في الـ 18 من أيار/ مايو الجاري عرضت منصة خاصة تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي فيديو، يظهر فيه مذيع يرتدي زيّاً عسكرياً وخوذة ويقول إن الهجوم كان ضمن “السياق الطبيعي للحرب المشتعلة بين التنظيم والدول التي تحارب الإسلام”. ووفق تقرير مشترك لـ “واشنطن بوست” ومجموعة “سايت إنتلجنس” جاء هذا الفيديو معدّاً من أحد برامج الذكاء الاصطناعي، وليس واقعياً.

فقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن الفيديو جاء عبر برنامج News Harvest “نيوز هارفست”؛ وهو برنامج إعلامي جديد أُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي. وعلى إثر استخدام “داعش” للذكاء الاصطناعي، فقد أثار ذلك مخاوف العالم من تغيير قواعد اللعبة ونوعيتها، لأن الذكاء الاصطناعي يمنحه قدرات كبيرة بتكلفة منخفضة وجهد قليل للغاية، خاصة وأن “سايت إنتليجنس” التي تتّبع الحركات الإرهابية على الإنترنت، مع “واشنطن بوست”، فإنه منذ شهر آذار/ مارس الفائت، قدّم “نيوز هارفست” رسائل فيديو شبه أسبوعية، تعرض فيه عمليات التنظيم الإرهابي حول العالم.

“داعش” واستخدام التكنولوجيا

تدرك الجماعات الجهادية الدور المحوري لوسائل الإعلام في صناعة محتواها وتحقيق شعبية عريضة لها، فمن الناحية التنظيمية، فإن الإسلاموية المتطرفة التي لجأت إلى العمل المسلح تعتمد بشكل أساسي على ثلاثة هياكل رئيسية؛ أولها الجناح العسكري، ومعنيٌّ بالعمل والمهام القتالية، وثانيها الجناح الشرعي، ويختص بوضع الإطار الديني وإصدار الفتاوى، والثالث هو الجناح الإعلامي، المعني بتقديم هذه الجماعات لدى الجماهير وبناء شعبية لها.

الواقع أن الاستراتيجية الدعائية للجماعات المتطرفة تنبني على الفيديو والصورة في المقام الأول- “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”

ومن خلال البناء التنظيمي للجماعات الإرهابية المسلحة يظهر مدى إدراكها للبُعد الإعلامي، وجعله أحد أركانها التنظيمية الثلاثة (رفيق للتسلح وللدعوة الدينية)؛ لذا ما كان منها أن توفّر جهداً في استخدام تكنولوجيا العالم الافتراضي في ترويج خطابها وبناء شعبيتها، أو أي تكنولوجيا جديدة تظهر.

وفي خصوص الاستخدام التّقني والاطلاع على التطورات التكنولوجية يقول المدير التنفيذي لـ”معهد الدراسات المستقبلية”، محمد شهاب الإدريسي في دراسة له عن خطاب التطرف والإرهاب في الفضاء الرقمي: “خصائص عمل المتطرفين على الإنترنت تقنياً متطورة ومواكبة للعصر، وتعتمد على الصورة وعلى الفيديو. فقد ولّى ذلك الزمن الذي كان فيه التكفيري يقرأ لأبي الأعلى المودودي ولشكري مصطفى ثم يصبح إرهابياً”.

والواقع أن الاستراتيجية الدعائية للجماعات المتطرفة تنبني على الفيديو والصورة في المقام الأول، مطعّماً ببعض المقولات بطبيعة الحال، ويُعد هذا انتباهاً من الجماعات المتطرفة لآليات الاستجابة المعاصرة وأدوات الدعاية وهو ما ينبّئ عن اهتمامها وتفانيها في نشر أفكارها. لذا كان لها من النجاحات المعروفة على أرض الواقع، فقد نجحت في بناء شعبية لها وتجييش الجموع في العديد من الأحيان.

وتعتمد جماعة “داعش” الإرهابية على الإعلام بصورة كبيرة لبناء شعبية لها وتجييش الجموع، وقد كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لتنظيم “داعش” بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2012، و”داعش” أول من أنشأ وزارة للإعلام تعمل على إدارة وسائل إعلامية على الإنترنت والعالم الافتراضي، وعرضت بياناتها ومستجداتها عبر منصتي “شبكة شموخ الإسلام” و”منتدى الاعتصام”، وكان لها بناء تنظيمي للإعلام يعمل على أهداف محددة ويرسم المخططات للوصول إليها.

وحسب دراسة منشورة بـ المركز الديمقراطي العربي بـ برلين أعدتها الباحثة: نورا بنداري عبد الحميد فايد تقرّ بـ”أن 80 بالمئة من عمليات التجنيد الآن تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بينما 20 بالمئة فقط يتم داخل السجون أو المساجد”. فقد نجح تنظيم “داعش” في أن يقدّم نفسه كقوة قاهرة من دون أي خوف من خلال مواقعه الإلكترونية وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، واهتم ببناء هذه الصورة وذلك من خلال عرض عمليات قطع الرؤوس أثناء حدوثها.

