في خطوة لافتة للنظر، أعلنت السعودية أمس الأحد، عن تعيين السفير الدكتور فيصل بن سعود المجفل، وهو شخصية عسكرية وسياسية بارزة، كسفير للمملكة في دمشق، هذا التعيين يأتي بعد أشهر من استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مما يطرح تساؤلات حول الرسالة التي تريد السعودية إرسالها من وراء هذا الاختيار.

فالمجفل، الذي تقلّد منصب لواء في الجيش السعودي، ينتمي إلى الجناح العسكري المتشدد في المملكة، ما يثير التساؤلات حول حقيقة نوايا السعودية في سوريا. فهل تنوي المملكة لعب دور أكثر نشاطٍ في الشأن السوري، أم أنها تسعى إلى إرسال رسالة تحذيرية إلى جميع الأطراف المعنية؟

هذا التعيين يأتي في ظل مرحلة جديدة من العلاقات السعودية – السورية، بعد سنوات من القطيعة والتوتر، حيث في أيار/مايو الجاري، وتحديدا خلال أعمال القمة العربية في البحرين، كان الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد السعودي التقى الرئيس السوري، بشار الأسد.

رفع مستوى العلاقات

منذ انطلاق الاحتجاجات السورية في عام 2011، اتخذت المملكة العربية السعودية موقفاً حازماً تجاه الحكومة السورية، إذ قطعت العلاقات معها وطالبت بضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، كما قدمت الدعم لبعض تيارات المعارضة السورية.

فيصل بن فرحان يستقبل وزير خارجية النظام فيصل المقداد في الرياض (واس)

لكن في مطلع العام الماضي، شهد الخطاب السعودي العلني تحوّلات ملفتة، تجلت سيما مع وقوع الزلزال المدمر في شباط/فبراير من العام المنصرم في سوريا والبلدان المجاورة. ففي مفاجأة لم تكن متوقعة، بادرت المملكة لأول مرة بإرسال مساعدات إلى مناطق خاضعة لسيطرة الجيش السوري عبر طائرات هبطت في مطارَي حلب ودمشق.

في تطور لافت آخر، قررت السعودية وحكومة دمشق استئناف بعثاتهما الدبلوماسية في الرياض ودمشق العام الماضي، بعد أكثر من عقدٍ على إغلاق السفارات بين البلدين، على خلفية استمرار الرئيس الأسد في قمع الاحتجاجات السورية والتسبب في مقتل آلاف المواطنين.

وفقًا لتصريحات رسمية صادرة عن الجانبين، أعلنت الخارجيتان السعودية والسورية بشكل منفصل عن استئناف بعثاتهما الدبلوماسية في الرياض ودمشق. وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام فقط من قرار “جامعة الدول العربية” بإعادة مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعاتها المختلفة، بعد 12 عاماً من تجميد عضويتها.

ففي شهر مايو/أيار الماضي، أعلنت حكومة دمشق استئناف عملها الدبلوماسي في المملكة، كما أعادت افتتاح سفارتها في الرياض وعيّنت نائب وزير خارجيتها، أيمن سوسان، سفيراً لها هناك.

وفي تصريح لافت، قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، عقِب لقائه بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان: “لدينا القرار من أعلى القيادتين في سوريا والسعودية بأن نسير نحو التقدم ولا عودة إلى الوراء”. مؤكدًا بذلك الإرادة المشتركة للبلدين في تطوير علاقاتهما.

وبعدها قام الرئيس السوري بشار الأسد، بزيارة المملكة العربية السعودية للمرة الأولى خلال انعقاد قمة القادة العرب في السعودية في الشهر نفسه.

تعيين لواء عسكري سفيرا!

المملكة السعودية واصلت خطواتها لإعادة فتح قنوات التواصل مع الحكومة السورية، حيث كشفت وكالة الأنباء السعودية “واس” عن تعيين دبلوماسي جديد في دمشق.

ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان آل سعود (يسار) يصافح الرئيس السوري بشار الأسد في حفل ترحيبي قبل انعقاد القمة العربية الثانية والثلاثين في جدة، المملكة العربية السعودية، 19 مايو 2023. (وكالة الأنباء السعودية)

ففي إطار التطورات اللافتة في العلاقات بين البلدين، عيّنت المملكة الدكتور فيصل المجفل سفيراً لها في سوريا. وهو أول سفير يتم تعيينه منذ أن استأنفت السعودية فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، وعيّنت من قبل القائم بأعمال السفارة السعودية عبد الله الحريص ممثلاً لها هناك.

المجفل، هو شخصية سياسية وعسكرية سعودية متميزة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في كلية العلوم السياسية، وتابع دراساته العليا حتى نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة الملك سعود.

إضافة إلى خلفيته الأكاديمية، يتمتع الدكتور المجفل بخبرة عملية في المجال الدبلوماسي، حيث عمل سفيرًا للمملكة لدى دولة الكاميرون، قدم خلالها نسخة من أوراق اعتماده إلى الوزير المُنتدب المكلّف بالتعاون مع دول الكومنولث في شباط/فبراير الماضي.

إلا أن اللافت، هو أن السفير السعودي الجديد في سوريا، يشغل رتبة لواء في القوات المسلحة السعودية، حيث تمت ترقيته إلى هذه الرتبة في العام 2019، مما يؤكد على خبراته العسكرية والأمنية التي ستعزز من دوره الدبلوماسي في سوريا.

تعيين السفير السعودي الجديد في سوريا، جاء بعد أيام من إعلان حكومة دمشق، استلمها من السعودية – عبر البحرين – معدات وقطع تبديل لصيانة الطائرات المدنية، استعداداً لاستخدامها في موسم الحج، إذ يعاني الطيران السوري من تهالك أسطوله بسبب العقوبات المفروضة عليه.

موقع “نورث برس” المحلي، عن مصدر عامل في قطاع “الطيران السوري”، أن “معدات صيانة وقطع تبديل وصلت إلى البلاد مقدمة من العاهل السعودي عن طريق البحرين”.

وأضاف أن “فنيين من مطار القامشلي وصلوا إلى مطار دير الزور لصيانة طائرات معطلة منذ أعوام في سباق مع الزمن لتكون جاهزة للإقلاع قبل موسم الحج”.

ثقة غير متبادلة؟

بالعودة إلى دلالات تعيين شخصية عسكرية سعودية سفيرا للمملكة في دمشق، ذكرت مصادر دبلوماسية عربية، أن هذه الخطوة لها دلالات عميقة خصوصا أن الرياض ما تزال لا تثق بدمشق، سيما وأن طهران تعتبر العصب الرئيسي في سوريا.

اللجنة الدستورية السورية الرياض السعودية المعارضة السورية روسيا بشار الأسد موسكو جنيف
بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت بمدينة جدة بالسعودية – إنترنت

بعد فتح العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الرياض أوفدت بعثة دبلوماسية إلى دمشق للعمل على وضع اللمسات الأخيرة لافتتاح مكتبها القنصلي في أحد فنادق العاصمة دمشق. وبحسب صحيفة “الوطن” المحلية آنذاك؛ فإن ذلك سيستمر لحين الانتهاء من ترميم مبنى السفارة. 

الفنيين السعوديين كانت مهمتهم تفتيش دقيق للمباني المخصّصة للبعثات الدبلوماسية السعودية، استعداداً لإعادة افتتاحها. وهذه الخطوة كانت بتعليمات عسكرية.

القائم بأعمال السفارة السعودية، عبد الله الحريص، اتخذ هو وعدد من الدبلوماسيين وهم غازي رافع العنزي، وجابر العبدلي، ومبارك المالكي من فندق “فورسيزونز” مقرّا مؤقتا، لقربه من مقر السفارة السعودية، وللإشراف على تجهيز مقر السفارة في حي أبو رمانة الدمشقي، ومبنى القنصلية في حي المزة.

وفق حديث المصادر الدبلوماسية لـ”الحل نت”، فإن السعودية رفضت العودة إلى مبنى القنصلية في المزة وأرادت استبداله، حيث قدّمت معلومات أن خبراء من “الحرس الثوري” الإيراني، كانوا قد استخدموا مقرّ القنصلية في السنوات السابقة، وأن منطقة المزة تتعرض لقصف مستمر بسبب وجود إيرانيين فيها.

كذلك، فإن تعيين المجفل جاء مخالفا لما تمنته دمشق، إذ طرحت الأخيرة اسم عبد الله بن عبد العزيز العيفان كسفيرٍ مرحّبٍ به في سوريا، وهو آخر سفير للمملكة شغل المنصب في سوريا، إلا أن الرياض علقت الموضوع طيلة الفترة السابقة.

من المواجهة إلى التهدئة

يحمل تعيين جنرال عسكري في منصب السفير السعودي في دمشق تداعيات مهمة على الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة. ويعكس هذا القرار من قبل المملكة العربية السعودية تحوّلاً استراتيجياً في نهجها تجاه سوريا وعلاقتها مع الأسد.

نائب وزير الخارجية السعودي (يمين) لدى استقباله وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في مطار جدة (مواقع التواصل)
نائب وزير الخارجية السعودي (يمين) لدى استقباله وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في مطار جدة (مواقع التواصل)

أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التعيين، وفقا لحديث الخبير في الشؤون السياسية، محمد عبيد، هو عدم ثقة الحكومة السعودية بحكومة دمشق ومخاوفها المستمرة من الوجود الإيراني في سوريا. كما أن قرار رفض العودة إلى مبنى القنصلية السعودية في المزة، والرغبة في استبداله، مؤشّرٌ واضح على حذر السعودية. فالتقارير الاستخباراتية التي تشير إلى استخدام “الحرس الثوري” الإيراني لمبنى القنصلية سابقاً، بالإضافة إلى القصف المستمر على منطقة المزة بسبب وجود القوات الإيرانية، قد دق أجراس الإنذار في الرياض.

ومن خلال تعيين لواء عسكري كسفير لها، يرى عبيد في حديثه لـ”الحل نت” ترسل السعودية رسالة واضحة حول الأهمية إعطاء الأولوية للاعتبارات الأمنية والاستراتيجية على المعايير الدبلوماسية التقليدية، فضلا عن رغبة السعودية بالدخول في الملف السوري والتسوية المستقبلية.

أيضا، فإن تعيين لواء عسكري كسفير لها، يرجّح عبيد أن السعودية تسعى على الأرجح إلى تعزيز قدراتها على جمع المعلومات الاستخباراتية وتعزيز قدرتها على مراقبة الأنشطة الإيرانية في سوريا والتصدي لها. 

كما أن الخلفية العسكرية للسفير يمكن أن توفر أيضاً نهجاً أكثر قوة وحزم في التعامل مع حكومة دمشق، خصوصا أنه قُبيل اجتماع القمة العربية في البحرين، أرسلت اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا، رسالة إلى الأسد، للتوقيع على ورقة المتطلبات العربية من دمشق، كتعبير منه على الالتزام بتنفيذ هذه المتطلبات.

لكن وبحسب تصريحات وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، رفض الأسد التوقيع على هذه الورقة، وهذه دلالة على أن الأسد يريد استمرار الاجتماعات مع الدول العربية وجعلها أحاديث ومداورات دون التزام رسمي بمخاوف جيرانه، وإن الفشل أول المستفيدين منه إيران التي تعمل ليل نهار لصناعة سوريا جديدة طائفياً وميدانياً وسياسياً حتى يتحوّل النظام فيها إلى عنصر ليس حاسما في إدارة الواقع ولا صناعة المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات