تعد الأمثال الشعبية جملة من الخبرات الاجتماعية المورثة جيلاً عبر جيل، كما أنها أحد المكونات الثقافية التي يتم الحفاظ عليها ويعاد إنتاجها وتوظيفها من خلال التنشئة الاجتماعية، فالأمثال الشعبية تتسم بنوع من القدسية والديمومة باعتبارها تجسد خبرات الأولين، أما العبر التي استخلصوها من تجاربهم الحياتية فهي تعد منهجاً لا يجب الحياد عنه أو التشكيك فيه لأنه مقياس اجتماعي ومقوم سلوكي ناهيك على أنه آلية هامة من آليات الضبط الاجتماعي.
وقد عرف الكاتب التونسي محمد المرزوقي الأمثال بأنها “عبارة عن حكم جمعت في تعابير تمتاز بالإيجاز والبلاغة والتذوق، وهي تدخل في جميع مظاهر الحياة. فهناك أمثال تخص التعامل اليومي بين الناس، وأخرى تخص التربية والأخلاق التي تواضع عليها المجتمع، ومن بلاغتها وحسن صوغها يسهل على الإنسان حفظها وتتعلق بالذهن بمجرد سماعها لأنها تدل على حقيقة من حقائق الحياة الثابتة التي لا تتغير، فهي صالحة لكل زمان ومكان لأنها نتيجة تجارب اجتماعية أو فردية، وهي خلاصة حقائق حضارة المجتمع الإنساني، أي أنها تكاد تكون حقائق إنسانية شاملة”.
أما التنشئة الاجتماعية فهي مجموعة من العمليات (التعليم، التربية، بناء ذاكرة جماعية…)، هدفها اكساب الفرد جملة من المعايير والضوابط السلوكية التي نظمتها الجماعة للقيام بأدوار اجتماعية معينة، وبالتالي يصبح الفرد في ظل التزامه بهذه المعايير امتداداً فعلياً لثقافة مجتمعه، وهذا ما يتجلى تباعاً من خلال تمثل صورة المرأة في المجتمعات العربية أو لنقل بشكل أوضح في المجتمعات الأبوية.
أمثال شعبية تقزم المرأة
ترتكز الأمثال الشعبية على الصورة عامة والتي هي في الأساس تجسد رمزية البناء الذهني للأفراد، وترتبط هذه الرمزية من خلال استنباط الإرث الاجتماعي كامن في اللاوعي، ومن بين هذه الصور نجد حيزاً كبيراً لصورة المرأة وتجليها في هذه الأمثال. ورغم التطور الاجتماعي والثقافي للشعوب إلا أن هذه الأمثال تعد مرجعية أساسية في تشكيل الرأي والمواقف، وعادة ما تكون صورة المرأة فيها تتسم إما بالثانوية أو الدونية، وكأنها بلا قيمة في المجتمع وهذا حقيقة ما انعكس فعلياً على الممارسات الاجتماعية للشعوب العربية على الرغم من المستوى الذي وصلت إليه المرأة اليوم.
إلا أن المرأة في نظر مجتمعها كرواية بلا عنوان، وطبعاً نلاحظ وجود تلازماً حثيثاً بين الأمثال الشعبية والأعراف والتقاليد الاجتماعية، في رسم ملامح الصورة النمطية للمرأة وفقاً لأدوارها الاجتماعية، بمعنى أمثلة تخصها كزوجة، وأخرى كإبنة، وأخرى كحماة، وحتى كعشيقيه… وجل الأمثال إن لم نقل كلها ترسم ملامح الصورة النمطية السلبية للمرأة وتجذرها صلب الموروث الاجتماعي فتصبح بذلك مرجعية فكرية وممارساتية مبررة اجتماعياً.
لذلك تقدس المجتمعات العربية ولادة الذكر على حساب الأنثى فمثلاً في مثل شعبي تونسي يقول “إلي جاب ولد جاب سند وإلي جاب بنية (فتاة) ظهرو تهد”، وفي مثل تونسي آخر نجد “الولد عمارة والطفلة خسارة“ بمعنى أن الذكر امتداد واستمرار وأن الفتاة خسارة لأهلها.
وفي نفس السياق نجد أمثال شعبية مصرية مثل “لما قالو دا ولد… انشد ظهر أمه وانسند، ولما قالو دي بنية… انهدت الحيطة علي”، وكذلك “أم الولاد نجابة وأم البنات نحابة“، أما في بلاد الشام فنجد “أم البنت مسنودة بخيط وأم الصبي مسنودة بحيط “، وربما هذا الإرث الاجتماعي الذي كرستها المنظومة الثقافية في أهمية الذكور على الإناث حذا بالمجتمع إلى اعتماد رمزية الوأد وما نقصد أن الفتيات في عهد الجاهلية كن يؤودن تحت التراب ولكن في المجتمعات أصبح الوأد رمزياً من خلال الصور الإقصائية للمرأة ففي مثل شعبي تونسي نجده يقول “بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف” وفي نفس السياق نجد “لا تقرّي بنتك ولا تندم على العاقبة“ بمعنى الفتاة لا يجب أن تتعلم حتى لا تستنير وتصبح متمردة على زوجها ومجتمعها ولا تسكنها في غرف فارهة حتى لا تعتاد الراحة لأنها خلقت للكد والعمل.
تمتاز العديد من الأمثال الشعبية العربية بترسيخ ظاهرة العنف على اعتبار أنها ممارسة عادية بل وجوبية في إطار التربية السليمة للإناث، وهي ممارسة مبررة اجتماعياً وثقافياً.
كذلك نجد أمثال تكرس الإذلال والتحقير لشخص المرأة مثل “هم البنات للممات“ وتقريباً نجد هذا المثل في كل الدول العربية، كما نجد أيضاً تشبيه النساء بالحيوانات كمثل “عقربتان على الحيط ولا ابنتين في البيت“، “صوت أفعى ولا صوت بنية“، أما في مثل تونسي فنجد “دورانك في البحر رياسة، ومعرفتك في الرجال كنوز، ومعرفتك في النساء نجاسة من الصبية للعجوز“.
هذه الأمثال الشعبية تكرس لدونية صورة المرأة في المجتمع العربي وبالتالي كل آليات الإقصاء مباحة ناهيك أيضاً عن الأذى النفسي فهي “العالة” وبؤرة الشرور وهذا ما وضحناه سابقاً في أحد مقالاتنا على موقعنا “الحل نت”.
ومن الأمثلة التي تجسم التفرقة الواضحة بين الذكر والأنثى نجد مثل “دلل ابنك بيغنيك ودلل بنتك بتخزيك“، وفي مصر قالوا قديماً “يا أبو البنت ما تعوزها مسيرها لبيت جوزها”، ويوجد مثل شعبي يتم تداوله وفيه إهانة كبيرة للمرأة وهو “النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان”، في نفس السياق نجد المثل المغربي والقائل “المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس“، والمثل التونسي أيضاً “كيد راجل كيدين وكيد النساء 16“ وكلا المثالين يشيران إلى خبث النساء والدعوة إلى عدم تصدقيهن باعتبارهن مصدر الغدر.
كما تحمل الأمثال الشعبية مسؤولية التنشئة الاجتماعية للأم فصلاحها من صلاح الأم وهو ما يجسمه المثل الشعبي القائل “كب الطنجرة على فمها تطلع البنت لأمها“، رغم أن حقيقة المثل عكس هذا لأنه يجسد ثقافة المجتمع آنذاك حيث كان من المعيب أن يسمع صوت المرأة فكانت النساء عند طلوعهن لسطح المنزل لنشر الغسيل أو نشر المونة أو غيرها من الأعمال الأخرى، يقلبن طنجرة قديمة على فمها ويطبلن عليها فتفهم البنت أن والدتها بحاجة للمساعدة فتطلع للسطح، لكن المخيال الشعبي رسخ فكرة أن أخلاق البنات من أخلاق الأم وبالتالي هي مسؤولة عن أي خلل وظيفي.
وهذا ما أشار إليه المفكر اللبناني، مصطفى حجازي بقوله: “يكمن دور هذا الاستلاب باعتبار المرأة هي المسؤولة عن التنشئة المبكرة واللاحقة للأطفال، فعند اقتناعها بالنّظم الاجتماعية مجملة تستطيع نقلها لأبنائها وهنا تكمن وظيفة هذا الاستلاب باعتبار المرأة قناة وصل مهمة في نقل الثقافة، بضرورة اقتناعها بمجمل أساسيات هذه الثقافة. إن الموروث الشعبي ذو قوة تأثيرية قوية في ترسيخ العادات والتقاليد، والذي ليس من السهل تغييره إلا على المدى الطويل والمراحل المتدرجة والانتقالية إلى مجتمع مرن أكثر”.
هذا وتمتاز العديد من الأمثال الشعبية العربية بترسيخ ظاهرة العنف على اعتبار أنها ممارسة عادية بل وجوبية في إطار التربية السليمة للإناث، وهي ممارسة مبررة اجتماعياً وثقافياً ومن بين هذه الأمثلة نجد المثل السوري والقائل “النسوان متل الزيتون ما بيحلو غير بالرص“، وكذلك نجد أيضاً المثل القائل “إذا بدك مرتك تلين عليك بحطب التين” بمعنى كل ما كان الرجال قساة مع النساء كلما كن أكثر طواعية، كما ترسخ بعض الأمثال الشعبية فكرة تقبل النساء لظاهرة العنف ضدهن كالمثل القائل “الي صبرت دارها عمرت” بمعنى من تصبر على أذى زوجها وتتقبله تصبح آمنة من الطلاق، وهذا المثل الشعبي يجسم حجم المعاناة التي يتعرضن لها النساء المعنفات اللواتي لا يجدن دعما من أسرهن واللاتي يرزحن تحت الوصم الاجتماعي الذي يطالهن في صورة رفضهن العنف الممارس ضدهن.
أمثال شعبية تعزز صورة المرأة
رغم وجود العديد من الأمثلة الشعبية التي توحي بدونية صورة المرأة في المجتمعات العربية إلا أن الذاكرة الجماعية تفضلت بمنح صورة تتسم بالإيجابية ظاهراً ولكن الحقيقة هي تتسم بالاستغلال والنفعية باطناً وهو ما سنتبينه تباعاً، فنجد مثلاً المثل القائل”اللي خلف البنات ما مات” وكذلك نجد “اللي ما عندو أنثى ما ابكاو عليه”، أي الذي أنجب البنات لم يمت وهنا نجد تصوراً عاطفي لقوة العلاقة بين الأب وبناته اللواتي يحافظن على صورته حتى بعد موته.
رغم دونية صورة المرأة مقارنة بالذكر في الكثير من العوائل العربية إلا أنهن يتحملن مسؤولية أمهاتهن وآبائهن ويقمن بكافة أعبائهن رغم إعفائهن بهذا التكليف دينياً واجتماعياً.
أما في المثل الثاني فنجد أن الذي ينجب بنات فلا داعي لأن يحزن عليه لأن بناته سيقمن بتأبينه، أما فيما يخص الأم فهناك مثل تونسي يقول “سعد اللي عندها بنية، منها أميمة ومنها وخية” بعنى محظوظة من أنجبت فتاة فهي الأم والأخت لوالدتها، فهي معينتها على أعباء الحياة وخاصة منها المنزلية وهنا تتجلى الصورة النفعية من وجود فتاة في المنزل وهو ما نلمسه في الأمثال الشعبية التالية “اللي ما عندها بنيّة مين يسقيها المية؟”، “لما قالوا لي دي بنية قلت الحبيبة تغسل ليا وتطبخ ليا وتملى لي قلل المية”، وهنا استثمار تقيدي لتقسيم الأدوار من منطلق جندري، فاجتماعياً الحظوة والامتداد العائلي والإرث يكون لذكر والذي من مهام الاعتناء بوالديه عند الكبر لأنها المسؤولية التي فرضتها عليه القيم الدينية والمجتمعية.
لكن العكس هو الصحيح فرغم دونية صورة المرأة مقارنة بالذكر في الكثير من العوائل العربية إلا أنهن يتحملن مسؤولية أمهاتهن وآبائهن ويقمن بكافة أعبائهن رغم إعفائهن بهذا التكليف دينياً واجتماعياً خاصة إذا كن متزوجات، وتداول هذه الصورة واستفحالها في المجتمع قد غير من المواقف الأسرية بخصوص دور وقيمة الفتيات صلب عوائلهن، وأصبح إنجاب فتاة أهم من إنجاب الذكور.
كما أن تشيع البنات على التعليم وضمان مستقبلهن بات من أهم واجبات الأسر تجاه بناتهن، فاليوم باتت النظم الاجتماعية تتغير وبالتالي التصورات والتمثلات الاجتماعية تتغير، فالفتيات اليوم بتن يشكلن حماية نفسية واجتماعية لأسرهن، وهنا نختم بالمثل التونسي القائل “سعد اللي عندها زًوْزْ، فُسْتُقْ ولُوْزْ” بمعنى محظوظة من أنجبت بنتين فهما غاليتين وحلوتين مثل المكسرات.
- حماة تدخل بوضع جديد.. وحراك سياسي دولي بعد التطورات في سوريا
- تبعات “ردع العدوان” تظهر في دمشق ودير الزور.. ماذا جرى؟
- وسط انهيار كامل للجيش السوري.. فصائل المعارضة تتقدم في ريف حماة
- دمشق تتواصل مع السعودية ومصر وهذه آخر التطورات الميدانية بحلب
- “ردع العدوان”.. ما هي الأسباب التي أدت إلى التقدم السريع للمعارضة؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.