك المنتجات، يدفع المشترون لإيران بدلاً من العراق، ويتم خصم المبالغ من ديون العراق بسبب عدم قدرة العراق على البيع مباشرة إلى إيران التزماً بالعقوبات الأميركية على إيران.
لكن مقابل الغاز الإيراني يبيع العراق لشركات يرشحها الإيرانيون وترخّصها إيران، وهذه الشركات بدورها تبيع المنتج نيابة عن الإيرانيين وتبلغ الإيرانيين بقيمة البيع وخصمها من ديون الغاز الإيراني. ويستورد العراق الغاز من خطوط الأنابيب التي تدخل محافظتي البصرة وديالى، ويذهب الغاز إلى عدة محطات لتوليد الكهرباء.
وفي المقابل، قامت وزارة الكهرباء العراقية بإيداع مدفوعات في حساب شركة الغاز الوطنية الإيرانية (NIGC) في المصرف التجاري العراقي (TBI) – لكن إيران لم تتمكن من إعادة تلك الأموال بسبب العقوبات الأميركية، بحسب وسائل إعلام محلية.
إذ يودع العراق أموالاً في هذه الحسابات المقيدة، ومن ثم تصدر هذه الإعفاءات التي تسمح باستخدام الأموال الموجودة في تلك الحسابات لأغراض إنسانية وأغراض أخرى لا تخضع للعقوبات، لكن الأموال نفسها لا تنتقل فعليًا من العراق إلى إيران.
مسار معكوس
ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الأميركية على علم بصفقة المبادلة الجديدة، والتي يبدو أنها تمنح إيران إمكانية الوصول إلى الأموال النقدية دون نفس القيود التي تفرضها آلية المصرف التجاري العراقي. وقد وقعت “سومو” خمسة عقود مع شركات رشحتها إيران لتلقي زيت الوقود عالي الكبريت (HSFO) الذي يستخدم كوقود للسفن مباشرة من المصافي في جنوب العراق.
وتمتلك الشركتان ملكية الشحنة في نقاط تحميل المصافي وتكون مسؤولة عن ترتيب النقل والتعاقد من الباطن مع شركتين عراقيتين. ويتم بعد ذلك نقل المنتجات بالشاحنات براً إلى إيران وإلى موانئ جنوب العراق لتصديرها.
مصدر برلماني تحدث لـ”الحل نت”، بقوله إن جملة من الأمور يتم مناقشتها مع المؤسسات المالية الأميركية سواء وزارة الخزانة أو البنك الفيدرالي بغية تسوية الديون العراقية لطهران، واستمرار تدفق الغاز الإيراني وتسبيل محطات الطاقة والكهرباء، لكن حتى الآن لم تجري هذه التسوية.
يتابع المصدر في حديثه لـ”الحل نت”، أن العراق يدفع الآن النفط مقابل هذه مقابل الأموال وهو مستمر في هذا الموضوع. إضافة إلى مجموعات التهريب التي تسيطر على الدولار. وتسيطر على الدولار وتقدم الحوالات والإقرارات الوهمية لتحويل هذا دولار إلى خارج العراق.
إن تسوية الديون في ظل وضع النظام الإيراني الذي يواجه عقوبات دولية أمر غاية في التعقيد انعكست هذه العقوبات على العراق، بسبب تهريب الفصائل التابعة إلى إيران. بعض هذه الأموال وبالأحرى معظمها وأيضًا خلال حوالات وهمية، لا يمكن إجراء تسمح حقيقة أو فعلية في ظل الإرباك المالي الحالي.
بل وأيضا لا يمكن أن يكون هناك أي حجم تبادل بهذه الضخامة بين العراق وإيران. يردف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، قائلاً: “أقصد حجم تبادل تجاري فعلي وليس حجم التبادل التجاري المعلن عنه ظاهريًا. إذ تبدو عمليات التبادل التجاري في صورتها الحالية عبارة عن عمليات التهريب مما يجعله أقرب للعمليات الوهمية”.
يختتم المصدر العراقي حديثه لـ”الحل نت”، أن تسوية الوضع المالي بين بغداد وطهران حرجة جدا بسبب كافة التناقضات والاشتباكات المعقدة سياسياً وأمنياً. وربما خلال الأيام القادمة ستبدو الأمور أكثر وضوحاً وسيُكشف هل ستستطيع بغداد تقديم تلك المليارات لطهران أم لا.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.