ويمثّل الإنترنت وتقنيات العالم الافتراضي وسيلة ذات أهمية حاسمة في العمليات اليومية للجماعات الجهادية خصوصا تلك المرتبطة بحركة الجهاد العالمي. حيث زوّد الإنترنت الحركات الإرهابية المتطرفة بمنصة تعطيها إمكانية التجنيد والدعاية، وتمكّنهم من التواصل عبر العالم بعدما كانوا مجموعات متفرقة يعزّ عليها التجمع والالتقاء، وهو ما عزّز وسائل النمو الإيديولوجي وتبادل الأفكار، باعتبار أن التواجد الجهادي على الإنترنت يمثّل العقل المادي لحركة الجهاد العالمية، فبغير الإنترنت تُعد الجماعات الإرهابية مجموعة من الخلايا المتفرقة والمعزولة عن نطاق واسع من الحياة.

“استخدام الذكاء الاصطناعي بالنسبة لداعش، يعني تغيير قواعد اللعبة، حيث سيكون الذكاء الاصطناعي أداة تجعله سريع للانتشار، ويساعدهم على نشر هجماتهم الدموية في كل ركن من أركان العالم تقريباً”.

الباحثة والمحللة في الإرهاب والجماعات الجهادية، ريتا كاتز، المشاركة بمجموعة “سايت أنتلجنس”

ومن خلال المعهود من الحركات الإرهابية من اطلاعها على أحدث الوسائل التكنولوجية واستخدامها لأغراضها، يُعد الخوف العالمي اليوم من استخدام “داعش” للذكاء الاصطناعي أمر مفهوم، فلا تترك التنظيمات الإرهابية تطوراً إلا واستخدمته، ويُعد استخدام الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية خطيرة في وسائل تنظيم “داعش” وقدرته على الانتشار والتجنيد، وهي كبرى المخاوف العالمية المعاصرة، لأنها تسعى لتقويضه وإنهائه.

“داعش” واستخدام الذكاء الاصطناعي

حسب ما أعلنت الباحثة والمحللة في الإرهاب والجماعات الجهادية، ريتا كاتز، المشاركة بمجموعة “سايت أنتلجنس”، فإن برنامج “نيوز هارفست” الذي أنشأه تنظيم “داعش” الإرهابي “يمثّل ظهور الذكاء الاصطناعي كأداة دعاية مهمة، مع اكتساب الشركات التابعة لتنظيم “داعش” القوة، والواقع أنها تعبّر عن طفرة في الإمكانيات من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، وكذلك يعطي مؤشراً حول استعداد هذه المنظمات وجاهزيتها لاستخدام التكنولوجيا أولٍ بأول، ويعبّر عن قدرة هذه التنظيمات.

هذا ما جعل ريتا كاتز، تقول بإن: “استخدام الذكاء الاصطناعي بالنسبة لداعش، يعني تغيير قواعد اللعبة، حيث سيكون الذكاء الاصطناعي أداة تجعله سريع للانتشار، ويساعدهم على نشر هجماتهم الدموية في كل ركن من أركان العالم تقريباً”. وشغل العالم السؤال حول استخدام التنظيم للذكاء الاصطناعي وقدرته على تغيير قوانين اللعبة.

وبالسؤال حول استخدام “داعش” للذكاء الاصطناعي وقدرتها على تغيير قوانين اللعبة أجاب الباحث المصري في شؤون الجماعات الجهادية أحمد سلطان لـ”الحل نت” قائلاً: لم يطوّر “داعش” حتى الآن تقنيات ومعرفة دقيقة خاصة بمجال الذكاء الاصطناعي، وإن كان هناك بعض المؤسسات شبه رسمية داخل التنظيم تعمل على الاستفادة من أي تطور تكنولوجي لخدمة أغراض التنظيم، ولكن السؤال عن وجود تكنولوجيا معقّدة وتطور معقّد في الذكاء الاصطناعي يكون بإمكانه تغيير قوانين اللعبة حتى الآن، فالإجابة لا، بل التنظيم يستخدم السورسات المفتوحة، ويتم استخدام التكنولوجيا المحدودة نسبياً في بعض الهجمات أو الأنشطة سواء الدعائية أو ما إلى ذلك.

والتنظيم حتى الآن لم يراكم خبرة كافية في استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه، ولكن لا يمكن الجزم بأن هذا هو حال المستقبل؛ فهناك العديد من التطورات التكنولوجية التي يمكن أن تخدم تنظيم “داعش”، والواقع أن التنظيم يسعى بكل جهده إلى توظيف كافة التقنيات المتاحة، ويحاول أن يراكم الخبرات حول المجالات التقنية من الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات، ليتمكن من استخدامها وتطويرها في المستقبل، فإذا كان الحاضر مضموناً فالمستقبل ليس كذلك. هذا ما أضافه سلطان في الحديث حول تغيير قوانين اللعبة.

وإذا كان “داعش” اليوم حسب سلطان لا يملك الخبرة الكافية في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمكّنه من تغيير قوانين اللعبة، فإن خوضه مثل هذا المجال، لا يمكن التنبؤ بنتائجه المستقبلية، وهذا ما يجعل العالم في حالة ترقّبٍ وخوف لها ما يبررها من تاريخ الجماعات الإرهابية من جرائم واستخدامها للتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي علامة فارقة في التاريخ المعاصر، ومن الضروري أن يكون له تأثيرٌ كبير غير مأمون العواقب إذا ما تم استخدامه من قِبل الجماعات الإرهابية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات